منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تموز/يوليو 2016، ماتزال السلطات التركية وعلى الرغم من الانتقادات الدولية تواصل حملتها الأمنية ضد المعارضين من جماعة فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، التي عززت أيضا سلطات الرئيس التركي الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أصبح يتمتع بصلاحيات جديدة حصل عليها عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهو ما اثر سلبا على ملف الحقوق والحريات في تركيا، التي شهدت وبحسب بعض المصادر، حملة قمعية واسعة النطاق من قبل الحكومة، ضد عدد كبير من الموظفين الحكوميين وموظفي المجتمع المدني، والذين استهدفتهم تلك الحملة بصورة رئيسية لاتهامهم بأن لهم صلات بحركة فتح الله غولن.
حيث تم اعتقال وحبس وفصل الآلاف منهم، وأُغلِقت ايضا المئات من المؤسسات الإعلامية والخدمية والمنظمات غير الحكومية، وتم ايضا اعتقال الكثير من الصحفيين والناشطين، وأعضاء في البرلمان، واستمرت انتهاكات حقوق الإنسان من قِبَل قوات الأمن، مع الإفلات من العقاب، وخاصةً في المناطق الواقعة في جنوب شرق تركيا، ذات الأغلبية الكردية في البلاد، ودهورت حرية التعبير تدهوراً حاداً خلال العام، فبعد إعلان حالة الطوارئ، تم اعتقال وحبس أكثر 118 صحفياً حبساً احتياطياً تمهيداً لمحاكمتهم، وتم إغلاق عدد 184 من دور الإعلام تعسفاً، وبشكل دائم، بموجب مراسيم تنفيذية، مما أدى إلى فرض قيود مُشددة على وسائل إعلام المعارضة. فالأشخاص الذين قاموا بالتعبير عن آرائهم المُعارِضة، قد تعرضوا للتهديدات باستخدام العنف ضدهم، والملاحقة الجنائية؛ هذا بالإضافة إلى تشديد الرقابة على شبكة الإنترنت. وعلاوة على ذلك، فقد تم إغلاق مقار 375 منظمة غير حكومية على الأقل، بما في ذلك الجمعيات المُدافعة عن حقوق المرأة، ورابطات المحامين، والمُنظمات الإنسانية، وذلك بموجب المرسوم التنفيذي الذي صدرَ في نوفمبر/تشرين الثاني.
الاعلام المعارض
وفي هذا الشأن بدأت في إسطنبول محاكمة موظفين في صحيفة "زمان" التي أغلقتها السلطات التركية لاتصالها بالداعية فتح الله غولن المسؤول وفق أنقرة عن محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016. ووضعت السلطات اليد على "زمان" ونسختها الإنكليزية "تودايز زمان" في آذار/مارس 2016 قبل إغلاقهما في تموز/يوليو من العام نفسه في أعقاب محاولة الانقلاب. ويخضع 31 صحافيا وإداريا في الصحيفة للمقاضاة في المحاكمة التي بدأت في قاعة جلسات محاذية لسجن سيليفري في ضاحية إسطنبول.
وأبقت السلطات 22 من المتهمين قيد الاعتقال فيما التسعة الآخرون يتوزعون بين مستفيدين من إفراج مشروط وفارين، وفق ما قالت وكالة أنباء الأناضول الحكومية. واتهم هؤلاء بمحاولة قلب الحكومة والانتماء إلى منظمة إرهابية ويواجهون عقوبات متعددة بالسجن مدى الحياة في حال إدانتهم في ختام المحاكمة. ومن أبرز المتهمين الموقوفين كاتبان رئيسيان في الصحيفة هما ممتازر توركوني وشاهين الباي. بحسب فرانس برس.
