مع استمرار الانتهاكات التي يقوم بها جيش ميانمار ضد الأقلية المسلمة في هذه البلاد، تفاقمت بشكل كبير معاناة نازحي الروهينجا الانسانية نتيجة العنف، حيث حذرت العديد من المنظمة الإنسانية من تفاقم الأزمة جراء انعدام الطعام والشراب وقلة المساعدات الإنسانية وتفشي الأمراض، خصوصا مع تزداد أعداد اللاجئين في المخيمات ببنجلاديش المجاورة لميانمار (بورما سابقا) بسبب استمرار العنف، حيث لا تستطيع الحكومة البنجلاديشية، والمنظمات الإغاثية توفير ما تحتاجه كل هذه الأعداد. وأكدت منظمة أطباء بلا حدود الدولية ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية في بنجلاديش بشكل كبير، لتجنّب وقوع كارثة كبيرة في مجال الصحة العامة، وذلك إزاء وصول مئات آلاف من لاجئي الروهينجا.
وشهدت ولاية راخين، موطن مئات الآلاف من الروهينجا، موجة عنف تسبب في نزوح ما يزيد عن 422 ألف شخص إلى بنجلاديش خلال ثلاثة أسابيع، وذلك عقب هجوم القوات البورمية على الأقلية المسلمة في حملة تهدف إلى طرد السكان المسلمين من البلاد. وترفض ميانمار التي تسكنها أغلبية بوذية ذلك وتقول إن قواتها تنفذ عمليات تطهير ضد مسلحين من جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان الذي أعلن مسؤوليته عن هجمات أغسطس آب وعمليات أصغر في أكتوبر تشرين الأول الماضي.
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ايضا، عن ارتفاع أعداد مسلمي الروهينجا الفارين إلى بنجلاديش جراء أعمال العنف. وأشارت المنظمة، في بيان لها، إلى مهمة ضخمة مقبلة لحماية مئات الآلاف من الأطفال اللاجئين. وتطالب المنظمة بتوفير 7.3 مليون دولار أمريكي للمساعدة في توفير الحماية لأطفال الروهينجا على مدار الشهور الأربعة المقبلة. ويُشار إلى أن العديد من الدول والمنظمات طالبت بوقف العنف الواقع على أقلية الروهينجا المسلمة في ميانمار ذات الأغلبية البوذية.
فى سياق متصل، أكدت يانغى لى، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بميانمار أن أكثر من ألف شخص لقوا مصرعهم على إيدى البوذيين، مضيفة أن الأرقام لا تزال غير دقيقة بسبب صعوبة وصول مبعوثى الأمم المتحدة للمناطق المتضررة. بينما أشار المتحدث الرسمى للحكومة بميانمار إلى أن أعداد الضحايا لا تتجاوز الـ421 شخصا، ومن جانب آخر، أكدت مفوضة الأمم المتحدة أن اللاجئين من الروهينجا لقوا حتفهم غرقًا خلال فرارهم لبنجلاديش، معظمهم من النساء والأطفال.
تحذيرات متواصلة
وفي هذا الشأن قالت وكالة إغاثة إن لاجئين من الروهينجا قد يلقوا حتفهم بسبب عدم كفاية الكميات المتاحة من الغذاء والماء والمأوى للأعداد الكبيرة منهم التي هربت إلى بنجلادش من العنف في ميانمار. وقال مارك بيرس مدير وكالة (إنقذوا الأطفال) للإغاثة ببنجلادش في بيان ”يصل العديد من الناس جوعى ومرهقين بلا غذاء ولا ماء. أنا قلق لأن الطلب بالأخص على الغذاء والماء والمأوى والمتطلبات الصحية الأساسية لا يلبى بسبب الأعداد الكبيرة من المعوزين. إن لم تتوافر للأسر احتياجاتها الأساسية فسيسوء الوضع الذي يعانون منه وقد يلقى البعض حتفهم“.
