q

يوماً بعد يوم في ظل استمرار الغارات الجوية والحصار المستمر من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تزداد معاناة الشعب اليمني و يستمر الوضع الإنساني في التدهور، بسبب تفشى الأمراض والأوبئة، خاصة الكوليرا، وارتفاع حدة المجاعة بحسب ما أعلنت عنه العديد من منظمات الأمم المتحدة. ويشهد اليمن حربا قتل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص في العامين ونصف العام الأخيرة وفقا لبيانات الأمم المتحدة. ودفع انتشار الجوع والنزوح الداخلي وتفش غير مسبوق لمرض الكوليرا منظمات الإغاثة لوصف الوضع بأنه واحد من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.

وقال تقرير الأمم المتحدة إنه تم توثيق مقتل 5144 مدنيا على الأقل في الفترة من مارس آذار 2015 إلى 30 أغسطس آب 2017 وإن التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول عن قتل أكثر من نصفهم إذ أن غاراته الجوية كانت السبب الرئيسي لسقوط قتلى من المدنيين والأطفال. وألقى التقرير اللوم كذلك على التحالف في إثارة أزمة غذاء تركت 7.3 مليون شخص على شفا المجاعة.

من جانب اخر قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن الوضع الصحي في اليمن ينذر بكارثة مع خروج أكثر من نصف مستشفياتها وعياداتها من الخدمة، وأقل من النصف فقط مفتوحة. وأشار الصليب الأحمر، في بيان له، إلى أن ثمة نقص في الإمدادات الطبية الأساسية، وانهيار للمنظومة الصحية، كإحدى العواقب المباشرة للنزاع، والقيود التي أصابت عمليات الاستيراد بالشلل، لاسيما الأدوية والإمدادات الطبية الضرورية للغاية. أتت الحرب التي تقودها السعودية على البنية التحتية للشعب اليمني حيث تعرضت لآلاف الغارات الجوية التي لم تستثني شيئا في اليمن. وكانت البنية الصحية المتضرر الأكبر ما أدى إلى نقص حاد في الإمدادات الطبية وانتشار الأوبئة بسبب العدوان والحصار.

تحقيق دولي

وفي هذا الشأن طلب المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين تحقيقا دوليا مستقلا حول النزاع في اليمن معتبرا اللجنة الوطنية "منحازة". وقال في بيان "كنت دَعوت المجتمع الدولي مرارا لاتخاذ إجراءات لإرساء لجنة دولية مستقلة حول المزاعم بارتكاب انتهاكات خطرة جدا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في اليمن". وتزامنت دعوة الحسين مع كشف منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اليمنية بأن عدد حالات الإصابة بمرض الكوليرا في اليمن منذ بدء انتشاره في أبريل/نيسان الماضي، قد بلغ 612703 حالة.

وتباطأ معدل انتشار المرض في الشهرين الأخيرين لكنه تمّ الإبلاغ عن رصد نحو ثلاثة آلاف حالة جديدة يوميا في الأيام القليلة الماضية، فيما لقي 2048 شخصا حتفهم من جراء الوباء. وحول اللجنة الوطنية القائمة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في اليمن، تضمن تقرير المفوض السامي ، بأنها "لا تعتبر غير منحازة"، إضافة إلى أنها "غير معترف بها من قبل الأطراف المتحاربة" وبالتالي لا يمكنها "تقديم تقارير كاملة وغير منحازة عن الوضع".

وتتواجه في حرب اليمن القوات الحكومية المدعومة من المملكة السعودية وهي تتجمع جنوب البلاد، وقوات مسلحي الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح التي تسيطر على العاصمة صنعاء وشمال البلاد منذ ايلول/سبتمبر 2014. وبين آذار/مارس 2015 وهو التاريخ الذي بدأت فيه المفوضية العليا إحصاء الضحايا المدنيين، و30 آب/اغسطس 2017، سقط في هذه الحرب 5144 قتيلا على الأقل و8749 جريحا مدنيا بينهم 1184 قتيلا و1592 جريحا من الأطفال. بحسب رويترز.

وبحسب تقرير المفوضية فإن الغارات الجوية للتحالف بقيادة الرياض، شكلت السبب الرئيسي لسقوط ضحايا بين الاطفال والمدنيين عموما. وبين المدنيين القتلى هناك نحو 3233 كانوا ضحية عمليات التحالف، بحسب الأمم المتحدة. وشدد المفوض على أن "تردد المجتمع الدولي في المطالبة بالعدالة لضحايا النزاع في اليمن يمثل عارا ويسهم بعدة أشكال في استدامة الرعب السائد في البلاد". وأثار مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مرارا مسألة تشكيل لجنة تحقيق دولية في اليمن، لكن دون جدوى. ومن المقرر أن يبحث الأمر مجددا في دورة مجلس حقوق الانسان القادمة التي تفتتح في الـ11 من الشهر الجاري.

