ازمة جديدة تعيشها فرنسا في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات ضد إصلاح قانون العمل الذي تتمسك به الحكومة الاشتراكية والرئيس هولاند رغم معارضة النقابات العمالية، التي دعت الى الاحتجاج ومواصلة الاضراب في المصافي النفطية وتمديد الإضراب إلى الموانئ لمنع البواخر المحملة بالنفط من الرسو، كما دعت أيضا عمال المحطات النووية إلى دخول الإضراب احتجاجا عن قانون العمل الجديد، حيث قام العمال المضربون بغلق مداخل المصافي النفطية ما حال دون ضمان توزيع الوقود على المحطات، مصادر إعلامية محلية أفادت أنّ حوالي عشرين بالمائة من محطات البرنزين توقفت كلية عن العمل، الامر الذي اسهم بخلق ازمة وقود كبيرة وجعل المئات من محطات الوقود تعاني من نقص كبير في الإمدادات، حتى أن البعض منها أغلقت أبوابها أمام الزبائن ما تسبب بطوابير طويلة.
وندد الرئيس فرانسوا هولاند على أثير إذاعة "فرانس كولتور" بتعطيل عمل المصافي ووقف إمدادات الوقود، معتبرا إياه "إستراتيجية تقودها أقلية في البلاد". رئيس الحكومة مانويل فالس، من جهته ندد بما سماه "مساومة" من نقابة عمالية، مؤكدا أن السلطات لن تتسامح لفترة طويلة حيال محاولات خنق الإمدادات النفطية، كما دعا الفرنسيين إلى "عدم الاستسلام للخوف" من وقوع أزمة وقود بفرنسا، مؤكدا مواصلة السلطات وقوات الأمن عملها لتوقيف هذا التعطيل في المصافي ومحطات الوقود، وتتمسك الحكومة الفرنسية بمشروع قانون العمل الذي يعتبر آخر إصلاح كبير خلال ولاية الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند قبل عام واحد من الانتخابات الرئاسية، حيث فرضت في العاشر من مايو/أيار الجاري هذه الإصلاحات في الجمعية الوطنية (مجلس النواب) من دون تصويت، بعدما وافق مجلس الوزراء على اللجوء إلى المادة 49,3 من الدستور التي تتيح للحكومة تبني مشروع القانون من دون موافقة البرلمان.
ومن المتوقع أن تتأزم الأمور اجتماعيا وسياسيا بعد إعلان نقابة "الاتحاد العام للعمل" أكبر النقابات العمالية في شركة مترو باريس ، إضرابا مفتوحا عن العمل يبدأ في 2 حزيران/يونيو، أي قبل أسبوع من بدء بطولة أوروبا لكرة القدم 2016 في فرنسا. ويقود الاتحاد بالفعل إضرابات أسبوعية عن العمل في السكك الحديدية واحتجاجات أخرى على تعديلات قانون العمل التي تسهل تعيين وتسريح العمال. ومن المتوقع حضور ملايين المشجعين بطولة كأس أمم أوروبا لكرة القدم 2016 التي يشارك فيها 24 منتخبا وتقام من 10 حزيران/يونيو لغاية 10 تموز/يوليو.
فرنسا مهددة بالشلل
وفي هذا الشأن انضمت قطاعات النقل إلى حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها فرنسا، مع تهديد نقابات الطيران المدني بوقف العمل من 3 إلى 5 حزيران/يونيو، واحتمال إضراب سائقي مترو الأنفاق والقطارات. وتعمل الحكومة الفرنسية على تفادي حالة من الشلل في البلاد قبل أسابيع من بدء مباريات كأس أوروبا لكرة القدم. وتوسعت حركة الاحتجاجات ضد قانون العمل الفرنسي الجديد، والتي تركز على قطاعات النقل، لتهدد البلاد بحالة من الشلل، خاصة مع تهديد نقابات الطيران المدني بوقف العمل من 3 إلى 5 حزيران/يونيو، ومع احتمال إضراب سائقي مترو الأنفاق والقطارات.
وتطور النزاع إلى مواجهة بين الحكومة الاشتراكية والاتحاد العام للعمل (سي جي تي)، المقرب تاريخيا من الحزب الشيوعي وأكبر نقابة عمالية في فرنسا. واستخدمت قوات الشرطة القوة لفك الطوق عن مصفاة لتكرير النفط ومستودع للبنزين في "فوس سورمير" قرب مرسيليا جنوب شرق البلاد، بعد أن احتل مداخلها ناشطون من الاتحاد العام للعمل المعارض لتعديل قانون العمل الذي يعتبر أنه يخدم مصالح الشركات.
