يشهد ملف الحقوق والحريات في العالم العربي وعلى الرغم من الشعارات والاصلاحات المعلنة التي ترفعها الحكومات العربية، تراجع كبير بسبب هيمنة بعض الحكام على مصدر القرار والعمل على اقصاء الخصوم بشتى الوسائل، ويواجه العديد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني...
يشهد ملف الحقوق والحريات في العالم العربي وعلى الرغم من الشعارات والاصلاحات المعلنة التي ترفعها الحكومات العربية، تراجع كبير بسبب هيمنة بعض الحكام على مصدر القرار والعمل على اقصاء الخصوم بشتى الوسائل، ويواجه العديد من المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني وكما نقلت بعض المصادر، العديد من التحديات والمخاطر التي تعرضهم للملاحقه والاعتقال التسعفي. وهناك العديد من الحالات التي وثقتها المنظمات الدولية.
وعلى غرار دول كثيرة من دول العالم الثالث وضع تقرير سابق لمؤسسة "فريدوم هاوس" الأميركية، التي ترصد واقع الديمقراطية والحريات في جميع دول العالم، دول العالم العربي ضمن الدول التي انتكست فيها الحريات السياسية والمدنية وتعرضت فيها حقوق الإنسان لانتهاكات جسيمة. ويعكس تقييم مؤسسة "فريدوم هاوس"، لأوضاع الحريات والحقوق السياسية والمدنية في العالم العربي، حالة النكوص التي انتشرت في العالم العربي بعد اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي في ديسمبر 2010 في أكثر من دولة.
وقد أكدت فريدوم هاوس عام 2018 انتكاسة حقوق الإنسان في الدول العربية، لافتةً إلى أن تونس تأتي في الصدارة من حيث احترام حقوق الإنسان رغم تراجع الحريات عام 2017 مقارنة بعام 2016، في البلد الذي يعتبر رمز الثورات العربية، بسبب تواصل حالة الطوارئ وسوء الوضع الاقتصادي وضغوط منتمين لنظام الرئيس الأسبق على السلطة القائمة حالياً. ويأتي لبنان في المرتبة الثانية من حيث الحريات وحقوق الإنسان حسب تصنيف فريدوم هاوس، ثم المغرب والأردن والكويت.
وتقول فريدوم هاوس إن الحريات وحقوق الإنسان “منعدمة” في الجزائر والعراق ومصر وقطر وعمان والإمارات واليمن. أما “الدول العربية الأسوأ” من حيث احترام حقوق الإنسان فهي السعودية وسوريا والصومال والسودان وليبيا والبحرين، لافتةً إلى أن سوريا ليست الأسوأ فحسب بل هي أيضاً "خارج التصنيف" لفداحة انتهاكها لحقوق الإنسان.
السعودية
وفي هذا الشأن دعت لجنة حقوقية تابعة للأمم المتحدة السلطات السعودية للإفراج عن أكثر من 12 ناشطا حقوقيا محتجزين في المملكة، وزعمت أن بعضهم تعرض للتعذيب أو إساءة المعاملة خلال الاستجواب. وسعت اللجنة مؤلفة من عشرة خبراء مستقلين للحصول على معلومات عما إذا كان قد تم فتح تحقيق محايد في المزاعم التي تفيد بأن ”مسؤولين رفيعي المستوى اشتركوا في تعذيب وقتل جمال خاشقجي خارج نطاق القانون“.
وقُتل خاشقجي، وهو صحفي سعودي ومنتقد لولي العهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة، داخل القنصلية السعودية باسطنبول يوم الثاني من أكتوبر تشرين الأول. ونفت الرياض أن يكون الأمير محمد أمر بالقتل. وفي رسالة نشرت على الإنترنت استندت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة إلى ”مزاعم خطيرة“ بأن نشطاء مثل لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف والناشطة البارزة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة سمر بدوي ونسيمة السادة ومحمد الربيعة وإبراهيم المديميغ محتجزون دون أن توجه لهم اتهامات في سجن ذهبان قرب جدة منذ مايو أيار 2018. وقالت إنهم تعرضوا ”للتعذيب والتحرش الجنسي وأشكال أخرى من سوء المعاملة خلال الاستجواب“.
