نهج ومواقف الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب تجاه الصراع في سوريا، ماتزال مبهمة وغير واضحة المعالم فموقفه الأخير الداعي لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، وكما يرى بعض المراقبين ربما سيسهم في تعقيد الامور، خصوصا مع تعدد أطراف الصراع والدول الداعمة ( للجماعات المعارضة بمختلف انتماءاتها والحكومة السورية) ومنها تركيا ودول الخليج وروسيا وايران القوة الصاعدة في المنطقة.والتي لعبت أيضا دورا محوريا في سوريا وفي الإبقاء على الرئيس بشار الأسد في السلطة وسحق المعارضة المسلحة في حلب.
فقرار إنشاء مثل هذه المناطق في سوريا وكما يرى بعض الخبراء يحتاج الى اتفاق وتنسيق خاص مع روسيا وباقي حلفاء الاسد لتجنب حدوث أزمة جديدة قد تقود الى كارثة كبرى، خصوصا وان ترامب لايسعى إلى تلغيم علاقاته في الفترة الحالية مع روسيا، فترامب ينظر إلى العديد من القضايا والملفات ومنها ملف الصراع في سوريا من ناحية مصلحيه، وعليه فانه قد يعمد الى التوقف عن دعم فصائل المعارضة السورية، التي فشلت في توحيد نفسها واهدافها، وسيسعى بالاتفاق مع روسيا الى التركيز على قتال تنظيم داعش وباقي الفصائل الارهابية المتشددة، حيث يرى ترامب أن لا مصلحه لأمريكا في الغرق في المستنقع السوري طالما أن روسيا تقوم بالمهمة وتحفظ مصالح أمريكا في المنطقة.
من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان ترامب قد يعمد الى عقد صفقة مهمة مع بعض الدول الداعمة للجماعات المعارضة والتي ترغب في إنشاء منطقة أمنة في سوريا ومنها (السعودية وقطر و وتركيا وباقي الدول الأخرى المنخرطة في الصراع السوري)، خصوصا وان هذه الدول قد تضررت بشكل كبير بعد تدخل الروس في هذه الحرب وهو ما قد يجبرها على تقديم تنازلات كبيرة في سبيل تحقيق هذا الهدف من اجل الحفاظ على مصالحها، حيث قال ترامب أثناء حملته الانتخابية " سوف ننشئ مناطق آمنة، وسنطلب من دول الخليج أن تمول إنشاء تلك المناطق". وقد تسبب هذا الإعلان في خلاف بينه وبين روسيا وإيران، وتقدمت كلا منهما خطوات للأمام مع تركيا فيما يتعلق بالتوصل لتسوية سياسية في سوريا. فموسكو وطهران لا ترغبان في انشاء تلك المناطق الآمنة، إذ أن ذلك قد يساعد المعارضة المسلحة على إنشاء مناطق خاصة بها لتجميع قواها والاستمرار في القتال ضد الأسد، كذلك تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية على حدودها.
إقامة مناطق آمنة
وفي هذا الشأن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه "سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا" لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك. وقال ترامب في مقابلة أجرتها معه محطة (إيه.بي.سي نيوز) إن أوروبا ارتكبت خطأ جسيما باستقبال ملايين اللاجئين من سوريا ومناطق اضطراب أخرى بالشرق الأوسط. وأضاف "لا أود أن يحدث ذلك هنا." وتابع "سأقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا للأشخاص (الفارين من العنف)." لكنه لم يذكر أي تفاصيل.
وطبقا لوثيقة فمن المتوقع أن يأمر ترامب وزارتي الدفاع والخارجية بوضع خطة لإقامة "المناطق الآمنة" في تحرك قد يخاطر بزيادة التدخل العسكري الأمريكي في الصراع السوري. وتشير مسودة الأمر التنفيذي التي تنتظر توقيع ترامب إلى أن الإدارة الجديدة تقدم على خطوة عارضها طويلا الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خشية الانجرار بشكل أكبر في الصراع وخطر اندلاع اشتباكات بين الطائرات الحربية الأمريكية والروسية فوق سوريا.
وتقول المسودة "توجه وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الدفاع في غضون 90 يوما من تاريخ هذا الأمر بوضع خطة لتوفير مناطق آمنة في سوريا وفي المنطقة المحيطة يمكن فيها للمواطنين السوريين الذين نزحوا من وطنهم انتظار توطين دائم مثل إعادتهم لبلادهم أو إعادة توطينهم في بلد ثالث." وإقامة مناطق آمنة قد تزيد من التدخل العسكري الأمريكي في سوريا وتمثل انحرافا كبيرا عن نهج أوباما. وإذا قرر ترامب فرض قيود "على الطيران" فوق هذه المناطق فقد يتطلب زيادة في حجم القوة الجوية الأمريكية أو القوة الجوية للتحالف. وقد يتطلب هذا أيضا نشر قوات برية لتوفير الأمن.