وهذه المحاكمة هي الأخيرة في سلسلة تتعلق بصحافيين في تركيا، أبرزها تلك التي افتتحت في أواخر تموز/يوليو ضد 17 موظفا في صحيفة جمهورييت المعارضة. ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان في هذه المحاكمات انعكاسا لمدى تدهور وضع الحريات في تركيا منذ محاولة الانقلاب التي تلتها حملة تطهير واسعة النطاق في أوساط المعارضين، وأبرزهم النواب المتعاطفون مع الأكراد ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. وأفاد موقع بي24 المعني بحرية الصحافية أن نحو 170 صحافيا موقوفون حاليا في تركيا، التي باتت في المرتبة 155 من 180 في تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة للعام 2017.
على صعيد متصل أفرج عن غورسيل، الصحافي وكاتب المقالة منذ التسعينيات، بعد إمضائه 330 يوما في السجن لملاحقته في إطار قضية مثيرة للجدل تستهدف "جمهورييت". واعتبر غورسيل ان "الصحافة التركية بين الحياة والموت" ووضعها "يفطر القلب" بسبب تدهو حرية التعبير والقيود التي تفرضها السلطات. لكنه ما زال يتحلى بالامل.
وقال "لمن يقول ان الصحافة ماتت أجيب انها في غيبوبة"، مضيفا "أعني بذلك انها قادرة على الخروج من هذه الغيبوبة" وهذا رهن بالصحافيين أنفسهم. وانضم غورسيل بين 1993 و1997 إلى فريق جمهورييت في 2016، بعد مغادرة صحيفة "ملّييت" لدى اتخاذها خطا تحريريا أكثر حذرا. ويؤكد غورسل انه سيواصل الكتابة لصالح الصحيفة لكن "في الوقت الراهن لا أشعر انني مستعد. أحتاج لبعض الوقت"، مضيفا ان "الصحافة هي المهنة الوحيدة التي أعرفها". وأكد غورسيل بالعودة إلى الفترة التي أمضاها في السجن انه تمكن من الحفاظ على صحته الجسدية والنفسية.
وقال "لم احسب الأيام أبدا (...) واظبت على النظر إلى الامام والتفكير في المستقبل". أَضاف "لم أرغب في منح الذين أبقونا معتقلين شعورا بالرضى. لذلك لم أتذمر على الإطلاق". بعيدا عن اعتبار فترة سجنه عاماً خسره، رأى غورسيل انه "حولها إلى فرصة" بالغوص في قراءات لم يسمح له الوقت بها اثناء عمله. وأكد "بعد جميع التجارب ما زالت استطيع السير مرفوع الرأس. هذا يشعرني بالفخر".
اعتقالات مستمرة
الى جانب ذلك ألقت تركيا القبض على المحامي الذي يدافع عن زعيم المعارضة الرئيسي بدعوى ارتباطه بصلات بالشبكة المتهمة بتنفيذ محاولة الانقلاب العام الماضي في إطار حملة حكومية آخذة في الاتساع. وكان المحامي جلال جليك قاضيا بالمحكمة العليا استقال من منصبه في سبتمبر أيلول 2011 احتجاجا على تزايد نفوذ أتباع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن في القضاء. لكن جليك اعتقل من منزله في أنقرة ضمن عمليات تستهدف شبكة كولن.
ونقلت قناة (سي.إن.إن ترك) عن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليجدار أوغلو وهو حزب المعارضة الرئيسي قوله ”ما حدث اليوم عار باسم الديمقراطية“. وفي الآونة الأخيرة أدلى الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادته بتصريحات اتسمت بنبرة أكثر حدة بشأن قليجدار أوغلو واتهماه مرارا هو وحزب الشعب الجمهوري بالارتباط بصلة بشبكة كولن وبالتعاون مع ما يطلقان عليه ”التنظيم الإرهابي“. وقال قليجدار أوغلو إن الحكومة تدعم شبكة كولن بينما ترفع شعار محاربتها. وقال بولنت تزجان المتحدث باسم حزب الشعب إن اعتقال المحامي مؤامرة ضد الحزب.