ولكن يتوقع أن تظهر بؤر احتجاج أخرى مع تهديد نقابات الطيران المدني بوقف العمل من 3 إلى 5 حزيران/يونيو ومع احتمال إضراب سائقي مترو الأنفاق والقطارات، بعد دعوة الاتحاد العام للعمل العاملين في السكك الحديد إلى الإضراب كل أربعاء وخميس. وهو سيناريو تخشاه الحكومة التي تتوقع قدوم سبعة ملايين زائر إلى فرنسا اعتبارا من 10 حزيران/يونيو لمباريات كأس أوروبا 2016. وبعد شهرين ونصف من طرح تعديل القانون، اتسعت الاحتجاجات خلال الأيام الماضية مع إغلاق مستودعات للوقود ومحطات تكرير قام بها المئات من ناشطي الاتحاد العام للعمل.
وندد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بإغلاق المنشآت النفطية باعتباره "استراتيجية الأقلية". وقال رئيس الوزراء مانويل فالس الذي يزور إسرائيل "من غير المطروح أن يعاني الفرنسيون من انقطاع (البنزين) وأن يعاني اقتصادنا من الحصار". وتوعد فالس "برد حازم للغاية"، متهما الاتحاد العام للعمل بأنه "يعاني من مأزق" ويسعى إلى فرض حالة من الشلل على البلاد. ورد الأمين العام للاتحاد فيليب مارتينيز بقوله إن رئيس الوزراء "هو الذي يلعب لعبة خطرة" عبر سعيه إلى وضع "الاتحاد العام للعمل في مواجهة مع الفرنسيين".
وأضاف أن "الرأي العام" لايزال مؤيدا لحركة الاحتجاج على قانون العمل، داعيا إلى تعميم حركة الإضراب. وشملت حركة الاحتجاجات ست محطات تكرير من أصل ثمان في البلاد، متسببة بنقص في تزويد محطات الوقود بالبنزين، ودفع الناس للتزود بالوقود. وما يزيد من التهديد بنقص الوقود تصويت العاملين في منافذ مرفأ "لو هافر" النفطية، التي تؤمن 40% من واردات فرنسا، على الإضراب. وقال وزير الدولة للاقتصاد آلان فيدالي إن 20 بالمئة من المحطات مغلقة أو تعاني من نقص حاد من أصل 12 ألف محطة في البلاد. بحسب فرانس برس.
ودعت السلطات أصحاب السيارات إلى عدم شراء كميات احتياطية من البنزين، معتبرة أن هذا الأمر "ليس له ما يبرره". لكن شركة توتال، التي تشغل خمس المصافي المطوقة، قالت إنها ستراجع استثماراتها في القطاع في فرنسا. وتتوقف التطورات إلى حد كبير على ما ستقوم به الحكومة، وفق ما ذكر عدد من الصحف الفرنسية. وكتبت "ليبراسيون" إن حركة الاحتجاج تراجعت في الجامعات، وحركة "الوقوف ليلا" في ساحة الجمهورية في باريس "تخبو". ويبدو أن حركة احتجاج سائقي الشاحنات التي بدأت قبل أسبوع تراجعت كذلك بعد أن وعدتهم الحكومة بدفع ساعات العمل الإضافية. أما إضراب السكك الحديد فشمل شبكة باريس وضاحيتها.
المحطات النووية
الى جانب ذلك وفي خطوة جديدة تزيد من بؤر الاحتجاج، دعا الاتحاد العام للعمل عمال المحطات النووية إلى المشاركة في الاضرابات لمواصلة الضغط على الحكومة. وأدى انضمام عمال بعض المحطات النووية للإضراب إلى انقطاع الكهرباء في عدة أحياء فرنسية بمدينة نانت (غرب) وفي أكبر مركز تجاري أوروبي بمدينة مارسيليا الساحلية (جنوب).
