مع تواصل الحملة الجوية من قبل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن والحصار المستمر، تفاقمت بشكل كبير معاناة الشعب اليمني بسبب استمرار القصف الذي اسهم في تدمير البنى التحتية في هذا البلد الفقير، وهو ما ساعد في انتشار الإمراض ومنها في وباء للكوليرا الذي يهدد اليوم ارواح الملايين من البشر، وهو ما اثار قلق ومخاوف العديد من المنظمات الدولية التي طالبت المجتمع الدولي بإيجاد حلول سريعة من اجل إنهاء هذه الحرب، حيث قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنه يجب على الدول الغربية ودول المنطقة استخدام نفوذها على الأطراف المتحاربة في اليمن لإنهاء الصراع الذي تسبب في تفاقم وباء للكوليرا وجلب الدمار إلى الدولة.
ويقاتل تحالف تقوده السعودية جماعة الحوثي التي تسيطر على معظم شمال اليمن وعلى العاصمة صنعاء في حرب أودت بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص وشردت ما يربو على ثلاثة ملايين. وقال بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر "نأمل بالتأكيد أن تدرك الدول الغربية عمق الأزمة.. ومخاطر تلك الأزمة الهائلة على الاستقرار الدولي والإقليمي". وأضاف ماورير بعدما زار تعز وعدن "جئت إلى هنا لأحث المجتمع الدولي على التحرك وتكثيف استجابته في مواجهة هذا التفشي.. الذي هو بوضوح شديد من صنع البشر. إنه إلى حد بعيد نتيجة للحرب وتدمير الخدمات العامة".
وتابع ماورير يقول إن وباء الكوليرا الذي ظهر في أبريل نيسان لا يزال على أشده بعدما أصاب 400 ألف شخص وأنه على الرغم من وجود علامات على تباطؤ انتشاره فإن من الممكن أن يشتد مجددا في موسم المطر. وقال "وتيرة زيادة الحالات تتراجع قليلا. وهو ما لا يعني بوجه عام أن الحالات تتراجع وإنما وتيرة (الزيادة) تتراجع قليلا". وأضاف "المشكلة هي أن أغلب الخبراء يتوقعون زيادة الوتيرة عندما يبدأ موسم المطر".
من جانب اخر أعرب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماكغولدريك عن قلقه إزاء التقارير الواردة عن وقوع هجمات جوية على مدنيين. وقال ماكغولدريك في بيان إن تقارير من شركاء العمل الإنساني الذين يعملون في الميدان تشير إلى أن هجمات على أحد المنازل في مديرية الصفراء، وعلى مركبة خاصّة في مديرية رازح؛ أسفرت عن مقتل 12 مدنياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال.
وشدد منسق الأمم المتحدة على أن هذه الحوادث التي ما زالت قيد التحري من مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تشكل مثالا واضحا على الوحشية في هذا النزاع. وسبق أن تعرضت صعدة، وهي معقل جماعة الحوثي ومحاذية للحدود مع السعودية، لغارات جوية راح ضحيتها مدنيون، حيث قُتل في إحداها 25 يمنيا على الأقل في يونيو/حزيران الماضي حينما قصفت طائرة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية سوقا شعبيا.
ومن واشنطن، قال المدير التنفيذي لمنظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان عبد الرشيد الفقيه إن مثل هذه الغارات ظهرت منذ اليوم الأول لعمليات التحالف وأسفرت عن مقتل وجرح مئات المدنيين، فضلا عن تدمير البنية التحتية، مؤكدا أن ذلك يمثل خرقا واضحا لقواعد الاشتباك.
المساعدات الانسانية
وفي هذا الشأن اتهم مسؤول في الأمم المتحدة التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن بعرقلة إمداد الطائرات الأممية بالوقود اللازم لنقل المساعدات الإنسانية إلى صنعاء مشيرا إلى تفش خطير لوباء التهاب السحايا والكوليرا في البلاد إضافة إلى المجاعة. وأفاد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن أن التحالف الذي تقوده السعودية يعرقل الإمداد بالوقود للطائرات الأممية التي تعمل على نقل المساعدات الإنسانية إلى صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث أعلن أوك لوتسما تفشي التهاب السحايا، ووباء الكوليرا، ومخاطر المجاعة في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويشار إلى أن الأمم المتحدة توجه رحلتين إنسانيتين إلى صنعاء انطلاقا من عمان وجيبوتي، لكن وقود الطائرات غير متوفر في العاصمة اليمنية بشكل يسمح للطائرتين بالقيام برحلة العودة. وتابع لوتسما للصحافيين في مؤتمر بالفيديو من صنعاء "لدينا صعوبات في الحصول على اذن من التحالف وحكومة اليمن لنقل وقود الطائرات الى صنعاء لتسيير هذه الرحلات"، مضيفا في رد على سؤال حول سبب منع إمدادات الوقود، قال لوتسما إن "هذا سؤال جيد، لا إجابة لدي".
