q
منذ بداية التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، تفاقمت معاناة الشعب اليمني الذي يتعرض اليوم الى حرب إبادة شاملة بسبب استمرار الحصار والغارات الجوية لقوات التحالف، وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية، التي انتقدت ايضا سكوت المجتمع الدولي عن مثل هكذا انتهاكات وجرائم...

منذ بداية التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، تفاقمت معاناة الشعب اليمني الذي يتعرض اليوم الى حرب إبادة شاملة بسبب استمرار الحصار والغارات الجوية لقوات التحالف، وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات الحقوقية والانسانية، التي انتقدت ايضا سكوت المجتمع الدولي عن مثل هكذا انتهاكات وجرائم، وبحسب بعض التقارير فإن ما تقوم به الرياض داخل الأراضي اليمنية يعد جرائم حرب لا تسقط بمرور الزمن، طبقًا للقانون الدولي والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية جنيف 1949، حيث يؤكد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال.

وأكد موقع جلوبال ريسيرش البحثي في كندا أن قوات التحالف العربي في اليمن تقوم بارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق هناك. وتأكيدًا على عدم قانونية العدوان على اليمن، تطرق الموقع إلى أن حظر استخدام القوة هو واحد من المبادئ الأساسية التي تم تأسيسُها من قبل القانون الدولي. وأكد الموقع أنه ووفقًا لذلك الإعلان فإن من واجب الدول الامتناع عن الدعوة إلى الحروب العدوانية ومن واجب كُل دولة الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة لخرق الحدود الدولية القائمة لدولة أخرى.

من جانبها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بإجراء تحقيقات دولية محايدة مع جميع القوات المشاركة في العدوان على اليمن والذي تقوده السعودية، حول ما إذا كان حدث انتهاك قوانين الحرب، واتخاذ الإجراءات اللازمة، وذلك بعد غارات جوية شنها الطيران السعودي أدت إلى قتل المئات من المدنيين والاطفال. اضافة الى تدمير المرافق الصحية والخدمية في هذا البلد الفقير وأشار تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في وقت سابق، إلى وجود أدلة باستخدام السعودية للقنابل العنقودية في الغارات التي تشنها على العديد من المناطق اليمنية منذ مارس 2015.

ويشهد اليمن منذ سنوات نزاعا بين القوات الموالية للحكومة والحوثيين. وتدخلت السعودية على رأس تحالف عسكري يضم الامارات في 2015 لوقف تقدم الحوثيين الذين سيطروا على صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014 وبعدها على الحديدة. أوقعت الحرب أكثر من 10 آلاف قتيل منذ تدخل التحالف في آذار/مارس 2015 الذي تسبب ب"أسوأ أزمة إنسانية" في العالم بحسب الأمم المتحدة.

استهداف الطفولة

وفي هذا الشأن أعلن مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية أن 22 طفلا على الأقل إضافة إلى أربع نساء قتلوا في غارة للتحالف الذي تقوده السعودية فيما كانوا يفرون من مناطق القتال في اليمن. وقال لوكوك في بيان "إنها المرة الثانية في أسبوعين تسفر فيها غارة للتحالف بقيادة السعودية عن مقتل عشرات المدنيين".

وفي 9 آب/أغسطس قتل 40 طفلا في قصف استهدف حافلة تقلّ أطفالا في أحد أسواق محافظة صعدة في شمال اليمن، بحسب الصليب الأحمر، ما استدعى مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإجراء تحقيق مستقل. وكرر لوكوك دعوة غوتيريش مطالبا بـ"تحقيق محايد ومستقل وفوري"، وقال إن "من لديهم نفوذ" لدى الأطراف المتحاربين عليهم ضمان حماية المدنيين.

وأعلن التحالف العسكري بقيادة السعودية فتح تحقيق في الغارة التي وقعت في 9 آب/اغسطس وأثارت تنديدا دوليا عارما، في حين تشدد المنظمات الحقوقية على ضرورة إجراء تحقيق محايد. وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" هنرييتا فور "كنت آمل بأن يشكل الغضب الذي أعقب قصف صعدة في اليمن نقطة تحول في النزاع. التقارير عن هجمات بالأمس في الدريهمي ومقتل 26 طفلا تشير إلى عكس ذلك". وطالبت فورا الأطراف المتحاربين وداعميهم الدوليين ومجلس الأمن بـ"التحرك لإنهاء النزاع بشكل نهائي".

