q

يترقب العالم استفتاء الشعب البريطاني على خروج بلاده من الاتحاد الاوربي او بقاءها في هذا التكتل القاري، حيث يمثل هذا الاستفتاء انعطافه تاريخية لمستقبل بريطانيا والاتحاد الاوربي على حد سواء، فالخسائر المالية للبريطانيين هي اكثر ما يخشاه مؤيدوا البقاء في الاتحاد الاوربي فيما يخشى الاوربيون من ان خروج بريطانيا يؤدي الى تساقط دول الاتحاد مثل قطع الدومينو، وما بين مخاوف الطرفين يحتفل المتشددون في جميع الدول الغربية بهذا الاستفتاء وليس غريبا ان يكون مرشح الرئاسة الامريكية دونالد ترامب على رأس المؤيدين لهذا الامر.

الصراع المحموم بين مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوربي ومعارضيه وصل الى درجات خطيرة ادت الى قتل نائبة بالبرلمان البريطاني بالرصاص في أحد شوارع شمال انجلترا مما أحدث صدمة بأنحاء البلاد وأدى لتعليق حملات الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي المقرر الأسبوع الخميس المقبل.

وتعرضت جو كوكس (41 عاما) عضو حزب العمال المعارض والمؤيدة القوية لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي للهجوم خلال إعدادها لاجتماع مع ناخبين في بيرستال قرب مدينة ليدز. وقالت وسائل إعلام إن كوكس أصيبت بالرصاص ثم تعرضت للطعن. وقالت شرطة ويست يوركشاير إن ضباط شرطة اعتقلوا رجلا يبلغ من العمر 52 عاما وصادروا أسلحة منها سلاح ناري. ونقلت وسائل إعلام بريطانية عن شهود عيان قولهم إن المهاجم صاح قائلا "بريطانيا أولا" وهو اسم جماعة يمينية تصف نفسها على موقعها الالكتروني بأنها "حزب سياسي وطني".

وقال زعيم حزب العمال جيرمي كوربين في بيان "حزب العمال كله وأسرة العمال -وفي الحقيقة البلد كله- يشعر بالصدمة لحادث القتل المروع لجو كوكس اليوم.". وكانت جو كوكس وهي متزوجة وأم لطفلين عملت في حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2008.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مقتل كوكس بأنه مأساة وقال كاميرون في بيان "خسرنا نجمة عظيمة. كانت عضو عظيم بالبرلمان تتمتع بإحساس فياض وقلب كبير. إنها أنباء مفزعة." ولا يجتمع نواب البرلمان البريطاني حاليا مع اقتراب الاستفتاء المقرر في 23 يونيو حزيران على بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي.

وغداة مقتل النائبة البريطانية المؤيدة لاوروبا جو كوكس المستشارة الالمانية انغيلا ميركل حذرت الجمعة (17حزيران 2016) من ان يتخذ النقاش الجاري في بريطانيا حول احتمال خروجها من الاتحاد الاوروبي "طابعا متشددا". وقالت المستشارة التي تؤيد بقوة بقاء بريطانيا في الاتحاد "انه عمل فظيع، اعتقد ان عبرته تكمن في ضرورة ان نتحلى جميعا بالاحترام ولو اختلفت آراؤنا السياسية".

من هي جو كوكس؟

عرفت النائبة البريطانية المغتالة جو كوكس، بتعاطفها الكبير مع اللاجئين السوريين ودفاعها عن بقاء بلادها ضمن أسرة الاتحاد الأوروبي. وبمقتلها فقد اللاجئون السوريون في بريطانيا أحد الداعمين الكبار لقضيتهم في هذا البلد.

وعملت كوكس لحساب منظمات إنسانية لسنوات، ما قربها بشكل كبير من معاناة شعوب عدة جراء النزاعات التي تنخرها، قبل أن تنتخب في مايو/أيار من العام الماضي في البرلمان البريطاني كنائبة، وتدافع عن مواقفها الثابتة من قضايا تعني بالدرجة الأولى العرب والمسلمين من داخل المؤسسة التشريعية.