وتواجه بنجلادش منذ عقود تدفقات من الروهينجا الهاربين من الاضطهاد في ميانمار ذات الأغلبية البوذية حيث يعتبرون الروهينجا مهاجرين غير شرعيين. وكانت بنجلادش بالفعل موطنا لأربعمائة ألف لاجئ من الروهينجا قبل أن تنفجر الأزمة الأخيرة. وقال بيرس إنه ينبغي رفع درجة الاستجابة الإنسانية للوضع. مضيفا أنه ”لن يتحقق ذلك إلا إذا قام المجتمع الدولي بزيادة التمويل“. ورأى قادة الامم المتحدة أن الحملة العسكرية تحمل جميع بصمات "التطهير العرقي" للروهينغا، الأقلية المحرومة من الجنسية والتي تعاني من الاضطهاد والقمع منذ سنوات.
من جهة اخرى حذرت منظمات انسانية ووكالات اممية من كارثة صحية تحدق بمخيمات اللاجئين الروهينغا في بنغلادش نتيجة نقص الغذاء والماء وصعوبة الوصول الى هذه المخيمات التي تفتقر الى المراحيض وتنتشر فيها يوما تلو الآخر برك المياه الآسنة، مما يهدد بتفشي الامراض والاوبئة. وقال روبرت اونوس منسق الطوارئ لدى منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان ان "كل الشروط متوافرة لانتشار وباء يتحول الى كارثة على نطاق واسع"، مشيرا الى خشية المنظمة من انتشار الكوليرا والحصبة بشكل خاص.
وفرّ أكثر من 420 الف مسلم من اقلية الروهينغا الى بنغلادش في الاسابيع الاخيرة هربا من حملة قمع يشنها الجيش البورمي اعتبرتها الامم المتحدة انها "تطهير اتني". ومضى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الخميس حتى القول بانها "ابادة". وعند وصولهم الى بنغلادش، يضطر اللاجئون الى اللجوء الى التلال بسبب اكتظاظ المخيمات او الى البقاء على جوانب الطرقات. واثارت الامطار الغزيرة التي هطلت في الايام الاخيرة مخاوف من حصول انزلاقات تربة.
وقالت كيت وايت المنسقة الطبية لحالات الطوارئ لدى منظمة "اطباء بلا حدود" ان "المخيم ليس فيه طريق داخلية ما يجعل ايصال المساعدات صعب جدا. كما ان وجود الوديان يجعل الارض معرضة للانزلاق بالاضافة الى عدم وجود مراحيض". وتابعت وايت "عندما نسير في المخيم ندوس في المياه الاسنة والفضلات البشرية". ونظرا لعدم توفر مياه للشرب يشرب اللاجئون مياها يتم جمعها في حقول الارز والبرك وحتى في حفر صغيرة يتم نبشها بالايدي وغالبا ما تكون ملوثة بالفضلات". وتوضح وايت "نستقبل كل يوم بالغين على وشك الموت من الجفاف"، مضيفة "عادة هذا امر نادر جدا لدى البالغين ودليل على اننا ازاء حالة طارئة على نطاق واسع".
وشددت المنظمة من جهة اخرى على ضرورة السماح لمنظمات الاغاثة الانسانية بالوصول الى النازحين الروهينغا في الجانب الاخر من الحدود، داخل بورما. ولا يزال الاف الاشخاص يفرّون او يختبئون في الغابات والجبال هربا من الحرائق في قراهم. وقبل اندلاع الازمة الحالية كان عدد الروهينغا في بورما اكثر من مليون. وقد فر نصفهم تقريبا منذ الهجمات الدامية من قبل متمردي "جيش انقاذ روهينغا اراكان" على مواقع للجيش في 25 آب/اغسطس الماضي. وكثيرا ما يتعرض أبناء هذه الاقلية المسلمة للاضطهاد في بورما حيث يعتبرون مهاجرين غير شرعيين وتفرض عليهم قيود مشددة. بحسب فرانس برس.