مساعدات انسانية

الى جانب ذلك قال مسؤول كبير بالأمم المتحدة إن على السعودية بمفردها تمويل إجراءات معالجة الأمراض والجوع الذي يعصف باليمن حيث تقود المملكة حملة عسكرية منذ عامين ونصف العام. وكانت تعليقات ديفيد بيسلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي مباشرة على غير العادة بالنسبة لمسؤول بالمنظمة الدولية في انتقاد طرف في أحد الصراعات. ودعا بيسلي إلى إنهاء الحملة العسكرية للتحالف واتهمه بإعاقة عمليات تقديم المساعدات.

وقال يجب على السعودية تمويل 100 بالمئة من (احتياجات) الأزمة الإنسانية في اليمن. إما أن توقفوا الحرب أو تتولوا تمويل الأزمة. والخيار الثالث هو القيام بالأمرين. ولقي عشرة آلاف شخص على الأقل حتفهم في الحرب وانتشر الجوع ووباء الكوليرا بشكل لم يسبق له مثيل مما دفع وكالات الإغاثة لوصف الوضع في اليمن بأنه أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

ويدور الصراع في اليمن بين الحكومة المعترف بها دوليا المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية وبين جماعة الحوثيين. وسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في العام 2015 ويسيطرون أيضا على المراكز السكانية الرئيسية في الشمال والغرب. وشن التحالف آلاف الضربات الجوية في محاولة لم تنجح حتى الآن لإبعاد الحوثيين عن السلطة كما فرض شبه حصار على موانئ اليمن وحدوده ومجاله الجوي.

وتقول السعودية وحلفاؤها إنها تهدف لمنع وصول شحنات أسلحة إلى الحوثيين لكن منظمات الإغاثة تقول إن القيود زادت معاناة الملايين. وطالبت منظمات الإغاثة بتسهيل الوصول للمناطق الشمالية الخاضعة للحوثيين واتهمت الأمم المتحدة التحالف بفرض قيود على دخول السفن ميناء الحديدة الرئيسي على البحر الأحمر الذي يصل إليه نحو 80 في المئة من واردات الغذاء للبلاد. لكن ضربة جوية دمرت خمس روافع بالميناء مما عطل عشرات السفن لتعذر تفريغ حمولاتها. بحسب رويترز.

وقال بيسلي ”لدينا مشكلات في الدخول. السعوديون خلقوا تعقيدات خطيرة بالنسبة لنا بسبب قيود أشبه بالحصار على الميناء وتدمير الروافع في ميناء الحديدة... قلل ذلك قدرتنا على إدخال الغذاء بشكل كبير“. وأضاف بيسلي أن القيود التي فرضها التحالف أعاقت تسليم وقود تحتاجه مركبات الأمم المتحدة التي تسافر إلى داخل وخارج صنعاء وهي تحمل مساعدات وأفرادا. ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن نحو مليوني شخص اضطروا بسبب القتال للفرار من ديارهم بينما قتلت الكوليرا ألفي شخص وأصابت 600 ألف شخص آخرين.

الإمدادات الطبية

من جانب اخر أعلنت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في بيان عن وفاة مؤسس الهلال الأحمر اليمني عبد الله الخميسي، مشيرة إلى أن نقص الإمدادات الطبية الأساسية "عجل" بوفاته. ورأت الحركة أن الوضع في اليمن "ينذر بكارثة". وذكرت وسائل إعلام يمنية أن الخميسي توفي في مستشفى بصنعاء بعد معاناة مع المرض. وأعربت الحركة التي تضم اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية للهلال الأحمر في بيان عن "حزنها العميق" لوفاة مؤسس الهلال الأحمر اليمني عبد الله الخميسي، مشيرة إلى أن "ما عجل" بوفاته "نقص الإمدادات الطبية الأساسية، وهو إشارة أخرى إلى انهيار المنظومة الصحية في اليمن". بحسب فرانس برس.

وقد أسس الخميسي جمعية الهلال الأحمر اليمني في العام 1973 وظل رئيسها لما يقارب ثلاثة عقود. وذكرت وسائل إعلام يمنية أن الخميسي توفي في مستشفى في صنعاء بعد معاناة مع المرض، مشيرة إلى أن عائلته سعت إلى استيراد معدات طبية تساعد على تحسين حالته الصحية إلا أنها عجزت عن ذلك بسبب الحصار المفروض على صنعاء. ورأت الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في بيانها أن الوضع في اليمن "ينذر بكارثة، في ظل بقاء أقل من نصف مستشفياتها وعياداتها فقط مفتوحة".

