الأزمة السياسية في اليمن والتطورات المهمة التي أعقبت سيطرة حركة "أنصار الله" على مركز القرار في هذا البلد، أصبحت اليوم محط اهتمام وترقب كبير خصوصا بعد القرارات والتحركات المهمة التي أعلنتها الجماعة، ومنها تشكيل مجلس رئاسي جديد وحل البرلمان واستبداله بالمجلس الوطني مكون من جميع الأطراف والأحزاب والجهات اليمنية ويبلغ عدد أعضائه 551 عضواً، هذه الإجراءات وكما يقول بعض المراقبين على الرغم من أهميته الكبيرة للشعب اليمني، كونها تمهد وبحسب البعض إلى انتقال سلس وديمقراطي للسلطة بعد استقالة الحكومة والرئيس عبد ربه منصور هادي ودون الخروج على الدستور، قد أثارت مخاوف وقلق العديد من الدول وخصوصا دول الخليج العربية، التي سارعت الى اتهام الحوثيين بتدبير انقلاب للسيطرة على السلطة في اليمن، وهو ما عده البعض حربا جديدة ضد جماعة أنصار الله التي أثبتت وبالدليل القاطع أنها قوة فعالة وتيار وطني لا يمكن تجاهله، حيث كشفت بعض المصادر الإعلامية عن وجود مخطط سعودي، يهدف الى عرقلة الوصول الى حلول سلمية في اليمن من خلال حرب إعلامية كبيرة من اجل دعم بعض التيارات والأحزاب المناهضة لجماعة أنصار الله لمواجهة ما أسموه بالتمدد الحوثي والإيراني في اليمن.
وأشارت المصادر إلى أن عددًا من الإعلاميين المقربين من دائرة صنع القرار في المملكة السعودية وكما نقل موقع المشهد اليمني الإخباري، بدأوا بالتمهيد وتهيئة الرأي العام الخليجي لهذه الخطوة، وأن أبرز الإعلاميين المقربين من الديوان الملكي السعودي وعدد من الجهات في المملكة بدأت الترويج والدعوة للاعتماد على حزب الإصلاح الإخواني في مواجهة الحوثيين في اليمن.
هذا بالإضافة الى تحركاتهم الدولية الأخرى التي تهدف الى تقيد تحركات الحوثيين وإبعادهم عن السلطة، وهو ما عده بعض المراقبين امرا مستحيلا مع وجود بعض الأطراف خليجية التي قد تكون داعمة لتحركات وقرارات الجماعة، خصوصا وإنها قد أثبتت وبعد سيطرتها الكاملة حسن النية في التعامل مع الجميع، يضاف الى ذلك أنها قد تكون القوة الوحيدة القادرة على ضرب تنظيم القاعدة في اليمن.
لجنة أمنية عليا
وفي هذا الشأن فقد أعلن الحوثيون الشيعة في اليمن تشكيل لجنة أمنية عليا لإدارة شؤون البلاد حتى تشكيل المجلس الرئاسي، تضم وزراء سابقين لضمان سيطرتهم على البلاد بعد اعلانهم حل البرلمان وانشاء مجلس رئاسي في خطوة وصفها المعارضون لها "بالانقلاب" وقال الحوثيون في بيانهم الاول الذي نشر بعيد حل البرلمان ان هذه اللجنة تضم بين اعضائها البالغ عددهم 18 وزيري الدفاع والداخلية في حكومة عبدربه منصور هادي التي استقالت. وقال البيان الذي بثته وكالة الانباء اليمنية (سبأ) ان "اللجنة الامنية العليا ستدير شؤون البلاد حتى تشكيل المجلس الرئاسي".
ويرأس اللجنة اللواء محمود الصبيحي وزير الدفاع في حكومة عبدربه منصور هادي المستقيلة. وجاء تشكيل اللجنة الامنية العليا بعد ساعات على "الاعلان الدستوري" الذي اصدره الحوثيون ويقضي بحل البرلمان اليمني واقامة مجلس وطني بدلا منه تمهيدا لتشكيل مجلس رئاسي ثم حكومة وحدة وطنية لمرحلة انتقالية مدتها عامين.