ودعت اللجنة للإفراج عنهم وعن ستة نشطاء آخرين بينهم المدون رائف بدوي، الذي تعرض للجلد علانية للتعبير عن آراء معارضة على الإنترنت ويقضي عقوبة السجن عشرة أعوام بعد صدور حكم ضده في 2014 بتهمة خرق قوانين التكنولوجيا والإساءة للإسلام. وبالنظر إلى الطبيعة الخطيرة لهذه القضايا التي تشمل ”الانتقام والتحرش والترهيب واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين“ فقد طلبت اللجنة من المملكة تقديم معلومات خلال 90 يوما. وأضافت أن على السعودية أن ”تقر، قانونا ومن حيث المبدأ، بمشروعية الانتقاد السلمي والترويج (لحقوق الإنسان)“.
ولم يرد تعقيب بعد من السلطات السعودية. وسبق أن نفت الرياض استخدام التعذيب وقالت إن الاعتقالات تجرى على أساس اتصالات مشبوهة مع كيانات أجنبية وعرض المساعدة المالية على أعداء في الخارج. وفيما يتعلق بخاشقجي، تساءلت اللجنة إن كانت السعودية ستسمح بمشاركة خبراء دوليين في التحقيق كما طلبت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه وتركيا. وأضافت أن السعودية، التي انضمت لمعاهدة الأمم المتحدة التي تحظر التعذيب، ملزمة ”بضمان محاسبة كل الجناة وضمان حصول أقارب الضحية على تعويض“. بحسب رويترز.
وقال أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد إفادة من المخابرات المركزية الأمريكية إنهم على ثقة بأن ولي عهد السعودية مسؤول عن مقتل خاشقجي، وهي وجهة نظر يشكك فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ونفى ولي العهد أي علم بالعملية التي أفضت لقتل خاشقجي. وقال مصدران مطلعان إن سعود القحطاني، وهو من كبار مساعدي ولي العهد وفصل من منصبه بسبب دوره في قتل خاشقجي، أشرف بنفسه على تعذيب ناشطة محتجزة على الأقل في وقت سابق هذا العام.
الأردن
من جانب اخر ذكر تقرير أردني أصدره مركز "عدالة" لدراسات حقوق الانسان، أن هناك زيادة في عدد حالات قضايا "التعذيب وسوء المعاملة" أثناء الاحتجاز في الأعوام الثلاثة الأخيرة وبواقع 80 قضية، منتقدا ما وصفه بـ"ممارسات منهجية" من موظفي إنفاذ القانون في أماكن الاحتجاز الأولية والسجون الأردنية. بينما ردت السلطات الأردنية ببيان صادر من مديرية الأمن العام، جاء فيها أنها "تستغرب إشارة التقرير إلى أن هناك تعذيبا يمارس في الأردن بشكل منهجي". وقالت مديرية الأمن العام إنها "كانت تتمنى أن يزودها بأي قضية يزعم أصحابها بتعرضهم لأي شكال من أشكال التعذيب لمتابعتها والتحقيق فيها خلافا للقضايا المنظورة أمام القضاء".
وأعربت مديرية الأمن العام عن استغرابها أيضا من "عدم التطرق لما يقدمه رجال الأمن العام والجيش العربي الأردني والأجهزة الأمنية، من شهداء لحماية أمن واستقرار الوطن وحماية الأرواح والأعراض والممتلكات" وما وصفته بأنه "عدم سماع أصوات مثل هذه المؤسسات عند استشهاد أحد من منتسبيها"، بحسب البيان. وذكر تقرير مركز "عدالة"، الذي جرى الإعلان عنه في مؤتمر صحفي، في عمان، أن هناك 5 وفيات منذ بداية عام 2018 تتعلق بقضايا "ادعاء بالتعذيب"، وأنه جرى رصد 33 قضية سابقة أيضا خلال الأعوام 2013-2015، ليبلغ المجموع الكلي 113 قضية خلال أقل من 6 أعوام.
