الأزمة السورية ربما ستشهد وبحسب بعض الخبراء سيناريوهات جديدة ومختلفة، خصوصا بعد ان اكد البعض ان الوصول الى اتفاق نهائي لإنهاء الصراع بين الحكومة والمعارضة هو امر مستحيل وغير وارد بسبب الخلافات العميقة وغياب وحدة القرار لدى ما يسمى بالمعارضة السورية المتشتتة والضعيفة، التي تعمل من اجل تنفيذ قرارات وخطط دول اخرى تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة، فقد تضاءلت الآمال وكما تنقل بعض المصادر في إحياء مباحثات السلام السورية بإعلان المعارضة تأجيلها لأجل غير مسمى مع انتهاء الهدنة وتصريح للحكومة استبعد أي تفاوض على وضع الرئيس بشار الأسد. وسيخلف انهيار مباحثات جنيف فراغا دبلوماسيا قد يسمح بمزيد من التصعيد في الحرب التي تؤججها خلافات القوى الأجنبية وبينها الغريمتان إيران والسعودية.
ويدفع الفشل المتوقع لمحادثات جنيف 3، إلى بروز سيناريوهات عديدة لتطوّر الوضع السوري، فيما يبدو الطرح الأبرز في هذه الآونة وعلى الرغم من صعوبات تطبيقه الآن، هو حلّ على الطريقة الروسية الأميركية، بمجلس انتقالي موسّع لا يضم شخصيات لا من المعارضة ولا من النظام تحت الفصل السابع، أو هيئة رئاسية موسّعة لا تستبعد رئيس النظام السوري بشار الأسد.
وكان مصدر في المعارضة السورية، قد كشف أن "الأطراف الدولية أدركت صعوبة الوصول إلى حل سياسي عبر محادثات جنيف، لذلك يتم التحضير لحل بديل يتم فرضه على الأطراف السورية عبر قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع في حال فشل المحادثات الحالية".
وأوضح المصدر أن هناك "طرحين للحل ظهرا خلال الاجتماعات بين الولايات المتحدة وروسيا، يقوم الأول على أساس المحاصصة السياسية لكل مكوّنات المجتمع السوري، على نحو يحاكي اتفاق الطائف في لبنان، يتضمن بقاء الأسد، أما الطرح الثاني فيدعو لتشكيل مجلس انتقالي يضم 8 شخصيات ليست من النظام أو من المعارضة ضمن مبدأ التكنوقراط، وهذا المجلس يقوم بقيادة المرحلة الانتقالية".
وستسعى واشنطن وموسكو كما يبدو إلى صوغ التفاهم بينهما بخصوص الحل السياسي في سورية على شكل مبادئ دستورية وصفقة سياسية، ثم اختيار قائمة من المعارضين القابلين بالحل السياسي لجمعهم مع وفد النظام السوري في الجولة المقبلة من المحادثات، على نحو يُذكّر باتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين عام 1993.
في مهب الريح
في هذا الشأن اتهمت المعارضة الحكومة باستغلال المباحثات لزيادة الضغط العسكري بغرض استعادة السيطرة على أراض. وتتهم دمشق فصائل معارضة بالمشاركة في هجمات تشنها جبهة النصرة التي لا يشملها اتفاق وقف الأعمال القتالية كما لا يشمل داعش. ومع استعار القتال وتكثيف الغارات الجوية على مناطق تسيطر عليها المعارضة حثت فصائلها دولا أجنبية على تزويدها بوسائل للدفاع عن تلك المناطق في إشارة مبطنة لأسلحة مضادة للطائرات تطالب بها المعارضة منذ فترة طويلة. لكن الولايات المتحدة أبلغت روسيا بأن سوريا بدأت "تنهار بسرعة أكبر" مثيرة مخاوف من انهيار لأكثر مساعي السلام جدية منذ عامين. وأعلنت الهيئة العليا للمفاوضات وهي كتلة المعارضة الرئيسية المدعومة من الغرب تعليق المحادثات وحملت الأسد مسؤولية انتهاك وقف إطلاق النار. وتتهم دمشق فصائل معارضة بخرق اتفاق وقف الأعمال القتالية.
