تعيش بريطانيا ومع اقتراب موعد الاستفتاء الخاص ببقائها في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه والمزمع إجراؤه يوم 23 يونيو/حزيران، كما تنقل بعض المصادر حالة من الفوضى السياسية حيث تزداد حدّة الانقسامات وتشتدّ بين معسكر مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم رئيس الوزراء ديفيد كامرون ووزير المالية جورج أوزبورن. ومعسكر مؤيدي الخروج من الاتحاد وعلى رأسهم بوريس جونسون، ووزير العدل مايكل غوف.
حيث اكد البعض من مؤيدي البقاء ان نتيجة الاستفتاء ستحدد مستقبل المملكة المتحدة لسنوات قادمة فهو استفتاء مصيري، ففي حال صوّتت بريطانيا، خامس أكبر اقتصاد في العالم، على الخروج من الاتحاد الأوروبي، ستبدأ عملية طلاق طويلة ومعقّدة. أما التداعيات على المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم فستكون وخيمة ولا تحصى فالانسحاب هو خطوة نحو المجهول، وسيجعل بريطانيا بلد ضعيف ويعاني الكثير من المشكلات والازمات. اما انصار معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي فقد اكدوا ان الخروج سيعيد الى بريطانيا قوتها السابقة وسيجعلها تتحكم باقتصادها وتجارتها وحدودها.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد أظهرت دراسة أجراها مركز بحثي أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيعقبه عشر سنوات من الضبابية التي قد تكلف شركات الخدمات المالية البريطانية ما يقدر بواقع 17 مليار جنيه استرليني (25 مليار دولار) وتجعل المحامين أثرياء. ولم يبد محللون في مركز جيه.دبليو.جي للأبحاث رأيهم بشأن خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لكنهم قالوا إنه إذا صوت البريطانيون لصالح مغادرة الاتحاد في استفتاء يونيو حزيران سينتهي المطاف بالشركات المالية إلى السعي للحفاظ على أعمالها المعتادة مع إجراء تغييرات جوهرية.
وقالت الدراسة التي أعدها المركز عن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "ستكون التكلفة الإضافية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الميزانيات الضخمة بالفعل المخصصة للتغييرات التنظيمية 17 مليار جنيه استرليني حتى عام 2026 مع عدم الأخذ في الاعتبار غرامات المخالفة."
وقالت الدراسة إن التغيير قد يأتي على ثلاث مراحل هي إعادة صياغة الجهات التنظيمية البريطانية للقواعد وتعديل قواعد الاتحاد الأوروبي ثم اعتبارا من عام 2022 تبدأ مراجعة القواعد العالمية. وستتحرك بعض الشركات بسرعة لتحديد النهج الذي ستتبعه وكسب ميزة تنافسية. لكن التقرير قال إن الشركات عموما ستتحرك ببطء "وسيكون المستشارون والمحامون ومقدمو التكنولوجيا هم الرابحين في النهاية من العقد المقبل."
تحذير اضافي
الى جانب ذلك حذر 13 من كبار العلماء البريطانيين من ان خروج بلادهم من الاتحاد الاوروبي يهدد البحوث العلمية في المملكة المتحدة، فيما اشار استطلاع جديد الى تصدر بارز لمعسكر المغادرة مع اقتراب استفتاء 23 حزيران/يونيو. واكد العلماء ان "احتمالات خسارة التمويل الاوروبي تشكل خطرا كبيرا على البحث العلمي البريطاني"، وذلك في رسالة نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" حملت توقيعي عالم الفيزياء النظرية بيتر هيغز، مكتشف "بوزون هيغز" الذي يفسر كيف تكتسب المادة كتلة وعاد عليه بجائزة نوبل في 2013، وعالم الوراثيات بول نورس الذي حصل على الجائزة في 2001 واخرين.
