ما تزال أزمة المهاجرين إلى أوروبا والتي برزت في السنوات بعد ارتفاع اعداد المهاجرين، القادمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا والبلقان، بسبب النزاعات وتدهور الاوضاع الاقتصادية، محط اهتمام واسع فبعد عامين على هذه الازمة التي أحدثت انقساما شديدا بين دول الاتحاد الأوروبي، لا تزال الخلافات بين قادة التكتل وكما نقلت بعض المصادر، مستمرة بشأن أسلوب التعامل مع اللاجئين وقضايا تعديل قوانين اللجوء. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال لقاء لقادة الاتحاد ”أمامنا الكثير من العمل... لم تتغير المواقف“. كما أيد زعيما بولندا وجمهورية التشيك الجديدان موقف المجر وسلوفاكيا المتمثل في أن مجتمعاتهم الشيوعية السابقة لا يمكنها تحمل مهاجرين بأعداد كبيرة خاصة من المسلمين. وقال رئيس وزراء التشيك أندريه بابيش إن النقاش ”عاصف جدا“ وإن الدول الشرقية لن تدع الغالبية تفرض عليها استقبال حصص إلزامية من اللاجئين.
وتطالب ميركل ورئيس وزراء إيطاليا باولو جنتيلوني ضمن آخرين بأن تستقبل كل دولة من دول الاتحاد حصة إلزامية من طالبي اللجوء الذين يتركزون بمنطقة ساحل البحر المتوسط أو وصلوا إلى دول في الشمال الغربي الأكثر ثراء بعد تحركات فوضوية عبر أوروبا. وقالت ميركل إن هناك تقديرا واسعا لجهود تعزيز السيطرة على حدود التكتل، التي نجحت في تقليل عدد الوافدين بشكل كبير، خاصة من خلال اتفاقات مع تركيا ودول بمنطقة البلقان لإغلاق طريق الهجرة عبر اليونان. لكنها انتقدت عرضا تقدمت به دول من وسط أوروبا لتقديم مساعدة مالية ووصفته بأنه ”تضامن انتقائي“.
وعرضت أربع دول في وسط أوروبا تقديم 35 مليون يورو لإيطاليا لمساعدتها على منع المهاجرين من مغادرة ليبيا. وقال دبلوماسي من بلد يؤيد الحصص الإلزامية إنه قد يحدث تحرك باتجاه إجراء اقتراع إذا لم تظهر بوادر إجماع عندما يناقش القادة تعديل قوانين اللجوء في يونيو حزيران المقبل. وأكد جنتيلوني أن الحصص الإلزامية أمر ضروري ويجب توسيع نطاقها. وأدلى زعماء لوكسمبورج وبلجيكا وآخرون بتصريحات مماثلة.
انخفاض عدد المهاجرين
وفي هذا الشأن قالت المنظمة الدولية للهجرة إن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بحرا في 2017 سجل ما يقل قليلا عن نصف الوافدين إليها في 2016 مع نجاح قيود فرضت على طريق الهجرة بحرا من ليبيا إلى إيطاليا في تقليل الأعداد. وسجلت المنظمة وصول 171635 مهاجرا بالقوارب في 2017 مقارنة بوصول 363504 في 2016. جاء ذلك بعد عامين من وصول أكثر من مليون لاجئ إلى دول الاتحاد فر أغلبهم من الحروب في الشرق الأوسط والفقر في أفريقيا. وتسبب ذلك التدفق، وهو الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، في أزمات سياسية وإنسانية.
ومنذ ذلك الحين أغلق تقريبا الطريق الرئيسي للمهاجرين بين تركيا واليونان عبر شرق البحر المتوسط من خلال اتفاق أبرمه الاتحاد الأوروبي مع أنقرة. لكن جهود تقليل الأعداد التي تمر عبر الطريق الرئيسي الآخر من شمال أفريقيا إلى إيطاليا عبر البحر، الذي ابتلع آلافا، كانت أبطأ. ولم تبدأ الأعداد في التراجع بشكل حاد إلا في النصف الثاني من العام الماضي. وقالت وزارة الداخلية الإيطالية في آخر يوم من عام 2017 إن عدد الوافدين بالقوارب إلى إيطاليا شكل معظم الرقم الإجمالي للواصلين حيث بلغ 119310 مشيرة إلى أن ذلك يمثل انخفاضا بنسبة الثلث عن العام السابق.