واعلن مسؤول في الامم المتحدة ان المنظمة الدولية بحاجة على مدى الاشهر الستة المقبلة لمبلغ 200 مليون دولار للتصدي للازمة الانسانية "الكارثية" الناجمة عن تهجير الروهينغا. وقال روبرت واتكينز منسق الامم المتحدة في بغلادش انه في مطلع ايلول/سبتمبر اطلقت المنظمة الدولية نداء عاجلا لجمع تبرعات بقيمة 78 مليون دولار للتصدي لأزمة الروهينغا، لكن هذا المبلغ لم يعد كافيا بتاتا. واضاف "في الوضع الراهن نقدر احتياجاتنا ب200 مليون دولار. نحن بصدد وضع خطة ستصبح جاهزة في غضون اربعة الى خمسة ايام". وتابع "ان وجود 430 الف لاجئ هنا هو وضع كارثي فعلا. ليس هناك اي شك في ذلك. نحن نفعل اقصى ما في وسعنا".
الجيش وعودة النازحين
على صعيد متصل دعا قائد الجيش في ميانمار النازحين جراء أعمال العنف في ولاية راخين للعودة إلى منازلهم وإعادة بناء قراهم من دون أن يتطرق إلى 422 ألفا من أقلية الروهينجا المسلمة الذين فروا إلى بنجلادش هربا من العمليات العسكرية التي شنها جيشه. وقال الجنرال مين أونج هلينج في خطاب هام بشأن خططه لولاية راخين في أول زيارة له إلى المنطقة منذ اندلاع الصراع إن الجيش تعامل مع الوضع بأفضل ما يمكن بعد موجة من الهجمات المنسقة لمتمردي الروهينجا في 25 أغسطس آب.
وقالت الأمم المتحدة إن ردة فعل الجيش على هجمات المتمردين هو تطهير عرقي يهدف إلى طرد الروهينجا خارج البلاد ذات الأغلبية البوذية. ونفت ميانمار هذه الاتهامات وقالت إن قواتها شنت حملة مشروعة على إرهابيين مسلمين هاجموا وأحرقوا قرى للبوذيين وغير المسلمين مشيرة إلى أن حوالي 30 ألفا من أهالي هذه القرى نزحوا عن مناطقهم. ولم يتطرق قائد الجيش إلى التطهير العرقي في خطابه أمام تجار ومسؤولين وعدد من النازحين في مدينة سيتوي عاصمة ولاية راخين.
وقال ”فيما يتعلق بإعادة تأهيل قرى المجموعات العرقية المحلية، يتعين أولا على أفراد هذه المجموعات العودة إلى منازلهم“. والمجموعات العرقية المحلية هي تعبير يستخدمه المسؤولون المحليون في ميانمار للإشارة إلى أفراد الجماعات العرقية الأصلية المعترف بها رسميا والذين يمثلون جزءا من التنوع في البلاد. ولا تعترف ميانمار بالروهينجا بأنهم مجموعة عرقية محلية بل تعتبرهم مهاجرين غير شرعيين لا يستحقون جنسيتها.
وقال مين أونج هلينج ”المهم هو أن يكون لشعبنا وجود في المنطقة. من الضروري أن نسيطر على المنطقة عبر مجموعاتنا العرقية المحلية“. وأضاف ”لا يمكننا أن نفعل شيئا من دون أشخاص ينتمون لمجموعاتنا العرقية .. هذا هو مكانهم الذي يستحقونه“. ولم يتطرق قائد الجيش إلى عودة الروهينجا إلى قراهم في شمال الولاية والتي بات نصفها تقريبا مهجورا أو محروقا. بحسب رويترز.