لكن الوثيقة لم تقدم أي تفاصيل بشأن تلك المناطق الآمنة وأين ستقام على وجه التحديد ومن سيتولى حمايتها. ويستضيف بالفعل الأردن وتركيا ودول أخرى مجاورة ملايين اللاجئين السوريين. ويحذر مسؤولون عسكريون أمريكيون منذ وقت طويل من أن إقامة مناطق حظر طيران داخل سوريا ستتطلب عددا كبيرا من الموارد الإضافية بخلاف القتال ضد تنظيم داعش وسيكون من الصعب ضمان أن المتشددين لا يخترقون تلك المناطق. بحسب رويترز.
ويؤيد أعضاء جمهوريون بالكونجرس إقامة مثل هذه المناطق خاصة لحماية المدنيين الفارين من الصراع من هجمات القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد. وكان ترامب دعا خلال حملته الرئاسية إلى إقامة مناطق حظر طيران لتوفير المأوى للاجئين كبديل عن السماح لهم بدخول الولايات المتحدة. واتهم ترامب إدارة أوباما بالفشل في إجراء عمليات فحص مناسبة للاجئين السوريين الذين يدخلون الولايات المتحدة لضمان عدم وجود أي صلات لهم بالمتشددين.
ترامب والأسد
في السياق ذاته قال خبراء إن تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل إقامة مناطق آمنة في سوريا قد يدفعه لاتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر بشأن المدى الذي يمكن أن يبلغه في حماية اللاجئين بما في ذلك إسقاط طائرات سورية أو روسية أو الالتزام بنشر آلاف الجنود الأمريكيين. وإذا فرضت منطقة حظر طيران دون التفاوض على اتفاق من نوع ما مع روسيا فسيتعين على ترامب أن يقرر إن كان سيمنح الجيش الأمريكي سلطة إسقاط طائرات سورية أو روسية إذا شكلت خطرا على الناس في تلك المنطقة وهو الأمر الذي رفض سلفه باراك أوباما القيام به.
وقال جيم فيليبس خبير شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة هيريتدج البحثية في واشنطن "هذا في جوهره يعني الاستعداد لخوض حرب من أجل اللاجئين" مشيرا إلى دفاعات روسيا الجوية المتقدمة.ووعد ترامب خلال حملته باستهداف المتشددين من تنظيم داعش وسعى لتفادي الانزلاق بصورة أكبر في الصراع السوري الأمر الذي أثار تساؤلات بشأن إن كان سيكتفي بتأكيدات - ربما من موسكو - بألا تستهدف طائرات روسية أو سورية المناطق الآمنة. وفي موسكو قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن ترامب لم يتشاور مع روسيا وإنه ينبغي "تقييم" عواقب خطة مثل هذه. وقال "من المهم ألا تفاقم (هذه الخطة) وضع اللاجئين".
وقال فيليبس وخبراء آخرون بينهم مسؤولون أمريكيون سابقون إن الكثير من اللاجئين لن يكتفوا بتأكيدات من موسكو بينما قد لا يلقى أي اتفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد - المدعوم أيضا من إيران - ترحيبا من حلفاء واشنطن العرب. ورفضت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التعقيب قائلة إنه لم يصدر أي توجيه رسمي بعد لبلورة مثل هذه الخطط وبدا أن بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين لم يعرفوا بأمر الوثيقة قبل نشرها في وسائل الإعلام. وقال الكابتن جيف ديفيز المتحدث باسم البنتاجون "وزارتنا منوطة الآن بأمر واحد في سوريا وهو كسر داعش وهزيمتها."
ومن شبه المؤكد أن تتطلب أي منطقة آمنة في سوريا - تضمنها الولايات المتحدة - درجة من درجات الحماية العسكرية الأمريكية. ويقول مسؤولون أمريكيون سابقون وخبراء إن تأمين البر وحده سيتطلب آلاف الجنود. وحذر أنتوني كوردسمان الخبير العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي من أن تصبح المناطق الآمنة داخل سوريا لعنة دبلوماسية تجبر إدارة ترامب على التعامل مع مجموعة من التوترات العرقية والسياسية في سوريا إلى أجل غير مسمى.
وقال خبراء آخرون إن من الممكن أن تجتذب المنطقة الآمنة متشددين إما لتنفيذ هجمات - وهو ما قد يحرج الولايات المتحدة - أو لاستخدام المنطقة مأوى يمكن للمتشددين إعادة تنظيم صفوفهم فيه. كما أن إقامة مثل هذه المناطق سيكون مكلفا نظرا لضرورة توفير أماكن إيواء وطعام وتعليم ورعاية طبية للاجئين. وقال كوردسمان "أعتقد أن هؤلاء الناس ليست لديهم أي فكرة عما يتطلبه توفير الدعم لخمسة وعشرين ألف شخص وهو رقم صغير في حقيقة الأمر فيما يتعلق (بالنازحين) واللاجئين" في سوريا. بحسب رويترز.
