مع استمرار الحروب والصراعات في مختلف دول العالم، تتواصل الانتهاكات والجرائم المختلفة التي يتعرض لها الملايين من البشر، وتشمل جرائم الحرب والتي غالباً ما ترتكب أثناء الحرب الأهلية أو الحروب بين الدول بحسب بعض المصادر، الإعدام بدون محاكمات واستغلال الملكيات الخاصة و التعذيب و ترحيل الناس رغماً عنهم وبدون إرادتهم ؛ وتنص المادة 147 من اتفاقية جينيف على أن هذه الأفعال تعتبر جرائم حرب عندما ترتكب في أوقات الحرب، في حين أن الجرائم ضد الإنسانية يمكن أن تعرف على أنها الاضطهاد المتعمد للمدنيين على أساس عدد من العوامل مثل العرق أو المعتقدات السياسية أو الثقافة أو الدين، وإن الجرائم ضد الإنسانية والتي غالباً ما ترتكب من قبل المسؤولين الحكوميين، تشمل عادةً أعمال العنف الجنسي و الإبادة و السجن واستعباد البشر. وجرائم الحرب يمكن أن ترتكب بجهد جماعي من قبل الجنود ، أو عن طريق عنصر واحد من العناصر المشاركين بالجيش بأي رتبة كان. وجرائم الحرب تمتاز بوصفها جرائم غير قابلة للتقادم، ستجلب المتهمون والقائمون بها أمام المحاكم الدولية أو المحلية، ولا يمكن إسقاطها لكونها ليست حقوق فردية، ففي هذه الحالة المكوث أمام المحكمة هي مسألة وقت ليس إلا.
ولهذه الجرائم محكمة خاصة تعرف بـ( المحكمة الجنائية الدولية) تأسست بصفة قانونية في الأول من يوليو/تموز عام 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من السنة نفسها. تعمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر التحقيق في جرائم الإبادة وجرائم الحرب. وصادقت حتى الآن على قانون المحكمة 114 دولة، وتلتقي في جمعية للدول الأعضاء، وهي هيئة تراقب عمل المحكمة، التي يرى البعض انها مجرد مؤسسة ضعيفة خصوصا وانها عاجزة عن محاسبة بعض الحكومات والدول العظمى المتهمة بارتكاب ابشع الجرائم ضد لانسانية.
اتهامات جديدة
وفي هذا الشأن نشرت المحكمة الجنائية الدولية تقريرا حول ممارسات لجنود بريطانيين في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003. يذكر أن لندن قررت في وقت سابق من هذا العام إلغاء جهاز مكلف بالتحقيق في اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها عسكريون بريطانيون في العراق، وهو ما أثار انتقادات منظمة العفو الدولية. وقالت فاتو بن سودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية إن هناك "أساسا منطقيا" للاعتقاد بأن جنودا بريطانيين ارتكبوا جرائم حرب في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
وأوضحت فاتو بن سودا في تقرير أنه "بعد إجراء تقييم قانوني دقيق للمعلومات المتاحة، هناك أساس منطقي للاعتقاد بأن أعضاء بالقوات المسلحة البريطانية ارتكبوا جرائم حرب" ضد معتقلين. وتم نشر هذا التقرير المؤلف من 74 صفحة في وقت تنعقد فيه الدورة السنوية السادسة عشرة للدول الأعضاء في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. وفي وقت سابق من هذا العام قررت الحكومة البريطانية إلغاء جهاز مكلف بالتحقيق في اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان ارتكبها عسكريون بريطانيون في العراق، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية. بحسب فرانس برس.
وانتقدت منظمة العفو الدولية على الفور القرار معتبرة أن الانتهاكات المقترفة في العراق "ينبغي عدم نسيانها". وخدم نحو 120 ألف جندي بريطاني في العراق أثناء الحرب. وغادر آخر الجنود البريطانيين العراق في 2009 لكن لندن أبقت عددا محدودا حتى 2011 لتدريب القوات العراقية.
