قضية خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج الاتحاد، الذي سيعاني الكثير من الازمات والمشكلات بسبب الاثار السلبية لهذا القرار الذي قد يكون بداية لتفكك وحدة الاتحاد الاوربي، حيث يعد خروج بريطانيا وكما نقلت بعض المصادر، أقوى ضربة تلقاها الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه وخاصة أن القرار البريطاني يأتي في أحنك الظروف التي يمر بها الاتحاد الأوروبي، من أزمة اللاجئين إلى الأزمة الاقتصادية وغيرها، وقد قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك لصحيفة بليد الألمانية في وقت سابق "أخشى أن يكون خروج بريطانيا مؤشرا ليس فقط على بداية انهيار الاتحاد الأوروبي وانما الحضارة الغربية"، كما ان هذا القرار اثار ايضا حالة من الانقسام الدخلي في بريطانيا بعد 43 عاماً من العضوية. حيث انتقد نائب في حزب المحافظين رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، متهماً إياها بـ"الاستبداد" عقب رفضها اقتراحا تقدم به نوابٌ من الحزب، يتعلق بضرورة منح برلمان المملكة المتحدة سلطة تسمح له بالتأثير على عملية خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
ورفضت ماي، مقترحًا تقدم به النائب عن الحزب المحافظ، ستيفن فيليبس، يتضمن ضرورة عرض قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على برلمان المملكة المتحدة، للتصويت عليه، قبل بدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. وأرسل فيليبس رسالة إلى زعيم مجلس العموم، جون بيركاو، انتقد فيها رئيسة الوزراء ماي، متهمًا إياها باللجوء إلى "وسائل غير ديمقراطية لا تتفق مع الدستور"، فيما يتعلق بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأضاف النائب البريطاني في الرسالة: "نحن نرى أنه تم استبدال استبداد الاتحاد الأوروبي باستبداد الحكومة، التي لا تمتلك في الواقع صلاحية تحديد موقف تفاوضي دون الرجوع إلى البرلمان". وأشار أنه لا بد لبرلمان المملكة المتحدة من طرح بعض التساؤلات المتعلقة بمسار المفاوضات التي ستجرى مع الاتحاد الأوروبي، والتصويت عليها. وفي 23 يونيو/حزيران الماضي، صوّت البريطانيون بنسبة 52%، في استفتاء لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتبع ذلك إعلان رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، استقالته. وتولت "تيريزا ماي" (59 عاماً)، رئاسة الوزراء خلفاً لديفيد كاميرون، في 13 يوليو/تموز الماضي، لتصبح بذلك رئيسة الحكومة الـ 76 للمملكة المتحدة، وثاني امرأة تتولى هذا المنصب، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد دعوات لإعادة الاستفتاء المتعلق بالخروج من الاتحاد مرة ثانية.
من جانب اخر تنظر المحكمة العليا في بريطانيا قضية قانونية بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما ينظر إليه بأنها أهم قضية دستورية في جيل كامل في البلاد. ويحاول المعارضون إيقاف رئيسة الوزراء البريطاني، تيريزا ماي، من تفعيل المادة 50 الخاصة بمعاهدة لشبونة لمغادرة التكتل الأوروبي دون الحصول على تفويض مسبق من البرلمان.
ويؤكد محامو الحكومة بأنه من حق رئيسة الوزراء البدء في عملية الخروج، والتي كشفت عنها مسبقا بأنها ستتم بنهاية شهر مارس القادم. ويقول نشطاء إن البرلمان فقط هو المخول بتفعيل المادة 50، مشيرين الى أن موقف ماي يهدد بتقويض سيادة البرلمان وسيادة القانون. ورفع القضية جينا ميلر، أحد القائمين على مساعدة الفقراء في بريطانيا، والتي صوتت للبقاء في استفتاء الاتحاد الأوروبي يوم 23 يونيو.
ونقلت شبكة "آي تي في" عن ميلر اليوم "هذه القضية هو كل شيء عن سيادة البرلمان ومن المهم جدا أن يتم التعامل مع "المادة 50" بشكل جدي وناضج. وأضافت "اننا سنتأكد من أن ذلك سيحدث".
وينظر في القضية رئيس القضاة اللورد توماس. ويقود موقف الحكومة النائب العام جريمي رايت، حيث سيجادل في المحكمة أن التحدي يفتقر إلى الموضوعية القانونية. وقال "صوتت البلاد على مغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء وافق عليه قانون صادر عن البرلمان." وأضاف "لا يجب أن تكون هناك محاولات للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولا محاولات للعودة من خلال الباب الخلفي، وليس استفتاء ثان. يجب احترام النتيجة وتعتزم الحكومة القيام بذلك تماما."
