العلاقات المصرية السعودية وصلت في الفترة القليلة الماضية إلى درجة كبيرة من التوتر، حيث تزايدت فجوة الخلاف السياسي بين القوتين الكبيرتين في الشرق الاوسط، حول بعض الملفات و والأزمات الاقليمية المهمة التي ادت إلى اندلاع خلافات دبلوماسية وترت العلاقات بين الطرفين، خصوصا بعد اعلنت الرياض الداعم الاقتصادي لمصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ الاطاحة بالرئيس الاسبق محد مرسي في 2013، استياءها من تصويت القاهرة في مجلس الأمن الى جانب مشروع قرار روسي، ووقف شركة أرامكو السعودية إمدادات البترول إلى مصر. ويرى بعض المراقبين ان مواقف البلدين لم تكن منسجمة في بعض الملفات الاقليمية مثل الملفين السوري واليمني، وقد حاولت المملكة العربية السعودية حاولت استغلال الازمة الاقتصادية لجعل مصر وكما فعلت مع بعض الدول الفقيرة، تابع وحليف مطيع ينفذ كل قرارات وخطط الاسرة الحاكمة التي تسعى الى إعادة تشكل النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ترفضة الحكومة المصرية التي تسعى وكما نقلت بعض المصادر، الى استرداد النفوذ في المنطقة بعد ان تهاوى ذلك النفوذ نتيجة التحولات والازمات والمشاكل التي عانت منها مصر، التي عمدت اليوم الىتغيير ميزان القوى من خلال بناء تحالفات جديدة مع دول اخرى بعضها خصوم للمملكة، ويقول الكاتب الصحافي المصري عبد الله السناوي "هناك دوما حديث عن تحالف استراتيجي بين القاهرة والرياض. وهذا غير صحيح". ويضيف "التحالف الاستراتيجي يعني وجود تفاهمات في الملفات الاقليمية، وهو أمر غير موجود بينهما في الملفين السوري واليمني. الخلاف الآن انفجر وظهر للسطح". ويقول الكاتب السعودي جمال خاشقجي "مصر لا ترى خطر الإيرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم لبشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن، معتبرا ان "السعودية تسامحت مع الموقف المصري مرارا وتكرارا. وأعتقد ان ما حدث في تصويت الأمم المتحدة هو القشة التي قسمت ظهر البعير".
وكان مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي صرح في مقابلة تلفزيونية بعد عملية التصويت في مجلس الأمن "كان من المؤلم ان يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب الى التوافق العربي من موقف المندوب العربي (المصري)". ويعد هذا اول انتقاد سعودي علني وصريح للسياسة المصرية. وبعد يومين من تصويت مصر الى جانب مشروع القانون الروسي، أعلن المتحدث باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز أن "شركة أرامكو السعودية ابلغت الهيئة العامة للبترول شفهيا مطلع الشهر الجاري بوقف امدادات البترول لشهر (تشرين الاول) أكتوبر دون إبداء أي أسباب". ويحتاج السوق المصري شهريا إلى 6،5 مليون طن من المنتجات البترولية يستورد منها 1،75 مليون طن منهم 40% من السعودية وحدها. وضخت السعودية ودول الخليج مليارات الدولارات للمساعدة في إنعاش الاقتصاد المصري المتداعي منذ الانتفاضة التي اطاحت حسني مبارك مطلع 2011.
وعلى الرغم من تأكيد عبد العزيز أن "أرامكو أبلغتنا بالأمر قبل جلسة مجلس الأمن، وأن الأمر تجاري وليس سياسيا"، يبرز القرار توترا واضحا في العلاقات. ويبدي الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني اعتقاده بأن "أمورا سياسية" تقف خلف قرار أرامكو. ويقول الغيطاني، الباحث في مركز العالم العربي للأبحاث والدراسات التقدمية المستقل في القاهرة، "لا أظن ان هناك أي مشكلة فنية في الشركة السعودية. ولم نسمع عن أي وقف مماثل من أرامكو لدول أخرى".