واضاف الباحثون ان "العلوم تغذي ازدهارنا وجهازنا الصحي وقدرتنا على الابتكار ونمونا الاقتصادي" لافتين الى "سذاجة تاكيدات مؤيدي الخروج ان وزارة المالية ستسد هذه الثغرة" في التمويل لا سيما وان الحصة المخصصة للبحث العلمي من اجمالي الناتج الداخلي البريطاني اصلا "ادنى بكثير من معدلها في دول الاتحاد الاوروبي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية". وياتي هذا التحذير بعدما كشف استطلاع اجرته مؤسسة "او ار بي" على الانترنت وشمل 2000 شخص لصالح صحيفة "ذي اندبندنت" ان 55% من البريطانيين يفضلون مغادرة الاتحاد الاوروبي و45% البقاء فيه. واشار استطلاع سابق للمؤسسة لصالح الصحيفة نفسها في نيسان/ابريل ان 51% يؤيدون الخروج.
واعتبر اللورد روب هيوارد عضو البرلمان والمتخصص في شؤون الانتخابات ان "الاحتمالات تصب في صالح التصويت لصالح الخروج" من الاتحاد، لافتا في آن الى ان الاستطلاعات ربما تقلل من تقدير حجم التاييد للخروج. واكد رئيس حزب يوكيب الرافض لاوروبا نايجل فاراج عبر تلفزيون "بي بي سي"، "اعتقد اننا سنفوز"، علما انه جعل من خروج بلاده من الاتحاد محور حياته السياسية.
من جهة اخرى اشار الاستاذ في جامعة ستراثكلايد الاسكتلندية وخبير الاستطلاعات جون كورتيس الى ضرورة التعامل بحذر مع فكرة ارتفاع التاييد لمعسكر المغادرة. وبدات شخصيات بارزة في حزب العمال المعارض مناشدة قيادتها مضاعفة الجهود لابقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي. فزعيم الحزب جيريمي كوربن الاشتراكي المخضرم لطالما ابدى تشكيكا في جدوى الاتحاد الاوروبي ولم يلعب دورا بارزا في حملة "البقاء". بحسب فرانس برس.
وتعليقا على ذلك قال نائب رئيس حزب العمال توم واتسون لصحيفة "ذا غارديان" "علينا الادلاء بكل صوت لدينا (...) يجب مضاعفة الجهود" بعد حديثه في وقت سابق ان الخروج "سيؤدي الى حالة طوارئ على مستوى الميزانية واقتطاعات اضافية في القطاع العام وزيادات ضريبية" مستندا الى تقرير لمؤسسة دراسات الميزانية.
بريطانيا والسوق الأوروبية
من جانب اخر حذر وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله من أن خروج بريطانيا سوف يحرمها من مزايا عضوية السوق الأوروبية الموحدة التي تضمن حرية انتقال الأشخاص والسلع داخل أوروبا. وقال شويبله في مقابلة مع مجلة دير شبيجل الألمانية إنه يتعين على بريطانيا الاختيار أن تكون داخل الاتحاد بما في ذلك من مزايا وعيوب أو خارجه.
وأضاف "ينبغي على الدول احترام قواعد المجموعة التي اختارت أن تتركها". وتابع قائلا "على البريطانيين أن يعلموا أن ثمن الخروج من الاتحاد هو الخروج من أكبر منطقة تجارة في العالم بما يحمله ذلك من عواقب على الوظائف وحركة التجارة". وشدد المسؤول الأوروبي على أن بريطانيا لا يمكن أن تعامل معاملة "النرويج وسويسرا" في إشارة الى اتفاق شراكة عقدته تلك الدول مع الاتحاد الأوروبي رغم أنهما خارج الاتحاد الذي يضم في عضويته 28 دولة.
وأضاف شويبله أن عدم تأثر الاقتصاد البريطاني حال خروجها من الاتحاد يعد ضربا من ضروب "المستحيل"، مشيرا إلى أنه يبحث مع نظرائه في باقي الدول الأعضاء "كافة السيناريوهات المحتملة" حال انسحاب بريطانيا. وأعرب شويبله عن مخاوفه من أن يكون لخروج بريطانيا تأثير معد على باقي الدول الأعضاء خاصة تلك التي ترتبط بعلاقات قوية معها. بحسب فرانس برس.
