تعتبر قضية الهجرة اليوم في بريطانيا من اهم واكثر القضايا تداولا، خاصة أنها كانت وبحسب بعض المصادر من ضمن الأسباب المباشرة التي استخدمت في خطابات السياسيين وتحولت إلى سبب أساسي للبريكسيت. حيث اعتمدت الحكومة البريطانية مؤخرا سياسة أكثر تشددا تجاه موضوع الهجرة والمهاجرين...

تعد قضية الهجرة اليوم في بريطانيا من اهم واكثر القضايا تداولا، خاصة أنها كانت وبحسب بعض المصادر من ضمن الأسباب المباشرة التي استخدمت في خطابات السياسيين وتحولت إلى سبب أساسي للبريكسيت. حيث اعتمدت الحكومة البريطانية مؤخرا سياسة أكثر تشددا تجاه موضوع الهجرة والمهاجرين. فبعد أن قررت المملكة المتحدة الخروج من منظومة الاتحاد الأوروبي، طرحت مجموعة من القضايا الأساسية والشائكة المرتبطة بمستقبل علاقة المملكة بجيرانها الأوروبيين من ضمنها مسألة الهجرة والمهاجرين. وإن كانت بريطانيا قد عمدت إلى طرح موضوع الهجرة دوما من وجهة نظر أوروبية جامعة، إلا أنها اليوم تسعى إلى مراجعة سياستها الخاصة بالهجرة، واعتماد نهج أكثر تشددا في هذا الإطار.

وفقا لوزارة الداخلية البريطانية، ارتفعت أعداد طلبات الهجرة إلى بريطانيا بنسبة 45% عام 2017، مقارنة بنظيرتها عام 2016. ويتعين على مقدمي الطلبات الانتظار نحو عام كامل قبل الحصول على جواب حيال طلباتهم، في حين كانوا ينتظرون فترة تصل إلى 31 أسبوعا فقط في 2016. وحذر ناشطون حقوقيون من طول فترات الانتظار بالنسبة لمقدمي طلبات اللجوء، حيث تؤثر سلبا على المهاجرين الذين يعانون من أمراض إضافة إلى الأشخاص ذوي الإعاقة والعائلات الهاربة من النزاع والاضطهاد في بلادها.

تعديل جديد طرأ على سياسة الهجرة البريطانية وهو احتمال خسارة اللاجئين لحقهم بالحصول على الإقامة الدائمة بعد انتهاء إقامتهم المؤقتة. ويقضي هذا الإجراء بمراجعة جميع الطلبات وتأمين عودة آمنة للاجئين إلى بلادهم إن رأت السلطات البريطانية أن الظروف تبدلت ولم يعد هناك خطر يهدد حياتهم. ويأتي هذا التعديل بعد أن كان اللاجئون يمنحون حق الإقامة الدائمة بعد مرور خمس سنوات على إقامتهم على الأراضي البريطانية.

كما تنوي الحكومة البريطانية تجميد كافة الحسابات المصرفية العائدة لمهاجرين غير شرعيين، وبالتالي إجبارهم على التقدم لتسوية أوضاعهم أو الترحيل إلى بلادهم. وستقوم المصارف البريطانية بالتحقق من حوالي 70 مليون حساب مصرفي بحثا عن أشخاص أو حسابات قد تصنف بأنها عائدة لمهاجرين غير شرعيين. وستقوم المصارف بهذا الإجراء أربع مرات سنويا. ووفقا لمسؤولين، فإنه من المتوقع أن يتم العثور على نحو ستة آلاف حساب مصرفي مرتبط بمهاجرين غير شرعيين أو بأشخاص موجودين على الأراضي البريطانية رغم انتهاء صلاحية تأشيرة دخولهم إلى البلاد. وسيتم مباشرة تجميد تلك الحسابات.

