q

العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ماتزال محط اهتمام كبير خصوصا وان هذه القضية قد اثارت انقساما واضحا في الولايات المتحدة، حيث سعت وكما نقلت بعض المصادر، في سابقة هي الاول من نوعها منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والغربي في اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق ومنذ ظهور وبداية شبكة الانترنت الدولية، ادارة اوباما الى فرض عقوبات واسعة ومتعددة على ما وصفته بالتدخل الروسي وعمليات القرصنة والتجسس الاليكتروني ومحاولات التأثير علي نتائج الانتخابات الامريكية الاخيرة و قررت طرد 35 دبلوماسيا روسيا واغلاق عدد من المرافق الروسية في الاراضي الامريكية.

وهو ما يخالف خطط وتطلعات ترامب الذي يدعو إلى تطبيع العلاقات مع موسكو، ويرفض انتقاد الكرملين، حيث أصبحت مسألة العلاقة مع روسيا مع اقتراب موعد تنصيب الرئيس الجديد أكثر حدة. ويرى بعض الخبراء ان العقوبات الامريكية علي روسيا ستكون قصيرة المدى وسيستمر مفعولها لأيام قليلة من المتبقي لإدارة الرئيس اوباما في البيت الابيض والادارة الامريكية، ودعا أوباما في حديث إلى قناة "إي بي سي" التلفزيونية الجمهوريين والديمقراطيين إلى نبذ الخلافات أمام التهديدات الخارجية لأمريكا التي تأتي من موسكو. وقال: "يجب أن نتذكر أننا فريق واحد. وأن فلاديمير بوتين ليس ضمن فريقنا". وأن دعم عدد من الجمهوريين لبوتين أمر غير مقبول.

وعموما، فقد تسبب تقرير الأجهزة الأمنية الثلاثة (وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي) بشأن تدخل القيادة الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تعميق هذا الانقسام. ولم يكن رد فعل ترامب على الجزء السري من التقرير كما توقع معدوه، الذين راهنوا بمناصبهم المهنية وحتى بمستقبلهم. ومع أن ترامب شكر الأجهزة الثلاثة على مجهودها، فإنه فند من جديد تدخل روسيا عبر الهاكرز في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وعقب لقائه رؤساء الأجهزة الأمنية، كتب ترامب في موقعه على شبكة تويتر: "إقامة علاقات جيدة مع روسيا – أمر جيد". و "الأغبياء" أو الحمقى فقط يمكنهم التفكير بأن هذا أمر سيئ. ويمكن للبلدين القيام بعمل مشترك في حل العديد من المشكلات الجدية والآنية في عالمنا"؛ مضيفا بأن لدى أمريكا وروسيا "ما يكفي من المشكلات".

إن عدم رغبة ترامب بالموافقة على مضمون تقرير الأجهزة الأمنية بشأن التدخل الروسي قبيل مراسم تنصيبه، وتعهده بتحسين العلاقات مع موسكو، يهددان باستمرار المواجهة بين المعسكرين في المجتمع الأمريكي؛ لأن مناقشة هذه المسألة ستطرح على الكونغرس للمناقشة. من جانبه، دعا نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، في حديث إلى قناة "PBS" التلفزيونية، دونالد ترامب إلى أن "ينضج ويصبح أكبر". وخاطبه قائلا: "لقد حان الوقت لتصبح بالغا. أظهرْ مؤهلاتك". كما انتقد جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الرئيس الأمريكي المنتخب، واعتبر تصريحاته بخصوص روسيا "تهديداً" لأمن البلاد.

القرصنة الروسية

وفي هذا الشأن اكد الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب مجددا ان عمليات القرصنة التي اتهمت الاستخبارات الأميركية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوقوف وراءها لتقويض فرص المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، لم تؤثر على نتائج الانتخابات التي اوصلته للبيت الابيض. الا ان رجل الاعمال اقر بامكانية حصول عمليات قرصنة استهدفت الحزب الديموقراطي، وذلك عقب اجتماع له مع قادة أجهزة الاستخبارات.

