شهد لبنان خلال الأيام الماضية تطور مهم تمثل بإعلان رئيس الوزراء سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة صنفت وبحسب بعض المصادر، على انها حكومة وفاق وطني نظرا لمشاركة غالبية الأحزاب والتيارات السياسية في تركيبتها، لكن وعلى الرغم من ذلك فان حكومة الحريري ستواجه ايضا تحديات كبيرة، خصوصا وان البعض يرى أن هذه التشكيلة التي خرجت بعد مساومات ومقايضات امتدت لأسابيع، مليئة بالفخاخ نظرا للتناقضات السياسية والطائفية بين مكوناتها.
وفي الانطباعات الاولى التي تكونت لدى أوساط سياسية متابعة، أن التركيبة الحكومية تضم مزيجا من الصقور والحمائم والتكنوقراط والثوابت، في خلطة غير متجانسة، توحي بأن التعايش بين مكوّنات مجلس الوزراء لن يكون سهلا، لا سيما إزاء القضايا الخلافية، علما ان إشارة الحريري من القصر الجمهوري الى «الوحشية» في حلب تعكس ما ينتظر مجلس الوزراء من أيام صعبة، إذا حاول ملامسة جمر الملفات الحارقة.
ويُبيّن مسح سريع لتركيبة الحكومة نقلته صحيفة السفير، أن الحصص الوزارية فيها تتوزع أساسا على القوى الآتية: رئيس الجمهورية وتكتل التغيير والإصلاح 9 وزراء، تيار المستقبل 7 وزراء، الثنائي الشيعي 5 وزراء، والقوات اللبنانية 3 وزراء + الوزير ميشال فرعون. وإذا جرى الفصل بين كتلتي الرئيس عون و «التغيير والاصلاح»، تكون حصة الاسد في الحكومة هي للرئيس الحريري (خمسة سنّة واثنان مسيحيان).
ولا يُفترض بالحكومة الجديدة وكما اكدت الصحفية والباحثة اللبنانية حنين غدار، أن تستمر أكثر من ستة أشهر - حيث من المتوقّع أن تشرف على الانتخابات النيابية المقبلة التي تمّ تأجيلها بعد أن عجز النواب عن انتخاب رئيس جديد للبلاد في عام 2014 ومددوا ولايتهم حتى عام 2017. ونظرياً، يجب أن تركّز حكومة الحريري على صياغة قانون انتخابي وأن تحرص على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكن في الواقع لن تكون الأمور بهذه البساطة بالنسبة له.
فأولى العقبات التي سيواجهها هي إعداد بيان وزاري يعكس التوقعات الاقتصادية والسياسية للحكومة. ورغم أن هذا البيان ليس ملزماً، إلا أن الدستور ينص على أن أمام مجلس الوزراء ثلاثين يوماً لتقديمه إلى مجلس النواب من أجل نيل ثقته؛ وإلا سيتعذر على الحكومة ممارسة مهامها. وترى غدار ان الحريري الذي قدم العديد من التنازلات خلال تشكيل الحكومة الجديدة لإنهاء الجمود السياسي الذي عاشته لبنان منذ وقت طويل، قد لا يسامحه مؤيدوه وحلفاؤه في الخارج ان قديم المزيد من التنازلات فمن وجهة نظرهم، يَعتبرون أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة تسليم لبنان أساساً إلى إيران اشد خصوم المملكة العربية السعودية اهم حلفاء الحريري.
وعن ذلك تحدث الرئيس الحريري في قصر بعبدا وقال: “هذه الحكومة، وهي حكومة وفاق وطني كما قلت عنها يوم قبلت مهمة تأليفها، ستنكب فورا على معالجة ما يمكن معالجته في عمرها الذي لن يتخطى بضعة أشهر، من الأزمات التي تواجه المواطنين، وعلى رأسها مشاكل النفايات والكهرباء والمياه. أما في السياسة، فستكون أولى مهمات هذه الحكومة، الوصول بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم إلى قانون جديد للإنتخابات، يراعي النسبية وسلامة التمثيل، لتنظيم الانتخابات النيابية في موعدها منتصف السنة المقبلة بإذن الله. وبهذا المعنى، يمكن اعتبار هذه الحكومة حكومة انتخابات.
