العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي تشهد وبحسب بعض المراقبين، حالة من التوتر تفاقمت بشكل كبير بعد الانقلاب العسكري الفاشل وما تبعها من اجراءات حكومية اسفرت عن اعتقال الآلاف من العسكريين والقضاة والموظفين الحكوميين واغلاق بعض المؤسسات التعليمية والإعلامية. يضاف الى ذلك دعوة الرئيس التركي طيب رجب اوردوغان الذي يسعى الى إحكام سيطرته المطلقة على البلاد، الى تفعيل عقوبة الإعدام تحت عنوان الحفاظ على الامن والاستقرار، وهو ما اثار الكثير من الانتقادات وردود الافعال الغاضبة من قبل بعض المؤسسات والحكومات الحليفة ومنها دول الاتحاد الاوروبي، التي انتقدت بشدة إجراءات تركيا ضد الانقلابيين، ويقول منتقدو الرئيس إن إردوغان يستغل عمليات التطهير الواسعة لشن حملة عشوائية على المعارضة وإحكام قبضته على البلاد.
وفي ظل الأوضاع المشحونة في تركيا، وتزايد حدة النقد لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد حذرت العديد من الشخصيات الاوروبية من ان ما يحدث ربما سيكون سببا في تعليق المفاوضات الجارية حول عضوية تركيا في الاتحاد إذا مضت أنقرة قدما في إعادة عقوبة الإعدام. وكان إلغاء العقوبة ضمن التعديلات القانوينة بتركيا في مطلع عهد حزب العدالة والتنمية كجزء من المساعي التي بلغت درجة الضغوط في اتجاه تحديد موعد مفاوضات الانضمام، ورغم تجدد الحديث الآن حول إعادة تفعيل العقوبة، من المستبعد التسرع رسميا في اتخاذ القرار، ويشير إلى ذلك حرص السلطة على ربطه بمشاركة الأحزاب الأخرى، وهو يحتاج إلى غالبية الثلثين في المجلس النيابي على كل حال.
ويرى بعض المراقبين ان الرئيس التركي سيعمد وعلى الرغم من الانتقادات الأوروبية، إلى تنفيذ خططه وإجراءاته المتخذة كما انه سيلجأ ايضا الى استخدام بعض أوراق الضغط المهمة، من اجل التأثير على الاتحاد ومنها قضية تدفق المهاجرين غير الشرعيين الهجرة التي أثرت سلبا على اوروبا بشكل عام. وتعود رغبة تركيا للانضمام إلى كتلة الاتحاد الأوروبي بحسب بعض المصادر، إلى سنة 1999، وطوال السنوات التالية لم تنجح أنقرة في إقناع الكتلة الأوروبية بضمها، حتى جمدت المفاوضات عام 2007، بيد أن تفجر أزمة اللاجئين قبل سنتين، أعاد موضوع الانضمام للاتحاد الأوروبي إلى الواجهة، وفتح الملف من جديد.
في هذا الإطار، يحدد القانون التنظيمي الخاص بدخول الاتحاد الأوروبي توفر مجموعة الشروط، والموافقة على حزمة من الاتفاقيات من قبل البلدان المرشحة لقبول الانضمام إليه، يحددها 35 فصلًا، معظمها قبلت به أنقرة سابقًا قبل فتح الملف من جديد، إلا أن الفصل 23 و24، وتحديدًا المادتين المتعلقتين باحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة، دائمًا ما كانتا العائق الأكبر في مفاوضات قبول تركيا عضوًا بالاتحاد حتى الساعة.
وعلى الرغم من التباينات الواضحة بين موقف الاتحاد الأوروبي وأنقرة، حول أوضاع حقوق الإنسان وحرية التعبير في تركيا، إلا أن مسار المفاوضات كان إيجابيًا، ويسير باتجاه الانضمام، ولا سيما مع تفجر أزمة اللاجئين، فضلًا عن هندسة أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي السابق، لأكثر مراحل تركيا التفاوضية تقدمًا منذ سعيها للانضمام، قبل أن تأتي الأحداث الأخيرة لتباعد المسافة بين أنقرة وبروكسل، وأصبح انضمام تركيا بعيد المنال عن ذي قبل.
