تصاعد التوتر والازمات العالمية واندلاع حرب العقوبات والتصريحات بين روسيا والولايات المتحدة وباقي الدول الغربية بشأن اوكرانيا وغيرها من القضايا الاخرى، اسهمت وبحسب بعض المصادر بإثارة الجدل حول امكانية عودة الحرب الباردة من جديد، خصوصا بعد ان عادت روسيا إلى خريطة القوى المؤثرة، والتي تسعى اليوم الى قلب موازين القوى العالمية وانهاء عصر القطب الاوحد، او ما عرف بزمن الاحادية الامريكية الذي بدأ مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في العام 1991، وكان استثناء في تاريخ البشرية.
حيث اشارت بعض التقارير لوجود صراع كبير بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا، التي تسعى هي الاخرى الى تحجيم دور الدب الروسي من خلال اعتماد خطط وتحالفات جديدة، وقد اكد بعض الخبراء ان التطورات والاحداث والتصريحات المعلنة تثبت حقيقة وجود خلاف حقيقي بين هذه الدول، فقد صرح رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف في وقت سابق، بأن علاقات الشرق والغرب "تنزلق نحو حرب باردة جديدة" واتهم حلف شمال الأطلسي "بمعاداة" روسيا. في المقابل، سارع عدد من زعماء دول أوروبا الشرقية إلى انتقاد السياسة الخارجية الروسية.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ لقد شاهدنا روسيا أكثر حزماً تعمل على زعزعة النظام الأمني في أوروبا. وتنفي روسيا تلك الاتهامات. من جانب اخر قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موجيريني إنها لا ترى "أجواء" حرب باردة جديدة بين موسكو والغرب على الرغم من تحذير رئيس الوزراء الروسي من تصاعد التوتر بين الجانبين.
الدرع الصاروخي الامريكي
في هذا الشأن باشرت واشنطن ووارسو عملية بناء قاعدة تعتبر جزءا من النظام الصاروخي الاميركي في اوروبا، وسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى التحذير من خطوة كهذه. واكد كل من مساعد وزير الدفاع الاميركي بوب وورك ووزير الدفاع البولندي انتوني ماتسيريفيتش في ريدجيكوفو قرب سلوبسك في شمال بولندا، ان هذه القاعدة، على غرار قاعدة ديفيسيلو التي بدأ تشغيلها في رومانيا، سيكون دورها محض دفاعي وستستخدم لاعتراض صواريخ بالستية يمكن اطلاقها من الشرق الأوسط، وخصوصا من ايران.
تزامنا اكد بوتين ان بلاده ستدرس تدابير لمواجهة "التهديد" الذي يمثله نشر عناصر الدرع الصاروخية الاميركية، غير انه اكد في لقاء مع مسؤولين عن المجمع العسكري الصناعي الروسي ان موسكو لن تطلق "سباق تسلح جديدا". ويتوقع ان تضم قاعدة ريدجيكوفو العسكرية حيث موقع القاعدة الاميركية المستقبلية لا يزال ارضا خلاء، 24 من صواريخ اسم ام 3 الاعتراضية.
وفي نهاية المطاف سيتم دمج هذه التجهيزات بمشروع الدرع الصاروخية الاوسع نطاقا التابع لحلف شمال الاطلسي، والذي يتم التحكم به من رامشتاين في المانيا ويشمل سفنا اميركية متمركزة في اسبانيا ورادارا في تركيا. وهذه القاعدة التي تقع على بعد حوالى 250 كلم من جيب كالينينغراد الروسي، يجب ان يبدأ تشغيلها في عام 2018، وان تكون مجهزة بدفاعات جوية، وهو الامر الذي قد يعتبره الروس خطوة اضافية لتطويق بلادهم.
واكد مساعد وزير الدفاع الاميركي بوب وورك انه "في وقت تنعقد قمة حلف شمال الاطلسي في وارسو في تموز/يوليو المقبل، ننتظر ان يعلن قادة الحلف القدرة التشغيلية الاولية لنظام الدفاع الاطلسي ضد الصواريخ البالستية". وحضر حفل بدء بناء القاعدة الرئيس البولندي اندريه دودا ووزير الخارجية فيتولد فازجيكوفسكي. وقال فازجيكوفسكي ان قاعدة ريدجيكوفو ستعزز امن بلاده، لانه "رغم الانضمام الى حلف شمال الاطلسي عام 1999، لم يكن هناك على الاراضي البولندية اي تجهيزات كبيرة للتحالف او حتى للولايات المتحدة. وبقينا على مدى سنوات عضوا من الدرجة الثانية" في الحلف. بحسب فرانس برس.