وكان الوضع في سوريا من أبرز القضايا القريبة من قلبها، ولم تتردد كوكس في تحميل مسؤولية بقاء هذا الوضع على ما هو عليه لسنوات لحكومة بلادها وللولايات المتحدة. ورغم إعجابها الكبير بباراك أوباما، إلا أن النائبة تعيب على الرئيس الأمريكي ومعه رئيس وزراء بلادها ديفيد كاميرون عدم تدخلهما في الوقت المناسب ضد النظام السوري.

وتعتبر الراحلة أن مقاربة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا للنزاع السوري "كارثة في السياسة الخارجية" سيظل التاريخ شاهدا عليها. ورفضت كوكس دعم الضربات الجوية للطيران الحربي البريطاني في سوريا، معتبرة أن ذلك يجب أن يكون ضمن خطة شاملة للتغيير في هذا البلد.

كما أسست "مجموعة أصدقاء سوريا" في البرلمان البريطاني، وفتحت أبواب مبادرتها في وجه السياسيين دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءاتهم الحزبية، وذلك بأهداف إنسانية أولا وسياسية ثانيا توخت من خلالها وضع حد للنظام السوري.

وكانت كوكس في تدخلاتها بالبرلمان البريطاني شديدة اللهجة تجاه دمشق، وتحدثت في إحدى المناسبات عن ما تسميه "انتهاكات نظام بشار الأسد"، وحملت الرئيس السوري "جرائم الحرب في سوريا"، وطالبت بإجراء محاكمات بهذا الخصوص، كما دعت لتشديد العقوبات على روسيا لقصفها مدنيين في سوريا.

وكان شغلها الشاغل بخصوص الأزمة السورية الوضع الإنساني للسوريين بالداخل، حيث دعت إلى تشكيل تحالف أوروبي لإيصال المساعدات إليهم عبر الجو، وانتقدت حكومة بلادها بشدة لرفضها استقبال 3 آلاف طفل سوري. وقالت في كلمة لها أمام النواب تناقلتها وسائل إعلام بريطانية "بالنسبة للاجئين، نظرا لتصعيد العنف في حلب ونقص الرعاية الطبية هناك، ما الذي تستطيع بريطانيا فعله لإنقاذ الناس الأكثر ضعفا...ألم يحن الوقت لإنهاء رفض الحكومة المعيب لاستقبال 3 آلاف طفل ليس لديهم أهل؟".

عقد من النمو

رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون المعارض بشدة لخروج بلاده من الاتحاد الاوربي كان يحذر دوما من مخاطر هذه الخطوة، فقد قال في احدى تصريحاته (17 ايار/مايو 2016 ان خروج بلاده من الاتحاد الاوروبي سيعني ضياع "عقد بكامله" على مستوى النمو. وقال كاميرون في تصريح ل"بي بي سي" ان الخروج سيعني "ضياع عقد بكامله بالنسبة الى المملكة المتحدة" في مجالات النمو والاستثمارات والنفقات الاجتماعية.

وفي الوقت الذي تعطي الاستطلاعات تقاربا شديدا بين مؤيدي الخروج والبقاء، حض كاميرون مواطنيه على التصويت الى جانب البقاء. وقال "انكم لا تدفعون بلادكم نحو الاسفل ببقائها داخل الاتحاد الاوروبي، بل العكس هو الصحيح انتم تعززون قوتها". في المقابل قال نيغيل فاراج زعيم حزب يوكيب ابرز دعاة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي انه لا بد من التخلي عن "مشروع فاشل".

وتابع في حديث الى "بي بي سي" في البرنامج نفسه "لقد سئم الناس تهديدات رئيس الحكومة ووزير ماليته" في مجال التداعيات الاقتصادية لخروج محتمل، معتبرا ان المملكة المتحدة ستكون قادرة تماما على تدبير امورها بنفسها. وكرر فاراج ان مخاوف البريطانيين تتركز بشكل اساسي على مسألة تدفق المهاجرين من دول الاتحاد الاوروبي الذين استفادوا من حرية التنقل داخل الفضاء الاوروبي.