ووفقا لجمعيات ومنظمات حقوقية وإنسانية، فإن هذه الخطوة تثير الكثير من المخاوف لناحية إمكانية الإضرار بمهاجرين مقيمين على الأراضي البريطانية بشكل شرعي. وظلت حدود بريطانيا مغلقة إلى حد كبير خلال أزمة اللاجئين التي هزت دولاً أخرى كثيرة في قارة أوروبا طوال العام الماضي، لأنها تتمتع بحماية خاصة بفضل موقعها الجغرافي ووضعها خارج منطقة شينغن، ولم تقبل سوى عدداً ضئيلاً من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى السواحل الجنوبية لأوروبا في العام الماضي.

الحد من دخول المهاجرين

وفي هذا الشأن تعتزم بريطانيا فرض قيود على العمالة الاوروبية قليلة المهارة والحد من وصول أفراد أسر الاوروبيين بعد دخول بريكست حيز النفاذ، حسب ما كشفت وثيقة مسربة نشرت على الموقع الالكتروني لصحيفة الغارديان. وتتضمن الوثيقة المكونة من 82 صفحة مقترحات وزارة الداخلية البريطانية لإدارة ملف الهجرة بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الاوروبي، ما يضع حدا لحرية مرور الافراد بين بريطانيا والاتحاد.

وتنص الوثيقة "بكل وضوح هذا يعني انه كي تكون الهجرة ذات قيمة للبلاد بأسرها، فإنه ينبغي أن لا تفيد المهاجرين فقط لكن أيضا يجب ان تجعل حياة المقيمين الحاليين أفضل حالا" في بريطانيا. وتتصور الحكومة نظاما ثنائيا للمواطنين الاوروبيين الوافدين بعد بريكست، ويمكن للراغبين منهم في الاقامة لفترة طويلة التقدم للحصول على تصريح إقامة لمدة عامين.

فيما سيسمح لمن يعتبرون من ذوي "المهارات العالية" بالتقدم للحصول على تصريح إقامة تصل مدته لخمس سنوات، بحسب المقترحات المسربة. وبحسب الوثيقة الطويلة التي صنفت "حساسة"، تقول وزارة الداخلية إنها قد "تتشدد" بتعريف مفهوم اعضاء الاسرة المسموح لهم بمرافقة العمال الاوروبيين الى بريطانيا. والحد المقترح الذي ستسمح به بريطانيا هو دخول الأزواج او الزوجات والأطفال تحت 18 عاما، والبالغين الذين يعتمدون على العمال في معيشتهم.

كما وستطلب السلطات بحسب الخطة المقترحة من كافة المواطنين الاوروبيين استخدام جوازات السفر وليس بطاقات الهوية الوطنية كما هو معمول به حاليا. ومن المتوقع تطبيق هذا الاجراء فور مغادرة بريطانيا للاتحاد الاوروبي، والمقرر في 29 اذار/مارس 2019، لكن وزارة الداخلية وعدت باعطاء "مهلة مناسبة". ورفض متحدث باسم وزارة الداخلية التعليق على الوثيقة المسربة. لكنه أفاد "سنقدم مقترحاتنا المبدئية لنظام جديد للهجرة يستعيد السيطرة على حدود بريطانيا في وقت لاحق هذا الخريف". واثارت الوثيقة انتقادات اتحاد العمال وعمدة لندن صادق خان. وقال خان المنتمي لحزب العمال المعارض إن الوثيقة تمهد الطريق "لشكل متطرف لبريكست حاد" يهدد بفصل أفراد العائلات عن بعضهم البعض.

كارثيا لاسكتلندا

من جانبها قالت حكومة اسكتلندا إن تقييد الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون أثره ”كارثيا“ على الاقتصاد الاسكتلندي. وتقول اسكتلندا التي تعاني قلة عدد السكان إنها في حاجة لمهاجرين للنهوض باقتصادها وتريد حكومة ادنبره أن يكون لها دور أكبر في السياسة الخاصة بالهجرة وهو أمر ترفضه الحكومة البريطانية.

وصوت سكان اسكتلندا في الاستفتاء الذي أجري في عام 2016 لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. في حين صوت سكان انجلترا التي يقطنها عدد أكبر من السكان لصالح الخروج منه لأسباب منها القلق من حدوث حالات هجرة على نطاق واسع من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. وتقول رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إنها تهدف إلى خفض عدد المهاجرين من مئات الآلاف حاليا ليكون في حدود عشرات الآلاف. بحسب رويترز.

