التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها فرنسا، ومنها فوز المرشح فرنسوا فيون في الدورة الأولى لانتخابات اليمين الفرنسي الذي يتقدم وبحسب بعض المراقبين، بخطى ثابتة صوب قصر الإليزيه، هي اليوم محط اهتمام واسع لدى العديد من الجهات والأطراف خصوصا وان البعض يرى ان هذه التطورات والنتائج، يمكن ان تكون سببا في إصلاح العلاقات بين فرنسا وروسيا، ويعد فيون صديق قديم لموسكو وله سياسة خاصة وجديدة حول بعض القضايا والأزمات العالمية المهمة. وأهم ما يختلف به فرنسوا فيون عن بقية السياسيين كما نقلت بعض المصادر، هو علاقاته الجيدة مع فلاديمير بوتين. وقد شدد في وقت سابق، على ضرورة إقامة تحالف استراتيجي مع روسيا من أجل استقرار أوروبا.
وكذلك دعا إلى إلغاء العقوبات والتعاون مع روسيا ضد الإرهاب في سوريا، حتى إذا تطلب الأمر التعاون مع بشار الأسد. وشهدت العلاقات الفرنسية – الروسية تباعدًا وتوترات في الآونة الأخيرة وخاصة في عهد الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرنسوا هولاند، نظرًا لاختلاف وجهات النظر والرؤى بين البلدين في عدد من القضايا آخرها الأزمة السورية.
كما صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبقى على "علاقة جيدة" مع رئيس الوزراء الفرنسي الاسبق فرنسوا فيون. وقال بيسكوف لصحافيين ان الرجلين "اجريا اتصالات متقدمة" عندما كانا رئيسي حكومتي بلديهما. واضاف "في تلك الفترة كان هناك مناخ عمل خصب لتطوير العلاقات الثنائية. وبالفعل احتفظا بعلاقات جيدة". وتابع الناطق باسم الرئاسة الروسية "نتابع باهتمام كبير الانتخابات التمهيدية" في فرنسا، مؤكدا ان "فرنسا شريك نقيم معه علاقات جيدة ويمكن ان نقيم معه تعاونا اكبر بكثير".
وبعد وصول اليسار الى السلطة في 2012، زار فيون مرات عدة روسيا خصوصا في 2013 للقاء بوتين في مقره الرسمي في نوفو اوغاريفو بالقرب من موسكو. ووصفت صحيفة الاعمال "فيدوموستي" رئيس الوزراء الاسبق بانه "مرشح قريب من روسيا"، لديه برنامج للسياسة الخارجية "اكثر توازنا" من خصمه آلان جوبيه. وتحدثت شبكة التلفزيون "روسيا 24" عن "زلزال سياسي جديد" بعد فوز الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية.
واشارت في الوقت نفسه الى ان فيون "المتساهل حيال روسيا" تحدث مع الرئيس فلاديمير بوتين عندما كان رئيسا للحكومة "مرتين او ثلاث مرات سنويا، وهو يعرفه جيدا ويتحدث اليه كشخص قريب". اما الصحيفة الالكترونية "غازيتا.رو" فقد رأت في فيون "نسحة فرنسية من دونالد ترامب"، مشيرة الى ان فوزه في الانتخابات الرئاسية في فرنسا "سيناسب موسكو تماما". وذكرت الصحيفة بان "روسيا لا تضع كل رهاناتها في سلة واحدة وتجري بذكاء اتصالات مع المنافسة الرئيسية للجمهوريين مارين لوبن" التي تعتبر قريبة من موسكو ايضا. واشادت مجلة "اكسبرت" باداء "الصديق فرنسوا" فيون، مشيرة الى "تيار مفيد جدا لروسيا يتشكل حاليا" ويتمثل بظهور جيل من القادة اكثر "تساهلا" حيال موسكو وقادرين على "احداث خرق في الموقف المشترك للغرب" حيال روسيا.
الحوار مع روسيا
من جانب اخر يعتبر فرانسوا فيون، الفائز في الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط في فرنسا، أحد المدافعين عن "الحوار مع روسيا" خاصة حول الملف السوري، والداعين "لمواجهة جدية مع الولايات المتحدة"، وإلى بناء "أوروبا الأمم". فما هي السياسة الخارجية التي ينشدها رئيس الحكومة الأسبق في حال فوزه في سباق الرئاسة؟.
تربط فرانسوا فيون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقة شخصية قوية كثيرا ما تحدثت عنها وسائل الإعلام الفرنسية. ويعود تاريخ بناء هذه العلاقة بين الطرفين إلى الحقبة التي ترأس فيها فيون الحكومة الفرنسية بين 2007 و2012. وحسب الصحفي والكاتب الفرنسي نيكولا هينان مؤلف كتاب "فرنسا الروسية"، فإن فيون "مقرب من بوتين" شخصيا، مضيفا أنه دعا في مناسبات إلى رفع الحصار المفروض على موسكو منذ ضمها شبه جزيرة القرم في 2015. ويرى فيون أن "روسيا أقوى دولة في العالم، ندفع بها باستمرار نحو آسيا في وقت لا تشكل فيه أي خطر"، وفق ما جاء في مقابلة له مع القناة الفرنسية الأولى يومين بعد تحقيقه المفاجأة في الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط.
وينشد النائب البرلماني الباريسي التحالف مع روسيا بوتين وسوريا بشار الأسد لأجل استئصال تنظيم "داعش" في المنطقة، التي يعتبرها "أولويته" بالمنطقة. وكتب فيون مقالا في أبريل/ نيسان 2016 نشرته مجلة "ماريان"، يذكر فيه بأنه نظرا "لاعتبار تنحية الأسد أولوية، تركنا تنظيم داعش يتوسع، وضيعنا فرصة بناء تحالف دولي حقيقي...وفي ظل هذا الوضع قوة وحيدة برهنت على واقعيتها: وهي روسيا".
