فوز رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق فرانسوا فيون، في الدور الثانية من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط على منافسة القوي آلان جوبيه، الذي كانت استطلاعات الرأي قد تنبأت بفوزه بالمركز الأول خلال الدورة الأولى للانتخابات اليمينية، والذي سارع إلى الإقرار بهزيمته وهنأ فيون على فوزه الكبير وأكد تقديم الدعم له في حملته القادمة، في مواجهة مرشّح الاشتراكيين الذين سينظمون ايضا انتخابات تمهيدية لاختيار مرشح وحيد، إضافة إلى مرشحة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن وباقي المرشحين، هذه التطورات والنتائج اصبحت اليوم محط اهتمام واسع داخل وخارج فرنسا، التي دخلت في معركة انتخابية مبكرة للفوز بالسباق الرئاسي والوصول الى قصر الإليزيه، وبحسب بعض المصادر، فهذه أول مرة تعمد فيها الأحزاب الفرنسية الكبيرة إلى تنظيم انتخابات تمهيدية إقتداءاً بالانتخابات الأمريكية التمهيدية لرئاسيات البيت الأبيض ومن ثمة الابتعاد عن الترشيح المباشر الذي كانت تعمد إليه الأحزاب الفرنسية فيما مضى من الاستحقاقات الرئاسية.
واستقطبت الانتخابات التمهيدية الفرنسية للتيار اليميني أعدادا كبيرة من الناخبين من خارج صفوف أحزاب اليمين، إذ شارك نحو 4,3 ملايين شخص في الدورة الأولى، وتابع أكثر من ثمانية ملايين مشاهد المناظرة الأخيرة بين المرشحين. ويحذو اليمين أمل كبير في الفوز برئاسيات 2017 أمام ضعف وانقسام اليسار، حيث لديه فرصة كبيرة لأن يقف خلال أقل من ستة أشهر أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن والفوز عليها، وفق استطلاعات الرأي.
وتتوجه الأنظار الآن إلى اليسار لمعرفة مرشحه في الرئاسيات المقبلة، حيث سينظم "الحزب الاشتراكي" الحاكم بدوره انتخابات تمهيدية في كانون الثاني/يناير المقبل، ويدعو الحزب إلى تقديم الترشيحات قبل منتصف كانون الأول/ديسمبر. وتزداد الساحة الإعلامية الفرنسية سخونة إثر اقتراب موعد الاقتراع الرئاسي المزمع عقده في العام المقبل، ولا سيما مع جدل رؤى المرشحين الرئاسيين المتعددة نحو قضايا الهجرة والإرهاب وروسيا والأزمة السورية.
الانتخابات الرئاسية في فرنسا تجرى كل خمس سنوات عن طريق الاقتراع الحر المباشر، حيث تنظم على شكل جولتين، في الجولة الأولى يتم التباري بين المرشحين الرئاسيين المتعددين، ثم يُسمح لمرشحين اثنين فقط، اللذين حصلا على أكبر نسبة من الأصوات، بالوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات، التي تحدد الفائز بينها حسب عدد الأصوات. لكن إذا ما حصل مرشح على أغلبية مطلقة، أي 50% من الأصوات، منذ الجولة الأولى، فإنه يُعلَن رئيسًا للجمهورية بدون المرور للجولة الثانية، إلا أنها حالة نادرًا ما تحصل.
يملك الرئيس في الجمهورية الفرنسية سلطات مركزية، فهو قائد القوات المسلحة الفرنسية، والممثل الدبلوماسي الأول للدولة الفرنسية، وله سلطة إجراء استفتاء شعبي وحل البرلمان، مثلما يسمح له بتطبيق المادة 16 من الدستور، التي تعطي لرئيس الجمهورية سلطات لاسيما في وقت الأزمات من أجل حماية الديمقراطية و إعادة تسيير السلطات العامة في أسرع وقت ممكن، وتعد كل هذه الصلاحيات مجالًا خاصًا به لا يتقاسمها مع المؤسسة التشريعية أو المؤسسة الدستورية. وعادة ما يكون التباري في الانتخابات الرئاسية الفرنسية بين مرشح اليمين ومرشح اليسار فضلا عن المرشحين المستقلين، مع مرشحي بعض الأحزاب الصغيرة غير التابعة لليمين أو لليسار.