ويقول السناوي "في سوريا، الموقف المصري يناقض الموقف السعودي"، موضحا أن "مصر مع وحدة الأراضي السورية وضد تفكيك الجيش السوري وضد كل الجماعات المعارضة المسلحة ومنها جبهة النصرة التي تساندها السعودية ولها دور في تدريبها وتمويلها"، على حد قوله. ويقول السفير السابق السيد أمين شلبي، المدير لتنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية وهو مركز بحثي مستقل في القاهرة، "السعودية موقفها حاسم تجاه رحيل بشار الأسد وترى في ذلك حلا للأزمة، بينما مصر مع الحل السياسي للأزمة وأحد عناصره بشار الأسد". ويقول السناوي "في الملف اليمني، تجنبت مصر التورط بسبب التجربة القاسية في ستينات القرن الماضي". على الرغم من كل ذلك، لا يرى محللون ان الرياض ستتخلى نهائيا عن مصر. ويقول خاشقجي "السعودية تشعر بالقلق حول مستقبل مصر... الأمور لا تسير بشكل جيد اقتصاديا. ومع الركود السياسي، فهناك قابلية لأزمة جديدة في مصر. ولا أحد يتمنى أزمة أخرى في المنطقة".
وقف المساعدات
وفي هذا الشأن يظهر وقف السعودية شحنات الوقود لمصر بموجب اتفاق مساعدات بقيمة 23 مليار دولار أن خلافا بين المملكة أغنى الدول العربية ومصر أكثرها سكانا ربما يكون أعمق مما كان يعتقد في السابق وهو ما قد يترك مصر تكافح بحثا عن داعم جديد. وبموجب الاتفاق الذي وقع خلال زيارة قام بها العاهل السعودي في أبريل نيسان من المفترض أن ترسل الرياض 700 ألف طن شهريا من الوقود إلى مصر. وألقى الاتفاق طوق نجاة للقاهرة وكان من المفترض أيضا أن يضع حدا للتلميحات إلى أن العلاقات قد تداعت بين البلدين.
لكن مصادر تقول إن تدفق الوقود توقف في الأول من أكتوبر تشرين الأول. وأغضب السيسي السعودية التي دعمته منذ أن تولى زمام الأمور في البلاد في 2013. فقد صوتت مصر لصالح قرار تدعمه روسيا بالأمم المتحدة بخصوص سوريا عارضته السعودية بشدة. وفي خضم الخلاف استقل السفير السعودي طائرة عائدا مؤقتا إلى الرياض. وأشار السيسي إلى النزاع في كلمة له نافيا أن يكون موقف مصر بخصوص سوريا هو السبب في وقف إمدادات الوقود. وأبدى أيضا نبرة تحد لن تروق على الأرجح لملوك وأمراء دول الخليج العربية الذين ساعدوا في الحيلولة دون انهيار اقتصاد بلاده. وقال "مصر لن تركع ... حنركع لله وغير كدة مش حينفع."
ولن تعدم السعودية المبررات لوقف شحنات المساعدات. فقد وافقت مصر في أبريل نيسان على تسليم جزيرتين بالبحر الأحمر للسعودية لكن محكمة مصرية عرقلت هذا الأمر بحكم صدر في يونيو حزيران. وبعد سنوات من انخفاض أسعار النفط لم تعد السعودية نفسها ثرية كما كانت من قبل. فقد بدأت تقلص الاستثمارات المحلية وهو ما يجعل السخاء على الحلفاء بالخارج أكثر صعوبة.
ولم تتخل الرياض تماما عن شريكتها. فقد وضعت وديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي المصري في سبتمبر أيلول في إطار مساعدة القاهرة في الحصول على حزمة قروض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار. لكن مصادر من البلدين تقول إن شقاقا بينهما يتسع وينبع من الخلاف بشأن قضايا سياسية إقليمية. فحتى قبل تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانت مصر تتودد لتحسين العلاقات مع روسيا خصم السعودية في الصراع السوري. وإذا كانت الرياض تهدف لتوجيه رسالة بأن صبرها تجاه القاهرة بدأ ينفد فيبدو الآن أن الرسالة قد وصلت.