وحسب السكرتير العام لنقابة "سي جي تي" أرنو باكو فإن العاملين بمحطة "نوجون سور سين" النووية بشمال فرنسا صوتوا للإضراب 24 ساعة لتكون بذلك الأولى التي تستجيب للإضراب والأقرب من باريس، مشيرا إلى أن مفاعلا نوويا من أصل اثنين متوقف عن العمل بسبب خلل تقني، مؤكدا "سنعمل على عدم تشغيله". وستشهد المحطات النووية الفرنسية مؤتمرات عامة للبت في قرار الانضمام للإضراب أم لا، علما أن فرنسا تملك 58 مفاعلا نوويا نشيطا موزعا على 19 موقعا، كما تعتبر الطاقة النووية المصدر الرئيسي للطاقة الكهربائية في فرنسا حيث يمثل إنتاجها 75 بالمئة من الانتاج العام من الكهرباء.
وبعد شهرين ونصف الشهر من طرح تعديل القانون الذي تصر الحكومة على إقراره، ندد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بإغلاق المنشآت النفطية باعتبارها "إستراتيجية فرضتها أقلية"، فيما توعد رئيس الوزراء مانويل فالس الاتحاد العام للعمل "برد حازم للغاية" متهما إياه بأنه "يعاني من مأزق" ويسعى إلى فرض حالة من الشلل في البلاد.
غلق الطرق
من جانب اخر أغلق سائقو شاحنات طرقا في مختلف أرجاء فرنسا أمام إمدادات وقود وإمدادات غذائية مع خروج مسيرات في الشوارع في إطار موجة جديدة من الإضرابات بدأها معارضون لتعديلات مقترحة على قانون العمل لكن الرئيس فرنسوا أولوند قال إنه لن يتراجع. واعتقلت الشرطة ثمانية أشخاص بعد أحداث عنف على هامش مسيرة في مدينة نانت في غرب البلاد في حين شهدت مسيرة في باريس مناوشات بين شبان يغطون وجوههم وأفراد الشرطة الذين استخدموا الغام المسيل للدموع لتفريقهم.
وأخلت الشرطة متجرا للمنتجات الاستهلاكية في نانت استهدفه مثيرو شغب. واستخدم أعضاء بالاتحاد العام لعمال فرنسا كتلا من الخرسانة في إغلاق نافذة مكتب تابع للحزب الاشتراكي في حين اندلعت اشتباكات على أطراف مسيرة في العاصمة. وتمكن سائقو الشاحنات من إبطاء حركة المرور أو إيقافها في نقاط حيوية في الشمال والغرب خاصة في منطقة بوردو حيث منعوا مرور إمدادات لمتجر كبير وسيارة صهريج وقود. وتجمع عشرات المتظاهرين في باريس استعدادا لمسيرة كبيرة بعد الظهر يقودها فيليب مارتينيز زعيم الاتحاد العام لعمال فرنسا. وانضم إليهم أنصار حركة انتفاضة الليل التي تشكلت ردا على إصلاحات قانون العمل.
وقال أولوند إن أكثر من ألف شخص اعتقلوا خلال اشتباكات مع الشرطة في الأشهر القليلة الماضية وأصيب أكثر من 300 من رجال الشرطة وعدد من المحتجين في اشتباكات شارك فيها أجانب. وقال "من حق الناس الاحتجاج لكن الشغب جريمة سيعاقب مرتكبها." وتشير بيانات للشرطة إلى تراجع أعداد المشاركين في المظاهرات إلى 55 ألفا في احتجاج يوم 12 مايو أيار من 390 ألفا في احتجاج مماثل في نهاية مارس آذار. بحسب رويترز.
وخففت الحكومة بالفعل من اقتراحها الأولي لتعديل قانون العمل لكنها قررت تخطي البرلمان وفرض التغيير بمرسوم مما أدى إلى انقسام بين صفوفها داخل البرلمان. ويسمح التعديل لأصحاب الأعمال باختيار عدم الالتزام بقانون العمل الوطني في مقابل شروط تحدد على مستوى الشركات فيما يتعلق بالأجر وشروط أخرى وهو ما يقول منتقدون إنه يقوض قواعد حماية العامل بدرجة غير مقبولة. ويقول سائقو الشاحنات إن شركات النقل ستكون أول المستفيدين بتحديد أجر أقل لساعات العمل الإضافية الأمر الذي قد يحرمهم من مبالغ بألوف اليورو من أجرهم السنوي.
