محادثات السلام السورية التي عقدت في استانا بدعم من روسيا وتركيا وايران، لأجل إنهاء الحرب المستمرة منذ ست سنوات والتي انتهت جولتها الاولى بحسب بعض المراقبين، دون الوصول الى اتفاق نهائي قد يساعد في إنهاء الصراع ، ماتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان البعض يرى ان هذه المحاولة المهمة كانت مختلفة عن المحاولات السابقة التي انتهت بالفشل، خصوصا وانها تأتي في وقت مهم يشهد العديد من الازمات والمتغيرات السياسية والعسكرية الكبيرة، وهو ما قد يدفع أطراف الصراع (الحكومة والمعارضة والجهات الداعمة)، الى تقديم تنازلات جديدة من اجل الحصول على مكاسب سياسية معينة تمكن الجميع من البقاء في هذه اللعبة، ورأى البعض أن نتائج مؤتمر أستانة ستكون خطوة إيجابية على الطريق لمباحثات جنيف المزمع عقدها الشهر المقبل، ويعتقد البعض الآخر أن الفترة القادمة ستشهد تغيراً في ميزان القوى والتحالفات بخصوص سوريا.
من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان جميع المؤشرات تشير الى ان المفاوضات بين النظام والمعارضة قد فشلت، بسبب اختلاف وجهات النظر والمطالب وعدم وجود قيادة موحدة لما يسمى المعارضة يضاف الى ذلك عدم اشراك جهات ودول داعمة اخرى في هذه المحادثات، وهو ما قد يعقد الامور بسبب اختلاف المصالح في هذا البلد.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكما نقلت بعض المصادر، ان محادثات السلام حول النزاع السوري المقررة في جنيف في الثامن من شباط (فبراير) تحت اشراف الامم المتحدة ارجئت الى نهاية الشهر نفسه. وتابع لافروف "من الجيد ملاحظة ان مجرد الاعلان عن اللقاء في استانا والتحضير له حث زملاءنا في الامم المتحدة على التحرك واعلان محادثات سورية في جنيف ولو ان موعد الثامن من شباط(فبراير) ارجئ مجددا الى نهاية الشهر المقبل".
وكان مسؤولون في الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف السوري المعارض رفضوا دعوات تلقوها للقاء لافروف في موسكو، بينما اعلن مسؤول من حزب الاتحاد الكردستاني مشاركة حزبه. ودعت موسكو ما مجمله 25 معارضا سوريا الى اللقاء مع لافروف . ولم تتم دعوة ممثلي المعارضة المسلحة الذين شاركوا في المحادثات مع النظام السوري في استانا الى اللقاء.
وتابع لافروف "بالاستناد الى خبرتنا منذ اكثر من خمس سنوات، نحن واثقون من اننا اذا لم نقدم مقترحات ملموسة على طاولة المفاوضات فلن نبدأ ابدا العمل فعليا". وقالت موسكو انها عرضت على ممثلي المعارضة في استانا مشروع دستور قامت باعداده. الا ان مصدرا في المعارضة اكد ان الاقتراح تم رفضه وان المعارضة لا تريد التباحث بشأنه. ومضى لافروف يقول "برأينا ان كل السوريين يجب ان يكونوا على اطلاع على المشروع قبل اللقاء في جنيف".
المحادثات والدول الداعمة
وفي هذا الشأن تمثل محادثات السلام بين الحكومة والمعارضة السورية في قازاخستان نصرا دبلوماسيا لداعميهما الدوليين لكنها تكشف أيضا عن قصارى ما يمكن لروسيا وتركيا وإيران أن تحققه في جهودها لوضع نهاية للحرب المستمرة منذ حوالي ست سنوات. وهذه هي المرة الأولى في تسعة أشهر التي يجلس فيها الجانبان معا ولو لفترة وجيزة وسط أجواء كئيبة كما إنها المرة الأولى التي ترأس فيها موسكو وأنقرة وطهران محادثات مثل هذه المحادثات مع اكتفاء الولايات المتحدة بالحضور كمراقب فقط.
وعقد المحادثات في حد ذاته نصر دبلوماسي يبرز تنامي تأثير الدول الثلاث في الشرق الأوسط وتراجع نفوذ واشنطن بينما يوطد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب نفسه في الرئاسة. وأشاد رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتييف بالمحادثات التي عقدت في أستانة عاصمة قازاخستان ووصفها بأنها "ميلاد" لصيغة تفاوض جديدة وساد أمل بأنها قد تجعل من المرجح أن محادثات تتوسط فيها الأمم المتحدة قد تعقد في جنيف.
وفي نهاية يومين اتسما بالفوضى ساندت موسكو وأنقرة وطهران هدنة هشة جرى التوصل إليها في 30 ديسمبر كانون الأول بين الأطراف المتحاربة في سوريا واتففت على مراقبة الالتزام بها. ومع ذلك لم تسر المفاوضات حسب الخطة الموضوعة لها وهو ما يظهر أن الوسطاء الثلاثة المفترضين في الصراع السوري على اختلاف أساليبهم لديهم جميعا مشاكل فيما يتعلق بالمصداقية. ويشير هذا إلى أنه يتعين عليهم إشراك واشنطن ودول الخليج العربية بصورة أكبر إذا أرادوا أن تكون لهم أي فرصة للتوسط في اتفاق نهائي.
