q

يبدو أن مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية، التي شهدت في الفترة الاخيرة تطورات دبلوماسية جيدة وتحركات مهمة عدها الكثير من المراقبين، انجازا سياسيا كبيرا للرئيسين الأمريكي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، غير مرشح للتحسن بسبب الانقسامات والخلافات السياسية الداخلية ووجود اطراف متشددة في كل من الولايات المتحدة وايران، التي قد تتفاقم مع وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية، وهو ما سيؤثر على الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة مع إيران العام الماضي.

حيث اكدت بعض المصادر أن هناك احتمالاً لتطور هذه العلاقات نحو الأسوأ رغم بقاء الاتفاق النووي مع إيران. ويعزز هذا الافتراض تصريحات ترامب في مؤتمر لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC التي لم تخرج عن سياق الخطاب المعادي للأجانب الذي سيطر على موسم الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة. وقال ترامب إن الأولوية رقم واحد بالنسبة لي هي التخلص من الصفقة الكارثية مع إيران، أنا أعرف كيفية صنع الصفقات، واسمحوا لي أن أقول لكم إن هذه الصفقة كارثية لأمريكا وإسرائيل والشرق الأوسط بأسره. وذهب ترامب إلى أبعد من ذلك حين قال بموجب الاتفاق النووي مع إيران علينا أن نعطيهم 150 مليار دولار دون الحصول على أي شيء.

كما ان موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على تمديد العقوبات المفروضة حاليا على إيران لعشر سنوات وأرسل مشروع القانون إلى البيت الأبيض. اثار ايضا غضب الجمهورية الاسلامية التي توعدت برد قاسي ضد هذا القرار، وأقر المجلس مشروع القانون في تصويت بعد موافقة 99 عضوا وبدون أي أصوات معارضة. وكان مجلس النواب قد وافق على المشروع بالإجماع تقريبا في نوفمبر تشرين الثاني وقال مساعدون في الكونجرس إنهم يتوقعون أن أوباما سيوقع هذا المشروع. وينتهي العمل بقانون عقوبات إيران في الحادي والثلاثين من ديسمبر كانون الأول إذا لم يتم تجديده.

وقال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مؤخرا إن التمديد سينتهك الاتفاق النووي وهدد بالانتقام. وقال الديمقراطيون الذين ساندوا الاتفاق إنهم لا يعتقدون أن تمديد قانون العقوبات ينتهك الاتفاق النووي لأنه يواصل نظاما للعقوبات قائما بالفعل. وأضافوا أنهم لم يسمعوا مثل هذه الاعتراضات من شركاء الولايات المتحدة الذين وقعوا الاتفاق. والاتفاق النووي وقعته الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا وإيران.

ولا يتطرق الإجراء الذي اتخذه الكونجرس إلى مصير الاتفاق النووي الذي يعارضه الجمهوريون في مجلسي الشيوخ والنواب. وقال مشرعون إنه سيجعل من الأيسر أن يعاد فرض العقوبات بسرعة إذا انتهكت إيران الاتفاق. وهاجم الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب الاتفاق أثناء حملته الانتخابية. ودعا أعضاء كثيرون آخرون في حزبه - الذي يسيطر على الكونجرس - الإدارة الجديدة إلى إلغاء الاتفاق. وقال بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن التجديد يضمن أن يكون بمقدور ترامب إعادة فرض العقوبات التي رفعها أوباما بمقتضى الاتفاق النووي الذي وافقت فيه إيران على كبح برنامجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات. وسيصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة في العشرين من يناير كانون الثاني.

امريكا والاتفاق

وفي هذا الشأن قال ديفيد بترايوس الجنرال الاميركي المتقاعد الذي تشير توقعات الى احتمال توليه وزارة الخارجية، ان الاتفاق الدولي مع ايران الرامي الى كبح طموحاتها النووية يشتمل على عناصر "مثيرة للقلق". ودخل الاتفاق الموقع العام الماضي بعد سنوات من التفاوض، حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016. ونص على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على ايران في مقابل تأطير كامل لبرنامجها النووي المدني. ونفت طهران سعيها لحيازة سلاح نووي.

وقال بترايوس امام المشاركين في "حوار المنامة" حول الامن الاقليمي في عاصمة البحرين، "هناك بعض السلبيات المهمة التي نرى انها مصدر قلق". واشار في هذا السياق الى ان الاتفاق يمكن ان يستمر لعشرة الى 15 عاما وانه يتيح لايران الحصول على مليارات الدولارات من اموالها المجمدة. لكن بترايوس لفت ايضا الى "بعض العناصر الايجابية" في الاتفاق اذ انه اتاح خصوصا كبح سعي طهران للحصول على سلاح نووي.