المخزون الاحتياطي
على صعيد متصل بدأت فرنسا باستخدام احتياطي الوقود الإستراتيجي لديها لتأمين احتياجات المواطنين اليومية، بمواجهة توقف المصافي جراء الاحتجاجات الاجتماعية للمعارضين لتعديل قانون العمل. ويهدد امتداد الأزمة واستمرار المواجهة بين الحكومة والنقابات، وأعلن الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية أنه بعد توقف مصافي النفط وتطويق مستودعات الوقود، بدأ استخدام المخزون النفطي الاحتياطي. ويمكن أن يغذي هذا الإعلان قلق الرأي العام وزيادة الضغوط على الحكومة الاشتراكية. وقال رئيس الاتحاد فرانسيس دوزو "منذ يومين، ونظرا إلى وجود مشكلات في سير عمل التكرير، وتطويق المستودعات، بدأنا بالتعاون مع السلطات العامة باستخدام المخزون الاحتياطي".
مضيفا "في كل يوم نسحب (من الاحتياطي) ما يعادل يوما واحدا من الاستهلاك"، "عليه، وفي أسوأ الأحوال، إذا بقي الوضع متوترا للغاية، سنفعل ذلك على مدى ثلاثة أشهر". وأكدت الحكومة استخدام ثلاثة أيام حتى الآن من أصل 115 متاحة في احتياطي الوقود. وقال الرئيس فرانسوا هولاند "سيتم القيام بكل ما يلزم لتامين الإمدادات" بالوقود، في حين تخشى أوساط النقل البري من تراجع في النشاط الاقتصادي في البلاد.
وحذر باسكال باريه الذي يدير شركة في باريس من أن "الوقود جزء لا يتجزأ من عملنا. وإذا لم نتمكن من تسليم المتاجر ومحلات السوبرماركت البضائع، فسوف تجثو فرنسا على ركبتيها". وباتت ست من المصافي الثماني في فرنسا متوقفة عن الإنتاج أو تشهد تباطؤا. ورفعت قوات الأمن الحصار عن 11 مستودعا للمحروقات، في حين حدت بعض المناطق من توزيع الوقود ووضعت يدها على بعض محطات التعبئة من أجل تلبية الخدمات الأهم.
والنزاع الناجم عن تعديل متنازع عليه لقانون العمل بات يعتبر الخطوة الأخيرة المهمة في ولاية هولاند، يمكن أن يؤثر أيضا في إنتاج الكهرباء مع الدعوة إلى الإضراب في 19 محطة للطاقة النووية. وقد قام العاملون في محطة نوجان سور سين (وسط شرق) بالتصويت لصالح إغلاق الموقع. ودعت منظمات أرباب العمل مجتمعة الدولة إلى "ضمان الامتثال للقانون"، و"اتخاذ تدابير لضمان المصلحة العامة وحرية العمل والتنقل بحرية"، وذلك بسبب القلق حيال "العواقب" على الشركات وجاذبية فرنسا.
وقال رئيس الاتحاد العام للعمل "سي جي تي" فيليب مارتينز عبر إذاعة "راديو فرانس أنتر"، "طالما أن الحكومة ترفض النقاش، هناك مخاطر بازدياد وتيرة التعبئة". وهذا تهديد للحكومة قبل ثلاثة أسابيع من افتتاح مباريات كأس أوروبا 2016. وبحسب الصحافة، فإن هذه النقابة تقوم "بلعبة خطرة" من خلال تبنيها سلوكا "متشددا". وكتبت صحيفة "سود ويست" إن النقابة "تلعب بالنار ضمن أوضاع متوترة للغاية، لأن أي انحراف في التحركات الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى أسوأ أعمال العنف".
من جهته، أكد الأمين العام لنقابة "القوة العاملة" (فورس أوفريير) جان كلود مايي أيضا أنه "ليس في وارد التوقف" عن التعبئة. ولا تنوي الحكومة، التي تعتبر ما يجري تحركا يمثل أقلية تأخذ البلد "رهينة"، سحب إصلاح قانون العمل رغم الانتقادات بسبب منحاه الليبرالي واعتباره مؤيدا لمصالح الشركات. بحسب فرانس برس.
وقال وزير الدولة للعلاقات مع البرلمان جان-ماري لوغن "نعرف أن علينا اجتياز هذه المرحلة، وهذا بالطبع أمر صعب قليلا، فالإصلاحات في هذا البلد صعبة، يجب ألا نخفي ذلك". من جهتها، اعتبرت نقابة "سي إف دي تي" الإصلاحية أن سحب تعديل القانون سيكون "أمرا غير مقبول". وقال رئيس النقابة لوران بيرجيه "ليس واردا أن تتخلى الحكومة عن التزاماتها، إن كان ذلك عبر سحب القانون أو تفريغه من مضمونه. سيشكل ذلك ضربة للموظفين لأنهم سيفقدون ميزات سيحصلون عليها من خلال حقوق جديدة يعترف بها النص". وفي مؤشر على المأزق الذي بلغته الحكومة، قبل أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية، اقترح وزير الاقتصاد السابق أرنو مونبور تنظيم استفتاء لإنهاء الاحتجاجات الاجتماعية.