وتهدف مباحثات جنيف لإنهاء الحرب التي أودت بحياة ربع مليون شخص وخلقت أسوأ أزمة لجوء عرفها العالم وسمحت بصعود تنظيم داعش وجلب للصراع قوى إقليمية ودولية. وانقلبت كفة الصراع لصالح الأسد بعد التدخل الروسي.
وقبل مغادرة جنيف قال رياض حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات إنه لا توجد أي فرصة للعودة للمفاوضات في ظل انتهاكات النظام للهدنة ومنع وصول المساعدات الإنسانية وتجاهل قضية المعتقلين. ورفض حجاب وهو يتحدث بغضب واضح أي احتمال لبقاء الأسد في السلطة وقال إن الرئيس السوري واهم. وقال حجاب إن القوى الدولية عاجزة وبحاجة لإعادة تقييم الهدنة والموقف الإنساني من خلال المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم الولايات المتحدة وروسيا ودولا أوروبية ولاعبين إقليميين.
وأضاف حجاب أن الهيئة العليا للمفاوضات مع هذا التجمد في الموقف لا يمكنها العودة للمباحثات الرسمية في ظل استمرار معاناة الناس رغم أنها ستترك في جنيف خبراء لمناقشة قضايا بعينها. وسيبقى وفد الحكومة السورية في جنيف.
وسعى مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا لإطلاق المباحثات في يناير كانون الثاني لكن محاولاته فشلت قبل حتى أن تبدأ لأسباب أهمها الموقف المتدهور على الأرض. وجاءت محاولته الجديدة التي بدأت الشهر الماضي بعد تطبيق هدنة جزئية بدأت انطلقت في 27 فبراير شباط الماضي بوساطة أمريكية روسية.
لكن المعارضة تؤكد عدم جدية الحكومة بشأن التقدم باتجاه عملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة وتقول إنها ستسفر عن إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة بدون الأسد. ودعا قرار أصدره مجلس الأمن في ديسمبر كانون الأول الماضي لإنشاء "حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية" ويدعو لدستور جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال 18 شهرا. وقال دي ميستورا إن كلا الطرفين "لا يقبلان أي تراجع" عن مطالبهما السياسية لكنه قال إن هذا طبيعي في أي مفاوضات. وقالت المعارضة بشكل واضح إن تعليق المفاوضات لا نهائي.
وقال المعارض البارز جورج صبرا "المفاوضات ليس هناك موعد زمني لها. الموعد هو تنفيذ الأمور على الأرض. كذلك أيضا تصحيح مسار المفاوضات. ما لم يتم ذلك سيبقى المدى الزمني لها مفتوحا." وأضاف أن المعارضة أيضا "لديها شكوى كبيرة من الموقف الأمريكي. الموقف الأمريكي يدفع باستمرار باتجاه أن تبقى المفاوضات قائمة دون أن نتلقى شيئا حقيقيا من الوعود الكثيرة." ودعا صبرا القوى الدولية أيضا إلى إمداد السوريين بما يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم قائلا "من واجب المجتمع الدولي أن يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم ويزودهم بما يمكنهم من فعل ذلك."
وقال بشار الزعبي القيادي البارز بالمعارضة المسلحة "لنتحدث بواقعية.. التصعيد سيبدأ." أما السعود قائد الفرقة 13- وهي فصيل مدعوم من الخارج يقاتل تحت مظلة الجيش السوري الحر- فقال إنه يأمل في الحصول على دعم عسكري إضافي من خصوم الأسد. وقالت إحدى جماعات المعارضة إن القوات السورية مدعومة بغطاء جوي روسي شنت هجوما مضادا على فصائل المعارضة في محافظة اللاذقية بشمال غرب سوريا. وأكد هذا النبأ المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وشملت قائمة الأهداف في هذا الهجوم بلدات وقرى نعمت بهدوء شبه كامل منذ بدء اتفاق الهدنة الجزئية. وقال المرصد السوري إن الغارات الجوية قتلت خمسة أشخاص على الأقل في بلدة كفر نبل في محافظة إدلب التي يسيطر عليها المسلحون وثلاثة آخرين في معرة النعمان. وأضاف المرصد أن صواريخ أطلقها المسلحون قتلت ثلاثة أطفال في كفريا هي بلدة شيعية موالية للحكومة. وذكرت وسائل إعلام حكومية أن القتلى من أسرة واحدة. بحسب رويترز.
