المشهد السوري والمتغيرات الميدانية المهمة التي حدثت في الفترة الاخيرة دفعت الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، الى تكثيف الجهود في سبيل الوصول الى تسوية خاصة بشأن الصراع في سوريا، الذي دخل اليوم وبحسب بعض المراقبين منعطف مهم وحساس بعد سيطرة القوات الكردية المدعومة من امريكا، على العديد من المواقع والمدن والدخول في معارك شرسة مع الجيش السوري، يضاف الى ذلك تحرك تركيا العسكري لدعم بعض الجماعات المعارضة، وهو ما قد يسهم بتعقيد الامور وخلق توترات ومشكلات جديدة بين الروس والأمريكان.
خصوصا وان أمريكا وروسيا تتبادل بشكل مستمر وكما تنقل بعض المصادر، الاتهامات حول جدية كل منهما في محاربة الإرهاب وتحديداً في سوريا، حيث تتهم موسكو واشنطن بدعم فصائل معارضة ترتكب انتهاكات مستمرة وتعمل على خلق الازمات، في حين تواصل واشنطن مطالبة النظام وروسيا بالتوقف عن ممارسة العنف وقصف المدن، ويرى بعض الخبراء ان الولايات المتحدة وبعد ان ادركت تزايد نفوذ وقوة روسيا في الشرق الأوسط، ستسعى الى تقديم بعض التنازلات من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها، التي تضررت بشكل كبير بسبب التحركات والتحالفات الروسية في المنطقة.
من جانب اخر استبعد بعض الخبراء حدوث تقارب في وجهات النظر بين روسيا وامريكا، بسبب تعدد اطراف الصراع والقوى الاقليمية الداعمة، ويبدو أن الأيام القادمة بحسب بعض المصادر، ربما ستحمل المزيد من الاحتقان في العلاقات بين الطرفين، خاصة بعدما استشاطت واشنطن غضبًا من خطوة استخدام الطائرات الروسية لقاعدة همدان العسكرية الإيرانية، الأمر الذي شكل توترًا وقلقًا وانزعاجًا للإدارة الأمريكية عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، قائلًا إن استخدام روسيا لقاعدة جوية إيرانية لتنفيذ ضربات عسكرية في سوريا مؤسف لكنه غير مفاجئ، مضيفًا أن الخطوة انتهاكًا لقرار الأمم المتحدة.. ومجافية للمنطق وغير صحيحة، مؤكدًا أن واشنطن لا تزال تقيم مدى التعاون الروسي الإيراني، والولايات المتحدة تبحث فيما إذا كان ذلك التحرك ينتهك قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي يحظر توريد وبيع ونقل طائرات مقاتلة إلى إيران.
الاعتراض الأمريكي أثار امتعاض روسيا، التي أكدت على لسان وزير خارجيتها، سيرجي لافروف، بأنه ليس هناك أساس لاعتبار قرار موسكو يمثل انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي، وموسكو لا تمد إيران بالطائرات العسكرية لاستخداماتها الداخلية وهو الشيء الذي يحظره القرار.
كما ان هناك أنباء تفيد بأن أمريكا بدأت نقل أسلحتها النووية من قاعدة انجرليك التركية إلى قاعدة حلف الناتو برومانيا، على ضوء توتر العلاقات بين واشنطن و انقرة بعد محاولة الانقلاب الأخيرة التي وقعت في 15 يوليو الماضي، الأمر الذي ينذر بتصعيد التوترات بين واشنطن وموسكو نظرًا لاقتراب هذه القاعدة من الحدود الروسية والخلافات القائمة بين روسيا وحلف الناتو.
وذكرت مصادر لموقع يور أكتيف التابع للاتحاد الأوروبي، أن عملية نقل الأسلحة النووية ليست سهلة على المستويين الفني أو السياسي؛ حيث ستنقل أمريكا أكثر من 50 رأسًا نووية طراز “بي 61” من القاعدة التي تبعد 100 كيلومتر فقط عن الحدود السورية، وأشار الموقع إلى أن القرار بنقل أسلحة نووية لقاعدة حلف الناتو برومانيا قد يصعّد من التوترات بين واشنطن وموسكو، بعد اعتراض روسيا على نشر منظومة دفاع صاروخي أمريكية مؤخرًا، وأرجعت المصادر الخطوة الأمريكية إلى تقارير انتشرت مؤخرًا عن مخاوف من وصول إرهابيين لتلك الأسلحة النووية، للضغط على تركيا بعد التطبيع مع روسيا.