من جانب اخر قالت قناة (إن.تي.في) إن السلطات التركية أصدرت أوامر باعتقال 79 موظفا سابقا في مدارس على خلفية صلات مزعومة بمحاولة الانقلاب العام الماضي. ويشتبه بأن هؤلاء الموظفين السابقين استخدموا تطبيق (بايلوك) للرسائل النصية المشفرة والذي تقول الحكومة إن شبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن تستخدمه. وكان المشتبه بهم يعملون في مدارس خاصة ومراكز تعليمية تجهز الطلاب لامتحانات القبول بالجامعات ويدير أنصار كولن الكثير منها.
وأقيل نحو 150 ألف شخص أو صدرت أوامر بإيقافهم عن العمل في القطاعين العام والخاص منذ محاولة الانقلاب ومن بينهم بعض الأشخاص الذين عملوا في مدارس أسسها أنصار لكولن كما اعتقل أكثر من 50 ألفا بسبب صلاتهم المزعومة بها. وأثارت الحملة قلق جماعات حقوقية وحلفاء لتركيا في الغرب يخشون أن تتخذ الحكومة من الانقلاب الفاشل ذريعة لسحق المعارضة. لكن الحكومة تقول إن شبكة كولن متغلغلة بشدة في المؤسسات التركية والجيش والمدارس والقضاء وإنه لا يمكن تحييد الخطر إلا بعملية تطهير واسعة النطاق.
تبعية القضاء
في السياق ذاته قال الزعيم السياسي التركي المسجون المؤيد للأكراد صلاح الدين دمرداش إنه ليس هناك بين القضاة من يستطيع الوقوف في وجه الرئيس رجب طيب إردوغان معبرا عن تشككه في إمكانية حصوله على محاكمة نزيهة بعدما وصفه إردوغان علنا بأنه إرهابي. وفي مقابلة نادرة مع رويترز من سجنه قال دمرداش زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد إنه يعتقد أن عليه تحمل بعض اللوم لإخفاقه في منع انهيار محادثات السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني المحظور.
وكانت السلطات ألقت القبض على دمرداش، وهو محام سابق لحقوق الإنسان، وأكثر من عشرة نواب في البرلمان عن حزب الشعوب في حملة أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي. ويواجه معظم النواب تهمة الارتباط بصلات بحزب العمال الذي تصنفه الحكومة التركية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وينفي النواب المعتقلون التهم. وقال دمرداش "قرار القبض عليّ وعلى زملائي سياسي. السلطة القضائية في الوقت الراهن تحت السيطرة الكاملة والضغط من حزب العدالة والتنمية" في إشارة إلى الحزب الحاكم الذي أسسه إردوغان.
وقال في رد مكتوب على أسئلة قدمتها رويترز لمحاميه "الفرصة في محاكمة نزيهة غير متاحة لأحد". وقال دمرداش "لسوء الحظ لا يمكن لأي قاض في تركيا الاعتراض على تعليقات إردوغان غير القانونية والمتجاوزة. يواجه القضاة خطر العزل أو الإقالة أو السجن. سنحاسب بالتأكيد إردوغان والقضاة الذين ينصاعون له". وحول دمرداش حزب الشعوب الديمقراطي إلى ثالث أكبر حزب بالبرلمان واستقطب تأييدا من خارج قاعدة دعمه الأساسية بين الأكراد ليجتذب بعض الليبراليين. وهدد صعود الحزب في وقت من الأوقات بإعاقة حزب العدالة والتنمية عن التمتع بأغلبية مطلقة بالبرلمان. بحسب رويترز.
ويطالب الادعاء بسجن دمرداش 142 عاما والزعيمة المشاركة السابقة للحزب فيجن يوسيكداج بالسجن 83 عاما بتهمة نشر دعاية داعمة لمنظمة إرهابية. ورفض دمرداش الذي سجن في نوفمبر تشرين الثاني ويحتجز في سجن بإقليم إدرنة بشمال غرب البلاد حضور جلسة بالمحكمة عندما أبلغته الشرطة أنه ينبغي تكبيل يديه. وفي بعض الأحيان ينشر الحزب أعماله الفنية من السجن، ومنها قصص قصيرة ورسمان أحدهما لحصان والآخر لطفل صغير يحدق بعينيه من باب مفتوح.
اضف تعليق