وقال ترامب في بيان صدر في ختام اجتماعه مع القادة إن أعمال القرصنة المعلوماتية لم تؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وأضاف "مع أن روسيا والصين ودولا أخرى ومجموعات وعناصر في الخارج يحاولون بشكل دائم اختراق البنى المعلوماتية لمؤسساتنا الحكومية، ولشركاتنا وبعض المؤسسات مثل الحزب الديموقراطي، إلا أنه لم يكن لذلك أي تأثير على الإطلاق على نتائج الانتخابات". وتابع "كانت هناك محاولات قرصنة للحزب الجمهوري، لكن الحزب أقام دفاعات قوية ضد القرصنة، والقراصنة فشلوا".

وجاء في التقرير الذي يستند إلى معلومات جمعها كل من مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي، أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بالقيام بحملة قرصنة وتضليل إعلامي" تستهدف تسهيل انتخاب ترامب وتقويض حملة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. وأضاف التقرير أن الغرض من الحملة كان "تشويه سمعة كلينتون والتأثير على قدرتها" في الوصول الى الرئاسة وعلى "احتمال توليها" السلطة.

وفي مقتطفات من مقابلة ستذيعها شبكة "أيه بي سي" قال الرئيس باراك اوباما الذي كان طلب باعداد التقرير ان "الروس كانوا ينوون التدخل، وقد تدخلوا" في الانتخابات الاميركية. واضاف "ما يقلقني هو إلى اي مدى راينا الكثير من الجمهوريين او المنتقدين او المعلقين يظهرون ثقة اكبر بفلاديمير بوتين من ثقتهم بنظرائهم الاميركيين، فقط لان اولئك ديموقراطيون. لا يجب ان يكون الوضع كذلك."

وفرض أوباما عقوبات على روسيا، خصوصا عبر طرد 35 دبلوماسيا اعتبرهم جواسيس، لكن ترامب وصف ما يحصل بانه "حملة سياسية مغرضة" هدفها إضعافه سياسيا. ويتكتم التقرير على المصادر وطرق الحصول على المعلومات وهو الامر الذي لن يؤدي الى اقناع المشككين بنتائجه، لكنه ولاول مرة يعلن بوضوح ان الكرملين اتخذ موقفا منحازا وان كان لا يسعى الى اثبات ان بوتين غير نتيجة الانتخابات.

ولفت التقرير إلى أنه "من المرجح جدا أن يكون بوتين أراد تشويه سمعة كلينتون لأنه يتهمها علنا منذ العام 2011 بأنها حرضت على خروج تظاهرات ضخمة ضد نظامه في أواخر 2011 وبداية 2012" عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية. وحذر التقرير من أن موسكو "ستطبق الدروس التي تعلمتها" من الحملة التي أمر بها بوتين خلال الانتخابات الاميركية، من أجل التأثير على الانتخابات في بلدان أخرى وبينها بلدان حليفة للولايات المتحدة.

وأشار التقرير الى أن الحملة التي قادتها موسكو للتأثير على الانتخابات الاميركية جاءت في إطار "استراتيجية اتصال" مستوحاة من الأساليب السوفياتية، من بينها "العمليات السرية، ووسائل الإعلام الرسمية، و(اللجوء الى) طرف ثالث ومستخدمين للشبكات الاجتماعية (...)" يتقاضون أموالا. وقبيل الانتخابات الأميركية نشر موقع ويكيليكس رسائل إلكترونية مقرصنة تعود إلى الحزب الديموقراطي وإلى أحد المقربين من كلينتون، ما أثر سلبا إلى حد كبير على المرشحة الديموقراطية.