تصعيد اوروبي
على صعيد متصل صعد الاوروبيون بشكل واضح لهجتهم تجاه الحكومة البريطانية الحريصة على مراعاة مصلحة خلال عملية الخروج من الاتحاد الاوروبي، محذرين من انهم سيكونون "حازمين تماما" ازاء "مناورات" المملكة المتحدة. وادى هذا التصعيد الكلامي من الجانبين بشان شروط خروج بريطانيا المعلن من الاتحاد الاوروبي، الى تراجع خاطف لقيمة العملة البريطانية لكن الجنيه الاسترليني عاد وحسن وضعه.
وقال رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر في ملتقى بباريس "لا يمكن ان نضع رجلا في الخارج واخرى في الداخل". وحذر المسؤول الاوروبي، مدعوما برئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الذي كان الى جانبه، انه "بشان هذه النقطة علينا ان نكون متصلبين، انا اتابع المناورات". واضاف يونكر "اذا بدانا تفكيك السوق المشتركة من خلال الاستجابة (..) لنزوة كل دولة تقرر (الخروج) فنحن ندشن بذلك نهاية اوروبا".
وجاء هذا التحذير الاوروبي اثر امتعاض ابرز دول الاتحاد من التصريحات المتشنجة الاخيرة لرئيسة الحكومة البريطانية. وشددت تيريزا ماي في اختتام مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام وسط انكلترا، "لن نخرج من الاتحاد الاوروبي ... لكي نتخلى مجددا عن التحكم بالهجرة". وادت تصريحاتها الى رد فعل من باريس حيث دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى "الحزم" في المفاوضات المستقبلية مع بريطانيا. وقال هولاند "يجب ان يكون هناك تهديد، يجب ان تكون هناك مخاطر، يجب ان يكون هناك ثمن". واضاف "قررت المملكة المتحدة الخروج، بل واعتقد قررت خروجا قاسيا، اذن يتعين ان نمضي حتى نهاية المطاف مع رغبة البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي".
ومنذ بداية مؤتمر حزب المحافظين كثفت ماي وكذلك وزراء حكومتها الوعود لانصارهم بخروج واضح وتام من الاتحاد الاوروبي مشيرين الى افق خروج قاس لا تنازلات فيه. وكشف وزير الداخلية امبير رود عن خطة لتشجيع المؤسسات على نشر لائحة بموظفيها من غير البريطانيين وتفضيل العمالة الوطنية. والهدف هو تقليص عدد المهاجرين من 330 الفا سنويا الان الى 100 الف سنويا. لكن بالنسبة ليونكر "اذا رغبت المملكة المتحدة في دخول حر للسوق الداخلية (الاوروبية)، فانه (يتعين) ان تحترم بالكامل كافة الحريات التي تواكب السوق الداخلية".
وبوضوح فانه لا يمكن لبريطانيا ان تقيد حرية حركة وحقوق مواطني دول الاتحاد الاوروبي على اراضيها اذا ارادت الحفاظ على الدخول للسوق المشتركة. من جهتها جددت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التأكيد على هذا الشرط الذي لا غنى عنه. وقالت "اذا لم نعلن ان الدخول الكامل للسوق الداخلية (الاوروبية) رهن بحرية الحركة الكاملة، فإننا نكون بذلك قد أطلقنا حركة ستنتشر في كل أوروبا حيث سيفعل كل واحد ما يحلو له". بحسب فرانس برس.
واقرت امام ارباب الصناعة الالمان بانها "لن تكون مفاوضات سهلة" وطلبت دعمهم. ويخشى القادة الاوروبيون على ما يبدو ان تنحرط الاوساط الاقتصادية في مفاوضات موازية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر اضعاف موقف بروكسل. واوضح يونكر "ان المملكة المتحدة وحكومتها والاوساط القريبة منها، بصدد العمل على ان يفسروا للصناعيين في القارة (..) انه باي حال يجب الحفاظ على علاقات ودية قدر الامكان". واضاف محذرا لكن "لا يجب ان تنخرط قطاعات كاملة من الصناعة الاوروبية في مباحثات سرية في غرف مظلمة مع مبعوثي الحكومة البريطانية".
دعم الانفصال
الى جانب ذلك أظهر استطلاع أن عددا من المشرعين الذين عارضوا انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أجري في يونيو حزيران سيدعمون الآن بدء إجراءات الانفصال الرسمية عن التكتل بشرط أن يتخذ البرلمان قرارا في الأمر. وكانت نتائج الاستطلاع الذي أجري على الانترنت أثارت احتمال أن تتمكن رئيسة الوزراء تيريزا ماي من الفوز في تصويت بالبرلمان الذي كان غالبية نوابه يؤيدون الاتحاد الأوروبي رغم أن حكومتها لا تزال عازمة على منع حدوث هذا التصويت. وقالت ماي إنها ستفعل المادة 50 من معاهدة لشبونة - التي ستدشن فترة مبدئية مدتها عامان ستتفاوض بريطانيا خلالها على شروط خروجها - بحلول نهاية مارس آذار العام المقبل دون إتاحة المجال أمام المشرعين للتصويت.