وركز القتال في اللاذقية على مناطق شنت فيها جماعات مسلحة هجمات على القوات الحكومية يوم الاثنين وفيها تندلع عادة معارك رغم اتفاق وقف الأعمال القتالية. وقال فادي أحمد المتحدث باسم جماعة الفرقة الأولى الساحلية في المنطقة "النظام يحاول أن يقتحم المنطقة وتشاركه المروحيات الروسية والسوخوي الحربي."
مراهقة سياسية
الى جانب ذلك اتهم رئيس وفد الحكومة السورية الى مفاوضات جنيف بشار الجعفري الهيئة العليا للمفاوضات بـ"المراهقة" في العمل السياسي، غداة تعليقها مشاركتها الرسمية في المباحثات، مشددا على ان وفده مخول بحث تشكيل حكومة موسعة وليس مستقبل الرئيس بشار الاسد. وقال الجعفري "هم لا يفقهون شيئا في علم الدبلوماسية الا كلمة الانسحاب"، في اشارة الى تعليق الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لاطياف واسعة من المعارضة، مشاركتها في المفاوضات احتجاجا على تدهور الاوضاع الانسانية وانتهاكات تتهم بها النظام لاتفاق وقف الاعمال القتالية.
واضاف مندوب سوريا الى الامم المتحدة "هذا ليس (عملا) دبلوماسيا او سياسيا ناضجا، بل اسلوب طفولي مراهق في عالم الدبلوماسية والسياسة". واتهم الجعفري الهيئة العليا للمفاوضات بالتبعية للسعودية. وقال "ما اثير من قرار وفد السعودية بتعليق مشاركة اعضائه في الحوار في جنيف، انما يشير الى عدم جدية هذا الطرف". وتحدث عن "هيمنة العناصر الراديكالية المتطرفة داخل هذه المجموعة التي تديرها السعودية".
وقال الجعفري "هم لا يريدون ان يشاركوا، هم احرار، لكنهم غير قادرين على مصادرة حق بقية المجموعات في الاستمرار في الحوار السوري السوري بدون تدخل خارجي وشروط مسبقة". وتابع "لدينا اجتماع دي ميستورا الذي سيلتقي منصات القاهرة وموسكو، والحياة تمشي بشكل طبيعي (...) من لا يحب ان يندمج في خارطة الطريق هذه من اجل سلامة سوريا واستقرارها والحفاظ على سيادة سوريا يتحمل نتيجة اعماله". وكان الجعفري يشير الى وفدين آخرين من المعارضة، احداهما قريبة من موسكو والاخرى تضم شخصيات معارضة واحزابا منها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، يتمتعان بتمثيلية محدودية بين المعارضين ويعبران عن مواقف اكثر ليونة بالنسبة الى مصير النظام. بحسب فرانس برس.
وقال الجعفري ان الاقتراح حول ابقاء الاسد رئيسا بصلاحيات محدودة مع تعيين ثلاثة نواب له من المعارضة "لم يناقش" مع دي ميستورا، و"لن يناقش في اي جلسة مقبلة، لانه ليس من ولاية المحاورين في جنيف". واضاف "شرحنا لدي ميستورا ان ولايتنا تتوقف عند حدود الانتهاء من مسألة الحكم، اي انشاء حكومة وطنية موسعة. ان تشكيل حكومة وحدة وطنية هو موضوع النقاش الاساسي، مستقبل الرئيس السوري ليس من ولايتنا ولا اختصاصنا". وجدد موقف الحكومة لجهة ان "هذا الموضوع يقرره الشعب السوري، لا حوار جنيف، ولا حوار طوكيو ولا حوار كازاخستان".