وبترايوس الذي يعتبر قائدا عسكريا مميزا وخصوصا لجهة دوره في تحسن الوضع في العراق بدءا بالعام 2007، كان عينه الرئيس باراك اوباما مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). لكنه اضطر للاستقالة من منصبه بعدما اكتشف مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) انه نقل وثائق سرية الى عشيقته باولا برودويل. ومع ذلك تم تداول اسم بترايوس كاحد المرشحين المحتملين لتولي منصب وزير الخارجية في ادارة دونالد ترامب. وكان الاخير وعد خلال حملته الانتخابية بتمزيق الاتفاق النووي مع ايران ووصفه بانه "اسوأ اتفاق تم التفاوض عليه".

من جانب اخر قال جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.ايه) إنه سيكون من "الحماقة البالغة" أن يقدم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران لأن نتيجة ذلك على الأرجح هي امتلاك طهران وغيرها من الدول للأسلحة النووية. وقال برينان في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "ربما تسفر عن برنامج أسلحة داخل إيران مما سيدفع دولا أخرى في المنطقة للبدء في برامجها الخاصة بها." بحسب رويترز.

وأضاف "لذا أعتقد أنها ستكون قمة الحماقة إذا أقدمت الإدارة المقبلة على إلغاء الاتفاق." وقال إنه فيما يتعلق بالأزمة السورية فإن على ترامب أن يكون بالغ الحذر في تعامله مع روسيا. وقال "أتمنى أن تتحسن العلاقات بين واشنطن وموسكو." وأضاف "على الرئيس المنتخب ترامب وإدارته الجديدة الحذر من الوعود الروسية. أرى أن الوعود الروسية -بالنسبة إلينا- لم تتحقق."

تهديدات ايرانية

في السياق ذاته قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده لن تسمح للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية محذرا من تداعيات لم يحددها إذا تراجعت واشنطن عن الاتفاق. وكان ترامب قد قال خلال حملته الانتخابية إنه سيلغي الاتفاق الإيراني مع القوى العالمية الذي وافقت طهران بموجبه على الحد من أنشطة برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها ووصفه بأنه "أسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه على الإطلاق."

وقال روحاني في كلمة بجامعة طهران بثها التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة إن ترامب "يريد القيام بالكثير من الأمور لكن لن يؤثر أي من أفعاله علينا." وأضاف "هل تعتقدون أن بوسع الولايات المتحدة إلغاء خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بالاتفاق النووي؟ هل تعتقدون أننا وبلدنا سنسمح له بالقيام بذلك؟" وكان محللون قالوا إن تصريحات ترامب ربما تنذر بموقف أمريكي أكثر تشددا إزاء إيران وهو تطور يمكن أن يكسب المتشددين على الساحة السياسية الإيرانية قوة بمن فيهم خصوم روحاني.

وحذر الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي من إدخال أي تغييرات على الاتفاق النووي بعد تصريحات ترامب في يونيو حزيران وقال الشهر الماضي إن أي تمديد لنظام العقوبات الأمريكية سيعتبر انتهاكا للاتفاق. وكرر روحاني تصريحات خامنئي بشأن قرار الكونجرس إقرار تشريع لتمديد العمل بقانون عقوبات إيران لعشر سنوات حتى يسهل على واشنطن إعادة فرض العقوبات إذا خالفت طهران الاتفاق النووي. بحسب رويترز.

ولم يوقع الرئيس باراك أوباما القانون بعد. وقال روحاني "لا شك أن الولايات المتحدة عدوتنا." ويتوقع أن يخوض روحاني انتخابات الرئاسة الإيرانية مرة أخرى في 2017. ومضى الرئيس الإيراني قائلا "إذا وقع أوباما قانون عقوبات إيران ولجأ للتخلي عن ممارسة الحقوق لوقف تطبيقه فإن هذا سيمثل خرقا للاتفاق النووي أيضا وسنرد عليه." وقال روحاني إنه سيحضر اجتماعا للجنة من الخبراء يوم الأربعاء لاتخاذ قرار بشأن رد إيران على ما وصفه بالانتهاك الأمريكي.