وقد يكون ذلك صعبا مع تسليط المحادثات الضوء على الخلافات الحادة بين موسكو وطهران بشان المشاركة المحتملة في المستقبل للولايات المتحدة على وجه الخصوص. ونقلت وسائل الإعلام الحكومية في إيران عن مسؤولين إيرانيين قولهم إنهم لن يقبلوا بأي مشاركة للولايات المتحدة في المستقبل في حين قال لافرينتييف المفاوض الروسي الرئيسي إن موسكو سترحب بانضمام واشنطن إلى العملية. وقال دبلوماسي غربي "بوسعهم (الروس) أن يروا الآن مدى صعوبة شركائهم."
وأضاف الدبلوماسي أن موسكو لم تتمكن في جولات سابقة من محادثات الأمم المتحدة في جنيف من تحديد مسار الأحداث بالطريقة التي فعلتها في قازاخستان لأن الولايات المتحدة والغرب كانا قد نجحا في تحجيم دورها. وهذه هي أول مرة تتذوق فيها موسكو ما يبدو أنه دور القيادة. وسبق أن عبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن أسفه لفشل المحادثات التي تساندها الأمم المتحدة في جنيف واصفا إياها بأنها "جلسات عقيمة". وأضفى لافرينتييف كبير المفاوضين الروس في أستانة بريقا إيجابيا على محادثات قازاخستان لكنه لم يخف الصعوبات الدبلوماسية أيضا إذ اشتكى في أوقات مختلفة من مدى صعوبة المناقشات.
واختلط المبعوثون الغربيون الذين حضروا بصفة غير رسمية لمراقبة التطورات من ردهات الفندق مع الصحفيين في محاولة للتأكد من هدف الاجتماع. وكانت هناك تكهنات كثيرة بشأن ما إذا كانت روسيا تريد اجتماعا آخر للمتابعة يتناول تفاصيل ما كان في النهاية بيانا ختاميا غامضا. وقال دبلوماسي "بصراحة نحن في حيرة. لماذا الروس يفعلون هذا الآن؟ ما الذي تغير ليجعلهم يرغبون في فك الارتباط عسكريا والمشاركة سياسيا؟"
وعودة إلى المحادثات فقد شككت المعارضة ودبلوماسيون غربيون في دور إيران وحلفائها. وقال محمد علوش رئيس وفد المعارضة السورية إن الروس انتقلوا من مرحلة كونهم طرفا في القتال ويبذلون الآن جهودا كي يصبحوا أحد الضامنين وهم يجدون عقبات كثيرة من جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية وإيران والحكومة السورية. وقال دبلوماسيون إنهم أيضا يرون إيران كأحدى العقبات الرئيسية أمام تحقيق تقدم وقال أحدهم إن التزام طهران بشأن وقف إطلاق النار والانتقال السياسي غير مؤكد.
وقالت موسكو إنها سلمت المعارضة مسودة دستور جديد صاغه خبراء روس بهدف التعجيل بالاتفاق على انتقال سياسي. غير أنه لم يتضح على الفور ما تضمنته الوثيقة أو رأي المعارضة فيها. وأسفرت المحادثات عن بيان مشترك من روسيا وتركيا وإيران تعهد بتشكيل آلية مراقبة للإشراف على وقف إطلاق النار الهش في سوريا. لكن المعارضة لم تؤيده. وقدمت المعارضة بدلا من ذلك اقتراحا منفصلا بخصوص وقف إطلاق النار وشككت في شرعية إيران كوسيط في وقت قالت فيه المعارضة إن فصائل إيرانية مسلحة تنتهك وقف إطلاق النار.
وشكا علوش من أن البيان الختامي يضفي الشرعية على ما تقوم به إيران من "إراقة للدماء" في سوريا ولم يتناول دور الفصائل الشيعية المسلحة التي تقاتل المعارضة. ولم تبد المعارضة- التي تمثلها للمرة الأولى شخصيات عسكرية وليس فقط شخصيات سياسية- أي بادرة على تخفيف مطلبها لتنحي الرئيس بشار الأسد في أقرب وقت ممكن وهو ما لن تقبله دمشق. ويرى بعضها أن وضع روسيا كوسيط غير ملائم.
وقال أسامة أبو زيد المتحدث باسم المعارضة إن المعارضة لديها مشكلة مع روسيا لأن "طائراتها تشارك مع النظام في قتل شعبنا". وأضاف أنه إذا انتهى هذا الدور فلن تكون هناك مشكلة للمعارضة مع روسيا. ولوفد الحكومة السورية أيضا مشاكله الخاصة مع رعاة المحادثات حيث شكك في شرعية تركيا كوسيط في وقت قال إن أنقرة تنتهك فيه سيادة سوريا بتوغلها العسكري في شمال البلاد. ولم يتضمن أي وفد شخصيات بارزة وكان حضور واشنطن بصفة مراقب فقط من خلال سفيرها هناك. ولم يحضر أي مبعوثون عرب باستثناء مسؤول إماراتي واحد حضر بصفة غير رسمية.