واعتبر ان روسيا تعارض بناء هذه القواعد لانها تريد بشكل خاص ان تبقى اوروبا الشرقية والوسطى التي اصبحت عام 1999 جزءا من حلف شمال الاطلسي، "منطقة امن رمادية" تتحول في غياب قوات اطلسية الى "منطقة عازلة" حيث يمكن لروسيا ممارسة لعبتها السياسية. وتغيرت سياسة حلف شمال الاطلسي في اوروبا بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم وحصول التمرد الانفصالي في اوكرانيا الذي يتهم الغرب موسكو بدعمه. واعلنت وزارة الدفاع الاميركية في اذار/مارس الماضي ان لواء مدرعا يضم نحو 4200 جندي سيبدأ العام المقبل دوريات منتظمة في اوروبا الشرقية.
وقال روبرت بل مبعوث وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر إلى الحلف "لدينا الآن القدرة على حماية حلف شمال الأطلسي في أوروبا." وتابع قائلا للصحفيين "الإيرانيون يزيدون قدراتهم ويجب أن نسبق هذا. النظام ليس موجها ضد روسيا" مضيفا أن النظام سيسلم لقيادة الحلف قريبا. وتشعر روسيا بالغضب من استعراض القوة الذي يقوم به خصم الحرب الباردة في شرق أوروبا الذي كان يحكمه الشيوعيون سابقا حيث كانت موسكو تتمتع بالنفوذ ذات يوم. وتقول موسكو إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يحاول تطويقها بالقرب من البحر الأسود ذي الأهمية الاستراتيجية الذي يوجد به أسطول بحري روسي وحيث يدرس الحلف زيادة الدوريات.
ويأتي تجهيز الدرع بينما يعد الحلف رادعا جديدا في بولندا ومنطقة البلطيق بعد أن ضمت روسيا منطقة القرم عام 2014. وفي مواجهة ذلك تعزز روسيا جانبيها الغربي والجنوبي بثلاث فرق جديدة. وعلى الرغم من تطمينات الولايات المتحدة يقول الكرملين إن الهدف الحقيقي للدرع الصاروخية هو تحييد الترسانة النووية لموسكو. ويرفض المسؤولون الأمريكيون وجهة النظر الروسية وينحون باللائمة على موسكو في توقف المحادثات مع الحلف عام 2013 والتي كانت تهدف لشرح كيف ستعمل الدرع.
وتقول الولايات المتحدة إن روسيا كانت تسعى لمعاهدة تحد من قدرة ومدى الصواريخ التي تعترض الصواريخ الباليستية. وقال مستشار أمريكي "لا يمكن أن توافق أي حكومة على ذلك." ووافقت الحكومة الأمريكية على إنشاء الدرع للمرة الأولى عام 2007 ثم ألغته وفي عام 2009 أعاد الرئيس باراك أوباما الذي كان منتخبا حديثا في ذلك الحين تدشين المشروع. والهدف المعلن للدرع الصاروخية هو حماية أمريكا الشمالية وأوروبا مما يسمى بالدول المارقة مثل إيران وكوريا الشمالية.
حرب نووية
الى جانب ذلك حذر وزير خارجية روسي سابق من أن المواجهة بين الشرق والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية جعلت من خطر اندلاع حرب نووية في أوروبا أكثر ترجيحا من أي وقت مضى منذ الثمانينات. وقال إيجور إيفانوف الذي شغل منصب وزير الخارجية الروسي بين عامي 1998 و2004 ويرأس حاليا مؤسسة بحثية مقرها موسكو أسستها الحكومة الروسية "أصبح خطر المواجهة باستخدام أسلحة نووية في أوروبا أكثر من الثمانينات."
وبعد أن خفضت روسيا والولايات المتحدة من ترسانتيهما النووية بدا أن الوتيرة أصبحت أبطأ. وتقول مؤسسة ستوكهولم الدولية لأبحاث السلام إن كل بلد منهما تملك ما يزيد قليلا عن 7000 رأس نووي حتى يناير كانون الثاني من عام 2015 بما يمثل 90% من الترسانة في العالم. وقال إيفانوف في حدث ببروكسل يشارك فيه وزراء خارجية أوكرانيا وبولندا ونائب أمريكي "لدينا رؤوس نووية أقل لكن خطر استخدامها يتزايد."
وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج روسيا من تخويف الدول المجاورة لها بالحديث عن الأسلحة النووية معبرا بشكل علني عن مخاوف أوساط المسؤولين الغربيين. وألقى إيفانوف بالمسؤولية عن زيادة مثل هذه الاحتمالات على درع الدفاع الصاروخية التي تقيمها الولايات المتحدة في أوروبا. ويقع جزء من هذه الدرع في بولندا ومن المقرر أن يدخل الخدمة في 2018 وهو الأمر الذي يكتسب حساسية بالغة لموسكو لأنه يأتي بالقدرات الأمريكية في منطقة قريبة من حدودها.