وأضاف فيون: "في الوقت الذي انصب فيه اهتمام هولاند وأوباما على اختيار روسيا ضرب معارضي الأسد دون تمييز، بوتين منح نفسا جديدا للقوات السورية، التي أصبحت في موقع قادر على هزم التنظيم بفعالية"، معتبرا أن "روسيا حققت في ستة أشهر ما لم تتمكن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تحقيقه منذ دخولهم في النزاع في 2014". ويرفض رئيس الحكومة الفرنسي الأسبق الحديث عن "جرائم حرب" في حلب الشرقية. وأظهر فيون خلال حملة الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية دفاعا متينا عن مسيحيي الشرق. وقام بالكثير من الزيارات إلى المنطقة لهذا الغرض، وهو تحرك رفع من شعبيته لدى الكتلة الناخبة المحسوبة على الكاثوليكيين.
من جهة أخرى، يتطلع فرانسوا فيون إلى "مواجهة جدية مع الولايات المتحدة حول شروط التحالفات"، حتى تدافع باريس عن "مصالحها" في السياسة الخارجية، وفق رؤيته للعلاقات الثنائية بين البلدين. ويرى فيون أن المصالح الفرنسية "هي اليوم مهددة بتدخل القضاء الأمريكي في الاقتصاد" الفرنسي، ويشير إلى أنه توجد "مشاكل كثيرة مع واشنطن، ليس فقط على مستوى السياسة الخارجية"، وإنما أيضا "خلافات اقتصادية معتبرة". ويضيف في نفس السياق أن الولايات المتحدة "تمارس شكلا من المراقبة على الاقتصاد الأوروبي لا يطاق بالمرة، في تضارب مع القانون الدولي والأخلاق الدولية"، حسب رأيه. بحسب فرانس برس.
في المجال الأوروبي، يعتبر فيون من الداعين إلى "أوروبا الأمم" التي تحترم "سيادة فرنسا". وقال في هذا الشأن: "إن أوروبا أداة وليس ديانة، ولهذا كنت، إلى جانب [رئيس البرلمان السابق، الراحل فيليب سوغان] بين الذين خاضوا معركة ضد معاهدة ماستريخت". ويرى فيون إن على "أوروبا أن تركز جهودها على مجالات معينة، وتترك الحرية للولايات المتحدة أن تسير غالبية القضايا مع احترام مبدأ الاختصاص". ويقترح فيون أوروبيا الانكباب على "ثلاث أولويات إستراتيجية، التي يمكن العمل بها من الآن دون الحاجة إلى المرور بمعاهدة جديدة، وهي أمن المواطنين بتعزيز مراقبة الحدود، هجرة متحكم فيها، دفاع ذاتي"، إضافة إلى "السيادة الاقتصادية والمالية، الاستثمار، التجديد والبحث خدمة للمشاريع الأوروبية الكبرى، ومجتمع للمعرفة".
اتفاق مشترك
أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، أن باريس وموسكو اتفقتا على "تعزيز تبادل المعلومات بشأن عملياتهما ضد تنظيم "داعش" في سوريا، وتحديد مكان الجماعات الإرهابية في هذا البلد. وصرح لودريان للصحافيين بعد أن التقى نظيره الروسي سيرغي شويغو "اتفقنا على تعزيز مبادلاتنا في مجال المعلومات العسكرية، بشأن حصيلة ضرباتنا وتحديد مكان" الجماعات الإرهابية.
من بين أولويات هذا اللقاء الثنائي الأول بين الوزيرين منذ سنتين، اتفقت فرنسا وروسيا أيضا على "تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية" عن المقاتلين الأجانب الموجودين على الأراضي السورية. وتقدر أجهزة الاستخبارات الروسية بنحو 2900 عدد الروس الذين يقاتلون في صفوف مجموعات جهادية في سوريا والعراق، وينحدر معظمهم من القوقاز الروسي الذي يشهد اضطرابات.
صرح مصدر في أوساط الوزير الفرنسي "ليس لدينا حكما الأهداف نفسها في سوريا، ولكن هناك على الأقل هدف مشترك هو استئصال داعش. وأوضح الوزير الفرنسي أن "هذا لا يعني تحالفا بل تنسيقا"، مضيفا أن محادثاته مع شويغو تناولت حصرا "التفاصيل العسكرية" للنزاع في سوريا. ووصفت وزارة الدفاع الروسية في بيان المحادثات بأنها "برغماتية وصريحة". وهذا الاجتماع هو الثاني بين لودريان وشويغو في إطار ثنائي، فقد جمدت العلاقات بين الوزيرين لمدة تقارب سنتين إثر ضم موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية في آذار/مارس 2014. كما ألغت فرنسا تسليم سفينتين حربيتين من طراز ميسترال للبحرية الروسية بسبب الخلاف حول أوكرانيا ودعم موسكو المتمردين في شرق أوكرانيا. بحسب فرانس برس.
وفي تحول غير مسبوق منذ اندلاع النزاع في سوريا، أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا يدعو الى وقف لإطلاق النار وبدء مفاوضات سلام اعتبارا من مطلع كانون الثاني/يناير، ولو أن بعض الخلافات لا تزال قائمة وفي طليعتها مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وتأتي زيارة لودريان استكمالا لزيارة الرئيس فرانسوا هولاند الذي التقى نظيره فلاديمير بوتين في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، وبحث معه مسألة التعاون في محاولة لقيام تحالف واسع ضد تنظيم داعش غداة اعتداءات باريس، لكن الزيارة بقيت رمزية إلى حد كبير.
اضف تعليق