وقال الرئيس التنفيذي للمركز عاصم ربابعة إن التقرير خلص إلى أن حالات التعذيب في المملكة "ممنهجة" وليست ممارسات فردية، بخلاف ما أعلن عنه في وقت سابق جهاز الأمن العام قبل أشهر تعليقا على إحدى الحالات. وأضاف: ""هناك ضغوط تمارس على أهالي الضحايا لإسقاط الحق الشخصي" في هذا النوع من القضايا. وجاء التقرير بعد أسابيع من توجيه توصيات أممية للمملكة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف خلال عملية المراجعة الدورية الشاملة، بضرورة إجراء تعديلات على التشريعات المحلية بإعادة تعريف التعذيب كجناية وليس جنحة، وإحالة قضايا إلى محاكم مدنية وليس إلى محكمة الشرطة. بحسب CNN.
واعتبر التقرير أن الحكومة الأردنية "أخفقت في منع التعذيب"، منتقدا عدم تجاوبها مع التوصيات الأممية، خاصة فيما يتعلق بالتوقيع على البروتوكول الإضافي لاتفاقية مناهضة التعذيب. وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان، المؤسسة المعتمدة في المملكة، قد أصدر تقريرا قبل أشهر تحدث فيه عن رصد حالات ادعاء بالتعذيب وسوء المعاملة، وتعذر الحصول على المعلومات الكاملة بخصوص التحقيقات في هذه القضايا من السلطات الأردنية.
مصر
على صعيد متصل قررت مصر إنشاء لجنة دائمة من مهامها الرد على الانتقادات الموجهة لسجل البلاد في حقوق الإنسان، لكن حقوقيين يقولون إنهم لا يتوقعون أي تحسن على أرض الواقع. وكثيرا ما أدانت منظمات دولية سجل مصر في حقوق الإنسان في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلة إن القمع السياسي في أسوأ حالاته منذ عقود. وأصدر قرار إنشاء (اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان) مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وسيرأسها وزير الخارجية أو من يفوضه وتضم ممثلا عن كل من وزارة الدفاع والإنتاج الحربي ووزارة التضامن الاجتماعي ووزارة العدل ووزارة شؤون مجلس النواب ووزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة وست هيئات حكومية أخرى.
وخلا تشكيل اللجنة من أي ممثل لمنظمة حقوقية أو ممثل مستقل مما ألقى بظلال من الشك على أي فعالية محتملة للجنة وأثار انتقادات لها. وقال المحامي الحقوقي جمال عيد مؤسس ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ”الطريقة الوحيدة لتحسين صورة مصر الحقوقية هي تحسين حالة حقوق الإنسان وليس تشكيل المزيد من اللجان“. وأضاف ”محاولة بناء سور حول كوم من القمامة لا ينفى وجود القمامة والرائحة المنبعثة منها“.
وقال جمال فهمي عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تموله الدولة إن من تضمهم اللجنة الجديدة ”غير مؤهلين حتى للاستماع لأي ملاحظات حول حقوق الإنسان“. وعبر طارق زغلول مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن عدم رضاه عن تشكيل اللجنة قائلا ”كنت أتمنى أن يكون في التشكيل بعض النشطاء الحقوقيين لإثراء عمل اللجنة بآرائهم وخبراتهم“. وأضاف أنه كان يتعين أيضا أن يكون للحقوقيين صوت مسموع في اللجنة بمنحهم حق التصويت على القرارات. بحسب رويترز.
وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد إن ”اللجنة ستكون صوت الحكومة في المحافل الدولية“. وتابع أنه كانت هناك حاجة لهذه اللجنة منذ وقت طويل لكي ”تمثل الحكومة“ وتتصدى للمشاكل التي تتعرض مصر بسببها للانتقادات. وبعد انتخاب السيسي لفترة الحكم الأولى في عام 2014 شنت الحكومة حملة على خصومها الإسلاميين ونشطاء ليبراليين وصفت بأنها الأسوأ في تاريخ مصر الحديث. لكن مؤيدين للسيسي يقولون إنه يحاول القضاء على إسلاميين متطرفين يسعون لهدم الدولة وإنه يعمل كذلك لاستعادة الاستقرار بعد سنوات من الفوضى تلت انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك إن قوات الأمن ألقت القبض على ما يصل إلى 40 ناشطا سياسيا ومحاميا وحقوقيا منذ أواخر أكتوبر تشرين الأول.
المغرب
من جانب اخر أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن هناك "شبهات بتعذيب" الموقوفين سجلت خلال المرحلة الأولى من محاكمة قادة "حراك الريف" بالمغرب، داعية القضاء للنظر في "الأدلة التي تفيد بتعذيب الشرطة للمتهمين" خلال جلسات الاستئناف الجارية حاليا. وبدأت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء محاكمة 42 من قادة هذه الحركة الاحتجاجية التي هزت شمال المغرب بين 2016 و2017، بعد خمسة أشهر من صدور أحكام ابتدائية بالسجن لمدة تتراوح بين عام وعشرين عاما. في حين استفاد 11 متهما من عفو أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس في آب/أغسطس.
وقال وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد إن الوزارة سترد على التقرير بعد دراسته، مشيرا في الوقت ذاته الى أن "هيومان رايتس ووتش" لا تستند في معلوماتها الى "تحريات ميدانية". ونشرت المنظمة الحقوقية تقريرا اليوم بعنوان "المغرب: شبهات التعذيب تشوّه محاكمة جماعية". وجاء فيه أن محاضر الجلسات أمام قاضي التحقيق المكلف بالقضية تفيد أن "50 من أصل 53 متهما قالوا إن الشرطة في مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء، ضغطت عليهم بطريقة أو بأخرى لتوقيع محاضر استنطاق تدينهم من دون قراءة محتواها".
وأضاف "هكذا اعترف المتهمون بارتكاب أعمال عنف ضد رجال الشرطة وإضرام النار في سياراتهم وإحراق مبنى لعائلات موظفي الشرطة (...) وتنظيم احتجاجات غير مرخص لها". وهي الاعترافات التي "أنكروها أمام قاضي التحقيق ثم أثناء المحاكمة". وكان ناصر الزفزافي الذي ينظر اليه على أنه "زعيم الحراك" شكا تعرضه "للتعذيب" أثناء مثوله أمام القاضي. وطالبت جمعيات حقوقية بالتحقيق في هذه التصريحات، لكن السلطات المغربية أنكرت هذه الاتهامات، مؤكدة أن محاكمة معتقلي "الحراك" توفرت فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة.
ونقل التقرير عن مدير التواصل والمرافعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة أحمد بنشمشي إن "عدم الأخذ بالاعتبار أدلّة التعذيب والاعترافات القسرية وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة، شوّه المحاكمة الابتدائية في قضية الحراك". وتابع أن "على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء النظر في الأدلة التي تفيد بتعذيب الشرطة للمتهمين، عندما تراجع أحكام الإدانة ضد نشطاء ومتظاهرين من منطقة الريف". بحسب فرانس برس.
وقال وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد إنه لم يطلع بعد على تقرير "هيومن رايتس ووتش"، مؤكدا أن الوزارة سترد عليه بعد دراسته وتجميع المعطيات من القطاعات المعنية. وأضاف "بشكل عام أعتقد أن هيومن رايتس ووتش منظمة مهمة، لكنها لا تستقي معلوماتها وفق تحريات ميدانية". وأكد أن "التعذيب المنهجي لم يعد موجودا في المغرب، بل فقط حالات فردية نعمل على محاصرتها".
اضف تعليق