كما تضع الحكومة الجديدة في رأس أولوياتها المحافظة على الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان في ظل الحرائق التي تعم المنطقة من حوله، وعزل دولتنا عن التداعيات السلبية للأزمة السورية، هذا، إضافة إلى العمل ليتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته كاملة في مساعدة بلدنا على تحمل أعباء نزوح إخوتنا السوريين الهاربين من الوحشية التي تقف حلب اليوم شاهدا عليها. إن تشكيلة هذه الحكومة لم تأت لتثبيت سوابق أو لتكريس أعراف. وقد تنازل كل طرف سياسي بمكان، لنتوصل إلى حكومة الوفاق الوطني. واضاف فلتكن الأشهر القليلة المقبلة فرصة لنا جميعا، لنثبت احترامنا لدستورنا وتمسكنا بالدولة ومؤسساتها، ولتعزيز الثقة ببلدنا لدى اخواننا العرب والمجتمع الدولي، ولنقدم نموذجا ناجحا لوفاقنا الوطني، يؤكد على رسالة العيش المشترك التي يحملها بلدنا في المنطقة والعالم”.
حكومة جديدة
وفي هذا الشأن شكل الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري حكومة جديدة في لبنان من ثلاثين وزيرا تمثل معظم الأطياف السياسية وجميع الطوائف الدينية. وتلا فؤاد فليفل أمين عام مجلس الوزراء التشكيلة الوزارية الجديدة أمام الصحفيين في قصر بعبدا. وانتخب البرلمان اللبناني العماد ميشال عون الزعيم المسيحي البارز والحليف المقرب من حزب الله الجماعة الشيعية المسلحة المدعومة من إيران رئيسا في أكتوبر تشرين الأول الماضي. وأنهى ذلك 29 شهرا من الفراغ في سدة الرئاسة تلاه تكليف الزعيم السني سعد الحريري بتشكيل الحكومة.
واعتبر الفراغ الرئاسي مؤشرا على الصراع السياسي الكامن بين الأطراف السياسة في لبنان الذي زادته الحرب الأهلية في سوريا سوءا مما أصاب صناعة القرار والتنمية الاقتصادية والخدمات الأساسية بالشلل وأثار المخاوف على استقرار البلاد. وسلطت الصفقة التي أتت بعون إلى سدة الرئاسة الضوء على الدور المتعاظم لحزب الله في لبنان في مقابل تراجع دور السعودية الداعمة الرئيسية للحريري والتي تركز جهودها حاليا على مواجهة النفوذ الإيراني في مناطق أخرى في المنطقة.
وتتألف الحكومة من ثلاثين وزيرا بزيادة ستة مقاعد عن الوزارة السابقة وتم الإبقاء على جبران باسيل وزيرا للخارجية وهو صهر الرئيس عون وعلي حسن خليل وزيرا للمالية وهو نائب في حركة أمل الشيعية ونهاد المشنوق المنتمي لتيار المستقبل بزعامة الحريري وزيرا للداخلية. وتضم الحكومة الجديدة أيضا يعقوب الصراف المؤيد للرئيس عون وزيرا جديدا للدفاع وسيزار أبو خليل وزيرا جديدا للطاقة والمياه.
وتضمنت الحكومة الجديدة عددا من الوزارات المستحدثة منها وزارة لشؤون النازحين حيث يقول المسؤولون اللبنانيون إن 1.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان. ومن الوزارات الجديدة أيضا وزارة دولة لشؤون محاكمة الفساد ووزارة لشؤون رئاسة الجمهورية ووزارة لحقوق الإنسان ووزارة لشؤون المرأة. وقال الحريري بعد إعلان التشكيلية الوزارية "تم اليوم تشكيل الحكومة الجديدة ... وستنكب فورا على معالجة ما يمكن معالجته في عمرها الذي لن يتخطى بضعة أشهر من الأزمات التي تواجه المواطنين وعلى رأسها مشاكل الكهرباء والنفايات والمياه"
وأدى التناحر الذي تفاقم بسبب الصراع الإقليمي إلى إصابة الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة رئيس الوزراء تمام سلام بالشلل مما تسبب في انهيار العديد من الخدمات الأساسية وإحياء المخاوف من انزلاق البلاد في نهاية المطاف إلى أتون حرب أهلية. وأضاف الحريري "أما في السياسة فستكون أولى مهمات هذه الحكومة الوصول بالتعاون مع المجلس النيابي الكريم إلى قانون جديد للانتخابات يراعي النسبية وسلامة التمثيل في تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها منتصف العام المقبل بإذن الله وبهذا المعنى يمكن اعتبار هذه الحكومة حكومة انتخابات". بحسب رويترز.