ولم يتم الكشف عن المعلومات الأكثر حساسية في التقرير الاستخباراتي الذي نشر، لكن ترامب اطلع على النسخة الكاملة منه خلال اجتماعه مع قادة أجهزة الاستخبارات في البلاد. ووعد الرئيس المنتخب الذي سيتولى مهماته في 20 كانون الثاني/يناير بوضع خطة لمكافحة القرصنة خلال الأيام التسعين الأولى من ولايته. وشدد ترامب على "أن الطرق والأدوات والتكتيكات التي نستخدمها لحماية أميركا يجب ألا تعرض على الملأ، لأن من شأن ذلك أن يساعد من يعملون على إيذائنا".

وأثار التدخل المحتمل لروسيا في الانتخابات الأميركية جدلا سياسيا كبيرا مستمرا منذ شهرين في الولايات المتحدة. وفي تصريحات معبرة عن وجهة نظر العديد من الجمهوريين، استغل رئيس مجلس النواب الأميركي بول راين صدور التقرير من أجل اتهام روسيا بالإقدام على "محاولة واضحة للتدخل في نظامنا السياسي"، لكنه شدد على عدم وجود أدلة على حصول تلاعب في الأنظمة الانتخابية بحد ذاتها. وتابع راين "لا يمكننا السماح (...) باستغلال هذا التقرير لنزع الشرعية عن الانتصار" الذي حققه ترامب. الا ان الديموقراطي آدم شيف اعتبر ان تصريحات ترامب بعدم تأثير القرصنة على الاطلاق على نتائج الانتخابات "غير مدعومة لا من التقرير (الاستخباراتي) ولا من المنطق".

وقال ترامب في مقابلة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز "إن الصين قرصنت خلال الفترة الاخيرة نحو 20 مليون اسم في الادارة" الاميركية، مضيفا "لماذا لا يتكلم احد عن هذه المسألة؟ انها حملة سياسية مغرضة". وفي رغبة واضحة لتهدئة الأمور، وصف الرئيس المنتخب اجتماعه مع مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي اي) جيمس كومي، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، ورئيس وكالة الامن القومي الاميرال مايكل روجرز، ومدير الاستخبارات جيمس كلابر، بأنه كان "بناء". بحسب فرانس برس.

وقال ترامب "لدي احترام كبير للعمل الذي يؤديه رجال ونساء" الاستخبارات. ورغم رغبته في إعادة الدفء الى العلاقات الأميركية الروسية، إلا أن ترامب لا يريد بأن يسود اعتقاد بأن لروسيا يدا في وصوله إلى السلطة. وفي محاولة لطمأنة المسؤولين الجمهوريين، سرب ترامب معلومات تفيد بأنه ينوي تسمية سناتور ولاية إنديانا السابق دان كوتس على رأس الاستخبارات الأميركية وهو المعروف بتشدده تجاه موسكو.

اعتراف أوباما

من جانب اخر أقر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "استهان" بما للقرصنة المعلوماتية من تاثير على الأنظمة الديمقراطية، وذلك بعد يومين من صدور تقرير لأجهزة الاستخبارات الأمريكية أكد حصول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر قرصنة معلوماتية. ونفى أوباما في مقابلة مسجلة مسبقا مع برنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "إيه بي سي"، أن يكون قلل من أهمية دور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تقول أجهزة الاستخبارات الأمريكية إنه أمر بعملية القرصنة بهدف تقويض الحملة الرئاسية للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وينفي الكرملين بشكل قاطع هذه المعلومات.

وأضاف الرئيس الأمريكي "لكنني أعتقد أنني قللت من درجة تأثير المعلومات المضللة والقرصنة الإلكترونية في عصر المعلوماتية الجديد، على مجتمعاتنا المفتوحة، للتدخل في ممارساتنا الديمقراطية". وأوضح أوباما أنه أمر الأجهزة بوضع تقرير صدر في شكل جزئي، "للتأكيد على أن هذا ما يقوم به بوتين منذ بعض الوقت في أوروبا، بداية في الدول التي كانت تابعة لروسيا سابقا حيث الكثير من الناطقين بالروسية، ولاحقا على نحو متزايد في الديمقراطيات الغربية". وأشار إلى الانتخابات المقبلة في دول أوروبية حليفة قائلا "علينا أن نوليها اهتماما، وأن نكون حذرين إزاء تدخل محتمل". ويتسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مسؤولياته الرئاسية من أوباما في العشرين من الشهر الحالي.

