تزايدت مؤخرا ومع استمرار الصمت الدولي، أعمال القتل والإبادة ضد مسلمي في ميانمار، حيث اكدت العديد من التقارير ان الأقلية المسلمة هناك تتعرض لكارثة إنسانية وإبادة جماعية من قبل القوات الحكومية والجماعات البوذية المتطرفة، حيث بدأ جيش ميانمار في أغسطس آب بهجوم عسكري كبير في العديد من المناطق وهو ما اسهم بوقوع العشرات من الضحايا واجبر الآلاف من السكان على ترك ديراهم والهروب الى دول ومناطق اخرى. وتقول حكومة ميانمار إن قوات الأمن في البلاد التي يغلب على سكانها البوذيون تحارب من وصفتهم بالإرهابيين الذين يقفون وراء أحدث موجات العنف وإنها تفعل ما بوسعها لتفادي إيذاء المدنيين.
وانتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ميانمار بسبب العملية العسكرية الوحشية ضد الروهينجا المسلمين في ولاية راخين بغرب ميانمار والتي وصفها بأنها مثال صارخ على التطهير العرقي. وتعتبر حكومة ميانمار قرابة مليون من الروهينجا مهاجرين غير شرعيين من بنجلادش المجاورة وتحرمهم من الجنسية على الرغم من أن الكثير من أسر الروهينجا تعيش في ميانمار منذ وقت طويل.
وحتى الآن لا يبدو أن ضغط الرأي العام العالمي وكما نقلت بعض المصادر، قادر على إيقاف هذه المحرقة، ولا يبدو أن هناك ضغط إقليمي حقيقي على الجيش الميانماري وحكومته لإيقاف عمليات الإبادة الممنهجة التي تتم بحق مسلمي الروهينجا. حيث استبعد المندوب البريطاني لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت في وقت سابق، أن ينجح مجلس الأمن الدولي في القيام بخطوات عملية فيما يخص الأوضاع في ميانمار بعد طلب جلسة طارئة، وقد أكد رايكوفرت أن مواقف عدد من الدول في مجلس الأمن ستمنع اتخاذ أي خطوة عملية، ربما في إشارة إلى الصين.
التي تعد أحد أكبر الدول نفوذًا في بورما، وخاصة بعد بدء إنتاج الغاز من حقل تشوي البحري البورمي عبر شركتي "بتروتشاينا" الصينية و"داي وو" الكورية، بتكلفة 2.5 مليار دولار، عام 2013. تبع ذلك بدء استخدام خطي أنابيب نفط وغاز من ميناء بولاية أراكان البورمية إلى ميناء بجنوب الصين، وذلك بتكلفة 3.5 مليار دولار، وقد بدأ استخدامهما في مايو 2017، وذلك ضمن خطة استثمارية صينية تبلغ قيمتها 10 مليار دولار، من ضمنها إقامة منطقة اقتصادية خاصة في ميناء أراكان، وربما تصل الصين إلى اتفاق لشراء ميناء الولاية البورمية الفقيرة.
قتل وتهجير
وفي هذا الشأن أعلنت مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة أن حصيلة ضحايا أعمال العنف في ولاية راخين التي تسكنها غالبية من الروهينغا المسلمة في غرب بورما قد تتجاوز الألف قتيل. وقالت يانغي لي مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في بورما قد يكون حوالى ألف شخص أو أكثر لقوا مصرعهم، ما يشكل ضعفي الرقم الذي أعلنته الحكومة البورمية. وأضافت لي في المقابلة التي جرت في جامعة سونغكيونغكوان في سيول حيث تلقي محاضرات "ربما القتلى من الجانبين لكن الغالبية الكبرى هم من الروهينغا".
وتابعت "اعتقد أنها ستكون إحدى أسوأ الكوارث التي يشهدها العالم وبورما في السنوات الأخيرة". وأعلنت الأمم المتحدة أن نحو 270 ألف لاجئ معظمهم من الروهينغا فروا إلى بنغلادش منذ 25 آب/اغسطس الماضي. وبذلك يرتفع عدد اللاجئين الروهينغا في بنغلادش منذ اندلاع أعمال العنف في تشرين الأول/اكتوبر الماضي إلى 357 ألف لاجئ. وفر هؤلاء من أعمال العنف التي تشهدها ولاية راخين بغرب بورما منذ شن متمردون من "جيش إنقاذ روهينغا اراكان" هجمات ضد مراكز للشرطة دفاعا عن حقوق هذه الاقلية.
وسار معظمهم لأيام وتقول الأمم المتحدة أن كثيرين يعانون من المرض والإنهاك وبحاجة ماسة للاإواء والغذاء والماء. وعبر في الأسبوعين الماضيين 164 ألف شخص غالبيتهم من المدنيين الروهينغا إلى مخيمات مكتظة أساسا في بنغلادش. ولقي آخرون مصرعهم أثناء محاولة الهرب من المعارك في ولاية راخين. وقال شهود عيان أن قرى بأسرها أحرقت منذ أن شن متمردون من الروهينغا هجمات في 25 آب/اغسطس مما تسبب بشن حملة عسكرية واسعة.