وكانت آخر انتخابات برلمانية جرت في لبنان في عام 2009 ومنذ ذلك مدد مجلس النواب لنفسه مرتين بسبب الخلاف على قانون جديد للانتخابات. وقال الحريري في القصر الرئاسي "كما تضع الحكومة الجديدة في رأس أولوياتها المحافظة على الاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان في ظل الحرائق التي تعم المنطقة من حوله وعزل دولتنا عن التداعيات السلبية للازمة السورية."
الانتصار في حلب
الى جانب ذلك قال وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان إن انتصار الرئيس السوري بشار الأسد في حلب سيزيد من النفوذ السوري والإيراني في لبنان بينما قال الأسد إن لبنان لا يمكن أن يبقى بمنأى عن الصراعات الإقليمية. وحقق الجيش السوري والقوات الموالية له مكاسب سريعة ضد مقاتلي المعارضة في معقلهم الحضري الرئيسي في حلب التي تقع في قلب الصراع الذي أصبح الآن في عامه السادس.
وقال جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي "بشار الأسد انتصر في حلب مستفيدا من تخلي معظم المجتمع الدولي عن الشعب السوري ولاحقا سينقض على إدلب." ومحافظة إدلب هي أكبر منطقة لا تزال تحت سيطرة مقاتلي المعارضة في غرب سوريا ذي الكثافة السكانية المرتفعة. وقال جنبلاط لصحيفة السفير اللبنانية وهي جريدة يومية مقربة من جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية المدعومة من إيران والتي تقاتل في صف الأسد "هذا يعني أن تأثيره (الأسد) في لبنان سيزداد وأن القبضة الإيرانية-السورية على البلد ستشتد."
وهيمنت سوريا على الحكومة والسياسة اللبنانية لسنوات وكان لها وجود عسكري في البلاد حتى عام 2005 عندما انسحبت عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وأشهر من الاحتجاجات المناهضة لسوريا. ويعتبر جنبلاط من السياسيين الذين يوفرون مؤشرات على الاتجاهات السياسية في الشرق الأوسط وتغيرت مواقفه حيال سوريا أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة. وكان جنبلاط من الأصوات البارزة في الحركة المناهضة لسوريا لكنه خفف من موقفه عقب تقاربه مع حلفاء سوريا في لبنان ومنهم حزب الله.
وفي بدايات الصراع السوري دعا جنبلاط إلى تنحية الأسد عن السلطة. لكنه قال لصحيفة السفير إنه لا يخطط لإصلاح العلاقات مع الرئيس السوري. وقال "لن أنهي حياتي السياسية بإعادة ترميم العلاقة مع الأسد.. لست بهذا الصدد بتاتا.. حتى لو حقق النظام انتصارا شاملا." ولبنان الذي عانى من حرب أهلية استمرت 15 عاما محصور في خصومة إقليمية بين السعودية وإيران.
وعلى الرغم من إعلان صدر في 2012 بأن لبنان سينأى بنفسه عن الصراعات الإقليمية والدولية فقد أصابت التوترات الإقليمية آليات اتخاذ القرار الداخلية بالشلل وأثارت مخاوف على استقرار لبنان. وبعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي انتخب قائد الجيش السابق وحليف حزب الله العماد ميشال عون رئيسا في أكتوبر تشرين الأول. وفي مقابلة نشرت في صحيفة الوطن السورية قال الأسد إن انتخاب عون انتصار للبنان ولسوريا وإن لبنان لا يمكنه النأي بنفسه عن سوريا. بحسب رويترز.
وقال "عندما يكون هناك شخص (منتخب) كالعماد ميشال عون يعرف خطر الإرهاب حول لبنان على اللبنانيين فهذا أيضا سيكون انتصارا للبنان وانتصارا لسوريا وخاصة عندما يعرف هذا الرئيس بأنه لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللاسياسة أو ما سميت سياسة النأي بالنفس."