وقال المعلق السعودي البارز جمال خاشقجي "الأمر يتعلق بالسياسة المصرية... التي تتناقض بشدة مع السياسة السعودية فيما يتعلق بتهديدات إقليمية استراتيجية. بالتالي فإن السعودية تعارض بقوة السياسة التوسعية الإيرانية في العراق وسوريا ومن الواضح أن المصريين لا يرون الأمر كذلك." وأضاف يقول "ما لم تعد مصر تقييم موقفها أتوقع المزيد من الخلافات ... بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى علاقة باردة للغاية."
وأعطت دول الخليج العربية بقيادة السعودية مليارات الدولارات لمصر منذ منتصف 2013 عندما عزل السيسي- أثناء توليه قيادة الجيش- الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي تمثل عدوا مشتركا. لكن مع تقلص خطر الإخوان زاد شعور حكام الخليج بخيبة الأمل إزاء ما يعتبرونه عجز السيسي عن إصلاح الاقتصاد الذي بات ثقبا أسود يبتلع المساعدات وبسبب إحجامه عن دعمهم على الساحة الإقليمية. ففي اليمن كانت الرياض تريد أن تلعب القاهرة دورا رئيسيا في حربها على الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء. وتساهم القاهرة بقوة بحرية لكنها أحجمت عن إرسال قوات برية إذ لا يزال مستنقعا يمنيا سابقا حاضرا في ذهنها.
وفي سوريا حيث السعودية داعم رئيسي للمعارضة المسلحة الساعية للإطاحة بالرئيس بشار الأسد أيد السيسي قرار روسيا شن حملة من القصف دعما للأسد. وقالت مصادر مصرية ومعلقون سعوديون إن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت عندما أيدت مصر- البلد العربي الوحيد الذي يتولى حاليا مقعدا غير دائم بمجلس الأمن الدولي- قرارا روسيا استبعد دعوات لوقف قصف حلب.
وطالما حرص السيسي على إحياء العلاقات مع روسيا برغم اعتماد مصر على الدعم من دول الخليج العربية التي تعتبر موسكو عدوا لها في سوريا. وتكافح مصر من أجل عودة السياح الروس إلى منتجعاتها على البحر الأحمر بعد تفجير طائرة ركاب في المنطقة العام الماضي في حادث أودى بحياة 224 شخصا ودفع موسكو لتعليق الرحلات الجوية. وفي علامة على تحسن العلاقات أعلنت روسيا ومصر أنهما ستجريان تدريبات عسكرية مشتركة على الأراضي المصرية. وتبني روسيا أول محطة للطاقة النووية في مصر وكان خلاف بشأن شحنة قمح روسية مرفوضة قد دفع القاهرة سريعا لحل التباس بشأن الشروط التجارية التي أثرت على قدرة مصر على الاستيراد لشهور.
في الوقت نفسه تآكل دور مصر المحوري في السياسات العربية بسبب نحو ست سنوات من الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. وفيما يزعج مصر فإن تركيا- منافستها غير العربية والتي تقترب منها في عدد السكان غير أنها أكثر ثراء- تزداد نفوذا بقيادة الرئيس طيب إردوغان خصم السيسي والذي أيد مرسي المنتمي للإخوان المسلمين.
وضم اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض تركيا وتركزت المحادثات على إنشاء منطقة للتجارة الحرة. وخلال مؤتمر دولي بشأن الطاقة في اسطنبول وقعت شركة أرامكو السعودية النفطية التابعة للدولة اتفاقات مع 18 شركة تركية. وقالت مصادر أمنية مصرية إن اتصالات جارية لرأب الخلافات مع السعوديين وتشمل مسؤولين كبارا في الجيش والمخابرات. وسافر السفير السعودي بالقاهرة إلى بلاده وقالت مصادر بوفد السفير إنه سيمضي ثلاثة أيام هناك للتمهيد لزيارة مصرية لبحث مسودة قرار محتمل آخر لمجلس الأمن بشأن سوريا.
