وسط حالة اللامبالاة السائدة في الوطن العربي والعالم إزاء الوضع المأساوي ومشاهد الموت المجاني المنتشرة في اليمن التي تعاني من حربا طاحنة منذ عامين بين الحركة الحوثية من ناحية، والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، التي يدعمها التحالف العربي بزعامة السعودية من ناحية أخرى.
ان الحرب الدائرة في اليمن أوقعت البلد وسط تهديد ثلاثي الابعاد ربما ينهي بمستقبل شعبه الذي اهلكه صراع الحرب الاهلية حيث تقدر الأمم المتحدة عدد من قتل في اليمن بسبب الحرب بحوالي 7700 شخص، كما شرد أكثر من مليون شخص آخر منذ بدء هجمات التحالف العربي.
أيضا تسببت الحرب في إيقاع اليمن بأكبر ازمة غذائية حيث وضعت الحرب 19 مليونا من بين سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة في حاجة لمساعدات إنسانية ويوشك الكثير منهم على الوقوع في براثن المجاعة. وذلك بعد أن نقلت الحكومة المدعومة من السعودية البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، توقفت رواتب أكثر من مليون موظف، ما يدفع عائلاتهم باتجاه المجاعة.
اما المحور الثالث الذي تسببت به الحرب الدائرة في اليمن هو تدهور مستوى الرعاية الصحية بصورة كبيرة فقد صنفت منظمة الصحة العالمية اليمن حاليا كواحد من أشد حالات الإغاثة العاجلة، بجانب سوريا وجنوب السودان ونيجيريا والعراق. ما ادى ذلك الى انتشار وباء الكوليرا الشديد العدوى والذي يتسبب بإسهال حاد وينتقل عن طريق المياه او الأطعمة الملوثة، وقد يؤدي إلى الوفاة إن تعذرت معالجته. ما زاد من معاناة اليمنيين الذين يدفعون ثمن النزاع الأكبر منذ عام 2014.
منذ نهاية نيسان/ابريل، اجتاحت الكوليرا 20 من مجمل محافظات اليمن والبالغ عددها 22، وادت في نحو ستة اسابيع الى وفاة 923 شخصا واصابة 124 الف شخص اخر، بحسب اخر احصائيات منظمة الامم المتحدة للطفولة "يونيسف".
زيادة في حالات الاصابة
وهي المرة الثانية التي تنتشر فيها الكوليرا خلال أقل من عام في اليمن، الدولة الأكثر فقرا في شبه الجزيرة العربية، اذ تسببت بين تشرين الاول/اكتوبر العام الماضي واذار/مارس 2017 بوفاة 145 شخصا. وبدأ تفشي المرض في أكتوبر تشرين الأول وتزايد حتى ديسمبر كانون الأول ثم تراجع لكن دون السيطرة الكاملة عليه. وبدأت زيادة جديدة في حالات الإصابة في أبريل نيسان.
زيادة عدد الوفيات
أشارت الأرقام إلى أن عدد الوفيات بسبب الكوليرا زاد نحو 50 بالمئة منذ آخر تحديث لأرقام المنظمة يوم 27 مايو أيار. والمحافظات الأكثر تضررا هي أمانة العاصمة وحول صنعاء وحجة وعمران والحديدة وجميعها في شمال وغرب اليمن وبها أكثر من 53 بالمئة من حالات الإصابة المسجلة منذ 27 أبريل نيسان. وفق رويترز.
كل دقيقة مريض
من اجل ذلك يستقبل مستشفى السبعين في صنعاء كل دقيقة مريضا واحدا على الاقل مصابا بالكوليرا التي اجتاحت البلد الفقير الغارق في نزاع مسلح، متسببة بوفاة 923 شخصا ومهددة حياة 124 الف شخص اخر. وفق فرانس برس
وبعدما فاقت اعداد المرضى قدرة المستشفى على الاستيعاب، لجأ المسؤولون فيها على غرار مستشفيات اخرى، لنصب خيام في محيطها، بينما اكتظت اروقة المبنى الرئيسي بالمرضى الذين افترش بعضهم الارض.
300 حالة في اليوم
من جهته قال الطبيب اسماعيل المنصوري لوكالة فرانس برس "استقبلنا عددا كبيرا جدا من المرضى، ومنذ اسبوعين نستقبل في الدقيقة الواحدة من حالة واحدة الى حالتين الى ثلاث حالات". وفي مركز مكافحة الكوليرا في المدينة، حذر الطبيب ماهر الحداء من "ارتفاع مخيف جدا في اعداد الحالات، حتى وصلنا الى ان نستقبل في اليوم الواحد ما يزيد عن 300 حالة، بينهم اطفال ونساء".
