يعاني الشعب الفلسطيني منذ خمسين عام تقريبا من الاحتلال الإسرائيلي المدمر والاستيطان على أراضيهم فقد بنيت اول مستوطنة إسرائيلية على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة في أيلول/سبتمبر 1967 في كفار عتصيون.
منذ ذلك الوقت والشعب الفلسطيني يصارع من اجل نيل حريته والحفاظ على أراضيه من المحتلين الاسرائيليين بينما يعتقد الكثير من اليهود القوميين الدينيين والمستوطنين انهم يؤدون واجبا دينيا عبر الاقامة في "يهودا والسامرة"، وهو الاسم القديم الوارد في التوراة للمنطقة.
يعيش نحو 430 ألف شخص في مستوطنات الضفة الغربية التي تقطع أوصال الأراضي الفلسطينية، وسط 2,6 مليون فلسطيني، بالاضافة الى مئتي ألف مستوطن يقيمون في أحياء استيطانية في القدس الشرقية وسط 300 ألف فلسطيني في المدينة المقدسة.
منذ الوهلة الأولى للاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والنزاع قائم على القدس بين الإسرائيليين والفلسطينيين فإسرائيل تريد الاستيلاء على القدس لكي تعلنها عاصمة لدولتها النكراء على الأراضي الفلسطينية بينما الفلسطينيين يرفضون ذلك ومتمسكين بالقدس التي لها طابع ديني خاص على قلوبهم فضلا عن انها عاصمتهم التي يعتزون بها..
وبعد نزاعات ومداولات واتفاقيات اقتنعت الحكومة الفلسطينية باتفاقيات صنع السلام مع إسرائيل وإقامة دولتين مستقلتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنب الى جنب بأمن واستقرار وحسن جوار وذلك لكي ينال الشعب الفلسطيني حريته بأقامة دولته الخاصة على ان تكون عاصمتها القدس الشرقية.
بناء مستوطنات
لكن إسرائيل وكعادتها تطمع بالأكثر خاصة انها لديها رغبة كبير بالنيل على القدس الشرقية فقد أعلن نتنياهو في يناير كانون الثاني، بعد يومين من تولي ترامب الرئاسة، أنه سيرفع القيود على البناء الاستيطاني في القدس الشرقية في نفس الوقت الذي وافقت فيه بلدية المدينة على تراخيص لبناء مئات المنازل الجديدة.
من اجل ذلك قالت وزارة الإسكان الإسرائيلية الحكومة تخطط لبناء 15 ألف وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية على الرغم من طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف النشاط الاستيطاني في إطار مسعى جديد محتمل لإعادة إطلاق عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية. وفق رويترز.
وأبلغ وزير الإسكان الإسرائيلي يؤاف جالانت الإذاعة الإسرائيلية أن وزارته وبلدية القدس تعملان منذ عامين على الخطة التي تشمل مقترحات لبناء 25 ألف وحدة استيطانية من بينها 15 ألفا في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 وضمتها إليها لاحقا.
ادانة دولية
خطوة قد اثارت قلق البرلمان الأوروبي ومقره ستراسبورغ الذي كان يؤيد حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني القائم على دولتين تعيشان جنبا إلى جنب على أساس حدود 1967". وبعد التأكيد على "أهمية استئناف المفاوضات حول المسائل الجوهرية بأسرع ما يمكن" بين الطرفين، قال البرلمان إنه "يدين مواصلة سياسة الاستيطان ويطلب من السلطات الإسرائيلية وضع حد لها على الفور (لأن) المستوطنات غير قانونية في نظر القانون الدولي وتضع المزيد من العراقيل في وجه فرص التوصل إلى حل قائم على التعايش بين دولتين لديهما مقومات الاستمرار". وفق فرانس برس.
وأكد البرلمان على "الكف عن هدم منازل الفلسطينيين والمؤسسات والمشاريع التي يمولها الاتحاد الأوروبي والتهجير القسري للعائلات الفلسطينية ومصادرة الممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية". وفي 23 كانون الاول/ديسمبر، أصدر مجلس الامن الدولي للمرة الاولى منذ 1979 قرارا يدين بناء المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد ان امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، وذلك بعد سنوات من التوتر بين حكومة نتانياهو وادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما.