ومن جانبه، اكد رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني في مؤتمر صحافي انه كان يتوجب كتابة "مقاطع معنية" من الاتفاق النووي "بطريقة اكثر دقة لتجنب التفسيرات المتباينة" بين الاطراف الموقعة، داعيا الى "تقديم شكوى حول خرق" الاتفاق من قبل الاميركيين. وصوت 99 من اعضاء مجلس الشيوخ ا لاميركي وبدون اعتراض اي عضو لصالح تمديد العقوبات غير المرتبطة مباشرة بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الذي ابرم منتصف 2015. وكان مجلس النواب صوت على هذا النص في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وجرت العادة على تجديد اجمالي العقوبات الاميركية المفروضة منذ 1996 كل عشر سنوات.

ويشمل القرار عقوبات مفروضة على القطاع المصرفي الايراني اضافة الى قطاعي الطاقة والدفاع. الا ان البعض يرون ان القانون يخالف روح الاتفاق بين ايران والقوى الكبرى الذي ينص على تقليص البرنامج النووي الايراني مقابل تخفيف العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ودول اخرى. واعتبر مسؤولون ايرانيون ان تجديد العقوبات الاميركية يقوض الاتفاق النووي الذي ابرم في تموز/يوليو 2015، وتفاوضت عليه ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا برعاية الاتحاد الاوروبي) بهدف ضمان الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الايراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية تدريجيا عن طهران.

من جانب اخر قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن من مصلحة الولايات المتحدة أن تبقى ملتزمة بالاتفاق النووي متعدد الأطراف، وقال ظريف إن الاتفاق متعدد الأطراف أقره مجلس الأمن الدولي لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لن تنتهكه مشيرا إلى أن تاريخ واشنطن "أقل من محترم" في الالتزام بالقوانين الدولية.

وقال ظريف "أنا لا أعلق أملنا على وهم أن الناس سوف تحترم القانون الدولي من منطلق حسن نواياهم أو طبيعتهم الطيبة." وأضاف "أعتقد أن في مصلحة الولايات المتحدة وكذلك بقية المجتمع الدولي احترام هذا الاتفاق متعدد الأطراف." وأوضح ظريف أن العقوبات المفروضة على إيران لم تفلح في الماضي ولن تحقق شيئا إذا جرى تشديدها لا سيما أن الشركاء الآخرين في الاتفاق من المستبعد أن يشاركوا في ذلك. وقال ظريف "العقوبات ستلحق الضرر بنا لكنها لن تكسرنا." كان ظريف قد قال أن تصويت الولايات المتحدة على تمديد قانون عقوبات إيران أظهر أنه لا يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بالالتزام بتعهداتها.

السلوك غير المهني

على صعيد متصل قال مسؤول عسكري إيراني إن التواجد العسكري الأمريكي في الخليج يمثل مصدر الخطر الرئيسي لوقوع صراع في المنطقة. وجاء تصريح المسؤول الإيراني في أعقاب قول واشنطن أن سفينة إيرانية صوبت سلاحها باتجاه طائرة هليكوبتر أمريكية في مضيق هرمز الاستراتيجي. وقال مسؤولان دفاعيان أمريكيان إن سفينة صغيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني صوبت سلاحها باتجاه طائرة هليكوبتر من طراز (إم.إتش 60) تابعة للبحرية الأمريكية بينما كانت تحلق على بعد حوالي 0.8 كيلومتر من سفينتين إيرانيتين في المياه الإقليمية. ووصف المسؤولان الأمريكيان التصرف الإيراني بأنه "مستفز".

ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن مسؤول لم تسمه في الحرس الثوري الإيراني "الجميع يعلم أن المشكلة الأساسية في الخليج الفارسي هي الوجود الأمريكي." وأضاف المسؤول أن جميع السفن من كل الجنسيات تبحر عبر مضيق هرمز - الذي تمر عبره 40 في المئة من النفط المنقول بحرا- بدون أي مشكلة مشيرا إلى أن الأمريكيين هم فقط من يتذمرون ويشتكون عبر توجيه اتهامات باطلة ضد إيران. بحسب رويترز.

ووصف المسؤول الإيراني السلوك الأمريكي بأنه "غير لائق وغير مهني" لكنه لم يتطرق إلى مزاعم تصويب سفينة تابعة للحرس الثوري الإيراني سلاحها على الطائرة الهليكوبتر. ووقعت أحداث عديدة مماثلة في الخليج هذا العام. ففي سبتمبر أيلول غيرت سفينة دوريات تابعة للبحرية الأمريكية مسارها بعد أن اقتربت سفينة تدخل سريع إيرانية على بعد 90 مترا منها.

اضف تعليق