صحيفة «لوموند» الفرنسية أحصت، في تقرير لها، حوالي 18 مرشحًا رئاسيًّا، من المرجح أن يمروا إلى الانتخابات الرئاسية النهائية، يتقدمهم سياسيو اليمين واليسار، حيث يسعى كل منهم إلى كسب الرأي العام الفرنسي، وقد استطاع فرنسوا فيون رئيس الوزراء الفرنسي السابق من الفوز في الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين، حيث حصد بشكل مفاجئ الكثير من الاصوات، على خصميه اليمينيين آلان جوبيه ونيكولا ساركوزي، الذي مني بهزيمة فادحة.
وصعود فرانسوا فيون المفاجئ وكما تكد بعض المصادر، أربك حسابات المراقبين للمشهد السياسي الفرنسي، بعد تفوقه على منافسيه اليمينيين بفارق كبير في الجولة الأولى. وتكتسي الانتخابات اليمينية التمهيدية أهمية قصوى، بوصف أن الفائز فيها يملك حظوظًا أوفر للظفر بورقة دخول قصر الإليزيه، ولاسيما أمام تشتت اليسار الفرنسي، الذي تدهورت شعبيته إلى حد كبير خلال عهد الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند، وتشير كل استطلاعات الرأي تقريبًا إلى أن مرشح اليمين الوسط سينافس زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها في العام المقبل. وكانت مارين لوبين، رئيسة الجبهة الشعبية المثيرة للجدل، قد أشادت ببروز عالم جديد إثر انتخاب ترامب، قائلة اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وغدًا فرنسا، وتسعى مرشحة اليمين المتطرف إلى استغلال موجة الشعبوية المتصاعدة في الغرب، من أجل تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لـ2017، غير أن استطلاعات الرأي كافة حتى الآن لا ترجح فوزها بالسباق الرئاسي. أما بالنسبة لليسار الفرنسي، فلا يبدو أنه سيصل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية كما تظهر استطلاعات الفرنسية، التي تبين نفورًا شديدًا للناخبين الفرنسيين من مرشحي اليسار، وذلك بعد تدهور شعبية التيار السياسي في حقبة ممثله في الحكم فرانسوا هولاند، كما أنه يعاني من التشرذم ، ما يقلل حظوظه في تكرار ولاية ثانية.
وبسبب ذلك، فضَّل الليبرالي إيمانويل ماكرون ، وزير الاقتصاد الفرنسي السابق، إعلان ترشحه رسميًا لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017 باعتباره مرشحًا مستقلًا، وعلى الرغم من أن ماكرون هو من بين السياسيين الأكثر شعبية في فرنسا، لتخفيفه القيود عن قطاع الخدمات خلال توليه منصبه في حكومة الرئيس الاشتراكي فرانسواهولاند، إلا أنه يستبعد نجاحه في بلوغ الجولة الثانية من الاقتراع الرئاسي، لعدم نيله أي دعم حزبي، كما أنه لم ينتخب من قبل.
اليسار مشتت
في مواجهة اليمين الفرنسي الذي اختار المحافظ فرانسوا فيون مرشحا للانتخابات الرئاسية عام 2017، يبدو اليسار مشتتا في الحرب المفتوحة بين الرئيس فرانسوا هولاند ورئيس وزرائه، حيث حذر المتحدث باسم الحزب الاشتراكي أوليفييه فور "نحن قريبون (...) مما يمكننا أن نطلق عليه اسم انتحار جماعي". ومع تدني شعبية الرئيس فرانسوا هولاند والخلافات الإيديولوجية العميقة -حول الاقتصاد وأوروبا والعلمانية- يبدو اليسار الفرنسي على مشارف الانهيار. ولا يبدو هولاند المرشح الطبيعي لليسار، ما اضطر الحزب الاشتراكي للإعلان عن انتخابات تمهيدية مطلع 2017.