انتهاك القانون الدولي
يرى الفلسطينيون أن أي توسيع للمستوطنات يندرج ضمن مشروع إسرائيلي لحرمانهم من إقامة دولة. وقال خافيير أبو عيد المتحدث باسم إدارة شؤون المفاوضات بالسلطة الفلسطينية إن الإسرائيليين يبنون المستوطنات بمعدل للتشييد له دوافع سياسية. وأضاف أن المستوطنات والمزايا التي تمنح للمستوطنين هي جزء من جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية الذي من الواضح أنه لا يتضمن حل الدولتين. وفق رويترز.
قال عريقات إن خطوة إسرائيل "انتهاك ممنهج للقانون الدولي وتخريب متعمد" لمساعي استئناف المفاوضات. وأضاف أن جميع المستوطنات في "فلسطين المحتلة" غير مشروعة بموجب القانون الدولي. وقال إن "فلسطين" ستستمر في اللجوء إلى المنظمات الدولية لمحاسبة إسرائيل على ما وصفه بانتهاكاتها الفاضحة للقانون الدولي "في أرجاء فلسطين المحتلة".
علاقة تاريخية بالأرض
لكن إسرائيل ترفض فكرة عدم شرعية المستوطنات وتقول إن علاقتها بالأرض تاريخية ومنصوص عليها في التوراة. ويرغب بعض أعضاء الجناح اليميني بالحكومة الإسرائيلية في ضم ما يصل إلى 60 بالمئة من الضفة الغربية وزيادة الاستيطان بشكل كبير. وفق رويترز.
وهذا ما يقلق المجتمع الدولي الذي يعتبر المستوطنات المقامة على أراض محتلة انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يسعون لإقامة دولة تضم الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
وتقول المستوطنة اليهودية موريت ينون (45 عاما) وهي أم لستة اولاد، ان كفار عتصيون هي "المكان الذي لن نتركه ابدا". ويقول مستوطن آخر من كفار عتصيون أول مستوطنة اسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة في أيلول/سبتمبر 1967 اليعاز كوهين الذي يسعى دائما لفتح حوار بين المستوطنين والفلسطينيين، ان "العيش مع التأكيد على حقوقنا المشروعة على هذه الارض لا يمكن ان يتم الا في حال حصول جميع سكان هذه الارض على الحقوق نفسها".
انسحاب العرب
من جانب اخر يتذكر الفلسطيني عيد الجعبري عن اليوم الاول من حرب حزيران/يونيو 1967، لذي كان يبلغ من العمر آنذاك 21 عاما، بمرارة كيف دخل الاسرائيليون الى مدينة الخليل الفلسطينية، قائلا "لم يكن هناك قتال، وانسحب العرب". ويشير الى انه رأى القوات الاردنية تغادر الضفة الغربية دون إطلاق رصاص.
يروي الجعبري الذي يجلس واضعا كوفيته التقليدية على رأسه ويدخن الشيشة في شارع أصبح مقفرا الان، "لم يكن بإمكاننا في تلك الفترة وضع قدم أمام الاخرى بسبب تزاحم الناس" في الشوارع التجارية. وفق فرانس برس.
لكن الطرق الكبرى في الجوار ما لبثت أن أغلقت أمام الفلسطينيين. في الشوارع المقفرة، دكاكين مغلقة منذ سنوات بستائرها الحديدية المسدلة وأقفالها الصدئة، لكن بعض المحلات لا تزال تقاوم في الازقة التي نصبت فوقها شوادر لحمايتها من القذارات والحجارة التي يلقيها المستوطنون على المارة فيها.
منطقة متنازع عليها
وند توجيه الضوء على مدينة الخليل التي تعتبر من المناطق المتنازع عليها فهي تضم كهف البطاركة المقدس بالنسبة الى اليهود والحرم الابراهيمي الشريف الذي يؤمه المسلمون، تحت السيطرة الاردنية منذ 1948.
