تواجه دول الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة قد تؤثر سلبا على مستقبل الاتحاد، خصوصا مع تنوع واختلاف المشاكل والازمات واختلاف وجهات النظر، التي ساهمت بتفاقم الخلافات بين الدول الأوروبية بدءاً من أزمة الديون والازمة القتصادية وصولاً إلى موضوع اللاجئين، وتلويح بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد وغيرها، وقد بات واضحاً أن أزمة اللاجئين في أوروبا وكما تنقل بعض المصادر، تتصدر كافة الملفات في جميع القمم واللقاءات، بموازاة ارتفاع الأسوار والأسلاك الشائكة على الحدود، حيث تتم كذلك إعادة إنشاء نقاط المراقبة للحدّ من تدفق اللاجئين. على الرغم من وجود اتفاقية "شينغن" المعمول بها منذ عام 1985، والتي تضمّ حالياً 26 دولة، بينها 22 دولة في الاتحاد الأوروبي. ويأتي هذا الانقسام نتيجة عجز دول الاتحاد الأوروبي عن احتواء الأزمة مع غياب التضامن بين دوله ، حيث تحاول كل دولة ايجاد حلول فردية تتناسب مع مصالحها حيال الأزمات التي تعصف بالاتحاد. وكان واضحاً وزير خارجية لوكسمبورغ يان اسلبورن، في تعبيره عن خطر تفكك دول الاتحاد، بقوله إن "الاتحاد الأوروبي من الممكن أن يتفكك على نحو سريع للغاية، إذا ما أصبح الانغلاق هو القاعدة، وبديلاً من التضامن الداخلي والخارجي.
كما اكد روبرت فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا في مقال إن الاتحاد الأوروبي إما سيتمكن من السيطرة على تدفقات اللاجئين هذا العام أو سينهار. ويتبنى فيكو اليساري منذ فترة طويلة موقفا مناهضا للمهاجرين وجعل من معالجة تدفق اللاجئين برنامجه الأساسي في حملته في الانتخابات البرلمانية في سلوفاكيا. وكتب فيكو في مقال لصحيفة هوسبودارسكي نوفيني الاقتصادية يقول "قد تكون هناك عواقب كارثية لتجاهل التوتر المتنامي والقلق والخوف السائد بين الناس من فكرة أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه حل حقيقي لأزمة المهاجرين مع استمرار تدفقهم."
وأضاف "سواء أعجب ذلك البعض أم لم يعجبهم فإن عام 2016 سيكون العام الذي إما أن يسيطر فيه الاتحاد الأوروبي على أزمة الهجرة أو ينهار." وكان فيكو قد طالب بتعزيز الحماية على حدود الاتحاد الأوروبي ورفعت حكومته دعوى قضائية اعتراضا على قرار الاتحاد إعادة توزيع 160 الف طالب لجوء على عدد من الدول الأعضاء. وربط بين تدفق اللاجئين على الاتحاد وبين هجمات نوفمبر تشرين الثاني في باريس وأعمال العنف عشية رأس السنة في كولونيا بألمانيا وقال إن التعددية الثقافية "وهم".
ولقى موقفه من المهاجرين صدى لدى الناخبين في سلوفاكيا وهي دولة كاثوليكية يقطنها 5.4 مليون نسمة في مجتمع متجانس بدرجة كبيرة وليس لديها خبرة تذكر في استقبال اللاجئين. واتخذت جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر وبولندا معا موقفا متشددا من المهاجرين واختلفت مع الدول الغربية الأعضاء في الاتحاد في التعامل مع تدفقات اللاجئين الذين زاد عددهم عن مليون العام الماضي.
على صعيد متصل افاد الاستطلاع الذي نشر على موقع اتلانتيكو الفرنسي للمعلومات ان 25% فقط من سكان بلجيكا وهولندا و26% من الفرنسيين والايطاليين يعتبرون ان الانتماء الى الاتحاد الاوروبي "محاسنه اكثر من سيئاته". وعبر 40% من الفرنسيين و37% من البلجيكيين والهولنديين والايطاليين عن رأي مخالف. ويرى 36% من البريطانيين ان محاسن الانتماء الى الاتحاد الاوروبي هي اكثر من سيئاته. وعبر 40% منهم عن رأي مخالف.
ولكن هذه النسبة ارتفعت الى 42% من الالمان (مقابل 24%) و54% من الاسبان (مقابل 18%) الذين عبروا عن تأييدهم لانتماء بلادهم الى الاتحاد الاوروبي. وردا على سؤال حول استقبال بلادهم للمهاجرين واللاجئين ولا سيما القادمين من سوريا، عارض ذلك 58% من الفرنسيين و55% من البلجيكيين والهولنديين و51% من البريطانيين. في المقابل ايد ذلك 69% من الاسبان، و67% من الالمان و57% من الايطاليين.