وقد بدا هذا الأمر واضحًا عندما قال يوهانس هان، مفوض التوسع بالاتحاد الأوروبي، في تصريح نشرته صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» الألمانية في حال بقي هناك أدنى شك بوجود معاملة غير منصفة، لا مناص من أن تكون لذلك عواقب، في إشارة منه إلى إمكانية تجميد مسار مفاوضات العضوية. ويظهر أن الرأي العام الأوروبي أيضًا يضغط باتجاه وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث عبر %87 من الألمان في استطلاع رأي حديث عن رفضهم دخول تركيا لكتلة الاتحاد الأوروبي. لكن بالمقابل هناك بعض الأصوات الأوروبية، التي لا تحبذ فكرة إنهاء مسار مفاوضات تركيا للانضمام.
اردوغان ينتقد الاتحاد
وفي هذا الشأن قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن الاتحاد الاوروبي لم يكن "صادقا" فيما يتعلق باتفاقه مع بلاده بشأن اللاجئين السوريين. وتوجد مخاوف بشأن الاتفاق بين تركيا والاتحاد الاوروبي الذي تم الوصل إليه في مارس/آذار الماضي نتيجة للاضطرابات التي تشهدها تركيا إثر محاولة انقلاب يوم 15 يوليو/تموز. وقال إردوغان في مقابلة مع تلفزيون أيه آر دي الألماني "الزعماء الأوروبيون ليسوا صادقين". وأضاف أن أوروبا لم تدفع سوى ما بين مليون ومليوني يورو من ثلاثة مليارات يورو تعهد بها الاتحاد.
وتستضيف تركيا نحو 2.7 مليون لاجئ سوري وقال إردوغان إن التكلفة التي تكبدتها تركيا حتى الآن تصل إلى 12 مليار دولار. وقال إردوغان "تركيا ملتزمة بتعهدها بشأن اللاجئين". وقبل اتفاق مارس/آذار كانت اليونان كانت أعداد غفيرة من اللاجئين تتدفق على اليونان بالقوارب من تركيا، مما كان يشكل تحديا كبيرا للبلاد. ولكن بعد الاتفاق انخفضت أعداد اللاجئين الذين يعبرون بحر إيجة إلى اليونان بصورة كبيرة. وتقبل تركيا اللاجئين السوريين المرحلين من اليونان وغيرهم من المهاجرين. بحسب بي بي سي.
ووفقا للاتفاق يتعهد الاتحاد الأوروبي بدخول الأتراك بدون تأشيرة إلى دول منطقة الشنغن ودفع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وسأل إردوغان "نحن نلتزم بتعهدنا، ولكن هل وفت أوروبا بوعودها؟"، مشيرا إلى سفر الأتراك بدون تأشيرة إلى أوروبا. وفي موسكو، تشهد مساعي تحسين العلاقات بين تركيا وروسيا تقدما، بعد شهور من التوتر الشديد بشأن الصراع في سوريا. وناقش أركادي دوفروكو نائب رئيس الوزراء الروسي ونظيره التركي محمد سمسك استئناف العلاقات الاقتصادية، خاصة تخفيف العقوبات التجارية الروسية. ومن المتوقع أن يلتقي إردوغان الرئيس الروسي فلادمير بوتين في سانت بطرسبرغ يوم 8 أغسطس/آب، حسبما قال سمسك. وسيكون هذا أول لقاء بينهما منذ إسقاط تركيا مقاتلة روسية على الحدود التركية السورية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ألمانيا تحذر
الى جانب ذلك نبه سيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية وكما نقلت بعض المصادر، إلى ضرورة عدم السماح لتركيا "بابتزاز الاتحاد الأوروبي" بخصوص حرية تنقل مواطنيها في دول الاتحاد. وينظر إلى إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة في دول أوروبا على أنه مكافأة لتركيا على وقفها لتدفق اللاجئين إلى أوروبا. وقد أوقفت الاجراءات المتعلقة بتنفيذ الخطوة المذكورة على إثر سن قوانين "لمكافحة الإرهاب" بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
وقال غابرييل "تنفيذ الإعفاء من التأشيرة متوقف على تركيا". وأضاف أن تركيا تبتعد عن أوروبا بخطوات درامية تتخذها، منها التفكير في إعادة عقوبة الإعدام في مخالفة سافرة لميثاق حقوق الإنسان الأوروبي. وكانت ألمانيا قد ناشدت تركيا بأن تراعي الاعتدال في إجراءاتها المتعلقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة. من ناحية أخرى رحب نائب المستشارة الألمانية بقرار حظر إلقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلمة عبرة الفيديو في مسيرة نظمت في مدينة كولون الالمانية. وأدى الحظر إلى استدعاء وزارة الخارجية التركية للقائم بالأعمال الألماني.