وشن الجيش البورمي منذ ذلك الحين حملة على نطاق واسع في هذه المنطقة الفقيرة والنائية والتي أوقعت بحسب قوات الامن ما مجمله 432 قتيلا من بينهم 387 "إرهابيا". وأكدت السلطات البورمية أن بين القتلى 15 عنصرا من قوات الامن وثلاثين مدنيا هم سبعة من الروهينغا وسبعة من الهندوس و16 من بوذيي راخين في المعارك. لكن لي قالت "الاحتمال كبير في أن تكون الأرقام مخفضة". وأضافت "المؤسف أننا لا نستطيع تأكيد ذلك دون إمكانية الوصول" إلى منطقة النزاع.
وقالت السلطات البورمية في حصيلة معدلة، أن 6600 من منازل الروهينغا و201 من منازل غير المسلمين، أحرقت وسويت بالأرض منذ 25 آب/أغسطس. وأبدت لي شكوكا حول تأكيدات السلطات البورمية بأن الروهينغا يحرقون بيوتهم. ومضت تقول "إذا كنتم تفرون تحت المطر من أشخاص يحملون أسلحة كيف بالإمكان أن تضرموا النار في منزلكم؟" وتعرضت مستشارة الدولة في بورما أونغ سان سو تشي لانتقادات شديدة من الاسرة الدولية بسبب ادارتها لازمة الروهينغا. وحثت لي سو تشي حائزة جائزة نوبل للسلام في العام 1991 على أن "تثبت للعالم أنها ناضلت من أجل بورما حرة ومستقلة". وتابعت "عليها أن تبدي مزيدا من التعاطف مع كل سكان بورما". بحسب فرانس برس.
من حانبه، أدان الأزهر بشدة العنف ضدمسلمي الروهينغا في ميانمار وحذر في بيان من أن ذلك سيشجع على ارتكاب جرائم الإرهاب. وقال إنه سيقود "تحركات إنسانية على المستوى العربي والإسلامي والدولي لوقف هذه المجازر التي يدفع ثمنها المواطنون المسلمون وحدهم في ميانمار". وأضاف أنه يطالب "كافة الهيئات والمنظَمات الدولية وجمعياتِ حقوق الإنسان في العالَم كله أن تقوم بواجبها في اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق في هذه الجرائم المنكرة وتعقب مرتكبيها وتقديمهم لمحكمة العدل الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب جزاء ما ارتكبوه من فظائع وحشية".
في السياق ذاته قال مصدران معنيان بمراقبة الوضع في ميانمار إن مزيدا من القرى جرى إحراقها في منطقة بشمال غرب ميانمار لجأ إليها عدد من مسلمي الروهينجا هربا من موجة عنف اجتاحت المنطقة. وأضاف المصدران أن الحرائق اجتاحت ما يصل إلى أربعة تجمعات سكنية جديدة في راثيدونج لتدمر بذلك كل قرى المسلمين في المنطقة. وقالت كريس ليوا من جماعة (أركان بروجيكت) المعنية بمراقبة أوضاع الروهينجا رويدا رويدا يجري إحراق قرية تلو الأخرى. أعتقد أن الروهينجا لم يعد لهم وجود بالمرة في راثيدونج. وأضافت كانت توجد 11 قرية للمسلمين (في راثيدونج) وبعد اليومين الماضيين يبدو أن جميعها تعرض للدمار.
ولا يسمح للصحفيين المستقلين بالدخول إلى المنطقة إذ تقول ميانمار إن قوات الأمن تجري عمليات تطهير للتصدي للإرهابيين المتطرفين. ويقول مراقبون معنيون بحقوق الإنسان وأفراد من مسلمي الروهينجا الذي فروا من المنطقة إن الجيش وأفراد لجان شعبية من عرقية الراخين شنوا حملة لإضرام الحرائق بهدف إجبار المسلمين على الفرار. وفر ما يقرب من 290 ألفا في أقل من أسبوعين مما تسبب في أزمة إنسانية. وراثيدونج هي أبعد منطقة يقطنها الروهينجا عن الحدود مع بنجلادش. ويخشى موظفو إغاثة من وجود أعداد كبيرة من المسلمين محاصرين هناك.
هدنة مؤقتة
على صعيد متصل أعلن مسلحو الروهينجا وقفا لإطلاق النار من جانب واحد لمدة شهر لتمكين منظمات الإغاثة من المساعدة في تخفيف أزمة إنسانية في شمال غرب ميانمار. وفر ما يقرب من 300 ألف من الروهينجا إلى بنجلادش ونزح 300 ألف من المدنيين غير المسلمين داخل ميانمار بعد أن شن الجيش هجوما مضادا في أعقاب هجمات نفذها جيش إنقاذ روهينجا أراكان (آرسا) على 30 موقعا للشرطة وقاعدة للجيش في 25 أغسطس آب.