شكوى وتحقيق
الى جانب ذلك تقدمت منظمة غير حكومية بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة بتهمة "ارتكاب جرائم حرب" في اليمن. وقال جوزيف بريهام محامي المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إن الشكوى تتعلق "باستخدام أسلحة محظورة" و"هجمات عشوائية ضد مدنيين" و"أعمال تعذيب في السجون اليمنية يرتكبها مرتزقة توظفهم الإمارات"، المشاركة في التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. وأوضح بريهام أن "الشكوى تتعلق بالأعمال التي ترتكبها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن".. "والدولتان لا تعترفان باختصاص المحكمة الجنائية الدولية".
ومع ذلك، أضاف أن "مرتكبي هذه الجرائم هم مرتزقة، يعملون مع دولة الإمارات العربية المتحدة ويأتون من كولومبيا وبنما والسلفادور وجنوب إفريقيا أو أستراليا، وهي بلدان تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية المؤهلة لبدء تحقيق". وتتهم المنظمة غير الحكومية هؤلاء المرتزقة باستخدام القنابل العنقودية، المحظورة بموجب اتفاقية أوسلو، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2010. وأشارت إلى احتمال مسؤوليتهم عن العديد من "الضربات الجوية التي تستهدف منازل المدنيين أو المستشفيات أو المدارس". بحسب فرانس برس.
كما تتهم المنظمة المرتزقة بـ"معاملة غير إنسانية" وصلت إلى حد "التعذيب" أو "الإعدام" في السجون اليمنية. وبين أكثر من خمسة آلاف مدني قتلوا منذ مارس 2015، أفادت التقارير بأن قرابة الثلثين سقطوا ضحية قوات التحالف، وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة في أوائل سبتمبر.
أوامر قضائية
على صعيد متصل ذكرت مصادر قضائية وأمنية بوسنية أن 13 بوسنياً أوقفوا بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الصرب في منطقة كونيتش الجنوبية خلال حرب البوسنة (1992–1995). وأضاف بيان نقلته الصحف: «إنهم قادة سابقون للجيش البوسني ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب ضد عشرات الصرب في برادينا وكونيتش ومناطق أخرى». وأوضحت الشرطة أنها قبضت على المشتبه فيهم في كونيتش وساراييفو.
وكشفت النيابة العامة أن الجرائم التي يشتبه في ارتكابها حدثت إبّان ربيع وصيف عام 1992. وأضاف المصدر أن «جميع السكان الصرب في هذه المنطقة تقريباً اضطروا إلى مغادرة البلاد». ويتهم هؤلاء بـ«قتل وتعذيب واغتصاب واضطهاد وطرد مدنيين». وفي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حكم على أدهم زيليتش الذي كان مسؤولاً عن معسكر اعتقال للصرب في كونيتش، بالسجن تسع سنوات في ساراييفو. وأسفر النزاع في البوسنة عن مقتل حوالى 100 ألف شخص.
وفي شأن آخر، أعلن مصدر قضائي في البوسنة وضع متشدد قيد الاحتجاز بعد توقيفه في ساراييفو، حيث كانت بحوزته كمية كبيرة من الأسلحة. وكان أمين حوجيتش (25 عاماً) سجن العام الماضي لمدة سنة بسبب انضمامه لفترة ثلاثة أشهر إلى تنظيم (داعش) عام 2013 . وفي مكان غير بعيد عن السفارة الأميركية، قبضت الشرطة عليه في محطة الحافلات في ساراييفو. وعثرت الشرطة في سيارته على قاذفة صواريخ وبندقيتين آليتين وكمية كبيرة من الذخيرة ولغم مضاد للأفراد، فضلاً عن أربع قنابل يدوية، بحسب النيابة العامة.
