شهدت العلاقات الأمريكية السعودية في السنوات الأخيرة توترات غير مسبوقة، بسبب بعض القضايا والمشكلات المهمة في المنطقة، ومنها الاتفاق النووي الإيراني والأزمة السورية والحرب في اليمن هذا بالاضافة الى القضايا الاخرى المتعلقة بملفات حقوق الانسان في السعودية، التي اثارت انتقادات شخصيات ومؤسسات امريكية مختلفة، وهو ما اسهم بتحول الركائز الأساسية للعلاقات بين البلدين.
ويرى بعض المحللين ان المملكة التى تعد اهم حليف للولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، قد سعت في الفترة الاخيرة وبتحديد بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة خلفا لشقيقه الملك عبد الله، الى تغير بعض مواقفها السابقة والعمل على تحقيق مصالحها الخاصة، التي تتعارض في بعض الاحيان مع مصالح حلفائها ومنهم الولايات المتحدة الامريكية، التي سعت هي الاخرى الى تبني خطط وقرارات مضادة من اجل تغير المواقف.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن مجموعة القوانين التي ناقشها ويناقشها الكونغرس بشأن المملكة السعودية تشير إلى أن الرياض لم تعد تحتل المكانة المتميزة ذاتها التي استمرت لعقود داخل الأوساط الأمريكية. وبحسب تقرير الصحيفة، فقد اتفق أعضاء الكونغرس بعد تصاعد حدة الحرب على إجراءين أولهما إقرار تشريعات تسمح بمقاضاة المملكة بسبب صلتها بالمتطرفين وحملاتها العسكرية في اليمن، والثاني تصَويت مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قرار يسمح بتقييد بيع الأسلحة إلى المملكة السعودية، بسبب استهداف طائرات التحالف العربي لمدنيين في اليمن. و أشارت الصحيفة إلى أن الكونغرس يستعد أيضاً لإبطال الفيتو الرئاسي بشأن مشروع قانون يُتيح لعائلات ضحايا 11 من سبتمبر/أيلول مقاضاة المملكة السعودية لصلتها بالإرهابيين الذين نفذوا الهجوم.
وقال الخبير الدولي بروس ريدل مدير مشروع الاستخبارات بمعهد "بروكينغز" الأمريكي: "لم يشهد الكونغرس هذا الموقف المُعادي للمملكة منذ ربع قرن. وقد حانت لحظة توجيه الانتقادات إلى الرياض ولا أظن أن الأمور ستعود إلى طبيعتها بعد ذلك". وفي حين تسعى الولايات المتحدة جاهدةً للرد على الأعمال الإرهابية التي تحدث في العالم باسم "الإسلام"، تصاعدت حدة التوتر بين الرياض وواشنطن. وعلى الرغم من أن المملكة لا تزال حليفاً أساسياً في الحرب الدولية ضد "الإرهاب". وتوضح الصحيفة الأمريكية أن زعماء غربيين انتقدوا المملكة السعودية بزعم دعمها المالي والسياسي لوجهة النظر الأصولية التي تتبناها العديد من الجماعات المتطرفة، رغم نفي الرياض لها، ويأتي ذلك في وقت أدانت فيه عدة منظمات حقوقية دولية المملكة بشأن سقوط مدنيين بسبب قصف تابع لطائرات التحالف في اليمن بدعم لوجستي وتكتيكي واستخباراتي من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي: "تظهر على السطح مشاكل في العلاقات بين أمريكا والمملكة السعودية. وهذا لا يعني أن من مصلحة بلادنا ألا نكون في تحالف معهم. وما أقصده هو ان الرياض تُعد عنصراً أساسياً في تحقيق جهودنا المبذولة في منطقة الشرق الأوسط".