تظاهرة للشرطة
في السياق ذاته تظاهر مئات من رجال الشرطة في فرنسا تنديدا بـ"الكراهية" تجاههم، في مبادرة نادرة دفعت الى قيام تظاهرة مضادة لهم في باريس احرقت خلالها سيارة شرطة. وقال رجال الشرطة الذين افادوا من امتنان الناس لهم نظرا الى وجودهم المطمئن بعد اعتداءات عام 2015، انهم "انهكوا" بسبب المهمات الموكلة اليهم بموجب حالة الطوارئ. وهم يعانون ايضا من تصرفات جماعات متطرفة صغيرة تهاجمهم منذ شهرين اثناء احتجاجات النقابات على اصلاح قانون العمل. وقد دعي رجال الشرطة الى التعبير عن غضبهم في ستين مدينة. ونظم التجمع الاكبر لرجال الشرطة في باريس، في ساحة الجمهورية التي تكتسب رمزية كبيرة، اذ انها مكان ذكرى اعتداءات 2015.
وفي الساحة ذاتها، خرجت تظاهرة مضادة محظورة ظهرا. وهتف المشاركون فيها "الشرطة خنازير وقتلة" و"الجميع يكرهون الشرطة"، وتم دفعهم الى خارج الساحة بواسطة الغاز المسيل للدموع. وراحت مجموعة صغيرة منهم تضرب سيارة شرطة بقضبان حديدية، واخرجت بالقوة شرطيين كانا في داخلها، ثم القت زجاجة حارقة عبر النافذة الخلفية المكسورة، وفق ما افادت قيادة الشرطة. وتفحمت السيارة تماما، وعلى بعد بضعة امتار منها وضع مجهولون لافتة من كرتون كتب عليها "دجاج مشوي، ادفعوا ما يحلو لكم".
وتظاهر رجال الشرطة في الساحة بحماية طوق امني من الدرك وعدد من السواتر. وقال احد الشرطيين المشاركين في التظاهرة "لقد نفد صبرنا وشبعنا اتهامات وضربا". واضاف "يجب توقيف المحرضين ونحن نعرفهم". وعلى شاشة عملاقة نشرت صور المخربين وواجهات متاجر محطمة ورجال شرطة جرحى، وهي صور اثارت استهجان الشرطيين المتظاهرين. واصيب اكثر من 350 من افراد قوات الامن خلال تظاهرات ذات طابع اجتماعي في الاسابيع الاخيرة، بحسب السلطات.
وقال ارنو الذي يعمل كعنصر امن منذ 20 عاما، "لم ار ذلك سابقا"، موضحا ان "المخربين (...) منظمون تماما، ويجمعون كل ما يجدونه ويرموننا به. لا يفعلون ذلك من اجل السرقة، بل من اجل التخريب وايذاء الشرطة". في المقابل يندد المتظاهرون بالتدخلات العنيفة للشرطة، وقد نشرت اشرطة فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تدعم هذا الاتهام. وفقد شاب النظر باحدى عينيه بعد تعرضه لاصابة اواخر نيسان/ابريل في رين (غرب). وقد فتح ثلاثون تحقيقا حول الاستخدام المزعوم للعنف من جانب الشرطة. بحسب فرانس برس.
وعبر وزير الداخلية برنار كازنوف عن "دعمه الكامل" للشرطة. لكن مسؤولين يساريين ونقابيين ومن رابطة حقوق الانسان انتقدوا الطريقة التي تعتمدها الحكومة للحفاظ على الامن. وبعد ان اشيد بها في اعقاب اعتداءات كانون الثاني/يناير 2015 في باريس (17 قتيلا بينهم ثلاثة من رجال الشرطة)، لا تزال الشرطة تتمتع بـ"صورة استثنائية"، اذ ان 82 بالمئة من الفرنسيين عبروا عن رأي ايجابي ازاء عناصرها، وفق ما اظهره استطلاع خاص . لكن الفرنسيين لا يزالون في غالبيتهم (58 بالمئة) معارضين لمشروع اصلاح قانون العمل الذي يغذي الاحتجاج الاجتماعي.
اضف تعليق