وأثارت الأزمة استنكارا دوليا ودعوات من الأمم المتحدة ومن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف أعمال العنف ودعم الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل طويل الأمد لأقلية الروهينجا. وقالت زعيمة ميانمار أونج سان سو كي في أول خطاب لها للشعب بشأن الأزمة إن ميانمار مستعدة لبدء عملية التثبت من هويات اللاجئين تمهيدا لإعادتهم بموجب اتفاقية عام 1993 مع بنجلادش. وقالت ”اللاجئون من هذه الدولة سيتم قبولهم من دون أي مشكلة“. ومن جهته لم يأت مين أونج هلينج على ذكر عودة اللاجئين من بنجلادش.
منع وصول المساعدات
من جانب اخر حاول مئات البوذيين في ميانمار منع شحنة مساعدات من الوصول إلى المسلمين في ولاية راخين حيث تتهم الأمم المتحدة الجيش بالتطهير العرقي. وقال شاهد إن محتجين ألقوا قنابل حارقة بعد أن فرقتهم الشرطة بإطلاق النار في الهواء. والاحتجاج دليل على عداء ديني متزايد يهدد بعرقلة توصيل الإمدادات الحيوية ويجيء بعد أن دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء سريع للعنف الذي أثار مخاوف بشأن تحول ميانمار من الحكم العسكري.
وكانت شحنة المساعدات، التي تنظمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في طريقها إلى شمال الولاية. وتقول الحكومة إن أكثر من 400 شخص، غالبيتهم من المتمردين، قتلوا منذ ذلك الوقت. ويقول مراقبون لحقوق الإنسان وفارون من الروهينجا إن الجيش شن حملة بهدف طرد السكان المسلمين وحرق قراهم. وترفض ميانمار هذا الاتهام وتقول إن قواتها تتصدى لمتمردي جماعة جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان، التي تتهمها الحكومة بإضرام النيران ومهاجمة المدنيين.
الى جانب ذلك وصلت دفعة جديدة من مسلمي الروهينجا الهاربين من حملة عسكرية في ميانمار إلى بنجلادش حاملين معهم روايات جديدة عن العنف والحرق فيما دعت منظمة حقوقية لفرض عقوبات على ميانمار وحظر توريد أسلحة إليها لوقف ما وصفته الأمم المتحدة بالتطهير العرقي.
وقال عثمان جوني (55 عاما) بعد أن نزل من قارب مع أولاده السبعة وزوجته ”جاء الجيش وأحرق منازلنا وقتل قومنا. كانت هناك عصابة من سكان راخين أيضا“. وتحدث الكثير من اللاجئين عن انضمام مدنيين من البوذيين العرقيين في راخين إلى جيش ميانمار في هجماته. وتنفي ميانمار ذلك وتلقي مسؤولية العنف على المتمردين من المسلمين.
وتقول جماعات حقوقية إن صورا التقطت بالقمر الصناعي تظهر إحراق نحو 80 قرية مسلمة. وتوفرت لدى هذه الجماعات أدلة أيضا على هجمات حرق بحق قرى بوذية لكن على نطاق أصغر بكثير. وكان نحو مليون من الروهينجا يعيشون في ولاية راخين قبل اندلاع العنف في الآونة الأخيرة. وتفرض على معظمهم قيود مشددة بشأن السفر ويحرمون من حقوق المواطنة في بلد يعتبرهم الكثير من مواطنيه البوذيين مهاجرين بشكل غير مشروع من بنجلادش. بحسب رويترز.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان إن قوات الأمن في مينامار تتجاهل الإدانة الدولية وإن الوقت حان لفرض عقوبات أشد لا يمكن للجنرالات أن يتجاهلوها. ودعت المنظمة الحكومات لفرض ”حظر سفر وتجميد أصول على مسؤولي أمن شاركوا في انتهاكات خطيرة وتوسيع نطاق حظر السلاح ليشمل جميع مبيعات الأسلحة للجيش وكذلك المساعدة والتعاون معه وفرض حظر على التعاملات المالية مع الشركات الكبرى... المملوكة للجيش“.
اضف تعليق