التعاون في سوريا
فيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد فشلت الولايات المتحدة وروسيا في التوصل لاتفاق بشأن التعاون العسكري ووقف العمليات القتالية في سوريا ولكنهما قالتا إن أمامها قضايا قليلة "محدودة" يتعين حلها قبل إمكان الإعلان عن التوصل لاتفاق. وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر صحفي مشترك بعد محادثات متقطعة استمرت أكثر من تسع ساعات في جنيف إن فريقين من الجانبين سيحاولان بحث التفاصيل النهائية في الأيام المقبلة في جنيف.
وقال كيري إن الجانبين "حققا وضوحا بشأن الطريق إلى الأمام" وإن معظم الخطوات نحو تجديد هدنة وخطة إنسانية تم التوصل إليهما في فبراير شباط استُكملت خلال المحادثات. وأضاف "لا نريد اتفاقا من أجل الاتفاق. نريد إنجاز شيء فعال يفيد الشعب السوري ويجعل المنطقة أكثر استقرارا وأمنا ويأتي بنا إلى الطاولة هنا في جنيف لإيجاد حل سياسي." وتعقدت المحادثات جزئيا بسبب هجوم كبير في الجزء الجنوبي من مدينة حلب المقسمة بقيادة بعض من جماعات المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة التي تختلط مع الجماعة التي كانت تعرف سابقا باسم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا والتي تشارك أيضا في القتال ضد الرئيس بشار الأسد.
وتتركز هذه المحادثات الفنية بشكل أساسي على كيفية فصل جماعات المعارضة عن المتشددين. وقال لافروف لا بد من تحديد الجماعات التي تمثل جزءا من اتفاق وقف العمليات القتالية "بشكل قاطع." وقال كيري "لقد استكملنا الغالبية العظمى من تلك المباحثات الفنية التي ركزت بشكل أساسي على جعل هذه الهدنة حقيقة وتحسين المساعدات الإنسانية ومن ثم جعل الأطراف تجلس على الطاولة حتى نستطيع أن نجري مفاوضات جادة بشأن كيفية إنهاء هذه الحرب."
وقال كل من كيري ولافروف إن هناك بضع مسائل لا بد من الانتهاء منها قبل إمكان التوصل لاتفاق وحذرا من إمكان انهيار الاتفاق ما لم يتم سريان "فترة تهدئة" قبل إمكان تنفيذه . وقال كيري "لدينا بضع مسائل محدودة يتعين حلها . وفي الأيام المقبلة سيلتقي خبراؤنا هنا في جنيف للانتهاء من القضايا الفنية البسيطة المتبقية وللتحرك قدما للأمم لاتخاذ خطوات لبناء الثقة للتغلب على انعدام الثقة بشكل عميق بين كل الأطراف .
ويعتقد كيري إن هذه الخطة هي أفضل فرصة للحد من القتال الذي دفع بآلاف السوريين إلى الذهاب إلى المنفى في أوروبا وحال دون وصول مساعدات إنسانية إلى عشرات الآلاف الآخرين. وقال كيري "هذه الهدنة لا بد من إصلاحها إذا كانت ستحقق تقليص العنف الذي يريده الشعب السوري ويستحقه ويفتح فرصة لنا كي نكون قادرين على الجلوس على الطاولة هنا في جنيف وإجراء مفاوضات حقيقية بشأن المستقبل والتوصل لحل سياسي لتحدي سوريا." وجاءت المحادثات في الوقت الذي سلمت فيه جماعات المعارضة بشكل فعلي ضاحية داريا بدمشق للحكومة بعد حصار صارم استمر أربع سنوات. بحسب رويترز.
وقال كيري إن النظام السوري "فرض استسلام" داريا في تناقض مع اتفاق فبراير شباط لوقف العمليات القتالية ولكن لافروف قال إن هذا الاتفاق المحلي "مثال" لا بد من "تكراره." وبدأ السكان والمقاتلون في داريا في مغادرة المنطقة المحاصرة منذ 2012 وأبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قلقها على سلامتهم.