وقالت وزارتا الخارجية في مصر والسعودية إنه لا علم لهما بأي زيارة من هذا القبيل. وبرغم أنه لم يتم استدعاء السفير رسميا فقد اعتبر كثير من المصريين أن هذا تعبير دبلوماسي عن الغضب. وقالت المصادر الأمنية المصرية إن القاهرة تدرس ردودا محتملة إذا أخفقت قنوات الاتصالات الخلفية ومنها خفض عدد المعتمرين المصريين الذين يزورون مكة والمدينة المنورة. وقد تسحب مصر أيضا ما قدمته من دعم للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وفي مقال حاد اللهجة بشكل غير معتاد قال رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية المملوكة للدولة إنه حان الوقت لإنهاء المساعدات الأجنبية التي تتسبب في التعامل مع مصر "بلغة التركيع". وأضاف "الأجدى لنا أن نتحدى الظروف المحيطة وأن نعلن مراجعة كل ما من شأنه أن يمثل عبئا على صانع القرار وأن نعمل وأن ننجز." وحتى الآن يبدو التوقف في تدفق المساعدات البترولية مؤقتا وربما يرتبط جزئيا بمصير الجزيرتين بالبحر الأحمر. وطعنت الحكومة المصرية على الحكم القضائي الذي عرقل نقلهما إلى السيادة السعودية ومن المتوقع أن يصدر حكم في 22 أكتوبر تشرين الأول. بحسب رويترز.
وقال مصدر في أرامكو إن تسليم الوقود سيستأنف على الأرجح بحلول نوفمبر تشرين الثاني. لكن محللين يقولون إنه في الوقت الذي تعكف فيه السعودية على حملة للتقشف وتسعى لإصدار سندات سيادية للمرة الأولى فقد لا تتحمل بعد الآن إعطاء شيء بلا مقابل. وقال أنجوس بلير مدير العمليات لدى فاروس القابضة "سيبدو الأمر غريبا إذا كنت تسعى لجمع عشرة مليارات دولار وتمنح مصر ملياري دولار. يشعر الشركاء الخليجيون بالضيق حقا من مصر بسبب عدم تنفيذها إصلاحات كانت متوقعة بعد 2013." وأضاف "بعد ذلك هناك قضية التصويت بمجلس الأمن الدولي وهل مصر تدعم حلفاءها بمعنى أوسع؟"
مهاجمة الملك
من جانب اخر دخلت الحرب الإعلامية المصرية ضد السعودية منعطفاً جديداً بتصعيد الهجوم ليصل إلى شخص "الملك سلمان بن عبد العزيز" أكدت مصادر أن سفير الرياض طار عائداً إلى بلاده فيما أكدت الخارجية المصرية أن الإعلام المصري لا يعبر عن توجهات الدولة، وتحدثت مصادر عن احتمال سفر وفد مصري إلى السعودية بشكل عاجل. وشهد الإعلام المصري هجوماً حاداً على السعودية وصل سقفه إلى اتهام ملك السعودي نفسه بدعم الإرهاب، كما شهدت الشبكات الاجتماعية مساجلات عدائية بين مواطنين من البلدين.
وقالت مصادر صحفية -رفضت الكشف عن اسمائها- إن ما شهدته بعض الصحف من تصعيد للهجة ضد السعودية وضد الملك سلمان بن عبد العزيز جاء بناء على توجيهات وردتها من جهات عليا، وهو الأمر الذي نفاه المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد الذي أكد أن وسائل الإعلام المصرية لا تعبر عن الموقف المصري للدولة. ونفى أبو زيد في حديثه معنا وجود أزمة بين البلدين مؤكداً على أن "العلاقات بين البلدين تاريخية وعميقة ولا يمكن أن تتأثر بأي عارض، ولا بهجوم إعلامي من الطرفين".