وقال جويل ميلمان المتحدث باسم المنظمة في مؤتمر صحفي ”يمكننا أن نقول لكم بثقة إن عدد الوافدين من شمال أفريقيا إلى إيطاليا هذا العام أقل من 120 ألفا... ذلك أقل عدد من الوافدين في السنوات الأربع الماضية بالنسبة لإيطاليا“. وأضاف ”يمكن قول نفس الشيء بالنسبة للوافدين إلى اليونان حيث وصل 29595 في 2017 وهو بالتأكيد أقل عدد في السنوات الأربع التي سجلنا فيها الأرقام بخصوص اليونان“. وتظهر أرقام المنظمة الدولية للهجرة أن 173614 مهاجرا وصلوا بحرا إلى اليونان في 2016. بحسب رويترز.
وقال ميلمان إن ما يقرب من 20 ألف مهاجر أفريقي أعيدوا إلى بلادهم في العام الماضي في إطار برنامج طوعي أطلقته المنظمة لإعادتهم من ليبيا من بينهم سبعة آلاف عادوا منذ إبرام اتفاق بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في أبيدجان في 29 نوفمبر تشرين الثاني. وأضاف أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة تهدف إلى إعادة 15 ألفا آخرين من ليبيا إلى بلادهم بنهاية الشهر الجاري.
قانون اللجوء الفرنسي
على صعيد متصل يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات بشأن خطط لتشديد قانون الهجرة مع تزايد أعداد طالبي اللجوء وتتهم منظمات الإغاثة والطوارئ حكومته بالتخطيط لعمليات طرد جماعي. وفي محاولة لتخفيف التوتر أوفد ماكرون رئيس الوزراء إداورد فيليب ليجتمع مع المنظمات ويفسر التشريع المقرر إحالته للبرلمان في الأسابيع القادمة حيث يتمتع حزبه (الجمهورية إلى الأمام) بأغلبية مطلقة. وقبل الاجتماع كانت جمعية الإغاثة الكاثوليكية (سكور كاتوليك) نددت بهذه الخطط التي توضح متى يجب إعادة المهاجرين إلى دولهم الأصلية باعتبارها خطوة إلى الوراء. وقالت مؤسسة خيرية أخرى إنها تعتزم مقاطعة الاجتماع مع فيليب.
وقال لوران جوفانوني من جمعية الإغاثة الكاثوليكية إن القانون الجديد سيؤدي إلى طرد كل من هم خارج فئة اللاجئين بسبب الحروب وهو ما يعني أن عشرات المعوزين أو المعرضين للخطر سيجبرون على الرحيل. وقال جوفانوني لإذاعة فرانس إنفو “هذه السياسة عفا عليها الزمن” وأضاف أنه اطلع على أحدث مسودة لمشروع القانون“. وسجل عدد من قدموا طلبات لجوء في فرنسا رقما قياسيا في 2017 تجاوز 100 ألف. ووعد ماكرون، الذي انتخب في مايو أيار بعد منافسة حامية مع مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة، بتسريع عملية فرز طلبات اللجوء والتعامل بمزيد من الحزم مع من لا تنطبق عليهم الشروط.
وخلال مؤتمر صحفي في روما قال ”ليس في السياسة التي تسعى إليها الحكومة ما يشكك في الحق في اللجوء لكن اللجوء لا يعني استقبال الناس عشوائيا“. وقال كريستوف كاستانير حليف ماكرون إن في الوقت الحالي لا يطرد سوى أربعة في المئة من طالبي اللجوء الذين ترفض طلباتهم. وأضاف أن الزعماء السياسيين تركوا هذه القضية تتفاقم لفترة طويلة جدا وأن هذا ”غير مقبول“. وقال ”لسنا في وضع يسمح باستقبال مليون شخص من ليبيا“.بحسب رويترز.