استفتاء رمزي
من جانب اخر بدأ الناخبون الهولنديون الادلاء باصواتهم بشأن اتفاق الشراكة بين الاتحاد الاوروبي واوكرانيا، في استفتاء استشاري تحول الى تصويت رمزي على شرعية بروكسل. ووقف الناخبون باعداد ضئيلة في صفوف انتظار امام مكاتب التصويت التي اقيمت في مدارس او محطات قطارات او متاجر، للادلاء باصواتهم. وتوقعت اخر استطلاعات الراي انتصارا بفارق ضئيل لرافضي اتفاق الشراكة الرامي الى تعزيز الحوار السياسي والمبادلات الاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الاوروبي واوكرانيا.
وهولندا هي اخر بلد في الاتحاد الاوروبي لم يبرم بعد الاتفاق رغم مصادقة البرلمان عليه. وسعى النائب الهولندي من اليمين المتطرف غيرت فيلدرز المعارض للهجرة، لحشد انصاره منذ وكتب على تويتر "على الجميع ان يصوتوا اليوم، وان يصوتوا ضد (الاتفاق)". وبحسب اخر استطلاع للراي اجراه معهد "ايبسوس"، فان 37% من المستطلعين يؤيدون رفض الاتفاق مقابل 33% يعتقدون انهم سيصوتون لصالحه، فيما باقي المستطلعين لم يحسموا امرهم.
ويتابع الاوروبيون كما موسكو بترقب شديد هذا الاستفتاء، كما تتابعه اوكرانيا بقلق، بعدما ادى رفض الرئيس السابق الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش عام 2013 توقيع هذا الاتفاق الى قيام انتفاضة مؤيدة لاوروبي اسقطت حكومته. ويمثل هذا الاتفاق بالنسبة لكييف التي ارسلت عددا من وزرائها للقيام حملة تاييد له في هولندا، "حقبة جديدة" للبلاد، فيما تعتبره موسكو تدخلا اوروبيا في منطقة نفوذها.
واعرب الرئيس الاوكراني بيترو بوروشنكو عن ثقته في نتيجة ايجابية للاستفتاء، لكنه حذر من وقوع بلاده رهينة "نقاش داخلي في هولندا حول مصير الاتحاد الاوروبي". واقرت الجمعيات المشككة في اوروبا بان "اوكرانيا لا تحدث اي فرق بالنسبة لنا"، وقد جمعت اكثر من 300 الف توفيع للدعوة الى تنظيم هذا الاستفتاء استنادا الى قانون جديد يجيز للهولنديين ابداء رايهم في قرارات تشريعية.
وقال رئيس اللجنة التي جمعت التواقيع اريان فان ديكسهورن لصحيفة "ان ار سي نكست" انه "من غير الممكن بعد تنظيم استفتاء حول الخروج من اوروبا، لذلك نغتنم اي فرصة لممارسة الضغط على العلاقة بين الاتحاد الاوروبي وهولندا". وهذا الاتفاق ليس براي هذه المجموعة سوى مثال جديد على اوروبا بيروقراطية وتكنوقراطية فقدت الصلات مع مواطنيها. ولن يكون هذا التصويت صالحا الا بمشاركة تفوق 30 في المئة، وكررت لاهاي انها ستنتظر نتائجه قبل اتخاذ قرار في شأن كيفية المضي قدما. وهو ثاني استفتاء ينظم في هولندا بعد استفتاء اول عام 2005 حول دستور اوروبي، فاز فيه الرافضون بفارق كبير.
وقال الباحث في معهد لاهاي حول العدالة ارون ماتا ان اتفاق الشراكة هو "اول نقاش يجري بعد اقرار القانون" حول الاستفتاء، مشيرا الى انه "ضرر جانبي" في المعركة ضد بروكسل. ويؤكد المحللون انه في حال خروج الاستفتاء بنتيجة سلبية، فان ذلك سيضع الحكومة في موقف حرج في وقت تتولى هولندا الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي حتى نهاية حزيران/يونيو. وفيما تتصدر الاحزاب المشككة في جدوى الاتحاد الاوروبي استطلاعات الراي للانتخابات التشريعية عام 2017، فان الاتفاق سيطرح من جديد بعد ذلك على مجلسي النواب والشيوخ للمصادقة عليه. وقال ماتا " سيتحتم ربما على هولندا ايجاد وسيلة لفك التزامها بالاتفاق، سيترتب عليهم انقاذ ماء الوجه". بحسب فرانس برس.
وتدخلت الولايات المتحدة في النقاش داعية الهولنديين الى دعم اوكرانيا. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية اليزابيث ترودو "نعتقد ان اتفاق الشراكة لمصلحة اوكرانيا وهولندا واوروبا بمجملها". كما ان نتيجة سلبية للاستفتاء قد تشكل مؤشرا للبريطانيين الذين يصوتون في حزيران/يونيو حول مسالة البقاء في الاتحاد الاوروبي او الخروج منه. وزار رئيس حزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب) المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي نايجل فاراج الاثنين امستردام واعلن ان انتصار الرافضين للاتفاق سيوجه "رسالة قوية الى الناخبين البريطانيين، مفادها اننا لسنا الوحيدين الذين يعتقدون ان الاتحاد الاوروبي اتخذ وجهة سيئة في جوهرها".