ولكن مصادر خاصة في صحف مصرية -من بينها صحيفة الوطن المصرية الخاصة القريبة من النظام- أكدت أن الهجوم الذي نشر على صفحاتها جاء "بناء على تعليمات عليا وردت عبر جهات أمنية"، وقالت إن الحملة المصرية "ستتوقف إذا ما توقفت السعودية عن توجيه الاتهامات العلنية للسياسات المصرية". وفيما انتشرت أخبار عن مغادرة السفير السعودي أحمد قطان إلى الرياض، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية إنه على علم بهذه الخطوة، ولكنه لا يعلم أسباب السفر، مشدداً مجدداً على أنه "لا توجد أي قرائن على وجود أزمة بين البلدين، وأن تباين مواقف البلدين في مجلس الأمن لا يعني أن هناك أزمة".
وأشار إلى أن إيقاف إمداد مصر بكميات البترول المتفق عليها بين البلدين، هي أمر يتعلق بمشكلات لدى شركة أرامكو السعودية، وقد تم الإعلان عن مد مصر بتلك الحصة من شركات سعودية أخرى. وكانت وسائل الإعلام المصرية شنت هجوماً لاذعاً بحق المملكة العربية السعودية، وشخص الملك سلمان بن عبد العزيز بعد توقف شركة أرامكو السعودية عن إرسال الحصة البترولية المتفق عليها إلى مصر، وتواكب ذلك مع خلاف بين البلدين في مجلس الأمن أثناء التصويت على القرارات بشأن سوريا وهو الأمر الذي انتقدته السعودية علناً.
وقال مصدر بإحدى الصحف الخاصة الكبرى بالقاهرة، إن الهجوم على المملكة جاء بتوجيه من جهات أمنية، وقال: "كانت هناك اتصالات ببعض رؤساء التحرير للتشاور على حملة انتقادات ضد المملكة، مع تخصيص الجانب الأكبر منها على شخص الملك سلمان، باعتباره غيّر سياسات المملكة في اتجاه سلبي". وقال المصدر إن ذات التوجيهات وصلت إلى برامج توك شو، حيث تم تخصيص بعض فقراتها للحديث عن الأزمة مع السعودية.
ولكن محمود مسلم رئيس تحرير جريدة الوطن المصرية -التي نشرت هجوماً لاذعاً على العاهل السعودي واتهمته بدعم الإرهاب- نفى أن يكون الهجوم الإعلامي "رداً على هجوم الإعلام السعودي على مصر، لكنه رد على الانتقاد العلني لموقف مصر الذي قامت به المملكة على لسان مندوبها بالأمم المتحدة، وهي سابقة لم تحدث من قبل وكان أحرى به أن يحدث في الغرف المغلقة". وقال إن توسع الهجوم لا يعني أنه جاء بتعليمات من القيادة السياسية المصرية، بل كثيراً ما تعبر الأخيرة عن وجود أزمة في تناول الإعلام المصري للعلاقات مع دول الخليج، وتطالبهم دائماً بعدم تصعيد الأمور حتى لا تتعقد العلاقات مع الدول الشقيقة.
ورغم أن مسلم قال إن استمرار الأزمة ليس في مصلحة الطرفين، إلا أنه "تعهد باستمرار الهجوم الإعلامي المصري طالما استمرت ردود الأفعال السعودية المعلنة تدين سياسات مصر وتحاول أن تجعلها تابعة لأحد" على حد قوله. وأشاد مسلم بالتحرك بخطوة مغادرة السفير السعودي أحمد قطان إلى الرياض معتبرا أنها تأتي في إطار جهود احتواء الأزمة عبر التواصل مع قيادات المملكة". وحسب محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي لموقع البوابة نيوز فإن هناك "حالة من القصف المتبادل بين وسائل الإعلام في البلدين، وبمعرفة السلطات الحاكمة بهما، ولكن صانع القرار في البلدين لا يتعجل في التدخل".