وقال كاستانير إن ألمانيا جرت أوروبا إلى ذلك حين فتحت أبوابها لأكثر من مليون مهاجر فروا من الصراعات خاصة من سوريا. ومضى قائلا إن طلبات لجوء نحو 300 ألف ممن دخلوا ألمانيا رفضت. وتشعر جماعات الإغاثة بالقلق منذ أجرت وزارة الداخلية تعديلا في الآونة الأخيرة لمد أجل عمليات التفتيش على الفنادق ومراكز الإيواء التي يقيم بها آلاف المهاجرين وبينهم كثيرون قد يواجهون الطرد.
النفاق الاوروبي
الى جانب ذلك هاجم وزير الهجرة اليوناني يانيس موزالاس "نفاق" أوروبا التي قال انها ترفض تقاسم أعباء مئات من القاصرين الذين يعيشون بمفردهم في مخيم في موريا في جزيرة ليزفوس في بحر ايجه. وقال الوزير خلال مقابلة مع وكالة الانباء اليونانية نشرتها الوزارة "في موريا لدينا مشكلات مع اللاجئين القصر الذين هم بدون أهلهم. نحن نطلب من أوروبا أن تأخذ بعضهم ولكنها لا تفعل". ويعيش وفق مصدر وزاري 250 قاصرا بدون أهلهم في موريا بالاضافة الى 68 قاصرا مع أقارب لهم.
وزار الوزير المخيم بمناسبة عيد الميلاد في حين نشرت وسائل الاعلام اليونانية والاجنبية تقارير عن ظروف العيش البائسة في المخيم الاكثر اكتظاظا بين مخيمات الجزر اليونانية في بحر ايجه والتي تستقبل اكثر من خمسة آلاف لاجىء في حين ان قدرتها الاستيعابية لا تزيد عن 2300. وقال موزالاس "يجب أن تكف اوروبا عن النفاق. من السهل كيل الاتهامات لكن الصعب هو تحمل أعباء اللاجئين والمهاجرين من دون الاضرار بمصالح المجتمعات المحلية وهذا ما علينا فعله". بحسب فرانس برس.
وزاد البرد والمطر من الظروف البائسة في موريا حيث لا يزال بعض اللاجئين يعيشون في خيام لكن موزالاس اكد انه سيتم ارسال مستوعبات اضافية قريبا لايوائهم. وعبرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة عن "قلقها" ازاء الوضع في موريا. وقال ممثلها بوريس شيشيركوف ان "عائلات ورضع ومعوقين يعيشون في خيام ليس فيها وسائل للتدفئة"، معربا عن قلقه حيال وجود "توتر" بين سكان المخيم. وتسبب الطقس البارد السنة الماضية بوفاة ثلاثة من لاجئي موريا.
توزيع الحصص
على صعيد متصل دعا مستشار النمسا الجديد زيباستيان كورتس إلى وضع نهاية للمحاولات ”الفاشلة“ لتطبيق نظام حصص لتوزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي وحث على بذل جهود جديدة لمساعدة اللاجئين في أوطانهم. وشغل كورتس سابقا منصب وزير الخارجية وهو يحكم الآن في ائتلاف مع حزب الحرية اليميني المتطرف. وعندما كان كورتس وزيرا للخارجية كان من المنتقدين بشدة لقرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بفتح حدود ألمانيا أمام أكثر من مليون مهاجر في 2015.
وبعد أن أصبح مستشارا للنمسا انضم لدول مثل المجر وجمهورية التشيك في الاعتراض على مقترحات تدعمها ألمانيا لتوزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي. وقال كورتس لصحيفة فيلت ام سونتاج الألمانية إن ”إجبار الدول على قبول لاجئين غير مجد لأوروبا. هذا النقاش غير منطقي.“ وقال إن ”المهاجرين الذين يتوجهون لأوروبا لا يريدون الذهاب إلى بلغاريا أو المجر. فهم يريدون الذهاب إلى ألمانيا أو النمسا أو السويد“. بحسب رويترز.