من جانبها طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات حقوقية يمنية ودولية اخرى مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل في انتهاكات ترتكبها اطراف النزاع اليمني على حد قولها. واوضحت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها في بيان أنها وقعت رسالة في هذا الصدد مع 56 منظمة غير حكومية محلية ودولية ووجهتها الى ممثلي الدول الاعضاء في مجلس حقوق الانسان.

ورأت منظمة هيومن رايتس ووتش أن دعم اجراء تحقيق دولي في انتهاكات اليمن "أصبح الآن أقوى بكثير"، معتبرة أن "على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان أن ترتقي إلى مستوى تفويضها ومراعاة هذه الدعوات، وإنشاء فريق يبدأ بإنهاء غياب المساءلة، الذي شكّل حتى الآن الوجه الأبرز لحرب اليمن". وقالت المنظمة ان التحالف العسكري بقيادة السعودية وباقي اطراف الصراع يرتكبون "جرائم حرب" في اليمن، مع استمرار الضربات الجوية واعمال القصف العشوائي التي تحصد ارواح مدنيين.

الطفلة الناجية

طفلة فقدت كل أفراد عائلتها خلال غارة جوية أصابت منزلها بصنعاء، حظيت بتضامن آلاف اليمنيين الذين نشروا صوراً لوجوههم بعين مغلقة وأخرى مفتوحة كصورتها التي انتشرت بعد يوم من القصف، وفق تقرير لصحيفة independent وبثينة الريمي ذات الأعوام الخمسة، فقدت والديها وأشقاءها الستة في الغارة التي استهدفتهم في 25 أغسطس/آب 2017، اعترف التحالف الذي تقوده السعودية بأنه من قام بها. وقد فقدت 3 عائلات، كانت تعيش في المبنى ذاته، أحباءهم في الهجوم، والذي دمَّر أيضاً عدداً من المنازل المجاورة. وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنَّ 14 شخصاً قد لقوا مصرعهم، وأُصِيب 16 آخرون في الحادث.

وأصبحت بثينة رمزاً للمعاناة التي ألحقتها الصراعات العديدة في منطقة الشرق الأوسط بأطفال المنطقة، مثلها مثل الطفل السوري إيلان، الذي عمّت صورته كل أنحاء وهو جثة هامدة على أحد سواحل تركيا بينما كان في طريقه للجوء في أوروبا. وقد شنَّت الرياض وحلفاؤها قصفاً مكثفاً على الحوثيين المسيطرين على عاصمة اليمن وشمالها منذ مارس/آذار 2015، بناءً على طلب الرئيس المنفي المُعتَرَف به دولياً عبد ربه منصور هادي؛ خشيةً من النفوذ الإيراني.

وقد انتُقدت الحملة مِراراً؛ لتسبُّبها في خسائر فادحة بأرواح المدنيين. ووُجِّه اللوم إلى الحصار السعودي على موانئ اليمن ومجالها الجوي؛ لتسبُّبه في المجاعة التي يواجهها حالياً 7 ملايين شخص، فضلاً عن أسوأ تفشٍّ لمرض الكوليرا في التاريخ الحديث، والذي أصاب 500 ألف يمني. ويُعتقد أنَّ أكثر من 10 آلاف شخصٍ قد قُتِلوا نتيجةً للصراع حتى الآن.

ويقول عبد الرحمن الجميلي، صانع الأفلام الوثائقية في إسطنبول: "تقول بثينة للعالم: افتح عينيك". وأضاف: "يا فتاتي الصغيرة، لا يهم كم تحاولين فتح عينيك؛ فالعالم، لسوء الحظ، مكانٌ مظلم". وقال التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، في بيانٍ، إنَّ القصف الذي أدى إلى مقتل عائلة بثينة كان نتيجة "خطأٍ تقني". وفي وقتٍ سابق حثَّت منظمة هيومان رايتس ووتش و56 منظمةً دولية غير حكومية أخرى، الأمم المتحدة على إنشاء هيئةٍ دولية للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف المتحاربة باليمن، وتقول إنَّها قد ترقى إلى جرائم حرب.

وأقرَّ التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بالوقوف خلف الغارة التي تسببت بمقتل 14 يمنياً، بينهم 5 أطفال ونساء جنوبي صنعاء، مؤكداً أن إصابة الهدف المدني وقعت بسبب وجود "خطأ تقني". وقالت قيادة التحالف في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، إنه بعد مراجعة "كافة الوثائق والإجراءات المتعلقة بالتخطيط والتنفيذ العملياتي"، اتضح "وجود خطأ تقني كان سبباً في وقوع الحادث العرضي غير المقصود".

اضف تعليق