وفي انتكاسة كبيرة أيضا أخفقت موسكو في إقناع الطرفين بالتفاوض وجها لوجه على الرغم من قول المفاوض الروسي لافرينتييف مسبقا إن المحادثات المباشرة هي "الهدف الرئيسي". وأحجمت المعارضة المسلحة عن ذلك قائلة إنها لا يمكن أن تجلس مع الأشخاص المسؤولين عن إراقة كل هذا الدم. وبدلا من ذلك اضطرت موسكو للاعتماد على محادثات غير مباشرة يقوم فيها الوفدان بتوجيه رسائل عبر وسطاء. وقال بعض الدبلوماسيين إن المعارضة هي الطرف الذي رفض ذلك والخلاف دائر منذ البداية بشأن شكل المحادثات وجدول الأعمال. فقد طالبت المعارضة بأن تركز المحادثات فقط على وقف لإطلاق النار ينبغي أن يلزم الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بمغادرة سوريا. بحسب رويترز.
لكن الحكومة قالت إنه توجد فرصة للعمل من أجل مصالحة مع بقاء الأسد في السلطة وهو خط أحمر بالنسبة للمعارضة. وكشفت التصريحات الافتتاحية عن تلك الانقسامات. فقد وصف علوش رئيس وفد المعارضة الحكومة السورية بأنها نظام دموي مستبد بينما اتهم الجعفري الذي رأس وفد الحكومة مفاوضي المعارضة بالدفاع عن "جرائم حرب" والافتقار إلى المهنية. وأوضح الجعفري أيضا أن هجوم الحكومة على وادي بردى- الذي يزود دمشق بأغلب إمداداتها من المياه- سيستمر حتى إذا اعتبرته المعارضة انتهاكا للهدنة. وقال إن الهجوم سيتواصل ما دام سبعة ملايين شخص يسكنون دمشق محرومين من المياه. وقال أندري كورتونوف المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية وهو مؤسسة بحثية معنية بالسياسة الخارجية مقرها موسكو ومقربة من وزارة الخارجية إن المحادثات "أفضل من لا شيء". وأضاف "لكن لا يوجد حل سحري."
الاكراد ومحادثات أستانة
من جانب اخر قالت وحدات حماية الشعب الكردية السورية إنها لن تكون ملزمة بأي قرار يخرج عن محادثات السلام في قازاخستان نظرا لعدم مشاركتها في الاجتماعات. وقالت الوحدات في بيان "إننا في وحدات حماية الشعب ومن منطق البداهة لعدم مشاركتنا في هذه المحادثات نؤكد بأننا غير ملزمين بأي قرارات تصدر من مؤتمر أستانة." وأضافت "وإننا في وحدات حماية الشعب نعتقد بأن الأطراف المشاركة والتي راعت هذه المحادثات هم جزء من المشكلة المتفاقمة في سوريا أصلا، ويفتقرون إلى سبل الحل الذي يتمناه كل الشعب السوري."
وسبق أن سعت روسيا حليف الأسد إلى مشاركة وحدات حماية الشعب الكردية في المفاوضات في سويسرا. لكن تركيا أحد الداعمين الرئيسيين للمعارضة تعتبر كلا من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي امتدادا لانفصاليي حزب العمال الكردستاني في أراضيها وقالت إنه ينبغي عدم حضورهما في أستانة.
ووحدات حماية الشعب الكردية في قلب حملة تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا وتسيطر على مساحات من الأراضي في الشمال حيث أقامت الجماعات الكردية مناطق ذات حكم ذاتي منذ بداية الصراع. وقالت الوحدات إن حل الصراع السوري الذي يستعر منذ نحو ست سنوات يكون "من خلال الإدارات الذاتية الديمقراطية التي تحافظ على وحدة الأراضي السورية والذي نطبقه على أرض الواقع وبالاتفاق والتشاور مع الشعب السوري بكل مكوناته وأعراقه وطوائفه في كل من الحسكة والرقة وعفرين وقامشلو (القامشلي) وكوباني والشهباء وباقي المناطق السورية الأخرى." بحسب رويترز.
وأضافت "وبإمكان الأطراف المتنازعة إذا كانت ترغب في حل المشكلة السورية الاستفادة من هذه التجربة." وتجنبت وحدات حماية الشعب الكردية إلى حد بعيد الصراع مع الحكومة السورية على الرغم من اندلاع التوتر في بعض المراحل. واشتبكت وحدات حماية الشعب الكردية مع المعارضين القوميين العرب الذين اتهموها بالتعاون مع الحكومة وهو ما ينفيه الفصيل الكردي السوري.
اضف تعليق