وقال "ماذا سيكون رد هولندا على سبيل المثال"، مضيفا "أيا كانت نتيجة الاستفتاء فقد تعلمنا درسا من ذلك الاستفتاء". ويسعى رئيس الحكومة ديفيد كاميرون لإقناع الناخبين ببقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي الذي يضم في عضويته 28 دولة. وتشير أحدث استطلاعات الرأي الحديثة إلى انقسام الأصوات بالتساوي بين المعسكر المؤيد للبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي والمعسكر المؤيد للخروج.
تأيد الخروج
في السياق ذاته اعلن اكثر من 300 رجل وسيدة اعمال بريطانيين في رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" تأييدهم لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الاوروبي، معولين على نمو افضل لشركاتهم خارج التكتل. وقال موقعو الرسالة "خارج الاتحاد الاوروبي ستكون الشركات البريطانية حرة في النمو بشكل اسرع والتوسع في اسواق جديدة واحداث مزيد من الوظائف". واضافوا "انها اللحظة المناسبة للتصويت مع الرحيل واستعادة تقرير مصيرنا بانفسنا".
وبين الموقعين الذين كتبوا اسماءهم بصفة شخصية وليس باسماء شركاتهم تيم مارتن رئيس شبكة الحانات "ويذرسبون" والمديرة التنفيذية لشركة البريد السريع اكشن اكسبريس. وتضم اللائحة ايضا مسؤولين سابقين في شركات كبرى مثل باتريك شيهي الرئيس السابق لمجلس ادارة مجموعة التبغ "بريتش اميريكان توباكو"، ومؤسس شبكة المنتجات الصحية "سوبردراغ" بيتر غولدشتاين. لكن معظم الموقعين هم كوادر او مسؤولون في شركات صغيرة او متوسطة.
وكان مسؤولو الشركات البريطانية الكبرى المسجلة في مؤشر بورصة لندن فوتسي-100 عبروا في الاشهر الاخيرة عن املهم في بقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، او بقوا حياديين في الجدل. وشدد الموقعون في رسالتهم على "البعد العالمي" للاقتصاد البريطاني مشيرين الى ان بريطانيا عضو في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى وتشكل مصدرا للابتكار ورأس حربة في استخدام الانكليزية لغة الاعمال بامتياز. بحسب فرانس برس.
واوضح موقعو الرسالة "نعتقد ان القدرة التنافسية يقوضها انتماؤنا الى الاتحاد الاوروبي الذي يواجه فشلا". ودانوا "بيروقراطية بروكسل الخانقة ل5,4 ملايين شركة بريطانية لا تقيم الا قلة منها عمليا تجارة مع الاتحاد الاوروبي". من جهته، قال وزير المالية المحافظ جورج اوزبورن الذي يؤيد البقاء في الاتحاد مثل رئيس الحكومة ديفيد كاميرون والمعارضة العمالية ان "مغادرة الاتحاد الاوروبي يشكل توجها الى مزيد من الفقر لبلدنا".
امر غير محسوم
على صعيد متصل فالمسألة الوحيدة التي يبدو ان الجميع متفق عليها، هي ان النتائج ستكون متقاربة. وباتت استطلاعات الرأي على الانترنت الاوسع انتشارا في بريطانيا خلال السنوات الاخيرة بفضل سرعة تنظيمها ومدى الاقبال عليها، واظهرت نتيجة متعادلة بشكل عام بين المعسكر المؤيد لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي والمعسكر المضاد.
حتى ان بعض استطلاعات الرأي على الانترنت وضع معسكر الخروج في المقدمة، ورسم سيناريو لهبوط العملة البريطانية، مثيرا بذلك الذعر في عقر دار المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد الاوروبي. الا ان بعض المراقبين يرون ان هذه الاستطلاعات تعطي معسكر الخروج من الاتحاد حجما اكبرا منه ربما لان مؤيديه اكثر اقبالا على الرد على الاستطلاعات.