على بعد خطوة
الى جانب ذلك أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن روسيا والولايات المتحدة أصبحتا على بعد خطوة من بلورة نص اتفاق بشأن سوريا. وأكد لافروف أنه ونظيره الأمريكي قاما بعدد من الخطوات نحو الأمام حول الأزمة السورية، وتوصلا إلى اتفاق حول العمل في اتجاهات محددة وتكثيف الاتصالات الثنائية بهذا الهدف. وجدد الوزير الروسي موقف موسكو القائل إنه لا يمكن ضمان الحفاظ على الهدنة في سوريا دون الفصل بين المعارضة والإرهابيين. وذكر أنه اتفق مع نظيره الأمريكي على آلية محاسبة الأطراف التي تنتهك نظام وقف الأعمال القتالية في سوريا.
وأشار لافروف إلى أن الجانب الروسي تلقى لأول مرة قائمة بالمجموعات التي انضمت إلى نظام الهدنة عبر الجانب الأمريكي، مضيفا أن موسكو تسعى لمساعدة واشنطن في فصل المعارضين عن عناصر "جبهة النصرة". وشدد رئيس الدبلوماسية الروسية على ضرورة إطلاق جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين الحكومة السورية والمعارضة، مشيرا إلى أنه اتفق مع وزير الخارجية الأمريكي على ضرورة استئناف العملية السياسية بمشاركة جميع الأطراف السورية، بما في ذلك الأكراد الذين "يجب أن يبقوا جزءا من الدولة السورية".
وأشار لافروف إلى أن الصفقة الروسية الأمريكية حول سوريا لا تقتضي حظرا على طلعات الطيران الحربي السوري. وقال: "لا نتحدث عن أن على أحد وقف تحليقاته، إنما الحديث يدور عن ضرورة أن يقوم الطيران الذي يعمل في أجواء سوريا بمحاربة كل من داعش وجبهة النصرة بصورة فعالة". واستطرد، قائلا: "لقد توصلنا إلى تفاهمات محددة (حول هذه المسألة) وسيجري تطبيقها بعد أن يتم التنسيق حول التفاصيل الفنية وأن تبدأ الآلية التي لا يمكننا البوح بها الآن أن تعمل.
لكن مهمتنا لا تكمن في أن يتوقف هذا الطرف أو ذاك عن مهمة التحليقات، إنما تكمن في أن يكون الإرهابيون هم المستهدَفون من قبل من يحلق. ولطالما انعدم التنسيق في هذا المجال مع الشركاء الأمريكيين، ومع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكنه مهمة نعمل على تحقيقها بدءا من لقاء موسكو". وأعرب لافروف عن أمله في أن تساعد المشاورات المرتقبة بين خبراء روس وأمريكيين على البدء في تنفيذ هذه المهمة.
من جانبه، أكد جون كيري وجود إمكانية لفصل المعارضة السورية عن الإرهابيين، مع أنه أقر بأن المسألة لا تخلو من صعوبة فيما يتعلق بتنظيم "جبهة النصرة" علما بأن فصائل المعارضة ومسلحي "النصرة" تتمركز في الأراضي نفسها في أغلب الأحيان. وفي تطرقه إلى موضوع وجود نتائج ملموسة في فصل الإرهابيين عن المعارضين، قال وزير الخارجية الأمريكي: "هناك خطوات يمكن اتخاذها لحل هذه المسألة، من بينها تلك التي "تتعلق بإشراك دول أخرى تدعم هذه المجموعة أو تلك وتمارس نفوذها على هذه المجموعات ولديها إمكانية المساعدة في عملية الفصل". بحسب فرانس برس.
وأكد كيري أن مباحثاته مع لافروف كانت بناءة وتطرقت إلى عدد من الملفات، وأشار إلى أهمية العودة إلى مفاوضات حقيقية حول التسوية السياسية في سوريا في جنيف، على أساس انطلاق كل من واشنطن وموسكو من استحالة حل الأزمة السورية حلا عسكريا.
درع الفرات ستارة لتركيا
في السياق ذاته تطرقت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" وبحسب بعض المصادر، إلى عملية "درع الفرات" التركية في سوريا، مشيرة إلى أنها تجري من دون تنسيق مع مجلس الأمن أو الحكومة السورية وجاء في مقال الصحيفة، دولة عضو في حلف "الناتو" تدخل بالدبابات إلى أراضي دولة ذات سيادة من دون موافقة مجلس الأمن الدولي أو حكومة دمشق الرسمية، بحجة محاربة "داعش"، وتبدأ عمليات عسكرية هناك وفقا لما تراه مناسبا.