سبب انتشار المرض
ساهمت أزمة نفايات تسبب بها إضراب نفذه عمال النظافة للمطالبة بالحصول على أجورهم، التي لم يستلموها منذ أكثر من ثمانية أشهر في تفشي الكوليرا. وارتفعت أكوام القمامة في الشوارع حيث اضطر السكان إلى ارتداء الأقنعة بسبب الروائح الناجمة عن تعفن النفايات. ويفتقر أكثر من ثمانية ملايين شخص لسبل الوصول لمياه شرب آمنة وصرف صحي ملائم".
تحدث الإصابة بالكوليرا نتيجة ابتلاع البكتيريا عبر تناول ماء أو طعام ملوث بالفضلات. ويظهر المرض في الغالب بإسهال مفاجئ وحاد وقد يفتك بالمصاب في غضون ساعات رغم أن ثلاثة أرباع المصابين لا تظهر عليهم الأعراض. وفق فرانس برس
الوضع يزداد سوءا
هذا وقد قالت منظمة الامم المتحدة للطفولة "يونيسف". ان الاطفال يشكلون ربع الوفيات ونصف اعداد المصابين. وتقول الامم المتحدة ان اعداد الاصابات ترتفع بوتيرة "غير مسبوقة"، وتحذر من ان الوضع قد يزداد سوءا خلال موسم الامطار وفي ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية بفعل النزاع. وفق فرانس برس.
النظام الصحي
أيضا اعتبرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ان وباء الكوليرا "اتي على ما تبقى من النظام الصحي في اليمن الذي مزقته الحرب. فالمستشفيات والمرافق الصحية تكابد الأمرين في التعامل مع العدد المتزايد من المرضى في جميع مناطق البلاد". وفق فرانس برس
وحذرت المنظمة من ان "الأدوية والمحاليل الوريدية تستنفد بسرعة"، وقالت انه "في ظل غياب أي بوادر تلوح في الأفق لوقف النزاع الدائر فمن المحتمل أن يستمر وباء الكوليرا- وربما أمراض أخرى- في إزهاق أرواح الأطفال في اليمن".
تفشي المرض
في احد احياء عدن، تحولت بقعتان من المياه الراكدة السوداء التي تفوح منها رائحة كريهة الى وكرين للذباب والحشرات التي تنقل الامراض المعادية. وقالت ام هشام مديرة احدى مدارس المدينة "نخشى تفشي المرض. الناس فقراء ولا يملكون الوسائل اللازمة للعلاج والذهاب" الى المستشفى. وفق فرانس برس
مازن الصياد، الاب الذي يسكن في احدى قرى محافظة لحج شمال عدن، تمكن من انقاذ والدته بعدما اقلها في سيارته متوجها بها الى مستشفى الصداقة في عدن. وقال "انقذت امي من الموت فقط لانني املك سيارة. هناك اخرون يموتون في مكانهم".
كارثة انسانية
من جانبها قالت منظمة الصحة العالمية إن عدد حالات اشتباه الإصابة بالكوليرا في اليمن زادت لتتجاوز 100 ألف حالة منذ بدء ظهور المرض في 27 أبريل نيسان. ويبرز الانتشار السريع للمرض في 19 من 23 محافظة يمنية حجم الكارثة الإنسانية في اليمن بعد عامين من الحرب الأهلية التي يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنها أخرجت معظم منشآت الرعاية الصحية من الخدمة. وفق رويترز.
تراجع طفيف
في نفس الموضوع قال طارق ياسرفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية "هناك بلاغات عن 101820 حالة اشتباه إصابة بالكوليرا و789 حالة وفاة في 19 محافظة حتى الآن". وحذرت المنظمة من احتمال وصول العدد إلى 300 ألف إصابة لكن العدد اليومي لحالات الإصابة الجديدة تراجع بشكل طفيف في أسبوع حتى الخامس من يونيو حزيران إلى 3432 من 3651 في الأسبوع السابق. وفق رويترز.
تهديد ثلاثي
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير "زاد خطر الموت على الأطفال والنساء الذين يعانون سوء التغذية والناس الذين يعيشون في ظروف صحية مزمنة أخرى والأسر التي لا تجد ما يكفيها من طعام وهم يواجهون الآن’التهديد الثلاثي’ من صراع ومجاعة وكوليرا". وفق رويترز.