وأضاف: "لدي معلومات مؤكدة بوجود تحركات تتم الآن على المستوى السياسي لاحتواء الأزمة، وسفر السفير السعودي اليوم يأتي في إطار تلك التحركات"، مؤكداً أن الطرفين لديهما قناعة بأن ما يحدث في وسائل الإعلام الآن يعكس الحالة النفسية للشعبين، والتي ساهمت في الوصول إليها القرارات السياسية الخاطئة التي اتخذتها القيادات السياسية. والباز يرى أن الإعلام السعودي بدأ الهجوم ووصفه بأنه إعلام موجه يتم تحريكه بالأوامر: "نحن أمام حملة هجوم ضارية على مصر شنها عدد من الكتاب والمسؤولين السابقين في السعودية، عن طريق مقالات نشرت في جرائد مثل الشرق الأوسط والحياة، وهي منصات لا تتحرك إلا في إطار التوجيهات المباشرة من المملكة وفي المقابل لا تجد تلك المقالات لدى مصر في جرائد قومية (حكومية) مثل الأهرام."
وتابع "في المقابل قد لا يكون الهجوم على السعودية تم بتوجيهات مباشرة من السلطة ولكنها تعلم به، والإشارات التي تأتي منها تتحدث عن أنه لا يجب الهجوم على المملكة لأن علاقتنا متينة، وإن كان الجميع يعرف الآن أن البلدين "مش طايقين بعض"، في ظل بحث المملكة عن دور القيادة مقابل رفض مصري لذلك رغم ما تمر به البلاد من ظروف، وهو ما يراه الشعب السعودي تكبراً في غير موضعه". وكانت جريدة الوطن المصرية نشرت ملفاً ينتقد السياسات السعودية، وكان بين أبرز تقاريره ما نشرته تحت عنوان "السعودية تدفع ثمن احتضانها للإرهاب وجماعات العنف المسلح"، وقد تضمن هجوماً لاذعاً بحق المملكة وسياساتها في عهد الملك سلمان وكيف تحولت بوصلة المملكة لدعم الكيانات الإرهابية بالمنطقة العربية.
التقرير قارن بين سياسات المملكة الحالية وسياستها في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مؤكداً أن الملك الراحل عمل منذ اليوم الأول لحكمه على مواجهة الإرهاب وجماعاته، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في حين قام الملك سلمان بدعم الجماعة واستضافة قادتها على أرض المملكة. وبدوره هاجم الإعلامي إبراهيم عيسى السعودية، وقال إنها لا تطيق أن يكون لمصر موقف سياسي مستقل لمصر، وتسعى لأن يكون موقف القاهرة متماشياً مع موقف الرياض، وذلك خلال برنامجه على قناة "القاهرة والناس"، مشيراً إلى أن هذا هو ما نراه منذ 30 سنة أو أكثر على حد قوله.
أما الإعلامي وائل الإبراشي فقد انتقد في برنامج العاشرة مساء، ما قاله عبد الله المعلمي المندوب السعودي في مجلس الأمن، وتساءل :"لماذا لم تقل مصر إن موقف السعودية يصب بخدمة الإرهابيين بسوريا؟ يجب على السعودية الاعتذار متابعاً: مثل هذا الكلام يقطع "مسافة السكة". في إشارة من الإبراشى للتعبير الذي قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يعني نصرة مصر الفورية لأشقائها العرب. ولكن التعليق الأغرب جاء من الإعلامية لميس الحديدي، في برنامجها "هنا العاصمة" المذاع على قناة "سي بي سي"، حيث قالت "لا يمكن لوي ذراع مصر بمساعدات بترولية، ولا يمكن أن نقبل بذلك، وعلى المصريين أن يراجعوا أنفسهم، عشان إحنا لو اتزنقنا هنضطر ناخد الغاز من إسرائيل لأنه الأقرب والأرخص".