ونشرت صحيفة صنداي تايمز استطلاعا اجرته مؤسسة يوغوف اعطى مناصري الخروج نحو 43% مقابل 42% لمؤيدي البقاء، في حين ان 11% لم يقرروا بعد و4% يفضلون الامتناع عن التصويت. الا ان استطلاعا اخر اجرته مؤسسة "او ار بي" اعطى معسكر الخروج تقدما بعشر نقاط على معسكر البقاء.

خطر فوري

بنك انكلترا اكد مجددا الخميس (16 حزيران 2016) ان الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي يشكل "اكبر خطر فوري" على الاسواق المالية البريطانية والعالمية وذلك في بيان اعلن فيه عن ابقاء نسبة فائدته الاساسية بدون تغيير على 0,50%. وحذر البنك المركزي البريطاني من ان "التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي سيبدل بشكل كبير افاق الانتاج والتضخم وكذلك الاطار" الذي وضعت فيه السياسة النقدية معتبرا ان النمو البريطاني قد يتراجع.

ونبه بنك انكلترا انه اذا صوت البريطانيون لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي في 23 حزيران/يونيو ستعمد العائلات الى تاجيل نفقاتها الاستهلاكية وكذلك الشركات استثماراتها، ما قد يؤدي الى تراجع الطلب على اليد العامة وبالتالي ارتفاع البطالة. وقال انه نظرا للتحركات الاخيرة في اسواق العملات الصعبة "يبدو من المرجح انه اذا صوتت بريطانيا للخروج من الاتحاد الاوروبي، فان معدل صرف الجنيه سيواصل التراجع، وربما بقوة" محذرا من ان الاثر السلبي لاحتمال الخروج من الاتحاد الاوروبي قد تمتد عواقبه الى الاقتصاد العالمي.

وفي مثل هذه الاجواء سيكون مسار النمو "اضعف بكثير" لكن التضخم "سيكون ايضا اكثر ارتفاعا". وهذا من شانه تعقيد مهمة البنك المركزي الذي يعتبر انه سيكون مرغما على الاختيار بين التحرك لارساء استقرار اسعار الاستهلاك من جهة او دعم الانتاجية والوظائف من جهة اخرى.

من جانبه قال بنك أوف أمريكا ميريل لينش يوم الجمعة (17 حزيران 2016) إن وتيرة نزوح الاموال من صناديق الأسهم البريطانية سجلت ثاني أعلى مستوى على الإطلاق بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط بالاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي سيجرى في 23 يونيو حزيران. وهيمنت على الأسواق مخاوف من احتمال أن يقرر خامس أكبر اقتصاد في العالم الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء الخميس وقادت تلك المخاوف المستثمرين للاتجاه إلى الأصول الآمنة مثل الذهب والعزوف عن الأسهم.

وبينما تشير الرهانات إلى أن البريطانيين سيصوتون لصالح البقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي وضعت بعض استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة المعسكر المؤيد للخروج من عضوية الاتحاد في المقدمة. وقال بنك أوف أمريكا ميريل لينش إن صناديق الأسهم البريطانية سجلت خسارة صافية بلغت 1.1 مليار دولار في أكبر موجة نزوح للاموال في 13 شهرا وذلك في الأسبوع المنتهي في 15 يونيو حزيران.

وسجلت الصناديق البريطانية حجما قياسيا لتدفق الأموال خارجها في أسبوع واحد في منتصف العام الماضي عندما تعرضت سوق الأسهم في البلاد إلى ضغوط بيع مكثفة بفعل بعض البيانات الاقتصادية المحلية الضعيفة إلى جانب حالة عدم اليقين التي أحاطت بمشكلة الديون اليونانية. وعلى نطاق أوسع شهدت صناديق الأسهم الأوروبية نزوحا للأسبوع التاسع عشر على التوالي حيث تدفق منها 4.7 مليار دولار وهو أكبر مبلغ في سبعة أسابيع.

