صمود وقف اطلاق النار في سوريا وفقا لاتفاق روسيا وتركيا وايران الذي وقع مؤخراً وموافقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار الذي تقدمت به كل من روسيا وتركيا دعماً لاتفاق الهدنة في نهاية العام الماضي. والمفاوضات القادمة في أستانة عاصمة كازاخستان، بين وفدي الحكومة السورية ومجموعات المعارضة السياسية، ما تزال من اهم القضايا خصوصا وان هذه الاتفاق قد جاء في أعقاب سيطرة الحكومة السورية المدعومة من روسيا وايران على حلب مؤخرا وانسحاب فصائل المعارضة ما تسبب في تغيير موازين القوى على الأرض.
حيث اكد بعض الخبراء ان الوضع في سوريا معقد ويحتاج الى جهود وتحركات واسعة، بسبب تعدد اطراف الصراع المدعومة من دول وجهات مختلفة التي ستسعى لتحقيق مصالحها، وستعمل من خلال الأطراف التي تدعمها على افشال اي تحركات تهدف لوقف هذا الصراع. و قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن هناك بعض الأطراف لا تريد الاستمرار لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا. وأضاف أوغلو، أن تركيا عازمة على مواصلة وقف إطلاق النار، وستكون ضامنة للمعارضة السورية، في حين ستكون روسيا ضامنة لقوات الأسد وحلفائه. وكشف أوغلو أن الرئيس رجب طيب أردوغان، على تواصل مستمر مع القيادة الروسية لاستمرار الاتفاق.
من جانب اخر قالت جبهة فتح الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا إن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ منذ ما يقرب من الأسبوع بوساطة روسيا وتركيا "مذل"، وإن أولئك الذين وافقوا عليها قاموا بـ"خطأ كبيرا". ووقف إطلاق النار، الذي يستبعد جبهة فتح الشام فضلا عن تنظيم "داعش" صمد إلى حد كبير، باستثناء قتال عنيف في وادي بردى خارج دمشق، وهي مصدر رئيسي لمياه العاصمة.
وتتهم الحكومة وقوات المعارضة بعضهما البعض بالتسبب في الانتهاكات. وتقول الحكومة إن "الهدنة لا تنطبق في وادي بردى بسبب وجود مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة، لكن النشطاء وجماعات المعارضة تحدوا مزاعم الحكومة، حيث قال البعض إن المسلحين لا يعملون في تلك المنطقة". وكانت المعارضة قالت إن كافة المناطق التي لا يحكمها تنظيم "داعش" تشملها الاتفاقية.
المعارضة ومفاوضات آستانة
وفي هذا الشأن أعلنت نحو 10 من فصائل المعارضة السورية عن تعليق مشاركتها في مفاوضات السلام المزمع عقدها في مدينة آستانة عاصمة كازاخستان. وذكر بيان وقعه عدد من الفصائل أن سبب التعليق هو "انتهاك الحكومة غير مرة لاتفاق وقف إطلاق النار". وكانت تركيا وروسيا قد توسطتا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الخميس الماضي، مازال ساريا المفعول منذ ذلك الوقت.
وقالت هذه الفصائل في البيان إنه "نظرا لتفاقم الوضع واستمرار الانتهاكات، فإن الفصائل تعلن تعليق أي محادثات لها علاقة بمفاوضات آستانة أو أي مشاورات مترتبة على اتفاق وقف إطلاق النار حتى تنفيذه بالكامل". وجاء في بيان الفصائل أنها لن تشارك في المفاوضات ما لم توقف الحكومة السورية وحلفاؤها الإيرانيون ما وصفوه "بانتهاكاتها لوقف إطلاق النار." وأضاف البيان أن اي تقدم ميداني من جانب الجيش الحكومي سينهي وقف إطلاق النار الهش. واتهمت الفصائل الحكومة بانتهاك وقف إطلاق النار قرب دمشق، وأشارت الجماعات المسلحة إلى القتال الدائر في منطقة وادي بردى الواقعة شمال غرب دمشق والتي تقع تحت سيطرة المعارضة، حيث تتعرض - بحسب ما ذكرته الفصائل - لقصف يومي تقريبا وغارات من قبل القوات السورية وقوات حزب الله.