وقف إطلاق النار
في سياق متصل دعت منظمة أوكسفام الخيرية إلى وقف إطلاق النار من أجل التصدي للكوليرا حتى يتسنى وقف انتشار المرض مضيفة أن العدد المعلن أقل من الفعلي على الأرجح. وقال مدير المنظمة باليمن سجاد محمد ساجد "اليمن على حافة الهاوية... علاج الكوليرا والوقاية منها بسيط لكن استمرار القتال يضاعف صعوبة المهمة".
ازمة حقيقية
من جانبه قال مسؤول الشؤون الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين امام مجلس الامن الدولي انه "حان الوقت الان" لانهاء أكبر حالة طوارئ غذائية في العالم واعادة اليمن إلى طريق البقاء. وأكد ان "الازمة ليست قادمة او وشيكة بل إنها حقيقة واقعة اليوم وتحت انظارنا، والناس العاديون يدفعون الثمن". وأضاف "سكان اليمن يتعرضون للحرمان والأمراض والموت بينما العالم يتفرج".وأكد ان الوضع يتجه نحو "الانهيار التام اجتماعيا واقتصاديا ومؤسساتيا". وفق فرانس برس.
على حافة الهاوية
تعكس تصريحاته مشاعر الاحباط بسبب فشل مجلس الامن في الضغط على الاطراف المتحاربة في اليمن لابعاد هذا البلد عن حافة الهاوية والدخول في مفاوضات جدية لانهاء الحرب المستمرة منذ عامين. وأدى النزاع الى نقص شديد في الغذاء طال نحو 17 مليون شخص من بينهم نحو سبعة ملايين يقتربون من حافة المجاعة في البلاد التي تعتمد على الأغذية المستوردة. وفق فرانس برس.
انهاء الجمود المستمر
لذا حذرت 22 منظمة دولية ويمنية تعنى بالشؤون الانسانية وحقوق الانسان ومن بينها منظمة "انقذوا الاطفال" و"لجنة الانقاذ الدولية" ومنظمة "اوكسفام" من الوضع في اليمن. ودعت الدول الاعضاء في المجلس وخاصة بريطانيا التي تقود مناقشة النزاع في المجلس الى "انهاء الجمود المستمر منذ عام بشأن اليمن والتحرك بشكل حاسم لانهاء ما يعتبر الآن أسوأ أزمة إنسانية في العالم". وفق فرانس برس.
صعوبة السيطرة على المرض
فضلا عن ذلك قال دومينيك ستيلهارت من الهيئة الدولية للصليب الأحمر إن الحرب بين الحكومة اليمنية وحركة الحوثيين المتمردة جعل مهمة السيطرة على الكوليرا في البلاد صعبة. وطالبت منظمة انقذوا الأطفال بتوفير المزيد من الأدوية والعاملين في قطاع الصحة وتنظيم حملات توعية للناس وتعليمهم أساليب الوقاية من العدوى، وألحت على ضرورة أن ترفع جميع الأطراف الحظر فورا عن استيراد المساعدات الإنسانية والطبية
الموت في صمت
قالت منظمة اليونيسيف إن "العديد من العائلات بالكاد تتحمل تكلفة نقل أطفالها إلى المستشفيات لكن هؤلاء هم المحظوظون، إذ أن عددا لا يحصى من الأطفال في أنحاء اليمن يموتون في صمت لأسباب يمكن الوقاية منها بسهولة أو علاجها، مثل الكوليرا والإسهال وسوء التغذية."
السباق مع الزمن
أوضح غيرت كابيلير، المدير الإقليمي لليونيسيف: "التقيت بموظفي الصحة الذين يسابقون الزمن من أجل منع وفاة المزيد من الأطفال جراء الكوليرا. وهؤلاء ملتزمون بأداء واجباتهم بالرغم من عدم تلقيهم رواتبهم منذ نحو تسعة أشهر. ويجب علينا بذل كل ما في وسعنا لتوفير المستلزمات الطبية الضرورية، وتقديم الدعم الذي يحتاجونه بشدة."
وأكد كابيلير أن "المجتمع الدولي بحاجة إلى بذل المزيد لتقديم الدعم الفوري لجهود الإغاثة في الصحة والمياه والصرف الصحي والتغذية وتعبئة المجتمع. يونيسيف تحتاج بشدة إلى 16 مليون دولار للسيطرة على تفشي الكوليرا."
اضف تعليق