المانيا تخشى البقاء وحيدة

ليس هناك من سياسي أوروبي يرغب في بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أكثر من المستشارة أنغيلا ميركل، التي بدورها ستتحمل جزءا من مسؤولية خروج بريطانيا، ولكن كيف لماذا؟ وما الذي ستخسره ألمانيا حال صوت البريطانيون بنعم؟ هكذا يقول موقع (DW) الالماني في تقرير له حول خروج بريطانيا.

وبحسب التقرير فالحكومة الاتحادية الألمانية ترغب بشكل قوي في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد. وقد حذر نائب المستشارة زيغمار غابرييل بداية الشهر الجاري من التبعات الاقتصادية والسياسية على كلا الجانبين، إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي. ومن جهتها قالت المستشارة: " أتمنى شخصيا أن تبقى بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي."

من جانب آخر عبر النائب الألماني للحزب الديمقراطي المسيحي في البرلمان الأوروبي دافيد ميكاليستر، والذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية في لقاء مع DWعن اعتقاده من أن " الاتحاد الأوروبي دون المملكة المتحدة هو اتحاد غير جيد، حيث يشكل البريطانيون عادة محركا قويا للسوق الداخلية في أوروبا وفي حرية التجارة وينهجون دبلوماسية ممتازة، كما إن لهم جيشا قويا جدا. كلها دلائل تثبت ضرورة وجود بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي".

أغلبية المواطنين الألمان أيضا تأمل أن تبقى بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. ففي استطلاع للرأي قامت به مؤسسة إينفرا-ديماب لصالح DWأبريل الماضي، عبر 78 بالمائة من المواطنين الألمان عن رغبتهم في بقاء بريطانيا داخل الاتحاد، وهي أعلى نسبة بالمقارنة مع خمس دول أوروبية أخرى بما في ذلك بريطانيا.

دعوة رئيس الوزراء كامرون لميركل وزوجها لزيارة مقر إقامته في شيكرس والتي تلتها دعوة ميركل لكامرون ولكل أسرته لزيارة قصر ميسيبيرغ ترمز ولاشك إلى العلاقات الشخصية القائمة بين الجانبين. فحتى الآن لم يتم توجيه مثل تلك الدعوة إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، سواء من طرف بريطانيا أو من طرف ألمانيا، رغم أن فرنسا تعتبر شريكا قويا لألمانيا.

ولكن بعد أزمة اللاجئين واختلاف المواقف بين ميركل وكاميرون في هذا الموضوع تدمر الكثير في تلك الشراكات. ففي الوقت الذي دعت فيه ميركل آنذاك إلى نهج سياسة الأبواب المفتوحة تجاه اللاجئين عبر كاميرون عن رفضه الكامل للمهاجرين الذين يريدون عبور مرفأ كالي للوصول إلى بريطانيا.

في موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يلعب موضوع المهاجرين غير المرغوب فيهم دورا مهما. فالرافضون للإتحاد الأوروبي في بريطانيا يشيرون من حين لآخر سلبيا إلى سياسة ميركل بهذا الشأن. وفي هذا السياق ذكر المؤرخ البريطاني أنتوني غليز خريف العام الماضي في حديث مع إذاعة ألمانيا متحدثا عن التدفق القوي للاجئين: " العديد من البريطانيين يرون أن الألمان فقدوا صوابهم". وإذا ما رفضت أغلبية البريطانيين البقاء في الاتحاد الأوروبي فسيكون موضوع أزمة اللاجئين وتعامل ميركل معه قد لعبا دورا ما في ذلك.

وفي كل الأحوال فاذا خرجت بريطانيا فستخسر ألمانيا حينئذ شريكا في مساعيها للاستقرار الاقتصادي والسياسي، حيث ستتجه أوروبا أكثر فأكثر جنوبا. وفي تقرير (DW) ايضا غونترام فولف، مدير المؤسسة الفكرية في بروكسيل يشرح تخوفات الحكومة الألمانية من مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي ويقول: " سنبقى وحدنا أمام السياسات السخية لبلدان البحر الأبيض المتوسط والتي تفضل إعادة التوزيع، حيث يجب علينا تقديم مدفوعات لها. ومن هنا ينطلق الخوف الكبير".

اضف تعليق