وتفيد أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن الهدف الأساسي من حملة التضليل الروسية المرفقة بعمليات قرصنة، كان ضرب العملية الديمقراطية الأمريكية وإضعاف كلينتون في حال كانت ستصل إلى البيت الأبيض، ثم زيادة فرص فوز ترامب بالانتخابات. وكان موقع ويكيليكس نشر آلاف الرسائل الإلكترونية لأحد أقرب مستشاري كلينتون، ما زعزع حملة المرشحة الديمقراطية لأسابيع عدة. وتقول واشنطن إن أجهزة الاستخبارات الروسية هي التي نقلت هذه الرسائل إلى ويكيليكس، الأمر الذي نفاه مؤسس الموقع جوليان أسانج.

وردا على كلام أوباما قالت كيليان كونواي مستشارة ترامب في تصريح لشبكة سي إن إن "لم نكن بحاجة لويكيليكس للاقتناع بان الأمريكيين لم يكونوا يحبونها (كلينتون) ولا يثقون بها ولا يعتبرونها نزيهة. هي التي وضعت نفسها في هذا الوضع". ودعا أوباما في مقابلته مع "إي بي سي" ترامب إلى "إقامة علاقة قوية مع مجتمع الاستخبارات". وأضاف "إذا لم نتنبه إلى الأمر فإن دولا خارجية يمكن أن يكون لها تأثير على النقاش السياسي في الولايات المتحدة بشكل لم يكن ممكنا قبل عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة، أولا بسبب طريقة انتقال المعلومات اليوم، وثانيا بسبب تشكيك الكثيرين بوسائل الإعلام الكبيرة التقليدية". وقال أوباما أيضا "وسط هذه الأجواء حيث التشكك كبير إزاء المعلومات المتدفقة، يتوجب علينا أن نمضي وقتا أكثر في التفكير بالطريقة التي تحمي عمليتنا الديمقراطية". وشدد الرئيس أوباما على ضرورة تعزيز الأمن المعلوماتي في الولايات المتحدة.

من جهة ثانية أعلن أوباما أن محادثاته مع خليفته "كانت ودية، وكان منفتحا على اقتراحات عدة" واصفا ترامب بـ"الجذاب جدا والاجتماعي". وقال أوباما بهذا الصدد "أثمن الاتصالات التي حصلت بيننا، وأعتقد أنه لا يفتقر إلى الثقة بالنفس" وهو أمر يعتبر "شرطا مسبقا لهذا النوع من العمل". إلا أن أوباما حذر ترامب بأن هناك فارقا بين القيام بحملة انتخابية والحكم، وبأنه لا يمكن إدارة الرئاسة "بنفس طريقة إدارة شركة عائلية". بحسب فرانس برس.

وقال أوباما أيضا أنه يعتقد أن ترامب "لم يمض الكثير من الوقت لدرس تفاصيل" السياسة التي يريد اتباعها، وهي مسألة "قد تكون مصدر قوة كما قد تكون مصدر ضعف". وتابع الرئيس الأمريكي "الوضع يتطلب بأن يكون واعيا لما يجهل، وبأن يحيط نفسه بأشخاص لديهم الخبرة والمعرفة اللتان تتيحان اطلاعه على المعلومات الكفيلة بأن يكون قادرا على اتخاذ القرارات الجيدة". وعن الاستخدام المفرط لترامب لتويتر قال أوباما "لقد كان الأمر جيدا حتى الآن بالنسبة إليه، ومكنه هذا الأمر من إقامة اتصال مباشر بالكثير من الناس الذين صوتوا له". إلا أن أوباما حذر ترامب بأنه عندما سيصبح رئيسا "هناك عواصم وأسواق مالية وأشخاص في كل مكان من العالم يتعاطون مع ما يكتبه على تويتر بكثير من الجدية".

اضف تعليق