من ناحيته، طالب الإعلامي أحمد موسى بالرد على وقف الإمدادات السعودية من البترول بهاشتاج "مصر _لن _تركع" على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلاً خلال برنامجه "على مسئوليتي" على فضائية صدى البلد "محدش مداين مصر.. مصر اللي ليها عند كل الناس ومحدش يلوي دراعنا.. بس إحنا فاكرين اللي وقف معانا في وقت الشدائد.. إحنا عندنا أصل مش ناكرين الجميل ولكن على من يحب مصر ألا يضغط عليها وعليه أن يعلم أننا لا نركع". وقبل ذلك تسببت تغريدة كتبها الإعلامي المصري يوسف الحسيني في إشعال غضب المغردين السعوديين على تويتر، لـ"إهانته المملكة"، حيث كتب الحسيني على حسابه على تويتر معقباً على الموقف المصري في مجلس الأمن الداعم لروسيا في حربها في حلب، والذي تسبب في غضب السعودية قائلاً "ده سر شدة الودن؟!، وهي مصر بتتشد ودنها!! إحنا لو رفعنا أيدينا بس.. الولد هيعيط لأبوه".
اول زيارة معلنة
في السياق ذاته أجرى رئيس مكتب الامن الوطني السوري علي المملوك محادثات رسمية في القاهرة، وفق ما نقل الاعلام السوري الرسمي، في أول زيارة معلنة لمسؤول سوري أمني بارز الى مصر منذ اندلاع النزاع قبل اكثر من خمس سنوات. وأوردت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) ان اللواء علي المملوك قام "بزيارة رسمية الى القاهرة بناء على دعوة من الجانب المصري استمرت يوما واحدا"، مشيرة الى انه التقى "اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الامن القومي في مصر وكبار المسؤولين الامنيين".
واتفق الطرفان، وفق سانا، "على تنسيق المواقف سياسيا بين سوريا ومصر وكذلك تعزيز التنسيق في مكافحة الارهاب الذي يتعرض له البلدان". وقال مصدر سياسي سوري مواكب للزيارة "الزيارة ليست الاولى للمملوك الى القاهرة، الا انها اول زيارة معلنة". ومن النادر ان تواكب وسائل الاعلام السورية نشاطات المملوك او تنشر صورا له. ويعود آخر ظهور علني له الى 13 ايار/مايو 2015 لدى مشاركته في اجتماع عقده الرئيس السوري بشار الاسد مع مسؤول ايراني.
وعين المملوك في العام 2012 رئيسا لمكتب الامن الوطني السوري الذي يشرف على كل الاجهزة الامنية السورية، وذلك بعد مقتل اربعة من كبار القادة الامنيين في تفجير في دمشق في 18 تموز/يوليو 2012. ويعد المملوك واحدا من اعضاء الحلقة الضيقة المحيطة بالاسد، واسمه مدرج على لائحة العقوبات الاوروبية المفروضة على اركان النظام ومتعاونين معه. وتأتي الزيارة بعد توتر متجدد بين مصر والسعودية الداعمة للمعارضة السورية حول سوريا.بحسب فرانس برس.
ولخص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آب/اغسطس الماضي الموقف المصري من الازمة السورية المستند الى خمسة مبادئ هي "احترام وحدة الاراضي السورية وارادة الشعب السوري وايجاد حل سياسي سلمي للازمة ونزع اسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة واعادة اعمار سوريا وتفعيل مؤسسات الدولة". وفيما تطالب الرياض برحيل الرئيس بشار الاسد، تعبر القاهرة عن تأييدها لحل سياسي يشارك فيه الاسد. وتستضيف القاهرة باستمرار لقاءات لمعارضين سوريين يدعمون الحل السياسي ومقبولين بشكل عام من النظام.
اضف تعليق