وأعلن جان لوك ميلنشون اليساري المتطرف الذي ترشح للانتخابات الرئاسية في 2012، ترشحه لانتخابات 2017، بينما أعلن وزير الاقتصاد اليساري السابق إيمانويل ماكرون (38 عاما) الذي قدم حركته باعتبارها "لا يمين ولا يسار" عزمه خوض الانتخابات، وتشير استطلاعات الرأي إلى حصول كل منهما على أكثر من 10% من الأصوات. ونادرا ما كان المشهد السياسي في فرنسا مفككا إلى هذا الحد. كما يتوقع أن يعلن فرانسوا هولاند إن كان يريد الترشح لولاية ثانية قريبا. ولكنه قد يصطدم بطموح رئيس الوزراء مانويل فالس.
وقد عزز فالس الضغوط على هولاند بإعلانه في مقابلة نشرتها الأحد صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" أنه لا يستبعد ترشحه لانتخابات اليسار التمهيدية. وسيلتقي الرجلان لوضع الأمور في نصابها بعد شائعات حول تقديم رئيس الوزراء استقالته الأمر الذي نفاه الإليزيه فورا. كما يبدو التحدي الأكبر أمام اليسار هو توحيد الصفوف لمخالفة توقعات استطلاعات الرأي التي أعلنت أن الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية ستكون بين مرشحي اليمين واليمين المتطرف الذي أنعشه صعود التيارات الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.
وفيما اليسار الحاكم مشتت، يتوقع أن يتنافس فيون (الذي حدد لنفسه هدفا يتمثل بترسيخ "القيم الفرنسية"، مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو. ورغم أن فوز الشعبوي الأمريكي دونالد ترامب حسن فرص مارين لوبن، إلا أن استطلاعات الرأي تظهر أنها ستخرج مهزومة في نهاية الانتخابات لا سيما إذا نجح فيون في استمالة ناخبي الوسط وحتى اليسار، وفق الخبراء.
فيون سيهزم لوبان
الى جانب ذلك أظهر استطلاع لمؤسسة هاريس انترأكتيف أن المرشح الفرنسي المحافظ فرانسوا فيون سيهزم بسهولة الزعيمة اليمينية المتطرفة مارين لوبان في انتخابات الرئاسة التي تجري في فرنسا العام المقبل. وقال الاستطلاع الذي أجري في اليوم الذي فاز فيه فيون بترشيح حزبه في انتخابات الرئاسة إن فيون سيفوز على لوبان بحصوله على 67 في المئة من الأصوات مقابل 33 في المئة للوبان.
وأظهر الاستطلاع أن الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولوند لن يحصل في الجولة الأولى إلا على تسعة في المئة من الأصوات. وسيحصل رئيس وزرائه مانويل فالس إذا ترشح بدلا من أولوند على تسعة في المئة فقط من الأصوات. وقال الاستطلاع إن إيمانويل ماكرون وزير الاقتصاد الفرنسي السابق سيحصل على ما بين 13 و14 في المئة من الأصوات. وسيحصل اليساري جان لوك ميلينشون وهو عضو سابق في الحزب الاشتراكي على ما بين 13 و15 في المئة. ولن يخوض جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة سوى أكبر مرشحين حصلا على أصوات في الجولة الأولى. وشمل الاستطلاع 6093 شخصا عبر الانترنت.
خطط ستثير فوضى
على صعيد متصل قال مسؤول كبير في الجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية المتطرفة إن خطط المرشح الفرنسي المحافظ فرانسوا فيون واسعة المدى لتقليص الإنفاق العام وإصلاح الاقتصاد الفرنسي "ستثير فوضى." وأصبح فيون مرشح يمين الوسط في انتخابات الرئاسة التي تجري في فرنسا العام المقبل بعد فوزه في انتخابات تمهيدية. ويريد فيون خفض الإنفاق العام ورفع سن التقاعد وإلغاء أسبوع العمل المؤلف من 35 ساعة وتقليص التأمين الاجتماعي.