ويلزم الاعلان الدستوري "سلطات الدولة الانتقالية خلال مدة اقصاها عامين بالعمل على انجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة، ومنها مراجعة مسودة الدستور الجديد وسن القوانين التي تتطلبها المرحلة التأسيسية والاستفتاء على الدستور تمهيدا لانتقال البلاد الى الوضع الدائم واجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وفقا لاحكامه". وتمت تلاوة هذا الاعلان الرئاسي خلال حفل اقيم في القصر الرئاسي بمشاركة شخصيات قبلية وعسكرية ووزيري الدفاع والداخلية في الحكومة التي استقالت. بحسب رويترز.
كما حضرت ايضا شخصيات مقربة من الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي اضطر الى التخلي عن السلطة بسبب ضغوط مارسها الشارع وبات حليفا للحوثيين. وياتي الاعلان عن هذه القرارات غداة تعليق المفاوضات بين مختلف الفصائل السياسية للخروج من الازمة الحالية باشراف موفد الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر بعد فشل التوصل الى اتفاق.
رفض خليجي
من جانب اخر قالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن مجلس التعاون الخليجي اتهم الحوثيين بتدبير انقلاب للسيطرة على السلطة في اليمن بعدما أعلنوا حل البرلمان وعزمهم تشكيل حكومة جديدة. وقد تشير معارضة مجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول إلى العزلة المتزايدة لليمن الفقير وتعكس أيضا عداء السنة للحوثيين المدعومين من إيران. ونقلت كونا عن مجلس التعاون الخليجي قوله في بيان "هذا الانقلاب الحوثي تصعيد خطير مرفوض ولا يمكن قبوله بأي حال ويتناقض بشكل صارخ مع نهج التعددية والتعايش الذي عرف به المجتمع اليمني ويعرض أمن اليمن واستقراره وسيادته ووحدته للخطر."
وأضاف البيان "ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يعد تهديدا لأمنها ولأمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها وتهديدا للأمن والسلم الدولي وسوف تتخذ دول المجلس كل الإجراءات الضرورية لحماية مصالحها." من جانب اخر قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية عقب اجتماعات مع وزير الخارجية جون كيري إن دول الخليج دعت المجتمع الدولي لاتخاذ موقف أقوى إزاء الوضع في اليمن. وأضاف المسؤول أن هذه الدول عبرت خلال الاجتماعات مع كيري عن قلقها من النفوذ الإيراني في اليمن في ظل الاضطرابات السياسية هناك. بحسب رويترز.
وقال المسؤول إنه لم تجر ترتيبات لإجراء اتصالات مع طهران بهذا الصدد خلال المحادثات بين كيري والوزراء وكبار المسؤولين من السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين. وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "هناك شعور بأن المجتمع الدولي بحاجة إلى اتخاذ موقف أقوى إما من خلال الأمم المتحدة أو منظمة أخرى متعددة الأطراف." وقال "هناك قلق من النفوذ الإيراني لكن أحدا لم يناقش الاتصال بالإيرانيين" مضيفا أنه كان هناك حديث ايضا عن أن يعقد مجلس الأمن الدولي المزيد من الاجتماعات بشأن اليمن.
مجلس الأمن الدولي
في السياق ذاته أعرب مجلس الأمن الدولي عن "قلقه العميق" تجاه الوضع في اليمن، عقب إعلان الحوثيين حل البرلمان وتشكيل مجلس رئاسي، كما هدد بفرض عقوبات، داعيا إياهم إلى احترام الاتفاقيات الموقعة من أجل تسوية الأزمة. وفي أول رد فعل من واشنطن، أكد مسؤول أمريكي، رفض الكشف عن اسمه، معارضة الولايات المتحدة لتحرك الحوثيين.
وفي إعلان، تلاه الرئيس الدوري لمجلس الأمن السفير الصيني جيي لو، أعربت الدول ال15 الأعضاء عن "استعدادها لاتخاذ إجراءات إضافية" -وهو تعبير يعني عادة فرض عقوبات - "في حال لم تستأنف المحادثات فورا". وأضاف أن الدول "ألحت على كل الأطراف وخصوصا الحوثيين احترام" الاتفاقات الموقعة من أجل تسوية الأزمة مثل مبادرة مجلس التعاون الخليجي أو مؤتمر الحوار الوطني. وفي الإعلان الذي يعكس توافق الدول ال15، تحاشى المجلس استخدام تعبير انقلاب لوصف الخطوات التي اتخذها الحوثيون أو التنديد بها بشكل واضح. وجدد التأكيد على دعمه للموفد الخاص للأمم المتحدة جمال بن عمر الذي يقوم بوساطة لم تنجح بعد.