وينبغي نقل وقود طائرات الأمم المتحدة إلى صنعاء من ميناء عدن الذي تسيطر عليه الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. ويتهم التحالف الذي تقوده السعودية مرارا بمنع نقل المساعدات لليمن، إحدى أفقر البلدان العربية الذي تعرض لدمار شديد منذ بدء الحملة العسكرية في آذار/مارس 2015. ويذكر أن النظام الصحي في اليمن انهار بسبب النزاع الدائر بين الحكومة التي تعترف بها الأسرة الدولية والمدعومة من تحالف بقيادة السعودية وبين الحوثيين المدعومين من إيران. بحسب فرانس برس.
ووصف المسؤول الأممي الوضع في اليمن بـ"القاتم جدا"، مشيرا إلى تسجيل "العديد" من حالات التهاب السحايا الجديدة في اليمن دون مزيد من التفاصيل، مضيفا أن التأخير ورفض تأشيرات الدخول من الحكومة اليمنية ومن الحوثيين المسيطرين على صنعاء يؤديان إلى إعاقة جهود المساعدات الإنسانية. وتابع لوتسما أنه لا يرى "نهاية في الأفق" للحرب التي أوقعت آلاف القتلى، فضلا عن وجود سبعة ملايين شخص معرضين لمخاطر المجاعة، وأكثر من 400 ألف مصابين بالكوليرا.
على صعيد متصل قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في تقرير صحفي، إن دور الإمارات الذي تلعبه في اليمن وليبيا بالإضافة إلى الأزمة التي اندلعت بين قطر ودول خليجية، تسبب صداعا للإدارة الأمريكية. وذكر التقرير، أن للإمارات يدا في تقويض جهود واشنطن لوضع حد للحرب اليمنية المشتعلة منذ عامين، مشيرة إلى أن المئات قتلوا في المعارك والضربات الجوية، التي ينفذها التحالف العسكري، بقيادة السعودية، ولكن الإمارات، التي هي جزء من التحالف شجعت شركاءها على مقاومة مطالب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري لإجراء محادثات سلام، أو وقف إطلاق النار، حسب الصحيفة.
ووفقا للتقرير، فإن الدور الإماراتي في اليمن وغيرها من الإجراءات الأخيرة، أدى إلى احتكاك مع الولايات المتحدة، ما أدى إلى تعقيد علاقاتها العسكرية الطويلة مع واشنطن. ولفتت الصحيفة إلى أن توترات ظهرت إلى الصدارة في الحلف، الشهر الماضي، “عندما قال مسؤولون في المخابرات الأمريكية إن الإمارات هي المسؤولة عن قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، وهي خطوة أثارت خلافات طويلة بين حلفاء الولايات المتحدة من الخليجيين، ودفعت البيت الأبيض إلى لعب دور غير مريح في الوساطة”. وتطرق التقرير إلى تعارض المصالح بين واشنطن وأبو ظبي، في ليبيا، “حيث اشتكى المسؤولون الأمريكيون من أن الإمارات تحبط جهود السلام هناك”.
تفشي وباء الكوليرا
على صعيد متصل اتسع نطاق تفشي الكوليرا في اليمن لدرجة أن مجرد شرب المياه ربما يؤدي إلى الوفاة. وبحسب منظمة الصحة العالمية لاقى ما يقرب من ألفي شخص حتفهم في واحدة من أسوأ موجات تفشي الكوليرا المعروفة في التاريخ الحديث إذ تجاوز عدد المصابين في اليمن حتى الآن 400 ألف شخص. وربما تؤدي الإصابة بالكوليرا إلى الوفاة في غضون ساعات. وتقريبا لم يعد هناك وجود للكوليرا في الدول المتقدمة بفضل أنظمة الصرف الصحي ومعالجة المياه.