وفي ظل قيادة مارين لوبان التي تولت رئاسة الجبهة الوطنية من أبيها جان ماري لوبان في 2011 تحولت الجبهة من حزب ليبرالي من الناحية الاقتصادية ومؤيد للمشروعات الصغيرة إلى حزب يتعهد بخفض سن التقاعد وضمان شبكة تأمين اجتماعي سخية لفرنسا. وقال فلوريان فيلبوت عضو الجبهة الوطنية إن "مشروعه مختلف تماما عن مشروعنا وهو مشروع صعب ولن يستطيع جعل غالبية الناخبين يساندونه. "بالنسبة لنا فإنه مرشح عظيم (لمواجهته في الانتخابات)."
ويعتزم فيون خفض الإنفاق العام 100 مليار يورو على مدى خمس سنوات وإلغاء ضريبة على الأثرياء ورفع سن التقاعد إلى 65 عاما بالإضافة إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة على المبيعات. وقال فيلبوت "إنه برنامج من الفوضى. من المستحيل ألا يثير هذا العلاج التقشفي فوضى. "إنه يسير ضد التيار." قائلا إن الناخبين في فرنسا والدول الأخرى يريدون مزيدا من الحماية من الدولة. بحسب رويترز.
وقال "هناك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهناك فوز (دونالد) ترامب (في الانتخابات الأمريكية) .. فيون يبدو كشخص قادم من 30 سنة مضت." وقال فيلبوت إن فيون الذي كان رئيسا للوزراء فيما بين عامي 2007 و2012 يتحدث بشكل صارم عن الهجرة ولكنه لن يتصرف بشكل صارم فور توليه السلطة. والنقطة الوحيدة في برنامج فيون التي رحب بها فيلبوت كانت موقفه المؤيد لروسيا.
فيون وبوتين
من جانب اخر إنتقد رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه، ، خصمه فرنسوا فيون، بأنه "يجامل" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل "مفرط". وألحق فيون هزيمة مدوية بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي بعدما كان رئيس حكومته بين 2007 و2012. وتقدم أيضا على جوبيه (71 عاما) الذي كان رئيسا للوزراء في حكم الرئيس جاك شيراك من 1995 حتى 1997 والذي كانت تشير كل استطلاعات الرأي قبل الدورة الأولى إلى إمكان حلوله في المركز الأول.
وقال جوبيه في مقابلة نشرتها الصحافة الفرنسية "يجب التحدث إلى روسيا، لكن الحوار يجب أن يكون صريحا. لدي ثلاث حقائق أقولها لها، إن ضم شبه جزيرة القرم مخالف للقانون الدولي. وقد حصل اتفاق في مينسك لإخراج أوكرانيا من صعوباتها الحالية، وأنتظر من بوتين أن يطلب من أصدقائه تطبيقه بأمانة". وأضاف جوبيه "في سوريا، أنا أتفق تماما على أن الأولوية الأولى هي القضاء على تنظيم داعش لكنني أنتظر من روسيا حلا للخروج من الأزمة". وتابع "الحل ليس بالتحالف الروسي الإيراني الذي يبدو أن فرنسوا فيون يتوقعه. إيران تلعب دورا لزعزعة الاستقرار إلى حد كبير في اليمن والعراق وسوريا". وأشار جوبيه إلى أن "حزب الله هو حزب إيراني لا يزال يهدد إسرائيل"، مشددا على أنه "يجب أن نكون أكثر حزما وأكثر وضوحا مع روسيا". بحسب فرانس برس.
وفي سبتمبر/أيلول، نصح جوبيه خصمه فيون بعدم المبالغة في احتساء الفودكا. ويعتبر فيون، المؤيد لإنهاء العقوبات الاقتصادية على روسيا، أنه "لا يوجد حل آخر" سوى باللجوء إلى الروس والنظام السوري للقضاء على تنظيم داعش. وانتقد جوبيه "هروب" روسيا إلى الأمام في سوريا، مشددا على أنه "لن يكون هناك عودة للسلام في سوريا مع (الرئيس) بشار الأسد".
اضف تعليق