وقال الناطق باسم النيابة العامة في ساراييفو عزرا بافغيتش إن «محكمة ساراييفو أصدرت أمراً باحتجاز أمين حوغيتش مدة شهر». لكنه لم يوضح ما إذا كان يخطط القيام بأعمال إرهابية. وهو ملاحق حالياً بسبب حيازته أسلحة ومتفجرات في شكل غير مشروع. وتعرضت السفارة الأميركية في ساراييفو لهجوم إرهابي في تشرين الأول (أكتوبر) 2011، عندما أطلق مولد ياساريفيتش النار لمدة ساعة على المبنى، جرح خلالها شرطي قبل أن يصاب المهاجم ويقبض عليه. وحكم عليه فيما بعد بالسجن 15 عاماً. بحسب رويترز.
وانضم الآلاف من مواطني دول غرب البلقان إلى صفوف المتشددين للقتال في سورية والعراق منذ العام 2012، وفقاً للأرقام التي صدرت الأسبوع الماضي خلال مؤتمر حول هذا الموضوع في سلوفينيا. لكن أعدادهم تقلصت إذ عاد حوالى 300 شخص إلى بلادهم، وقتل أكثر من 200 خلال المواجهات ولا يزال هناك حوالى 400 في سورية والعراق.
محاكمات مستمرة
من جانب اخر ولأول مرة في ألمانيا، يبدأ القضاء في فرانكفورت (غرب) محاكمة متهمين بارتكاب جرائم حرب خارج الأراضي الألمانية، بالتحديد في سوريا والعراق، ويبدو التحقيق فيها معقدا بسبب فقر المعلومات الدقيقة والاعتماد على صور دعائية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين المتهمين الذين ستبدأ المحكمة بالاستمتاع إليهم الألماني أريا ال. (21 عاما) الذي يواجه تهمة "ارتكاب جريمة حرب" في سوريا والذي يظهر في صورة وهو يقف إلى جانب رأسين مقطوعتين معلقتين على عمودين في سوريا.
ومن أبرز المشتبه بهم كذلك السوري إبراهيم ف. (41 عاما) الذي يعتقد أنه كان زعيم ميليشيا قامت بخطف وتعذيب مدنيين في حلب، و سليمان أ. س. (24 عاما) الذي يشتبه بأنه قام بخطف أحد جنود الأمم المتحدة في 2013. وقالت متحدثة باسم النيابة الاتحادية إن "عشرة تحقيقات مرتبطة بسوريا والعراق" تجري حاليا، إلى جانب أكثر من ثلاثين قضية ضد جهاديين سابقين بتهمة "الانتماء إلى مجموعة إرهابية".
وفي مؤشر إلى الأهمية المتزايدة لهذه الملفات، يتلقى المحققون بين 25 وثلاثين معلومة كل يوم عن طريق إجراءات اللجوء التي باتت تشمل منذ نهاية 2013 استمارة تتضمن أسئلة عن جرائم الحرب، مخصصة للمواطنين السوريين. وقالت جيرالدين ماتيولي المكلفة بالقضاء الدولي في منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن "تدفق اللاجئين يقدم فرصا جديدة لجمع المعلومات الدقيقة. مضيفة إن الملاحقة القضائية أيا تكن درجة الحماس فيها يمكن أن تطال "أشخاصا ليسوا من الصفوف العليا بالضرورة ومن المعارضة" بدون أن تعكس "خطورة الجرائم التي ارتكبها النظام".
وقد استقبلت ألمانيا في 2015 أكثر من مليون مهاجر ولاجئ، إلا أن المستشارة أنغيلا ميركل تعرضت لضغوط شديدة وسط معسكر المحافظين الذي تنتمي إليه بسبب سياستها اتجاه المهاجرين، ومن قبل المعارضة التي تتهمها بفتح أبواب ألمانيا على مصرعيه للمهاجرين، كحزب "البديل من أجل ألمانيا" المناهض للمهاجرين الذي أصبح القوة السياسية الإقليمية الثانية في البلاد.
اضف تعليق