ودعا مجلس الأمن في آب/أغسطس الجاري إلى إجراء تحقيق "موثوق به" و"شفّاف" في الغارة الجوية على صعدة، لكنه لم يأمر بإجراء تحقيق مستقل. وتدعم ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التدخل العسكري للتحالف في اليمن إلا أنها تبدي قلقا متزايدا لارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين.

التستر على الجرائم

على صعيد متصل اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، المعنية بحقوق الإنسان، قوات التحالف التي تقودها السعودية بالفشل في إجراء تحقيقات مناسبة حول الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب في اليمن. وجاء في التقرير أن عمل هيئة التحقيق التابعة للتحالف "لم يرق إلى المقاييس الدولية فيما يتعلق بالشفافية والنزاهة والاستقلالية"، كما أن التحقيقات "فشلت في توفير سبل الإنصاف للضحايا المدنيين".

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش إن "المحققين كانوا يتسترون على جرائم الحرب بشكل أو بآخر". ولم يصدر بعد أي رد من قبل السعودية أو قوات التحالف على تقرير المنظمة. صدر تقرير المنطمة الذي يحمل عنوان"التخفي خلف مسمى التحالف: غياب التحقيقات الموثوقة والتعويضات عن الهجمات غير القانونية في اليمن"، في 90 صفحة.

ورصد التقرير عمل مايسمى "الفريق المشترك"، وهو هيئة التحقيق التابعة للتحالف، على مدى العامين الماضيين. وتوصلت المنظمة إلى أن هذا الفريق - الذي تم تشكيله عام 2016 - "قدم تحليلات تشوبها عيوب خطيرة لقوانين الحرب ووصل إلى نتائج مشكوك فيها". وجاء في التقرير أن معظم استنتاجات فريق عمل قوات التحالف خلصت إلى أن التحالف تصرف "بشكل قانوني، ولم ينفذ الهجوم المبلغ عنه، أو ارتكب خطأ 'غير مقصود ' ".

وكانت غارة جوية لقوات التحالف يوم 9 آب/أغسطس قد قتلت 29 طفلا وجرحت العشرات عندما أصابت حافلة تقل أطفالا في سوق مدينة ضحيان، شمالي صعدة. ودعا مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى فتح تحقيق نزيه وشفاف في هذه الغارة، واتفقت الدول الأعضاء على دراسة نتائج التحقيق الذي تعهد الجيش السعودي بإجرائه. ووصف التحالف الذي تقوده السعودية الغارة بأنها "عمل عسكري مشروع" ضد المسلحين الحوثيين.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن متحدث باسم التحالف تأكيده "التزام التحالف الثابت بإجراء التحقيقات في كافة الحوادث التي تثار حولها ادعاءات بوقوع أخطاء أو وجود انتهاكات للقانون الدولي ومحاسبة المتسببين وتقديم المساعدات اللازمة للضحايا".

كما قالت المنظمة إنه رغم وعود التحالف بتقديم تعويضات، إلا أنه لا توجد طريقة واضحة لضحايا أو أقارب المدنيين للحصول على أي تعويض. و تابعت مع ضحايا ستة هجمات من أصل 12 هجمة أوصى الفريق بتقديم المساعدة لهم بحلول 31 يوليو/تموز، لكن المنظمة قالت إن أيا منهم لم يتلق أي دعم. وقال أحد اليمنيين للمنظمة: "بعت كل شيء لرعاية الجرحى من عائلتي. لم نحصل على أي شيء - لا محاكمة للجناة ولا تعويض. لم نحصل حتى على كيس دقيق".

وطالبت المنظمة الدول الأعضاء في التحالف "تعويض ضحايا الهجمات غير القانونية، ودعم نظام موحد وشامل لتقديم مبالغ مالية تعويضية على سبيل 'المواساة ' للمدنيين الذين يعانون من أي خسائر ناتجة عن العمليات العسكرية". كما طالبت الدول التي تزود التحالف بالأسلحة أن تعلق فورا مبيعات الأسلحة إلى السعودية. وجاء في التقرير: "استمرار الضربات الجوية غير القانونية للتحالف وعدم إجراء تحقيقات كافية في الانتهاكات المزعومة يعرض موردي الأسلحة إلى التحالف - بمن فيهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا - لخطر التورط في هجمات غير قانونية في المستقبل". بحسب رويترز.