واشنطن وموسكو
في السياق ذاته قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية بأن الوضع في سوريا يتدهور بسرعة وبالتالي يتعين على دولتيهما العمل معا لكي يتحرك الوضع هناك إلى الأمام. وقال أوباما في مقابلة مع محطة (سي.بي.إس) التلفزيونية الأمريكية "بدأنا برؤيتها (سوريا) تتهالك بسرعة أكبر وإذا لم تكن الولايات المتحدة وروسيا متناغمتين حيال الحفاظ عليها وتحريك مسار (الحل) السياسي و(المرحلة) الانتقالية سنعود إلى الوضع الذي كنا عليه قبل أسابيع." وأضاف "لن يخدم هذا مصالح أي منا."
واتفقت الولايات المتحدة وروسيا على تعزيز التنسيق بينهما حيال سوريا التي تشهد حربا أهلية منذ نحو خمس سنوات. واتفق أوباما وبوتين في المكالمة الهاتفية التي وصفها البيت الأبيض بأنها "محادثة مكثفة" على التنسيق بين أجهزة المخابرات ووزارتي الدفاع في البلدين بشكل أكبر. وتأتي هذه المكالمة في الوقت الذي تهدد فيه محادثات السلام في جنيف بالانهيار مع دعوة قوى المعارضة الرئيسية السورية إلى تعليقها. ودعا الكرملين في وقت سابق إلى استئناف المحادثات. بحسب رويترز.
وقال أوباما في المقابلة التلفزيونية إن الولايات المتحدة نظريا لا تعترض على إصرار روسيا على أن تحتفظ الدولة السورية بهيكليتها. وأضاف "ما كنا نتناطح بشأنه باستمرار -وهذا كان صحيحا على مدى ست سنوات - هو إصراره (بوتين) أنه لا يمكنه أن يدعم (قرارا) أحادي الجانب بإزاحة الأسد ولأن هذا القرار يتعين على الأسد والسوريين أن يتخذوه." ودعت إدارة أوباما مرارا لإزاحة الأسد وعملت مع حكومات غربية أخرى على دعم المجموعات المسلحة التي تحاول الإطاحة به في حين أن موسكو هي الحليفة الرئيسية له.
من جهة اخرى اتهمت روسيا الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة بالابتزاز بعد تعليق مشاركتها في محادثات جنيف. وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن "الأساليب التي تستخدمها الهيئة العليا للمفاوضات تظهر أنها غير قادرة على التوصل إلى اتفاق وأنها لا يمكن أن تكون الممثل الوحيد للمعارضة في المحادثات".
وأضافت الوزارة أن "منتدى جنيف يجب أن يكون (ورشة عمل) للاتفاق على وضع خطة لمستقبل دولة علمانية في سوريا وتحديد سبل الوصول إلى ذلك الهدف، وليس (سوقا شرقية) بها عناصر من الابتزاز الفج للمجتمع الدولي". ورفضت الخارجية الروسية، اتهامات المعارضة للقوات الحكومية بانتهاك الاتفاق الخاص بوقف الاقتتال والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية قائلة إنها "لا أساس لها من الصحة".
الى جانب ذلك عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها حيال التقارير التي تفيد بأن روسيا تنشر المزيد من العتاد العسكري في سوريا، بحسب ما ذكره المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست. وكان إيرنست يتحدث في مؤتمر صحفي في العاصمة السعودية الرياض، حيث يحضر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قمة مع زعماء دول الخليج لبحث قضايا الأمن في المنطقة.
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، قد أعلن في أنقرة أن روسيا تبقي على "وجود عسكري كبير" في سوريا، رغم الإعلان عن "انسحاب جزئي" لقواتها. وقال ستولتنبرغ "رغم الإعلان عن انسحاب جزئي، نرى أن روسيا تبقي على وجود عسكري كبير لدعم نظام الأسد في سوريا". وأضاف أن وقف إطلاق النار، "ورغم الصعوبات"، يبقى "الأساس الأفضل لحل سلمي متفاوض عليه" للنزاع في هذا البلد.
اضف تعليق