لكن الحرب الأهلية المدمرة في اليمن، التي يقاتل فيها تحالف تقوده السعودية جماعة الحوثي المسلحة، فضلا عن الانهيار الاقتصادي جعل التعامل مع كوارث مثل الكوليرا والمجاعة أمرا بالغ الصعوبة. وصار اختلاط المياه الآسنة خضراء اللون مع القمامة منظرا شائعا في العاصمة صنعاء حيث تكافح الحكومة لاحتواء تفشي المرض. وأصبحت مضخات تطهير إمدادات المياه معطلة بسبب نقص الوقود بينما لا تحصل شركات الصيانة على رواتب لموظفيها كما لا تصل إليها الإمدادات اللازمة. بحسب رويترز.
ومنذ سيطرة الحكومة اليمنية على أموال المصرف المركزي لم يحصل معظم الموظفين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على رواتبهم. وهذا يعني أن معظم العاملين في صنعاء ومحيطها لم يحصلوا على رواتب منذ ستة أشهر وهو ما أثر سلبا على حياة العاملين في مرافق مثل المستشفيات والصرف الصحي. وفي الوقت نفسه يواجه اليمن وهو بلد ذو طبيعة جبلية خطر نفاد المياه مما يجعل مواطني اليمن، البالغ عددهم 28 مليون نسمة معظمهم من الفقراء، في مواجهة مع أزمة أخرى. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة يموت في اليمن طفل دون الخامسة كل عشر دقائق لأسباب يمكن الوقاية منها. وبلغ عدد النازحين بسبب القتال مليوني شخص. ولا تعمل سوى نصف المستشفيات بطاقتها المعتادة.
اطفال اليمن
الى جانب ذلك حذرت منظمة "أنقذوا الأطفال" من أن أكثر من مليون طفل في اليمن عرضة أكثر من غيرهم ثلاثة أضعاف للموت إذا أصيبوا بالكوليرا، لأن أنظمة المناعة لديهم أضعفها سوء التغذية الحاد. ويأتي تعليق المنظمة الخيرية في الوقت الذي بلغ فيه عدد اليمنيين المصابين بالكوليرا أكثر من 430 ألف شخص. وتقول المنظمة إن 200.000 طفل يمني تحت سن الخامسة معرضون لخطر الموت الوشيك من الجوع، بعد مرور عامين على الحرب الأهلية التي قادت البلاد إلى حافة المجاعة، وأدت إلى انهيار نظام الرعاية الصحية.
ووصفت "أنقذوا الأطفال" أطفال اليمن بأنهم "محاصرون في دائرة من الجوع والمرض". وتقول مراسلة بي بي سي لشؤون الصحة العالمية، تيوليب مازومدار، إن علاج الكوليرا سهل، لكن ما صعب الأمور هو القيود التي تفرضها الحرب على توفير إمدادات الدواء والغذاء. ومازال الصرع في البلاد مستمرا بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يدعمه التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ومسلحي الحوثيين الذين تساندهم إيران.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد قالت إن عدد الوفيات بسبب تفشي مرض الكوليرا في اليمن ارتفع إلى 1.500 حالة. وقال ممثل المنظمة في اليمن، نيفيو زاغاريا، في وقت سابق إن عدد الحالات المشتبه في إصابتها في الكوليرا بلغ 246,000 إلى يوم 30 حزيران/يونيو. وأنشأت المنظمة مجموعة طوارئ مكونة من أطباء وممرضات وممرضين ومنظفين ومسعفين لمواجهة النقص الحاد في عدد الكوادر الطبية المؤهلة فضلا عن الدمار والخراب الذي حل بالبنية التحتية للمنشآت الصحية جراء الحرب المستمرة منذ 27 شهرا بين جماعة الحوثيين و تحالف عربي بقيادة السعودية.
وأنشأت منظمة الصحة العالمية مراكز طبية عدة بها مئات الأسرة لرعاية الحالات المشتبه في إصابتها بالكوليرا. وتقول المنظمة إنها تسعى لزيادة عدد الأسرة إلى 5.000 سرير لمواجهة ما وصفته بأسوأ وباء على الإطلاق من حيث التفشي.
اضف تعليق