ملف حقوق الإنسان في مصر الذي شهد في السنوات الأخيرة متغيرات كبيرة، أثارت قلق ومخاوف المنظمات الحقوقية، حيث اكدت العديد من التقارير ان السلطات المصرية وعلى الرغم من الانتقادات الدولية، تواصل ممارساتها القمعية ضد المعارضين، وقد اكدت بعض المنظمات الحقوقية ومنها منظمة "هيومن رايتس ووتش أن حقوق الإنسان في مصر تعاني من أزمة.وذكرت المنظمة في تقرير خاص اثار غضب الحكومة، أن السلطات استخدمت التعذيب والإخفاء القسري بحق مواطنين كثيرين، وحظرت سفر آخرين، وربما ارتكبت عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وذلك ردا على تصاعد تهديدات الإرهابيين المسلحين في شبه جزيرة سيناء، والجماعات الأخرى المعادية للحكومة. وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "هيومن رايتس"، إنه بات واضحًا أن "الدولة ستعمل على سحق كل رأي مُعارض، سواء بالتهديدات أو باستخدام القوة.
في نهاية أغسطس الماضي حجبت الولايات المتحدة الأمريكية 290 مليون دولار مساعدات عن مصر؛ لعدم إحرازها تقدمًا على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، وتعتبر مصر شريكا مهما للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. من جانب اخر يرى بعض المراقبين، ان السلطات المصرية سعت ايضاً الى تشديد اجراءاتها ضد المعارضين، من خلال تشريع قوانين جديدة، كان أخرها مشروع قانون يوسع حالات سحب الجنسية المصرية الذي اثار موجة من الانتقادات، وقال نشطاء حقوقيون مصريون، انهم يواجهون أسوأ حملة في تاريخهم تحت نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يتهمونه بتقييد الحريات التي حصلوا عليها في ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، والتي أنهت حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاما.
سحب الجنسية
وفي هذا الشأن فإذا كنت مواطنا في دولة ما فهذا أمر طبيعي، لكن إن لم تكن تمتلك جنسية أي دولة فهذه قضية أخرى. والجنسية هي علاقة قانونية بين الفرد والدولة، يترتب له بموجبها حقوق ويصبح عليه واجبات، تشمل كافة مناحي الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية. وفي مصر، وافق مجلس الوزراءعلى مقترح بتعديل القانون رقم 26 لسنة 1975، الذي ينظم الجنسية المصرية. ويتضمن التعديل توسيع حالات سحب الجنسية المصرية، لتشمل حالة جديدة تتعلق بـ"كل من اكتسبها عن طريق الغش، أو بناء على أقوال كاذبة، أو صدر بحقه حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة".
ويرى خبراء قانونين وحقوقيون أن هذا التعديل غير دستوري، ويندرج ضمن استخدام النظام الحاكم للأدوات التشريعة والقانونية كوسيلة لمعالجة مشكلات سياسية، واستهداف معارضين. بينما ترى الحكومة وبرلمانيون أنه ضرورة للحفاظ على الأمن القومي المصري، في فترة تخوض فيها مصر حربا على الإرهاب. كما يشمل التعديل إضافة حالة جديدة لحالات إسقاط الجنسية، تتعلق بـ"صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة بالخارج أو الداخل". كما ينص التعديل على "زيادة المدة التي يجوز خلالها سحب الجنسية المصرية من الأجنبي، الذي اكتسبها بالتجنس أو بالزواج، لتكون عشر سنوات بدلا من خمس سنوات، وزيادة المدة التي يكتسب بعدها الأجنبي الجنسية المصرية تبعا لوالدته لتكون سنتين بدلا من سنة، وحذف اكتساب الأولاد البالغين للجنسية تبعا لذلك، والاكتفاء بالأبناء القصر".
ويقول الدكتور عصام عدوي، محامي أمام محكمة النقض والدستورية العليا في مصر: "هذا القانون غير دستوري، وسيسقط في حال إقراره مهما طال الوقت". ويضيف: "القوانين الحالية المنظمة للجنسية المصرية، منذ عهد الملكية وبما فيها القانون 26 لسنة 1975، كافية تماما لمعالجة هذا الموضوع، وهي تشترط أن يكون الشخص قد استخدم القوة والعنف لتغيير نظام الحكم، أو انخرط في أعمال خيانة، أو تجسس، أو ما شابه، لكن مجرد الانضمام لجماعة ليس مسوغا لسحب الجنسية".
ويقول أحمد مفرح، محامي وباحث حقوقي في منظمة "لجنة العدالة" في جنيف: "القانون الدولي يمنع سحب الجنسية، فالمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يحظران سحب الجنسية". ويضيف: "هذا التعديل يأتي في سياق محاولة النظام المصري قمع معارضيه واستهدافهم، ولا يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر". لكن مؤيدون لمقترح التعديل يرونه دستوريا، بل ضروريا. ويقول اللواء محمد عقل، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري: "القانون لا يستهدف أي معارض ينتمي لفصيل أو جماعة ما، وإنما يستهدف من يثبت عليه بحكم قضائي تورطه في العبث بالأمن القومي المصري، الذي نعتبره خطا أحمر".