وتعطي استطلاعات الرأي عبر الهاتف نتائج مختلفة جدا، وقد توقعت انتصار المعسكر المؤيد للبقاء في اوروبا بنسبة 55 بالمئة من نوايا التصويت، وفق ما قال رئيس جمعية مراكز استطلاعات الرأي جون كورتيس. واشار كورتيس الى ان استطلاعات الرأي عبر الهاتف تعطي الاولوية لعينات تشمل مزيدا من الخريجين. وهؤلاء، على غرار الشباب، يريدون بمعظمهم البقاء في الاتحاد الاوروبي، بينما يريد الناخبون الاكبر سنا والاقل تعليما الخروج من اوروبا. وقد اجري عدد اقل من استطلاعات الرأي عبر الهاتف في الاونة الاخيرة.
من جهة اخرى فغالبية مكاتب المراهنات واثقة من انتصار معسكر البقاء الاتحاد الأوروبي. واظهر مؤشر شركة المراهنات "لادبروكز" امكانية فوز المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد بنسبة 73 بالمئة، مقابل 27 بالمئة للمعسكر المؤيد للخروج منه. وتقدم "لادبروكز" ومكتب "ويليام هيلز" للمراهنات عرضا بـ3/10 للمراهنة على معسكر البقاء في الاتحاد، ما يعني ان كل المراهنة بـ10 جنيه استرليني، تسترد ربحا بـ3 جنيهات. وقدمت الشركتان عرضا بـ5/2 للمراهنة على فوز معسكر الخروج من الاتحاد، ما يعني ان كل مراهنة بـ2 جنيه استرليني تسترد ربحا بـ5 جنيهات. وفي وقت سابق راهن رئيس "حزب استقلال المملكة المتحدة" نايجل فاراج بالف جنيه استرليني على خروج بريطانيا من الاتحاد، ما يعني انه قد يسترد ربحا بـ2500 جنيه استرليني اذا فاز معسكره.
اما الأسواق المالية اقل ثقة وقد عانت في الاونة الاخيرة خصوصا بسبب الصعود الاخير الذي سجله معسكر الخروج من الاتحاد. وقال سيد حسين المحلل في "فوركس تايم" "هذا امر مقلق للغاية بالنسبة الى الاسواق المالية، ونتوقع ان يفقد الجنيه المزيد من قيمته". في يوم التصويت، قد تشكل قيمة الجنيه الاسترليني في حد ذاتها مؤشرا للنتيجة النهائية، ذلك ان المصارف طلبت الحصول على استطلاعات للرأي لدى خروج المقترعين من التصويت، وفق ما افادت وسائل اعلام بريطانية. لكن لن يجرى اي استطلاع رسمي للرأي بعد عملية التصويت.
وقال اللورد روب هيوارد، البرلماني والمتخصص في الشؤون الانتخابية، ان "الاحتمالات تميل الى التصويت لصالح الخروج" من الاتحاد الاوروبي، مشيرا الى ان استطلاعات الرأي قد تقلل من شأن الداعمين لمعسكر البقاء في الاتحاد. واعتبر ان ناخبي حزب العمال المؤيدين للاتحاد الأوروبي، ليست لديهم دوافع كافية للتصويت، وفي المقابل هناك تقليل من اهمية تأييد "الرجال والمتزوجين والاباء والمديونين والذين تتراوح اعمارهم بين 30 و40 عاما" لصالح الخروج من الاتحاد. واعاد التذكير بأن استطلاعات الرأي عجزت عن توقع فوز المحافظين في الانتخابات البرلمانية عام 2015. بحسب فرانس برس.
من جهة اخرى اطلق مصنع "ليتل فالي بروري" للبيرة شمال انكلترا ثلاث نكهات لتحفيز النقاش حول الاتحاد الأوروبي هي "اين" (للبقاء)، و"آوت" (للخروج) و"آي دي كاي"( الاحرف الثلاثة الاولى من جملة لست اعلم بالانكليزية). ودعا المصنع الناس الى اختيار النكهة التي تمثل نيتهم للتصويت في الاستفتاء. واظهرت النتائج الاولية التي حصل عليها ان 62% من المشترين فضلوا نكهة "اين".
اضف تعليق