ولا تقع تلك المنطقة في نطاق اتفاق وقف إطلاق النار، بسبب وجود جبهة النصرة فيها، وهي جماعة مستثناة من الاتفاق. وكان مجلس الامن التابع للأمم المتحدة قد صوت بالإجماع لصالح مشروع قرار يرحب بالجهود التي تبذلها روسيا وتركيا لإنهاء القتال في سوريا وتنظيم مفاوضات سلام. واستثنى اتفاق وقف إطلاق النار ثلاث جماعات هي تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، ومليشيات وحدات حماية الشعب الكردي. ويتضمن الاتفاق، من ناحية، قوات الحكومة السورية، والجيش الروسي. وفي الناحية الأخرى يشمل الجيش السوري الحر، وعددا آخر من الجماعات. بحسب بي بي سي.
وذكر الجيش الروسي أسماء سبعة "تشكيلات معارضة معتدلة" شملها الاتفاق، مثل فيلق الشام، وأحرار الشام، وجيش الإسلام - وهي الجماعة التي وصفتها روسيا في السابق بأنها منظمة إرهابية - وثوار أهل الشام، التي قالت إن لديها "تحفظات" على الاتفاق. وكانت جبهة النصرة - التي لا يشملها الاتفاق - قد قالت إنها ستواصل قتال الرئيس السوري بشار الأسد. وقال متحدث باسمها إن الحل السياسي بناء على هذه الهدنة سوف "يعيد إنتاج نظام مجرم". ويعمل أعضاء الجبهة حاليا كجزء من تحالف يسيطر على محافظة إدلب. وكانت الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، قد رحبت، في وقت سابق، بدعوة التفاوض لحل الأزمة في سوريا بالعاصمة الكازاخستانية آستانة، واصفة ذلك بالجهود الصادقة للسلام.
القوات الروسية في سوريا
الى جانب ذلك أعلنت هيئة الأركان العامة الروسية عن البدء في تقليص قواتها في سوريا وسحب مقاتلات لها وحاملة طائرات. ونقلت وكالة إيتار تاس للأنباء عن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الروسية فاليري جيراسيموف قوله "وفقا لقرار القائد الأعلى للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية فلاديمير بوتين تبدأ وزارة الدفاع في تقليص حجم قوات المسلحة المنتشرة في سوريا."
وقال إن أسطول روسيا الحربي بقيادة حاملة الطائرات (الأميرال كوزنيتسوف) في البحر المتوسط قبالة ساحل سوريا والطراد بطرس الأكبر ستكون أول القطع العائدة من هناك. وشاركت روسيا لدعم القوات الحكومية السورية ضد المعارضة المسلحة منذ سبتمبر/ايلول 2015، في تدخل أدى إلى تحول مجريات الحرب لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. ويأتي ذلك بعد نحو أسبوع من إعلان هدنة بوساطة روسية وتركية في جميع أنحاء سوريا.
وذكرت وسائل إعلام روسية رسمية أن موسكو قررت سحب حاملة الطائرات "كوزنيتسوف" والطراد "بطرس الأكبر" من سواحل سوريا. ويسبق القرار مؤتمرا واسعا للسلام يعقد بعد أيام في العاصمة الكازاخية استانة وكبادرة على ما يبدو لإقناع المعارضين بالحضور الذي قد يعد فرصة أخيرة لوقف الصراع. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 ديسمبر/كانون الأول إن روسيا وإيران وتركيا والرئيس السوري بشار الأسد وافقوا جميعا على إجراء المحادثات في أستانة.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أكد أن الولايات المتحدة تشجع محادثات السلام السورية التي تعد روسيا لعقدها في أستانة في وقت لاحق من الشهر الجاري وتأمل أن تسفر عن تحقيق خطوة في اتجاه السلام.