فيتو الرئيس
وفي هذا الشأن استخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما حق النقض (الفيتو) ضد تشريع يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر أيلول بمقاضاة السعودية في خطوة يُتوقع أن تدفع الكونجرس إلى إبطال قراره في تجاوز نادر للفيتو لأول مرة خلال رئاسة أوباما. وقال أوباما إن مشروع القانون يضر بمصالح الأمن القومي الأمريكية. وأضاف أوباما في بيان إن مشروع القانون قد يؤدي إلى رفع دعاوى قضائية ضد مسؤولين أمريكيين عن أفعال تقوم بها جماعات أجنبية تتلقى مساعدات أو عتادا عسكريا أو تدريبا من الولايات المتحدة كما سيلحق الضرر بجهود العمل مع حلفاء أجانب بخصوص مكافحة الإرهاب وقضايا أخرى.
وقال "رفع الحصانة السيادية في المحاكم الأمريكية عن الحكومات الأجنبية غير المصنفة كدول راعية للإرهاب وبالاعتماد فقط على ادعاءات مثل أن أفعال هذه الحكومات الأجنبية بالخارج تتصل بإصابات جرت على الأراضي الأمريكية تهدد بتقويض المبادئ القائمة منذ فترة طويلة لحماية الولايات المتحدة وقواتنا وجنودنا." وعلى الفور أوضح السناتور تشاك شومر عن ولاية نيويورك -الذي قاد الجهود لإقرار هذا التشريع- الصعوبة التي سيواجهها أوباما للإبقاء على الفيتو.
وإذا صوت ثلثا الأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب لصالح إبطال الفيتو فسيبقى القانون قائما وسيكون ذلك أول إبطال لفيتو منذ أن تولى أوباما الرئاسة في 2009. وتنتهي ولاية أوباما الثانية في يناير كانون الثاني المقبل. وأصدر شومر - الذي يحتل المرتبة الثالثة بين النواب الديمقراطيين في مجلس الشيوخ - بيانا بعد دقائق من استخدام أوباما للفيتو ووعد بأنه "سيتم إبطاله بسرعة وسهولة". وحثت مجموعة من الناجين وأسر الضحايا الكونجرس على الإبقاء على القانون ووصفوا الأسباب التي ساقها أوباما لتبرير اعتراضه على مشروع القانون بأنها "غير مقنعة ولا تدعمها دلائل".
من جانب اخر ندد مستشار بارز للسياسة السعودية بمشروع قانون أمريكي يسمح لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة المملكة طلبا لتعويضات محذرا من أنه سيذكي عدم الاستقرار والتطرف. وكان بين المهاجمين التسعة عشر الذين شنوا هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 بطائرات ركاب مخطوفة ضد اهداف في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا 15 مواطنا سعوديا لكن الحكومة السعودية نفت بشدة المسؤولية. ونقلت وكالة الانباء السعودية الرسمية عن عبد الله آل الشيخ رئيس مجلس الشورى وهو هيئة معينة تناقش القوانين الجديدة وتقدم المشورة للحكومة بشأن السياسات "هذا التشريع يعد سابقة خطيرة في العلاقات الدولية لأنه يشكل إنتهاكا لمبدأ راسخ في القانون الدولي العام وهو مبدأ حصانة الدول من الولاية القضائية."
وقال دون أن يذكر تفاصيل "كما ستكون لهذا التشريع انعكاسات سلبية لما يحمل في طياته من بواعث للفوضى وعدم الاستقرار في العلاقات الدولية وربما يكون سببا في دعم التطرف -المحاصر فكريا– حيث يمنح التشريع المتطرفين ذريعة جديدة للتغرير بأفكارهم المتطرفة." ووجه بعض أعضاء الكونجرس الامريكي انتقادا قويا بشكل متزايد إِلى السعودية وهي حليف وشريك تجاري للولايات المتحدة منذ وقت طويل. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في الثاني من مايو أيار إن المملكة حذرت الولايات المتحدة من أن القانون المقترح سيقوض ثقة المستثمرين العالميين في السوق الامريكي.