وقالت فيونا هيسلوب وزيرة خارجية اسكتلندا في بيان ”سياسة الحكومة البريطانية الرامية لاستمرار خفض أعداد المهاجرين لتكون في حدود عشرات الآلاف فقط في كل أنحاء المملكة المتحدة ستكون أمرا كارثيا لاقتصاد اسكتلندا وتلحق ضررا خطيرا بازدهارنا في المستقبل“. وتشير التوقعات إلى أنه خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة ستنمو القوة العاملة في اسكتلندا بنسبة واحد في المئة فقط مقارنة بزيادة نسبتها 25 في المئة ممن هم في سن التقاعد من عدد السكان. وقالت هيسلوب إن هناك سببا منطقيا قويا يتيح لاسكتلندا أن يكون لها نظام مختلف للهجرة عن باقي أنحاء المملكة المتحدة.

الجنسية الألمانية

الى جانب ذلك وفي الوقت الذي يقترب فيه موعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام المقبل زاد عدد حاملي جوازات السفر البريطانية الذين أصبحوا مواطنين ألمانا بنسبة 162 في المئة العام الماضي، حسبما ذكر مكتب الإحصاءات الاتحادي الألماني يوم الأربعاء. وحصل ما يقرب من 7500 بريطاني على الجنسية الألمانية العام الماضي. ويأتي هذا بعد زيادة بنسبة 361 في المائة في عام 2016 ، ليصل بذلك العدد الإجمالي خلال العامين إلى نحو 10400. وهذا الرقم أكثر من مثلي عدد البريطانيين الذين أصبحوا ألمانا في 15 سنة من عام 2000.

وقال المكتب ”هناك صلة واضحة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي“ مضيفا أن البريطانيين هم ثاني أكبر مجموعة تحصل على الجنسية الألمانية العام الماضي بعد نحو 15 ألف تركي. وفي ظل عدم التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رغم تحديد موعد للانسحاب في مارس آذار عام 2019 ، فإن العديد من البريطانيين يشعرون بالقلق من فقدان حقهم في العيش والعمل في أكبر اقتصاد في أوروبا، والذي يشهد فترة نمو طويلة بشكل غير معتاد بالإضافة إلى تراجع معدل البطالة إلى مستويات قياسية.

ويحتاج البريطانيون عادة إلى العيش في ألمانيا لمدة ثماني سنوات للتأهل. وتستغرق عملية تقديم الطلبات أكثر من ستة أشهر ويمكن للبريطانيين الحصول على الجنسية المزدوجة بينما لا تزال بريطانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي. وبوجه عام، ارتفع عدد الأشخاص الذين أصبحوا مواطنين ألمانا بنسبة 1.7 بالمئة في العام الماضي إلى 112200، وهو أعلى مستوى منذ عام 2013.

على صعيد متصل قال مايكل جوف وزير البيئة البريطاني وأحد المؤيدين بشدة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي إن بريطانيا أصبحت أكثر ترحيبا بالمهاجرين منذ أن صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وأدى التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انقسام حاد في البلاد حيث يتمسك كل طرف بوجهة نظره وما زال الجدل دائرا بشأن ما إذا كان الخروج سيفيد الاقتصاد البريطاني خامس أكبر اقتصاد في العالم أم يعرقله.

وكانت المخاوف المتعلقة بالهجرة من بين الأسباب الرئيسية التي استخدمتها حملة (صوت للخروج) لزيادة الدعم للخروج من الاتحاد الأوروبي وظلت مسألة شائكة. فقد ارتفعت معدلات جرائم الكراهية في بريطانيا منذ الاستفتاء وقالت وزارة الداخلية العام الماضي إن الزيادة تسبب فيها قرار الخروج من الاتحاد. وردا على سؤال عما إذا كان قد أخطأ أثناء الاستفتاء بقوله أن تركيا قد تنضم للاتحاد الأوروبي مما سيزيد من تشجيع الهجرة قال جوف إن الخروج، على العكس، عزز الانفتاح. بحسب رويترز.