ولم تقدم مسودة الوثيقة أي تفاصيل بشأن ما الذي سيجعل هذه المناطق آمنة ولا مكان إقامتها ولا الجهة التي ستدافع عنها. ويستضيف الأردن وتركيا ودول مجاورة أخرى ملايين اللاجئين السوريين. وضغطت الحكومة التركية على أوباما دون جدوى لإقامة منطقة حظر طيران فوق الحدود السورية مع تركيا لكنها على خلاف الآن مع واشنطن بسبب دعمها لمقاتلين أكراد في سوريا.
تركيا وقطر
في السياق ذاته قال حسين مفتي أوغلو المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية إن أنقرة تنتظر نتائج تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقامة مناطق آمنة في سوريا مشيرا إلى أن تركيا تؤيد منذ فترة إقامة مثل هذه المناطق. وقال مفتي أوغلو "رأينا طلب الرئيس الأمريكي بإجراء دراسة. المهم هو نتائج هذه الدراسة وما هو نوع التوصية التي ستخرج بها." وأضاف "إن إقامة مناطق آمنة أمر تدعمه تركيا من البداية. وأفضل مثال جرابلس" في إشارة إلى بلدة قرب الحدود التركية انتزع معارضون سوريون تدعمهم تركيا السيطرة عليها من تنظيم داعش في أغسطس آب. وشنت تركيا عملية عسكرية داخل سوريا في أغسطس آب حيث أرسلت قوات خاصة ودبابات وطائرات في محاولة لطرد مقاتلي داعش من ممر حدودي ومنع المقاتلين الأكراد من السيطرة على المنطقة بعد خروج التنظيم المتشدد منها.
ونجحت الحملة التي أطلق عليها (درع الفرات) في طرد المتشددين من آخر منطقة حدودية كانوا يسيطرون عليها وهي شريط طوله 100 كيلومتر وأتاح ما يشير إليه مسؤولون أتراك على أنه "منطقة آمنة فرضها الأمر الواقع". وبدأت قوة شرطة سورية جديدة تلقت تدريبا وعتادا من تركيا العمل في جرابلس مما يشير إلى عمق النفوذ التركي في الأرض الواقعة حاليا تحت سيطرة المعارضين المدعومين من تركيا.
وتدعم تركيا منذ وقت طويل معارضي الجيش السوري الحر الذين يقاتلون الرئيس السوري بشار الأسد في صراع معقد ومتعدد الأوجه. وحولت الحرب سوريا إلى مناطق يتقاسم السيطرة عليها مقاتلون أكراد ومقاتلو داعش وعدد من الجماعات المعارضة. ودعمت تركيا وحليفتا الأسد الرئيسيتان روسيا وإيران محادثات سلام في آستانة عاصمة قازاخستان وهي دول ضامنة لاتفاق هش لوقف إطلاق النار. لكن العملية باتت مهددة بعد أن نجحت جبهة فتح الشام في إلحاق الهزيمة بالجيش السوري الحر خلال الأيام الماضية. بحسب رويترز.
وردا على سؤال بشأن الهجمات التي تشنها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) على الجيش السوري الحر قال مفتي أوغلو إن بعض العناصر في سوريا ربما تشعر بخيبة أمل إزاء التقدم الذي حدث في مؤتمر آستانة للسلام وربما تسعى لتعطيل وقف إطلاق النار. وقال إنه يتوجب على الدول الضامنة والتي تضم تركيا وروسيا وإيران أن تحول دون ذلك. ورفض مفتي أوغلو التلميحات بأن تركيا تراجعت عن معارضتها للأسد وقال إن تركيا ما زالت عند موقفها بأنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا.
الى جانب ذلك نقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن مسؤول في وزارة الخارجية ترحيب الدوحة بتعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقامة مناطق آمنة في سوريا. وقطر أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة التي تقاتل الرئيس السوري بشار الأسد. وقال أحمد بن سعيد الرميحي مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية إن الدوحة ترحب بتصريحات ترامب وأكد "ضرورة توفير ملاذات آمنة في سوريا وفرض مناطق حظر جوي (وهو ما) يضمن سلامة المدنيين."
وأضاف الرميحي أن قطر تأمل أن تساهم المفاوضات التي جرت في آستانة "في تثبيت وقف إطلاق النار" بين الفصائل السورية المتحاربة وأكد "ضرورة إنشاء آلية رقابة فعالة وعملية لتهيئة الظروف لمفاوضات جنيف." وتتعاون قطر والسعودية وتركيا ودول غربية في دعم مقاتلي معارضة في سوريا من خلال برنامج مساعدات عسكرية تشرف عليه المخابرات المركزية الأمريكية ويقدم السلاح والتدريب لفصائل المعارضة المعتدلة.
اضف تعليق