كما ناشد الاتحاد الأوروبي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت سابق التدخل لوقف مشروع قانون أمريكي يسمح للناجين وعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية قائلا إنه ينتهك القانون الدولي. وقال وفد الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في رسالة إلى وزارة الخارجية الأمريكية "التبني والتنفيذ المحتمل (لمشروع القانون) سيتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي وخصوصا مبدأ حصانة سيادة الدولة." وقالت الرسالة إن الاتحاد يعتبر أن تبني القانون وتنفيذه قد تكون له عواقب غير مرغوبة مع تبني دول أخرى تشريعات مماثلة. بحسب رويترز.
وأقر الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) في رد فعل على شبهات قائمة منذ وقت طويل نفتها السعودية بأن خاطفي طائرات الركاب الأمريكية الأربع التي استخدمت في شن هجمات في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر أيلول 2001 ساندتهم الحكومة السعودية.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي أعربت عن "بالغ قلقها" من القانون. وقال الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني في بيان، إن "دول المجلس تعتبر هذا التشريع الأمريكي متعارضا مع أسس ومبادئ العلاقات بين الدول، ومبدأ الحصانة السيادية التي تتمتع بها الدول". وأعرب عن "تطلع دول المجلس إلى أن لا تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية هذا التشريع الذي سوف يؤسس (...) لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية". ويضم مجلس التعاون كلا من السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين.
بيع الاسلحة
على صعيد متصل مهد مجلس الشيوخ الأمريكي الطريق أمام صفقة لبيع دبابات وعتاد عسكري آخر بقيمة 1.15 مليار دولار للسعودية في تأييد لحليف مقرب من الولايات المتحدة بالشرق الأوسط بعد أن تعرضت المملكة لانتقادات شديدة في الكونجرس في الآونة الأخيرة. وصوت المجلس بأغلبية 71 صوتا مقابل 27 ضد تشريع يهدف لعرقلة الصفقة. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أعلنت في التاسع من أغسطس آب أن وزارة الخارجية وافقت على البيع المحتمل لأكثر من 130 دبابة أبرامز و20 عربة مدرعة وعتاد آخر للمملكة. وقالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي إن شركة جنرال داينمكس ستكون المتعاقد الرئيسي في الصفقة.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل في وقت سابق إنه سيعارض المسعى بقوة. وقال ماكونيل للصحفيين "أعتقد أنه من المهم للولايات المتحدة الحفاظ على علاقة جيدة مع السعودية قدر الإمكان وآمل أن نتغلب على إجراء رفض بيع الأسلحة" ووصف السعودية بالحليف الجيد. وقدم أعضاء بمجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بقيادة الجمهوري راند بول والديمقراطي كريس ميرفي مشروعا مشتركا لعرقلة بيع الأسلحة وعبرا عن قلقهما من أن الضربات الجوية التي تقودها السعودية قتلت مدنيين في اليمن وعبرا أيضا عن مخاوفهما من أن الاتفاق قد يشعل سباق تسلح في المنطقة. بحسب رويترز.
وقال بول إن الصراع قد يؤدي إلى انعدام استقرار وربما إلى صعود جماعة متشددة في اليمن مثلما فعل تنظيم داعش في سوريا. ويسلط الإجراء الضوء أيضا على مخاوف بشأن ما يراه كثيرون في الكونجرس ترويجا من قبل الرياض لفهم متشدد للإسلام يعتبرونه معاديا للمصالح الأمريكية. وقال بول "سمحنا لهم بالإفلات من العقاب لسنوات وسنوات. ولأنهم أقل سوءا من غيرهم في الشرق الأوسط نواصل منحهم الأسلحة." وقدم عضو مجلس النواب الديمقراطي تيد ليو وعضو مجلس النواب الجمهوري ميك مالفاني تشريعا مماثلا سعيا لعرقلة البيع في مجلس النواب. وبعث ليو في أغسطس آب رسالة موقعة من 64 نائبا تطالب الرئيس باراك أوباما بتأجيل عملية البيع.