تتمتع الخليل التي يقول التقليد انها كانت موطن النبي ابراهيم الذي عاش ودفن فيها، بوضع خاص في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتشكل دائما موضوعا منفصلا في المفاوضات. وعند توقيع اتفاقيات اوسلو للسلام، تم تقسيم المدينة في خطوة ندد بها الجانبان.
خوف دائم
ويعيش أكثر من 500 مستوطن وراء أبراج المراقبة والحواجز بحماية الجيش وخلف منطقة عازلة حلت محل شارع الشهداء الذي كان يعج بالمتسوقين، وتضم المدينة نحو 200 الف فلسطيني.
بالنسبة للفلسطينيين، فإن وجود المستوطنين ومئات من الجنود الاسرائيليين وعدد كبير من الحواجز العسكرية، جعل الحياة اليومية "لا تطاق" بالنسبة لالاف من الاشخاص الذي يعيشون "في خوف" دائم.
نهاية الزمن الجميل
على مدار الخمسين عاما الماضية، تغيرت مدينة الخليل الفلسطينية بشكل جذري، وتحولت البلدة القديمة التي كانت مركزا تجاريا عامرا الى منطقة محاصرة عسكريا، بينما اصبح الحرم الابراهيمي مقسوما بين المسلمين واليهود ويخضع لحراسة امنية مشددة. وفق فرانس برس.
وكانت المدينة التي تضم كهف البطاركة المقدس بالنسبة الى اليهود والحرم الابراهيمي الشريف الذي يؤمه المسلمون، تحت السيطرة الاردنية منذ 1948. بالنسبة الى الفلسطينيين في الخليل، شكّل هذا نهاية "الزمن الجميل".
معجزة عظيمة
بينما يعتبر المستوطنون الاسرائيليون ان هذا كان "معجزة عظيمة". يقول نوعام ارنون، المتحدث باسم مجموعة مستوطني الخليل المؤلفة من مئات من المستوطنين، "بدا لنا أننا لن نعود ابدا". ويضيف ان اسرائيل التي لم يكن مرّ على إنشائها في حينه سوى 20 عاما، كانت تواجه "خطرا وجوديا". ويضيف "أحاطت بنا دول عربية كبيرة أعلنت انها ستقوم بإلقاء اليهود في البحر(...)، ولكننا قمنا بتحرير مدينتينا المقدستين، القدس والخليل".
انتشار البؤر الاستيطانية
ويقول المحتسب (59 عاما) "فجأة تحولت القواعد العسكرية الى مستوطنات، وانتشر المستوطنون في كل مكان". فبعد سنوات من احتلال الخليل، رضخت الحكومة الاسرائيلية لمطالب المستوطنين وسمحت بتواجدهم وإقامتهم في المدينة وسط الفلسطينيين. وانتشرت البؤر الاستيطانية داخل الخليل، وتزايدت المستوطنات حول المدن الفلسطينية الاخرى.
لا يسمح بدخول الفلسطينيين
في المقابل، يقول المستوطن غابريال بن يتسحاق الذي يعيش في حي تل الرميدة ان هناك "خوفا" من جانب المستوطنين في المدينة ايضا. وبحسب ارنون، "يسمح لليهود فقط ب 3% من المدينة" التي تمت تغطيتها بالاعلام الاسرائيلية ويمنع دخول الفلسطينيين اليها، واصفا اياها بأنها تشبه "الغيتو". وفق فرانس برس.
تقسيم الحرم
تندلع مواجهات عنيفة بشكل متكرر في المدينة. ويتذكر الجميع المجزرة التي ارتكبها المستوطن الاسرائيلي الاميركي باروخ غولدشتاين في الحرم الابراهيمي في المدينة عام 1994 وقتل خلالها 29 مسلما. وتم تقسيم الحرم الذي يتضمن بعدا رمزيا قوميا ودينيا في النزاع الى قسمين: واحد للمسلمين وآخر لليهود بعد المجزرة.
اضف تعليق