ولا يعد ذلك الانسحاب الأول لروسيا من سوريا. ففي مارس/آذار 2016 أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء عمليات الانسحاب وبالفعل تم سحب بعض المقاتلات ورغم ذلك تواصل دور موسكو في الحرب السورية وظل دور القوات الجوية الروسية حاسما في المعارك. لكن تفاصيل التدخل الروسي في سوريا لم تتكشف بأكملها بعد، ويعتقد أن هناك الكثير الذي لا نعرفه بهذا الشأن، فقد كشفت منظمة بحثية روسية مستقلة عن مقتل ثلاثة من وحدات المظليين الروسية في سوريا، وإذا صح ذلك سيكون أول مؤشر أن عناصر من القوات الجوية الروسية كانوا يعملون على الأرض. بحسب بي بي سي.
وتشمل المرحلة الأولى من "السحب" الروسي حاملة الطائرات "الاميرال كوزنيتسوف" ومجموعتها البحرية، والتي لم تشارك بدور رئيسي في القتال. وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عن نيتها بناء قواعد في سوريا على المدى الطويل، إلا أن بوتين أشار إلى أنه بالنسبة لموسكو، ومع سقوط حلب وترسيخ نظام الأسد، فقد انتهت مرحلة هامة من المعارك.
عملية درع الفرات
في السياق ذاته أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن الهجوم الذي تشنه تركيا ومقاتلون سوريون لانتزاع السيطرة على بلدة الباب السورية من قبضة تنظيم داعش سينتهي قريبا. وقال اردوغان في كلمة متلفزة إنه عازم على تطهير مناطق أخرى في سوريا، وخص بالذكر مدينة منبج الواقعة على بعد 50 كيلومترا شرق الباب. من جانب آخر، أعرب وزير الدفاع التركي، فكري إشيق، عن أمله في أن يقدم التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، الدعم الجوي اللازم لتركيا في عملية درع الفرات شمالي سوريا.
واستنكر الوزير التركي بشكل خاص ما اعتبره قلة دعم من حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي. وقال إشيق: "أنتم تقولون إنكم تكافحون داعش، وفي الوقت ذاته لا تقدمون الدعم اللازم والمرجو، ما يتسبب في إثارة شكوك لدى الرأي العام حول مصداقيتكم في مكافحة هذا التنظيم"، مضيفا أن تحرير مدينة الباب تعد مرحلة هامة في مكافحته.
وأعلنت رئاسة هيئة الأركان العامة التركية مقتل ستة عناصر من تنظيم داعش في اشتباكات وقعت في إطار العمليات العسكرية التي تقودها أنقرة في شمالي سوريا. ونقلت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء عن هيئة الأركان قولها في بيانها اليومي بشأن العمليات، إن ستة من عناصر التنظيم قتلوا إضافة إلى تدمير 104 أهداف للتنظيم في قصف مدفعي للجيش التركي وغارات جوية لمقاتلاته في محيط مدينة الباب التي يسيطر عليها التنظيم.
وأكدت جبهة فتح الشام، المعروفة سابقا بـ "جبهة النصرة"، مقتل أكثر من 20 من عناصرها، في غارة جوية استهدفت مبنى يستخدمه مسلحوها في محافظة إدلب، شمالي سوريا. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، ومقره بريطانيا، قال إن 25 شخصا على الأقل قتلوا في غارة جوية استهدفت موقع لجبهة فتح الشام في محافظة إدلب، وإن من بين القتلى قياديين في التنظيم، دون أن يحدد أسماءهم. وتؤكد روسيا وتركيا أن جبهة فتح الشام غير مشمولة في اتفاق وقف إطلاق النار الذي كانت تركيا وروسيا قد توسطتا في التوصل إليه.
ويتعرض وقف إطلاق النار لضغوط كبيرة مع تواصل الهجمات على المناطق المحيطة بدمشق. وأعلنت نحو 10 من فصائل المعارضة السورية عن تعليق مشاركتها في مفاوضات السلام المزمع عقدها في مدينة آستانة عاصمة كازاخستان. وذكر بيان وقعه عدد من الفصائل أن سبب التعليق هو "انتهاك الحكومة غير مرة لاتفاق وقف إطلاق النار".
اضف تعليق