القائمة السوداء
في السياق ذاته قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الولايات المتحدة حذفت مؤسسة خيرية لها صلات بالسعودية وانتهى نشاطها الآن من قائمتها السوداء للعقوبات في إطار تسوية مع تلك المؤسسة تُنهي نزاعا مطولا نجم عن ادعاءات بتحويلها أموالا لإرهابيين. وأثار القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة في 2004 بوضع مؤسسة الحرمين الإسلامية التي مقرها في أوريجون في القائمة السوداء نزاعا قانونيا اتهم فيه محامو المؤسسة الحكومة بالتذرع بأدلة سرية وادعاءات الأمن القومي لإغلاق مؤسسة خيرية شرعية.
وأثارت هذه القضية وقضايا أخرى خلال السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر أيلول 2011 في الولايات المتحدة قلق أنصار الحريات المدنية الذين اتهموا الحكومة الأمريكية باستخدام سلطات واسعة بشكل مفرط وتدابير غامضة وأدلة سرية لإغلاق مؤسسات خيرية إسلامية. وطبقا لسجلات المحكمة عرف محامو مؤسسة الحرمين أن الحكومة راقبت اتصالات تحظى بحماية قانونية مع المؤسسة عندما أعطتهم الحكومة بطريق الصدقة وثيقة سرية للغاية مرتبطة بعملية المراقبة.
وقالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأمريكية في بيان إن مكتب مراقبة الأصول الخارجية التابع لها حذف فرع الحرمين في الولايات المتحدة من القائمة السوداء بعد أن وافقت المؤسسة على حل نفسها. ومازالت فروع الحرمين في الخارج ومن بينها في الصومال والبوسنة وكينيا في القائمة السوداء. وقالت لين بيرنابي وهي محامية عن المؤسسة إن هذا القرار"اعتراف بعدم وجود أساس لتصنيفها في المقام الأول."
ولم يكن لدى المسؤولين السعوديين تعليق فوري على قرار وزارة الخزانة ولكن الرياض قالت إنها اتخذت إجراءات صارمة ضد تمويل الإرهاب. وتم التركيز من جديد هذا العام على ادعاءات عن دور السعودية في تمويل الإرهاب . وفي يوليو تموز نشر الكونجرس جزءا ظل سريا لفترة طويلة من التقرير الرسمي بشأن هجمات 11 سبتمبر أيلول بطائرات ووصف الصلات المحتملة بين بعض من خاطفي الطائرات ومسؤولين سعوديين. وقال التقرير إن معلومات من مكتب التحقيقات الاتحادي أظهرت "وجود صلات واضحة لمؤسسة الحرمين الإسلامية بالحكومة السعودية وتشير تقارير المخابرات إلى تقديمها دعما ماليا ولوجيستيا للقاعدة."
وأضاف التقرير إن مؤسسة الحرمين أنشأت مكتبا بالولايات المتحدة في ولاية أوريجون في 1993 قال إنه تلقى نحو 700 ألف دولار من المكاتب الرئيسية في السعودية. وجمدت الحكومة الأمريكية أصول مؤسسة أوريجون في فبراير شباط 2004 إلى حين انتهاء التحقيق ثم صنفتها على أنها مؤسسة إرهابية عالمية وأدرجت اسمها في القائمة السوداء في سبتمبر أيلول 2004 وزعمت إنها فرع للمنظمة السعودية في الولايات المتحدة. ودفع محامو مؤسسة أوريجون بأنها ليست فرعا لأي منظمة أخرى ولكنها توزع مطبوعات وتتلقى تبرعات من المؤسسة الخيرية السعودية. بحسب رويترز.
وقال المحامون إن الحكومة رفضت أن تقدم للمؤسسة اتهامات محددة أو ملخصا للأدلة السرية التي تقول إنها موجودة لديها ولم تقدم سببا محتملا قبل تجميد أصول المؤسسة. ووجدت محكمة استئناف أمريكية في 2011 أن الحكومة لديها أدلة كافية لإدراج مؤسسة أوريجون في القائمة السوداء ولكنها خرقت حقوق التقاضي السليمة للمؤسسة بعدم الكشف عن الأدلة الموجودة ضدها ولم تقدم أسبابا لتحقيقها. ولم يرد متحدث باسم وزارة العدل بشكل فوري على طلب للتعليق.
اضف تعليق