وبدلا من التوسع فيما وصفه بسياسة ”فاشلة“ دعا كورتس الاتحاد الأوروبي إلى دعم ”الجهود الرامية إلى مساعدة المهاجرين في بلادهم أو في الدول المجاورة، ربما عسكريا“. وقال “لو كان ذلك غير ممكن فيتعين مساعدتهم حينئذ في مناطق آمنة في القارة التي ينتمون إليها. ”يجب على الاتحاد الأوروبي دعم ذلك ربما حتى تنظيم ذلك ودعمه عسكريا“. ولم يتضح من مقتطفات المقابلة التي نشرتها الصحيفة نوع الدعم العسكري الذي يتصوره كورتس.
من جانب اخر لن تقبل الدنمرك بشكل تلقائي بعد الآن حصة من اللاجئين بموجب برنامج الأمم المتحدة لإعادة التوطين بعد أن أقرت قانونا يمكن الحكومة من تحديد عدد من سيتاح لهم الدخول كل عام. وكانت الدنمرك وافقت في عام 1989 على استقبال 500 لاجئ سنويا تختارهم الأمم المتحدة تنفيذا للبرنامج الذي يهدف لتخفيف العبء عن الدول المجاورة لمناطق الحروب. لكنها رفضت استقبال أي حصة من اللاجئين بموجب برنامج الأمم المتحدة بعدما تسببت أزمة الهجرة في أوروبا في 2015 في تقديم نحو 20 ألف طلب للجوء. وبموجب القانون الجديد ستقرر وزيرة الهجرة عدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالدخول بموجب برنامج الأمم المتحدة وسيكون العدد 500 هو الحد الأقصى إلا إذا كان هناك ”وضع استثنائي“.
بريطانيا بعد بريكست
من جهة اخرى سجلت الهجرة الى بريطانيا تراجعا في العام التالي لاستفتاء بريكست مع تراجع عدد الاوروبيين الوافدين وارتفاع المغادرين منهم، بحسب ارقام رسمية. واورد المكتب الوطني للاحصاء الفارق بين اعداد الوافدين والمغادرين لفترة عام على الاقل عددا صافيا بلغ 230 الف مهاجر في الاشهر الـ12 حتى نهاية حزيران/يونيو 2017. ويشكل ذلك تراجعا سنويا حجمه 106 الاف اي حوالى 31%.
وهذا التقييم هو الاول الكامل لفترة عام منذ تصويت بريطانيا لصالح مغادرة الاتحاد الاوروبي في حزيران/يونيو 2016، ويعلق عليه معارضوه بالقول انه كشف عن هجرة ناجمة عن بريكست. وبالاجمال، شهد العام المعني وصول 572 الف شخص ومغادرة 342 الفا من والى الاراضي البريطانية. وقال النائب إد ديفي المتحدث باسم الحزب المعارض "الليبراليون الديموقراطيون" ان بريطانيا كانت "تجذب بعضا من اكثر البشر ابتكارا وجهدا في سوق العمل الدولية، لكننا الان نرى مؤشرات واضحة على بريكسودس"، اي هجرة ناجمة عن بريكست.
لكن رئيسة فرع الهجرة الدولية في مكتب الاحصاء نيكولا وايت كتبت في التقرير انه ما زال من "المبكر جدا" التحديد ما اذا كان التراجع "يشكل توجها على المدى الطويل". وكتبت ان "هذه التغيرات تشير الى ان بريكست سيشكل عاملا على الارجح في قرارات الهجرة من او الى المملكة المتحدة. لكن قرارات الهجرة معقدة فيما ستؤثر عوامل اخرى على الارقام".
ولطالما تعهد حزب رئيسة الوزراء تيريزا ماي المحافظ تخفيض الهجرة الصافية السنوية الى "عشرات الالاف". وقال متحدث ان الارقام تعكس "انجاز تقدم في هذا الاتجاه" مشددا على "المساهمة المستمرة" للهجرة في بريطانيا، ومقللا من التراجع في حجم المواطنين الاوروبيين. وقال "من الجلي ان مواطني الاتحاد الاوروبي ما زالوا يصلون الى المملكة المتحدة وما زالوا يقدمون مساهمة كبرى هنا".
اضف تعليق