وفي الاستطلاع الذي أجري على الانترنت سألت رويترز أعضاء مجلس العموم في البرلمان البريطاني - باستثناء نحو 100 عضو يتولون مناصب حكومية من ثم فهم ملزمون بالسير على نهج ماي - كيف سيصوتون في حالة قبول الطعن القانوني. ومن بين 57 مشرعا شاركوا في الاستطلاع قال أكثر من 60 في المئة إنهم سيدعمون بدء المفاوضات الرسمية. وقال أكثر من ثلث المشاركين الذين كانوا قد صوتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي خلال استفتاء 23 يونيو حزيران إنهم يدعمون الآن بدء إجراءات الانسحاب من أوروبا.
وقال أحد النواب المحافظين كان قد أيد البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو حزيران لكنه يدعم الآن تفعيل المادة 50 ردا على الاستطلاع الذي لم يذكر أسماء المشاركين فيه "كانت عواقب التصويت بالانسحاب واضحة للجميع وهي أننا سننسحب من الاتحاد الأوروبي. ولا يريد غالبية الناخبين المؤيدين للبقاء أن يلتف نواب (البرلمان) على العملية الديمقراطية في الاستفتاء." ووصفت ماي الطعون القانونية على الانفصال مثل الطعن سابق وطعن آخر يجري إعداده في أيرلندا الشمالية بأنها محاولات "لتخريب" الديمقراطية وتأخير العملية بعد أن وافق البريطانيون على الانسحاب بنسبة 52 في المئة مقابل 48 في المئة. وفي الاستطلاع أيد كل المشرعين الذين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد في استفتاء يونيو وعددهم 21 تفعيل المادة 50. ومن بين 36 مشاركا من معسكر البقاء في التكتل قال 14 إنهم غيروا رأيهم وباتوا يدعمون بدء مفاوضات الانسحاب.
وستحتاج ماي لتحول كبير في الآراء بين المشرعين إذا وصل الأمر إلى التصويت في البرلمان. وأيد نحو ثلاثة أرباع أعضاء مجلس العموم وعددهم 650 عضوا البقاء في الاتحاد الأوروبي قبل الاستفتاء. ويقول كثير منهم الآن إنهم سيحترمون رغبة الشعب ولن يمنعوا الانسحاب. لكن المحافظين الذين تقودهم ماي منقسمون منذ فترة طويلة بشدة بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي وكانت ماي نفسها قد صوتت في يونيو حزيران لصالح البقاء. ويتمتع حزب المحافظين بأغلبية صغيرة في مجلس العموم وليست له أغلبية في مجلس اللوردات لذا فإن مشاركة البرلمان تخاطر بإطالة أمد عملية الانسحاب لشهور وربما لسنين.
شركاء جدد
على صعيد متثل تحاول بريطانيا البحث عن شركاء تجاريين خارج الاتحاد الأوروبي، حيث ستتوجه رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي إلى الهند على رأس وفد من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ضمن جهود الحكومة لدعم التجارة البريطانية مع بلدان خارج الاتحاد الأوروبي الذي تستعد بريطانيا للانسحاب منه. وقال بيان صادر عن مكتب رئيسة الوزراء إن الزيارة، التي ستجري في الفترة من 6 إلى 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، ستكون هي الأولى لرئيسة الوزراء خارج أوروبا منذ توليها منصبها في يوليو/ تموز. وأضاف البيان أن رئيسة الوزارة تسعى إلى خلق دور عالمي جديد لبريطانيا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي.
وتُعد المفوضية الأوروبية الجهة المسؤولة عن المفاوضات التجارية للاتحاد الذي قالت بعض دوله إنها لن تدخل في مفاوضات تجارية مع بريطانيا حتى تغادر الاتحاد. وقالت تريزا ماي "بينما نستعد لمهمة تجارية في الهند، فإننا نرسل رسالة قوية مفادها أن بريطانيا ستكون مهتمة للغاية، ومتسقة تماما ومقنعة بشدة في دعوتها للتجارة الحرة." وأشارت ماي إلى أن مهماتها التجارية السابقة كانت تركز على المشروعات الكبرى، لكنها تود أن تتبنى نهجا جديدا وأن تصطحب معها شركات صغيرة ومتوسطة الحجم من كافة أرجاء المملكة المتحدة. بحسب بي بي سي.
وتضم تلك المجموعة شركة جيولانغ لأمن المعلومات من كارديف في ويلز، وشركة تورفتك للطاقة من جنوب شرق إنجلترا، وشركة تلينسا المعنية بالأنظمة التكنولوجية المتطورة لإنارة الشوارع ومقرها كمبريدج. وسوف تعقد ماي محادثات مع رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي خلال زيارتها. كما سيفتتح الزعيمان قمة تكنولوجية في نيودلهي. وسيضم الوفد ليام فوكس وزير الدولة للتجارة الدولية، ومن المتوقع أن يتم توقيع عدد من الاتفاقات التجارية خلال الزيارة.
اضف تعليق