الانتقال السلمي
من جانب اخر قال زعيم حركة الحوثيين اليمنية التي تسيطر على صنعاء إن جماعته تسعى لانتقال سلمي للسلطة ودعا كل الفصائل اليمنية إلى العمل سويا لايجاد مخرج من الأزمة. وجاءت التصريحات التصالحية لعبد الملك الحوثي في كلمة عبر التلفزيون بعد أقل من ساعة على افراج مؤيديه عن مدير مكتب الرئيس هادي الذي احتجزوه الأسبوع الماضي في محاولة لترجيح كفتهم في نزاع مع هادي بشأن الدستور.
وساعد احتجاز المساعد الرئاسي احمد بن مبارك على اغراق اليمن بدرجة أكبر في ازمة سياسية مما أدى إلى اشتباكات بين الحوثيين والحرس الرئاسي لهادي دفعت الرئيس والحكومة الى الاستقالة. وتحاول الأطراف السياسية في اليمن ومنهم الحوثيون الآن الاتفاق على ما ينبغي عمله بعد استقالة هادي التي تركت فراغا في السلطة في الدولة المجاورة للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم.
وحذر الحوثي في كلمته من السماح بدفع اليمن إلى الانهيار وقال إن المشاورات تمضي قدما تحت رعاية الأمم المتحدة وانه يأمل في نجاحها. وقال في كلمته عبر تلفزيون المسيرة التابع للحوثيين "نسعى إلى تحقيق انتقال سلمي للسلطة على قاعدة الشراكة." ودعا الجميع إلى التعاون بدلا من التصادم والجدال والتصارع. وأضاف أن القرارات التي اتخذت خلال نحو عام من الحوار الوطني الذي نظمه هادي في 2013 واتفاق أبرم بعد أن سيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمبر أيلول الماضي ستكون الأساس لأي اتفاق.
ووصف الحوثي استقالة هادي بأنها "مناورة" وقال إن الأطراف السياسية بدعم من الأمم المتحدة تجري مشاورات من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة. وظهر الحوثيون كفصيل مسيطر في اليمن بالاستيلاء على صنعاء في سبتمبر أيلول واملاء شروط على هادي الذي احتجزوه من الناحية الفعلية في منزله بعدما اشتبكوا مع حراسه. وألقى هادي وهو قائد سابق بالجيش باللوم على سيطرة الحوثيين على صنعاء عن عرقلة محاولته لقيادة اليمن نحو الاستقرار بعد سنوات من الاضطراب.
ورحب مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر في بيان بالافراج عن مبارك وقال إنه نبأ سيساعد في تقليص التوتر واتاحة التقدم في المفاوضات التي يسهلها بين الاطراف السياسية. وقال بن عمر إنه حث انصار الله -وهو الاسم الرسمي للحوثيين- على اتخاذ خطوات في صالح كل الاطراف السياسية وشعب اليمن. وذكر البيان أنه حث كل الأطراف السياسية على التصرف بمسؤولية واعطاء اولوية للمصلحة الوطنية.
من جانب اخر أوضح المبعوث الأممي جمال بن عمر، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك" أن "الأطراف السياسية اليمنية ستواصل استكمال مناقشة القضايا العالقة للخروج بحل للأزمة"، مضيفاً أن "هذه الأطراف ناقشت الخيارات المطروحة، وسبل حلّ الأزمة السياسية الراهنة، منها عدد من القضايا المتعلقة بترتيبات السلطة الانتقالية". كذلك أشار إلى أن "الحوار دار في أجواء بنّاءة تخللتها روح وطنية عالية واحترام متبادل، رغم احتدام النقاش في بداية الجلسة، وهذا أمر طبيعي في مشاورات من هذا النوع"، مشيداً بـ "عمل ممثلي الأحزاب السياسية، وأدعوها لمتابعة هذه الجهود في ما يخدم المصلحة الوطنية العليا لليمن". وكانت الأطراف السياسة اليمنية، قد استأنفت حوارها بعد إعلان جماعة الحوثي "الإعلان الدستوري" لإدارة شؤون البلاد.
اضف تعليق