ويضيف عقل: "هناك ضمانات قوية لسلامة ودستورية القانون، وذلك من خلال المسار الذي سيمر منه عبر الأمانة العامة لمجلس النواب، ثم اللجنة التشريعية، والجلسة العامة للمجلس، ويُعرض بعد ذلك على المحكمة الدستورية العليا". وتابع: "الضمانات الدستورية والقانونية موجودة، وتطبق على كل القوانين التي تصدر عن البرلمان، ناهيك عن اشتراط صدور حكم قضائي، وتلك ضمانة في حد ذاتها، حيث إننا نمتلك نظاما قضائيا نزيها". ومن المقرر أن تبدأ مناقشة التعديل القانوني المقترح مع بدء دور الانعقاد القادم للبرلمان المصري، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وإذا أقر البرلمان القانون المقترح، يُرسل بعد ذلك إلى رئيس الجمهورية ليصدق عليه، ثم يُنشر في الجريدة الرسمية ليصبح بعدها ساري التنفيذ.
ويرى معارضون ونشطاء حقوقيون أن هذا القانون المقترح فضفاض للغاية من ناحية الألفاظ والأهداف، وسيجري استخدامه كوسيلة لعقاب معارضين سياسيين، ولن يساعد مصر في مكافحة الإرهاب. ويقول نور خليل، ناشط حقوقي: "من المرعب أن نجد مقترح تعديل القانون فضفاضا، ويتحدث عن الانضمام لجمعيات وجماعات دون أن يحدد معنى تلك الألفاظ". وأضاف: "نحن الآن في حرب على الإرهاب، فكيف لك أن تسقط الجنسية وتنزع الحقوق عن أشخاص مدانين؟ فماذا تنتظر منهم بعد ذلك؟ هذا لن يساعد على مكافحة الإرهاب". وتابع: "هذه العقوبة ستجعل الشخص المدان أمام طريق واحد، وهو طريق التطرف، بينما من حقه أن يُمنح الفرصة بعد قضائه عقوبة السجن للتأقلم والعيش في المجتمع". بحسب بي بي سي.
ويقول مفرح: "السلطات المصرية منذ عام 2013 تلاحق معارضيها بالداخل والخارج، وطلبت من الشرطة الدولية (الإنتربول) تسليم العديد منهم لكنها أخفقت في ذلك، ومن ثم فهذه وسيلة جديدة لقمع المعارضين". ويضيف: "كل المعارضين مستهدفون بهذا القانون المقترح، بمن فيهم الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك النشطاء الحقوقيون داخل مصر وخارجها، المتهمون في قضايا تلقي تمويل أجنبي، والذين قد ينطبق عليهم هذا القانون". يُذكر أن محكمة النقض المصرية قد أيدت قبل أيام حكما، على الرئيس المعزول المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي، بالسجن المؤبد مدة 25 عاما بتهمة "التخابر مع دولة قطر"، وذلك في حكم نهائي وبات غير قابل للطعن عليه.
انتقادات واجراءات
الى جانب ذلك قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية إن مندوب مصر لدى الأمم المتحدة انتقد تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين بشأن العنف المنهجي في البلاد قائلا إنها تعكس ”منطقا مختلا“. ونسب إلى السفير عمرو رمضان قوله إنه حذر الأمير زيد من أن يتحول مكتبه إلى ”بوق لمنظمات مدفوعة بمصالح سياسية ومادية“. ورفض الاتهامات دون الخوض في تفاصيل.
وخلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قال الأمير زيد إن حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة المصرية في أبريل نيسان الماضي تستخدم لتبرير ”الإخراس المنهجي للمجتمع المدني“. واستشهد بتقارير عن اعتقالات واحتجاز تعسفي وابتزاز وحظر سفر وتجميد أرصدة وترهيب وغيرها من الإجراءات الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين ومن ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين. بحسب رويترز.
على صعيد متصل حجبت مصر موقع هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان بعد نشر المنظمة تقريرا عن تعذيب منهجي في السجون المصرية. وقال جو ستورك نائب المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة”لا تزال السلطات المصرية تصر على أن أي وقائع تعذيب هي جرائم فردية لضباط سيئين يعملون بشكل فردي، لكن تقرير هيومن رايتس ووتش يثبت غير ذلك“.
وحمل التقرير عنوان (هنا نفعل أشياء لا تصدق) مستندا إلى مقابلات مع 19 محتجزا سابقا وأقارب محتجز آخر قالوا إن بمصر اعتقالات تعسفية وإخفاء قسريا وتعذيبا. وقال ستورك ”بدلا من معالجة أزمة التعذيب في مصر، حظرت السلطات الدخول إلى تقرير يوثق ما يعرفه بالفعل الكثير من المصريين وآخرين يعيشون هناك“. وانتقدت وزارة الخارجية المصرية التقرير في بيان قائلة إنه يشوه سمعة البلاد ويتجاهل ما تحقق من تقدم في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد إن التقرير ”يعد حلقة جديدة من حلقات الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب تلك المنظمة المعروفة أجندتها السياسية وتوجهاتها المنحازة والتي تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها“. وفي البداية حظرت مصر الدخول إلى عدد من المواقع الإخبارية بينها الجزيرة وهافينجتون بوست عربي في مايو أيار بعد إجراءات مماثلة من قبل حليفتيها الخليجيتين السعودية والإمارات. لكن منذ ذلك الحين اختفت المئات من المواقع الإخبارية الأخرى والمدونات من على الشاشات المصرية حيث بلغ عددها 424 وفق آخر إحصاء بحسب مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي منظمة غير حكومية تتتبع المواقع المتضررة من الغلق من خلال برمجيات تراقب حالات الانقطاع.