وقال في مناسبة نظمها مركز دراسات بوليسي اكستشينج ”السبب الذي اعتقد انه وراء فوز حملة الخروج هو أن الناس كانت تريد التأكد من أننا نملك السيطرة على حدودنا وعلى ضرائبنا وعلى قوانينا وكل ذلك كان ضمن حملة أشمل لاستعادة الثقة في مؤسساتنا الديمقراطية“. وتابع ”حملة الاستفتاء دفعت ببريطانيا لتصبح أكثر ترحيبا بالمهاجرين واكثر انفتاحا على الواصلين الجدد“.

جاويد وزيرا للداخلية

من جانب اخر عينت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ساجد جاويد وزيرا جديدا للداخلية وذلك في مسعى لإنهاء فضيحة تتعلق بالهجرة هددت سلطتها. وجاويد من أبوين مهاجرين من باكستان وحاول تهدئه غضب الأقليات العرقية بشأن أهداف الهجرة قائلا إن أسرته كان من الممكن أن تكون ضمن الفئات المستهدفة. وأضاف أن الحكومة تعمل بجدية ”لوضع الأمور في نصابها الصحيح“.

وقال جاويد إن أكبر مهمة ملحة تنتظره هي ضمان معاملة مهاجرين من منطقة الكاريبي ويقيمون في بريطانيا منذ فترة طويلة على قدم المساواة بعد الفضيحة التي أجبرت وزيرة الداخلية السابقة أمبر راد على الاستقالة. وأضاف في تصريحات للإعلام ”أكبر مهمة ملحة أمامي هي مساعدة هؤلاء المواطنين البريطانيين المنحدرين من الكاريبي ويعرفون باسم جيل ويندراش والتأكد من معاملتهم باللباقة والعدالة التي يستحقونها“.

وجاويد هو أول نائب ينحدر من الأقلية السوداء أو الأقلية الآسيوية ويتولى المنصب في بريطانيا. وربما يغير أيضا في توازن فريق ماي الرئيسي المعني بالتفاوض بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتولى جاويد، وهو أحد دعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي، منصب وزير الداخلية خلفا لراد التي كانت أحد أقوى المدافعين عن الاستمرار في الاتحاد داخل مجلس الوزراء البريطاني.

وقال جاويد إن نتائج الاستفتاء الذي أجرى في 2016 تعني أنه ”بطريقة ما أصبحنا جميعا الآن من مؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي“. ورحب كثيرون في حزب المحافظين الذي تتزعمه ماي بتعيين جاويد. وقالت إليزابيث تراس كبيرة أمناء الخزانة على تويتر إن جاويد ”مؤثر ومباشر وشجاع“. لكن آخرين كانوا أقل إعجابا به. وقال مصدر كبير في حزب المحافظين طالبا عدم نشر اسمه إن تصريحات جاويد لصحيفة صنداي تليجراف عن رد فعله على الفضيحة كانت سعيا واضحا وراء المنصب. وأضاف المصدر ”احذر ما تتمناه“. بحسب رويترز.

وجاء تعيين جاويد في المنصب بعد ساعات من إجبار راد على الاستقالة بعد اعترافها في خطاب موجه لماي إنها ”ضللت دون قصد“ لجنة برلمانية عندما نفت أن الحكومة لها أهداف تتعلق بترحيل مهاجرين غير شرعيين. وقبلت ماي استقالتها وهو ما يمثل ضربة لرئيسة الوزراء نفسها لأن راد كانت من أقرب حلفائها. وتمثل استقالتها ضربة أيضا لنواب من حزب المحافظين الحاكم كانوا يرغبون في الحفاظ على أفضل علاقات ممكنة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من التكتل. لكن راد قد تنضم الآن إلى نواب محافظين آخرين مؤيدين للاتحاد الأوروبي وهو ما يحد بشكل أكبر من قوة ماي في البرلمان بعد أن فقد حزبها الأغلبية في انتخابات العام الماضي.

اضف تعليق