لنحاول للحظة أن نتصور أن موسكو أدخلت قواتها إلى دونباس لحماية السكان المحليين واحتلت بضع مدن هناك، فماذا كان سيحصل؟ ومع ذلك، يعرب اللاعبون الأساسيون في مسرح الشرق الأوسط عن قلقهم بتحفظ. إذ لا شك في أن أنقرة اتفقت مع هؤلاء اللاعبين بشأن هذه العملية. ولكن هذا لا يعني أبدا أنهم جميعا راضون بحرب أردوغان الخاطفة في شمال سوريا، فمن الواضح جدا أنه يسعى لبلوغ أهدافه الخاصة، وأن محاربة "داعش" ليست الهدف الرئيس لهذه العملية.
وقد وجهت تركيا ضربتها الأولى إلى مدينة جرابلس التي كان يسيطر عليها "داعش"، حيث تمكن مقاتلو "المعارضة المعتدلة" من السيطرة على المدينة بدعم من القوات التركية وطيران التحالف الدولي خلال أقل من يوم. ويقول مراسل الصحيفة الخاص في سوريا ألكسندر كوتس: لقد شاهدت كيف يتم احتلال المدن في سوريا. تحاصَر المدينة أسابيع وأشهر وتتعرض لقصف مدفعي مكثف وبعد ذلك يصار إلى احتلالها أو تستمر في المقاومة.
ولكن احتلال جرابلس عمليا تم من دون مقاومة تذكر، حيث رأينا مقاتلي المعارضة يلتقطون الصور التذكارية بملابسهم المموهة النظيفة. وهنا يطرح السؤال نفسه، خاصة إذا تذكرنا قافلات صهاريج النفط التي كانت تنتقل بين سوريا وتركيا بانتظام ومن دون عوائق. إذا ماذا تريد أنقرة من هذه العملية؟. ومن بين الأهداف التي أعلنتها تركيا، مسألة وحدة الأراضي السورية. ولكن هذا الأمر من النظرة الأولى فقط يبدو غير طبيعي. لأن من مصلحة تركيا عدم قيام دولة كردية موحدة بمحاذاة حدودها الجنوبية.
أي أن نقلة أردوغان المفاجئة دقت إسفينا بين كانتوني كوباني وعفرين اللذين كانا على وشك الالتحام بعضهما ببعض. وطبعا ومن دون شك سيستمر الأتراك في توسيع منطقة نفوذهم. ولكن هذا يتطلب التخلي عن علاقات الشراكة مع بعض الأطراف غير المأمونة الجانب من بين الزملاء في التحالف والتنظيمات. وبحسب رأي المراسل، لن يكون هذا الأمر مؤلما على غرار جرابلس. مقابل هذا، سوف يزيد الأتراك من دعمهم لـ "المتمردين" الذين يقاتلون ضد الأكراد، وخاصة أن هذا يصب في مصلحة الأسد أيضا. لأن دمشق تزعجها أيضا فكرة منح الحكم الذاتي للأكراد، حيث إن صدامات مسلحة وقعت بين القوات السورية والأكراد في مدينة الحسكة، ويمكن القول أن النزاع شيئا فشيئا يتخذ تدريجيا ملامح حرب لبنان "الجميع ضد الجميع".
كما يجب أن نتذكر أن حلم تركيا السابق بإنشاء منطقة عازلة على امتداد حدودها مع سوريا، حيث إنها عمليا بدأت بتحقيق هذا الحلم القديم. أي أن أنقرة تضرب عصفورين بحجر واحد. فهي من جانب تؤجل إلى أمد غير محدد قيام كردستان بمحاذاة حدودها، ومن جانب آخر تحقق حلمها بشأن منطقة عازلة يمكن أن تصبح مكانا لمعسكرات اللاجئين. وهذه طريقة ممتازة للتخلص من اللاجئين الذين حولوا المحافظات في جنوب تركيا إلى معاقل للمجموعات الإجرامية والإرهابية. كما يمكن أن تستخدم هذه المنطقة العازلة في إعداد وتدريب مقاتلي "المعارضة المعتدلة"، لأن أردوغان لم يتخل حتى الآن عن فكرة رحيل الأسد، على الرغم من المصالحة مع موسكو. أي أن تركيا تحاول حل مشكلاتها الخاصة من وراء ستارة محاربة "داعش".
اضف تعليق