بين الحبس والاعدام
من جهة اخرى قال محام إن محكمة في مدينة أسوان الواقعة في أقصى جنوب مصر أمرت باستمرار حبس 24 نوبيا بتهم بينها التظاهر دون إذن سلطات الأمن. وكانت الشرطة قد ألقت القبض على النوبيين لمشاركتهم في مسيرة نظمت للمطالبة بتطبيق مادة في الدستور تنص على توطين النوبيين على ضفاف بحيرة السد العالي التي غمرت مياهها قراهم من أجل بناء السد.
وأمرت النيابة بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة التحقيق وتجديد حبسهم في الميعاد القانوني. وقال المحامي محمد عبد السلام”أجلت محكمة أسوان الجزئية نظر طلب تجديد حبس المتهمين إلى جلسة الأربعاء القادم مع استمرار حبسهم“. وأضاف ”سبب التأجيل عدم حضور المتهمين من محبسهم مع أنهم وصلوا إلى المحكمة لكن لم يظهروا في القاعة... يبدو أنهم لم يظهروا في القاعة لأسباب أمنية“.
وقال عبد السلام إن نحو مئة من أقارب المتهمين حضروا الجلسة. وأضاف إن الاتهامات الأخرى شملت ”التحريض على التظاهر وإحراز منشورات والإخلال بالأمن العام وتعطيل حركة المرور“. وتنص فقرة في الدستور على أن الدولة تعمل على ”وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلي مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون“. وصدر الدستور منذ نحو أربع سنوات لكن مجلس النواب لم يصدر إلى الآن القانون الذي ينظم إعادة النوبيين إلى مناطقهم. وسبق أن نظم نوبيون احتجاجات في القاهرة رافعين نفس المطلب.
الى جانب ذلك حثت منظمات لحقوق الإنسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على التدخل لتخفيف أحكام الإعدام بحق ستة رجال أدينوا بقتل شرطي قائلة إن الرجال خطفوا وتعرضوا للتعذيب للاعتراف بالجريمة. وأدين الستة بقتل رقيب الشرطة عبد الله المتولي الذي كان يحرس منزل قاض ساعد في الحكم على الرئيس السابق محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين بالسجن 20 عاما.
وقالت لجنة العدالة ومقرها جنيف "التوصية الأهم هي حماية حق الشبان الستة في الحياة من خلال تخفيف الأحكام وهو الأمر الذي لا يستطيع سوى رئيس الجمهورية القيام به بموجب صلاحياته". وفي تقرير مفصل وقع في 30 صفحة استنادا إلى مراجعة لسجلات المحكمة ومقابلات مع أسر الستة ومحاميهم سلطت اللجنة الضوء على ما قالت إنها عدة انتهاكات واجهها المتهمون في القضية التي أصبحت معروفة إعلاميا باسم قضية المنصورة.
وركز التقرير على عدة انتهاكات منها أن المتهمين اختفوا قسرا ولم يتم اعتقالهم بشكل قانوني وإنهم تعرضوا للتعذيب للإدلاء باعترافاتهم. وأضاف التقرير أن الشرطة سجلت اعترافاتهم وأذاعتها قبل أن تستجوبهم النيابة في انتهاك لقانون العقوبات المصري. ولا تعقب السلطات المصرية على قضايا بعد صدور أحكام فيها. وتنفي وزارة الداخلية كل مزاعم الانتهاك.
وذكر التقرير أن الرجال الستة احتجزوا في مراكز احتجاز غير قانونية ومنعوا من رؤية محامين وأقاموا في ظروف غير إنسانية. وتظهر وثائق المحكمة أن القاضي استند في حكمه على تحقيقات الشرطة التي تستشهد بمصادر "سرية" رفض ضباط الكشف عنها في المحكمة. وحثت منظمة العفو الدولية السيسي على التدخل لمنع إعدام الستة. بحسب رويترز.
وقالت نجية بونعيم مديرة مكتب حملات منظمة العفو الدولية في شمال أفريقيا "عقوبة الإعدام هي أكثر عقوبة قاسية ولا إنسانية ومهينة. ينبغي ألا يحرم أحد من الحق في الحياة بغض النظر عن فظاعة الجرائم المتهم بها". وأضافت "الوقت ينفد أمام إنقاذ حياة هؤلاء الرجال.. يمكن إعدامهم في أي لحظة. على السلطات المصرية وقف هذه الإعدامات فورا".
اضف تعليق