وقالت سارة ليا ويتسن في البيان الصحفي: "على الحكومات التي تبيع الأسلحة للسعودية أن تدرك أن تحقيقات التحالف الزائفة لا تحميها من التواطؤ في انتهاكات خطيرة في اليمن". كما طالبت المنظمة مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على قادة التحالف بسبب الانتهاكات في اليمن. وجاء في التقرير: "إن التحقيقات لا تشير إلى أي جهد للتحقيق في المسؤولية الجنائية الشخصية عن الغارات الجوية غير القانونية. هذه المحاولة التي يبدو أنها لحماية أطراف النزاع والأفراد العسكريين من المسؤولية الجنائية هي بحد ذاتها انتهاك لقوانين الحرب". وأضاف أن تحقيقات فريق التحالف تجاهل التحقيق في قضايا أخرى غير الغارات الجوية غير القانونية مثل إساءة معاملة المعتقلين من قبل القوات الإماراتية والقوات التي تدعمها دولة الإمارات. كما ذكر التقرير أن قوات الحوثيين المعارضة للتحالف قد ارتكبت انتهاكات متكررة لقوانين الحرب، منها جرائم حرب محتملة. لكن المنظمة لم تذكر تدابير ملموسة اتخذها الحوثيون للتحقيق في انتهاكاتهم المزعومة أو احتجاز أي شخص.

عمليات تعذيب

من جانب اخر اتهمت منظمة العفو الدولية الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوب اليمن، وقالت إنه يجب التحقيق في هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب. وقالت منظمة العفو في بيان إن عشرات الأشخاص تعرضوا ”للاختفاء القسري“ بعد ”حملة اعتقالات تعسفية“ من جانب القوات الإماراتية وقوات اليمن التي أشارت المنظمة إلى أنها تعمل بمعزل عن قيادة حكومتها.

وتقول الإمارات، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، إنها لم تدر قط سجونا أو مراكز احتجاز سرية باليمن. ونفت هي وحلفاؤها اليمنيون مزاعم سابقة حول تعذيب سجناء. وقالت السلطات الإماراتية في بيان ردا على التقرير ”الإمارات حثت الحكومة اليمنية على إجراء تحقيق مستقل في المسألة وتواصل المتابعة مع الحكومة اليمنية على هذا الصعيد“. وأضافت ”تعتقد الإمارات أن هذه التقارير لها دوافع سياسية لتقويض جهودها في إطار التحالف العربي لدعم الحكومة اليمنية“.

والإمارات إحدى الدول البارزة في التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن دعما لحكومة مقرها جنوب البلاد في مواجهة الحوثيين المتحالفين مع إيران والذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومعظم أنحاء الشمال. وكانت بعثة الإمارات في جنيف قد قالت إن السلطات اليمنية ”تسيطر بالكامل على أنظمة الحكم والقضاء والسجون المحلية والاتحادية“. إلا أن وزير الداخلية في الحكومة اليمنية أحمد الميسري ناقض على ما يبدو هذا التصريح عندما دعا الإمارات إلى إغلاق أو تسليم سجون تديرها. وقال الميسري إنه توصل إلى اتفاق مع الإمارات وإن جميع السجون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تخضع لسيطرة المدعي العام اليمني. بحسب رويترز.

وقالت منظمة العفو الدولية إن تحقيقا أجري بين مارس آذار 2016 ومايو أيار 2018 في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت بجنوب اليمن وثق استخداما واسع النطاق للتعذيب وغيره من أساليب المعاملة السيئة في منشآت يمنية وإماراتية، بما في ذلك الضرب والصدمات الكهربائية والعنف الجنسي. وقالت تيرانا حسن مديرة برنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو ”يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعمل في ظروف غير واضحة في جنوب اليمن، وضعت هيكلا أمنيا موازيا خارج إطار القانون، تتواصل فيه انتهاكات صارخة دون قيد“. وأضافت ”في النهاية يجب التحقيق في هذه الانتهاكات، التي تحدث في سياق الصراع المسلح في اليمن، على أنها جرائم حرب“. كما دعت منظمة العفو الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لضمان ألا تتلقى معلومات حصل عليها حلفاؤها الإماراتيون من خلال التعذيب ولتعزيز الامتثال لقوانين حقوق الإنسان.

اضف تعليق