دعم دولي
الى جانب ذلك شد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت الرحال وكما نقلت بعض المصادر، في خطوة دعم ومساندة لولادة العهد الجديد التي انتهى مخاضها بتشكيل حكومة “الوفاق الوطني”. وأبدى المجتمع الدولي ترحيبا بحالة الاستقرار المستجدة على الساحة اللبنانية، بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة جراء عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس للجمهورية.
وعقب لقائه بكل من الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، أكد وزير الخارجية الفرنسي أن الظروف أصبحت مواتية لتنفيذ عقد بالمليارات من الدولارات لإمداد لبنان بأسلحة بتمويل سعودي بعد تشكيل حكومة جديدة. وأوضح أيرولت أنه أصبح من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن تبقي السلطة الجديدة على الحوار مع السعودية وإيران لضمان عدم استدراج البلاد إلى الصراع الدائر في سوريا. وقال أيرولت للصحافيين خلال زيارة بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة “الظروف مواتية”. وأضاف “الشمس تشرق من جديد على لبنان”.
وعاشت البلاد خلال السنوات الأخيرة على وقع أزمة سياسية حادة تعمقت جراء النزاع السوري والصراع الإيراني السعودي على النفوذ في المنطقة. وكانت السعودية قد علقت برنامجا بقيمة ثلاثة مليارات دولار لإمداد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية الصنع في فبراير الماضي مشيرة إلى مخاوف من نفوذ حزب الله المدعوم من إيران على السلطة في لبنان. ولكن مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة عادت الآمال تدغدغ اللبنانيين بإمكانية أن تستأنف المملكة العربية السعودية هذا الدعم.
ويتوقع أن يزور رئيس الجمهورية ميشال عون قريبا الرياض، في محاولة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، بعد أن توترت بشكل كبير في وقت سابق. ويقول مراقبون إن مهمة عون ستكون صعبة بالنظر للتركيبة الحكومية التي أفرزتها ضغوط حزب الله والتي تعكس رؤية طهران ودمشق بالتحديد. فيما يرى آخرون أن المملكة العربية السعودية ستقابل الخطوة العونية بالترحيب، لإدراكها أن استمرار الفتور في العلاقة بينها وبين لبنان، يصب في صالح محور إيران.
وأكد أيرولت أن عون سيسافر قريبا إلى السعودية لبحث صفقة الأسلحة المجمدة وإقامة روابط أوسع نطاقا. وقال أيرولت “يتعين بذل كل جهد حتى يظل لبنان خارج الصراع السوري… نريد من لبنان الإبقاء على الحوار مع جميع جيرانه في المنطقة ومنهم السعودية وإيران”. ويرجح أن يقدم عون تطمينات إلى الجانب السعودي بأن سياسته ستكون متوازنة، ومنفتحة على الجميع وأن ما يدور حول أن الحكومة المشكلة هي “حكومة حلب” ليس صحيحا.
كما سيؤكد عون على تشبث لبنان بعمقه العربي، وأن استراتيجيته تقوم على مبدأ الحياد والنأي بالنفس خاصة في الأزمة السورية، وهو ما شدد عليه في خطاب القسم الذي يتوقع أن يكون البيان الوزاري مستوحى منه. وفي الصراع الدائر في سوريا تدعم إيران وحزب الله اللبناني القوات الحكومية السورية فيما تدعم المملكة العربية السعودية فصائل المعارضة.
وخلال زيارة لها إلى قصر السراي، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ “نحن في لبنان منذ حوالي الـ71 عاما، وحضورنا قوي وكذلك التزامنا تجاه الشعب اللبناني، وسنسعى للعمل عن كثب مع الرئيس سعد الحريري والحكومة الجديدة لتعزيز استقرار لبنان وأمنه وتأمين الازدهار لكل المتواجدين على الأراضي اللبنانية”. وأوضحت كاغ “مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتشكيل الحكومة هناك صفحة جديدة فُتحت في لبنان، وبالتالي يمكننا أن نتطلع بثقة نحو مستقبل لبنان واستغلال كل الإمكانيات المتاحة أمام البلد، وعلى الحكومة أن تبذل ما في وسعها من أجل تحقيق مصلحة المواطنين واستقرارهم وأمنهم”.
اضف تعليق