لكن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي يقولان إن الدرع مصممة لحماية أوروبا من هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية وغير موجهة ضد روسيا ولا يمكنها إسقاط صواريخها. وقال إيفانوف "يمكن أن يصبح من المؤكد أنه بمجرد نشر الولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي في بولندا فإن روسيا سترد بنشر منظومة دفاع صاروخية خاصة بها في كالينينجراد" في إشارة لأراضي روسيا في منطقة البلطيق. بحسب رويترز.
وفي تصريحات من المرجح أن تثير قلق دبلوماسيين أوروبيين ومن حلف الأطلسي الذين يسعون للتوصل لحل سياسي للصراع في أوكرانيا الذي قتل فيه أكثر من 9000 شخص منذ إبريل نيسان 2014 قال إيفانوف إن فرص عقد مصالحة أشمل بين أوروبا وروسيا ليست كبيرة. وقال إيفانوف "سبل أوروبا وروسيا تتباعد بشكل جاد وستبقى كذلك لفترة طويلة ... على الأرجح لعقود قادمة". وأضاف "هذه الخطط الجميلة يجب أن ننساها" مضيفا أن قدر روسيا الآن هو قيادة أوراسيا الممتدة من روسيا البيضاء وحتى حدود الصين.
مزيد من الموارد
على صعيد متصل حذر قائد القوات الأمريكية في أوروبا من أن مسعى أمريكيا على مدى عقدين لجعل موسكو شريكا باء بالفشل وأن واشنطن لم يعد لديها الموارد العسكرية التي تحتاجها في أوروبا للتصدي لروسيا "التي تستعيد قوتها وتظهر نزعة عدائية". وأبلغ الجنرال بسلاح الجو فيليب بريدلاف القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي ورئيس القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا مشرعين أمريكيين أن "روسيا اختارت أن تكون خصما وأن تشكل تهديدا وجوديا على المدى الطويل للولايات المتحدة ولحلفائنا وشركائنا الأوروبيين."
وقال بريدلاف لأعضاء لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي "تحرص روسيا على ممارسة نفوذ لا ينازع على الدول المجاورة لها" مشيرا إلى الصراع المستمر في أوكرانيا والتوترات المستمرة في جورجيا ومولدوفا حيث تتحدى القوات الروسية وحدة أراضي البلدين. وأضاف بريدلاف أن اتفاق مينسك الذي أدى إلى وقف لإطلاق النار في منطقة دونباس في أوكرانيا جلب عنصر هدوء إلى المنطقة لكن العنف تزايد بشكل كبير في الأيام القليلة الماضية إذا وقع 71 هجوما في 24 ساعة و450 هجوما على مدى الاسبوع المنصرم.
وقال إن الولايات المتحدة تحتاج إلى المزيد من الموارد في أوروبا التي "تواجه روسيا التي تستعيد قوتها وتظهر نزعة عدائية". وأضاف أن القيادة الأمريكية في أوروبا دفعت "ثمنا يتزايد بشكل مطرد في الموارد والقوات" منذ أن أمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإعادة توازن إستراتيجي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي. وتراجع الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا من ذروة بلغت نصف مليون جندي في فترة الحرب الباردة إلى نحو 62 ألف جندي في الوقت الحالي. بحسب رويترز.
وقال بريدلاف إنه طلب تعزيزات كبيرة للموارد في المنطقة في ميزانية السنة المالية 2017 التي تبدأ في أول أكتوبر تشرين الأول. وقال مشرعون إن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) زادت طلبها للمنطقة بمقدار أربعة أضعاف إلى 3.4 مليار دولار. وأضاف أن روسيا تتخذ موقفا هجوميا متزايدا في المنطقة القطبية الشمالية وتقوم بنشر قوات عسكرية في المنطقة التي تطالب بها. وقال إنها تجري أيضا إختبارات على غواصات متقدمة في المحيط الأطلسي بين بريطانيا وأيسلندا وجرينلاند. وقال ردا على سؤال عما إذا كان الجيش الأمريكي أعاد النظر في قراره ترك قاعدة كيفلافيك الجوية في أيسلندا الذي اتخذته قبل عشر سنوات إن قواعد مثل كيفلافيك مهمة للاستطلاع و"إننا نستأنف بالفعل بعض هذه المحادثات".
اضف تعليق