من جانب اخر قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا ستضطر للتراجع عن اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بشأن المهاجرين، إذا لم يمنح الاتحاد المواطنين الأتراك حق السفر إليه دون تأشيرة. واوضح جاويش أوغلو في مقابلة مع صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية اليومية، إن الاتفاق بشأن وقف تدفق اللاجئين كان فعالا بسبب "إجراءات مهمة للغاية" اتخذتها أنقرة" ، مستدركاً "لكن كل ذلك يعتمد على إلغاء شرط التأشيرة لمواطنينا الذي هو أحد بنود اتفاق 18 مارس/آذار".
واضاف وزير الخارجية التركي "إذا لم يتبع ذلك الإلغاء للتأشيرة سنضطر للتراجع عن الاتفاق."، مضيفا أن الحكومة التركية بانتظار تحديد موعد دقيق لإلغاء شرط التأشيرة ، مضيفاً "ربما يكون ذلك في أوائل أكتوبر/تشرين الأول أو منتصفه - لكننا بانتظار موعد محدد". وتعرض تطبيق بند السماح بدخول الأتراك إلى دول الاتحاد دون تأشيرة للتأجيل أكثر من مرة بسبب خلاف بشأن تشريع تركي لمكافحة الإرهاب وحملة أنقرة ضد المعارضين في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة.
خطأ كبير
في السياق ذاته رأى جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية أن إيقاف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيكون "خطأ كبيرا على صعيد السياسة الخارجية"، وذلك في رد فعل له على دعوة وجهتها النمسا في هذا الاتجاه، لكنه ذكر بأن تركيا ما تزال بعيدة جدا عن الانضمام للاتحاد، خصوصا بعد موجة القمع التي لحقت محاولة الانقلاب الفاشلة في شهر تموز/ يوليو الماضي. وقال رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر في مقابلة مع التلفزيون الألماني، في الوقت الراهن، اذا أعطي الانطباع لتركيا بان الاتحاد الأوروبي غير مستعد للقبول بها داخله، مهما كان الوضع، فسيكون ذلك في رأيي خطأ كبيرا على صعيد السياسة الخارجية". وأضاف "لا أرى أن ذلك سيكون مفيدا اذا أبلغنا تركيا من جانب واحد أن المفاوضات انتهت".
لكن يونكر ذكر بأن تركيا بعيدة جدا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، وخصوصا بسبب القمع الذي مارسته منذ محاولة الانقلاب في منتصف تموز/ يوليو. وتابع أن "تركيا في وضعها الراهن لا يمكنها أن تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي، وخصوصا إذا كان البعض يطالب بإعادة العمل بعقوبة الإعدام. سيكون من نتائج ذلك التوقف الفوري للمفاوضات". وجاءت تصريحات يونكر بعد دعوة المستشار النمساوي كريستيان كرن إلى وقف المفاوضات مع أنقرة قائلا "علينا أن نواجه الواقع: مفاوضات الانضمام ليست إلا ضربا من الخيال (...) إن المعايير الديموقراطية التركية غير كافية على الإطلاق لتبرير انضمامها".
وفي السياق نفسه، اعتبر وزير الدفاع النمسوي هانز بيتر دوسكوزيل أن النظام التركي الحالي "ديكتاتورية"، مؤكدا أنه ينبغي "تعليق المفاوضات أو وقفها". ورد وزير الشؤون الأوروبية التركي عمر جيليك على تصريحات كرن معتبرا أنها "مقلقة للغاية". ولاحقا، كتب الوزير التركي في سلسلة تغريدات على تويتر سبقت تصريحات يونكر "في وقت نواجه محاولة انقلاب، كنا نتوقع تضامنا بدل تصريحات مناهضة لتركيا تنطوي على خطاب يميني متطرف". وأضاف "أولئك الذين لم يظهروا تضامنا مع ديموقراطيتنا (...) لا يحق لهم التشكيك في مكتسباتنا الديموقراطية". بحسب فرانس برس.
ويهدد التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي الاتفاق الذي وقعه الجانبان في آذار/مارس بهدف احتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وتوعدت السلطات التركية بإنهاء هذا الاتفاق إذا لم يتم إعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد بحلول تشرين الأول/أكتوبر. لكن الأوروبيين يصرون على مطالبة أنقرة بتليين قانونها لمكافحة الإرهاب. وكرر يونكر للتلفزيون الألماني "الشروط هي الشروط. لا نستطيع التخلي عن موقفنا حول حقوق الانسان وقانون مكافحة الإرهاب. ينبغي عدم استخدام قانون مكافحة الإرهاب لسجن صحافيين وأساتذة وأناس آخرين".
اضف تعليق