وقال آرسا في بيان ”يشجع آرسا بقوة كل الأطراف الإنسانية المعنية على استئناف مساعداتهم الإنسانية لكل ضحايا الأزمة الإنسانية بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الدينية خلال فترة وقف إطلاق النار“. كما دعا آرسا جيش ميانمار إلى إلقاء السلاح والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل الأشخاص المتضررين. وكثفت منظمات الصليب الأحمر عملياتها في شمال غرب ميانمار الذي يمزقه العنف بعد أن اضطرت الأمم المتحدة لتعليق أنشطتها هناك في أعقاب تلميحات من الحكومة بأن المنظمة الدولية دعمت متمردي الروهينجا.
وقال عمال إغاثة إن أزمة إنسانية حادة تتكشف في ميانمار. وآلاف النازحين تقطعت بهم السبل أو لا يجدون طعاما منذ أسابيع. وقالت جوي سينجال من الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر ”أصبحت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية غير مرحب بها في راخين... وأصبحت عاجزة عن العمل وعلى ضمان سلامة وأمن عامليها ومتطوعيها“. وأضافت ”في مثل هذه الأجواء وجهت الحكومة الدعوة للصليب الأحمر لمساعدتها“.
ويشعر عمال الإغاثة بالقلق لأن الكثير من الروهينجا بلا طعام منذ منتصف يوليو تموز عندما لم يعد بمقدور برنامج الأغذية العالمي، الذي يزودهم بالطعام والمساعدات المالية، مواصلة العمل. وقامت الأمم المتحدة بإجلاء العاملين ”غير الضروريين“ من المنطقة بعد تلميحات من الحكومة بأن برنامج الأغذية العالمي ومنظمات إغاثة دولية دعمت المتمردين بعد وقت قصير من الهجمات. وقالت جوي إن الحكومة ستتولى ”التنسيق وتسهيل“ الأعمال في حين سيدير الصليب الأحمر أعمال ”التقييم ومساعدات الإغاثة والتنفيذ“.
وما زال الآلاف يحاولون عبور الجبال والغابات الكثيفة وحقول الأرز من أجل الوصول إلى بنجلادش. وقالت الحكومة إنها ستقيم مخيمات للنازحين ولكن هذه الخطوة قد تثير معارضة بعض الخبراء المعنيين بالشؤون الإنسانية. وعارضت الأمم المتحدة إقامة قرى ”أشبه بالمخيمات“ للروهينجا في أبريل نيسان مستشهدة بخطر إثارة توترات. وأكدت الأمم المتحدة أهمية السماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم وحياتهم.
وعثرت الأمم المتحدة في بنجلادش على عشرات الآلاف من اللاجئين الذين لم يجر إحصاؤهم ليرتفع العدد إلى 270 ألفا من نحو 164 ألفا قبل يوم واحد. وقفز العدد بواقع 20 ألفا. وزادت موجة اللاجئين العبء على وكالات الإغاثة التي تساعد بالفعل مئات الآلاف من النازحين بسبب موجات سابقة من العنف في ميانمار. وقالت وزيرة خارجية استراليا جولي بيشوب إن بلادها ستقدم مساعدات تصل قيمتها إلى 4.03 مليون دولار وإن وكالات ستوزعها على النازعين في بنجلادش. وأوفد رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق بعثة لمساعدة اللاجئين الذين يسعون للعثور على مأوى على حدود بنجلادش مع ميانمار. وقال عبد الرزاق الذي ينتقد معاملة ميانمار للروهينجا ”ردف فعل حكومة ميانمار كان مخيبا للآمال“.
وأبدت دول كثيرة تقطنها أعداد كبيرة من المسلمين، مثل باكستان وتركيا، قلقها إزاء العنف ودعت زعيمة ميانمار أونج سان سو كي إلى التحرك. وتقول ميانمار ذات الأغلبية البوذية إن قواتها تخوض حملة مشروعة ضد ”إرهابيين“ تلقي باللوم عليهم في هجمات عليها وفي حرق منازل وسقوط قتلى مدنيين. وتقول إن نحو 30 ألفا من غير المسلمين نزحوا. بحسب رويترز.
وأكدت منظمة العفو الدولية استخدام جيش ميانمار ألغاما أرضية قرب الحدود مع بنجلادش بعدما أودت تقارير عن وقوع انفجارات وتصريحات لحرس الحدود في بنجلادش بحدوث إصابات جراء انفجار ألغام. وقالت منظمة العفو إن الألغام تسببت ”في إصابة ثلاثة مدنيين على الأقل بجروح بالغة بينهم طفلان وتشير تقارير إلى أنها قتلت رجلا في وقت سابق وفقا لشهادات شهود عيان وتحليلات خبراء أسلحة تابعين للمنظمة. وقالت تيرانا حسن مديرة برنامج الاستجابة للأزمات بمنظمة العفو الدولية يجب أن تنهي السلطات على الفور هذه الممارسات البغيضة ضد أناس يفرون من الاضطهاد.
اضف تعليق