اتفاقية شينغن
على صعيد متصل أفادت دراسة أجراها مركز للأبحاث تابع للحكومة الفرنسية، إن العودة الدائمة للقيود على الحدود في أوروبا سيكلف الدول الأعضاء في اتفاقية الحدود المفتوحة شينغن، الذي يضمن التنقل الحر بين دول الاتحاد الأوروبي، نحو 110 مليارات يورو (120 مليار دولار) على مدى السنوات العشر القادمة. واتفاقية شنغن هي حجر زاوية للتكامل الأوروبي، لكن ضغوطا من الناخبين المنزعجين جراء تدفق لم يسبق له مثيل للاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط دفع حكومات أوروبية عديدة إلى إعادة فرض قيود مؤقتا على حدودها مع جيرانها الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وذكرت الدراسة التي أجراها "فرانس ستراتيجي"، وهو مركز بحوث مرتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء الفرنسي، أن تراجع السياحة والتجارة عبر الحدود بفعل الإنهاء الدائم لحرية السفر سيكلف أوروبا 0.8 في المئة من ناتجها الاقتصادي على مدى عشر سنوات، وقد يكلف فرنسا وحدها أكثر من عشرة مليارات يورو سنويا. وأدى التدفق الكبير للاجئين والمهاجرين إلى تزايد الدعوات المطالبة بضبط حدود منطقة شنغن الأوروبية وتشديد القيود على الهجرة.
لكن الدراسة أشارت إلى أن تأثير إعادة فرض الحدود على التجارة والسياحة والنقل سيؤدي إلى خسائر تصل إلى ملياري يورو سنويا على المدى القصير، وذلك لا يشمل كلفة فرض الضوابط الجديدة. ولفتت الدراسة إلى أن نصف هذه الخسائر ستكون جراء تراجع عدد السياح، فيما قد يفقد نحو عشرة آلاف شخص يعبرون الحدود يوميا وظائفهم. وأوضحت الدراسة أنه "على المدى الطويل، فإن الرقابة الدائمة الشاملة على الحدود ستؤدي إلى انخفاض التجارة بين بلدان شنغن بمعدل 10 إلى 20 في المئة".
وإذا ما استمرت القيود الحدودية الصارمة لعشر سنوات، فإن الكلفة السنوية سترتفع بشكل ملحوظ، اذ ستخسر فرنسا 0,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025، أي أكثر من عشرة مليارات يورو. وقدرت الدراسة أنه في الفترة نفسها، ستخسر منطقة شنغن ككل 0,79 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل خسارة 110 مليارات يورو. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة قد تثبط عزم المستثمرين الأجانب وتقلص السيولة المالية، لكن الدراسة لفتت إلى صعوبة تقييم هذه العوامل. بحسب فرانس برس.
وتأسست منطقة شنغن في العام 1995، وهي تضم 26 بلدا معظمها في الاتحاد الأوروبي، يسمح لمواطنيها بالتنقل في هذه المنطقة من دون جواز سفر. وتعتبر واحدة من أهم الإنجازات الأوروبية الكبرى. ولكن في الأشهر الأخيرة، واجهت هذه المنطقة تدفقا غير مسبوق في أعداد المهاجرين واللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ما دفع بدول عدة بينها فرنسا إلى إعادة فرض ضوابط مؤقتة.
من جانبه رفض رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس فكرة وضع نظام لحصص دائمة لتوزيع اللاجئين عبر أوروبا مما يضع باريس على خلاف مع ألمانيا قبل اجتماع قمة لمناقشة أزمة الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة. وقال فالس للصحفيين في مؤتمر للأمن في ميونيخ بألمانيا إن فرنسا ستلتزم بتعهدها بقبول 30 ألف لاجيء من بين 160 ألف لاجيء وافقت الدول الأوروبية على تقسيمهم فيما بينها ولكنها لن تقبل أعدادا إضافية. وقال فالس "لن نأخذ أكثر من ذلك ."
وأبدى إعجابه باستعداد ألمانيا لقبول مزيد من اللاجئين ولكنه أضاف "فرنسا لم تقل مطلقا تعالوا إلى فرنسا." وقال فالس عن آلية الحصص الدائمة إن "فرنسا ترفض هذا." وقال إن فرنسا تسلمت 80 ألف طلب لجوء العام الماضي وهي تواجه صعوبات بشأن تطرف الشبان وارتفاع معدل البطالة. وفي علامة أخرى على الانقسامات الأوروبية العميقة بشأن تدفق المهاجرين واللاجئين قال روبرت فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا إن ألمانيا احتجت على خطط زعماء دول شرق أوروبا لمساعدة مقدونيا وبلغاريا على إغلاق حدودهما مع اليونان التي تعد نقطة دخول مهاجرين كثيرين إلى الاتحاد الأوروبي. وقال دبلوماسيون إن زعماء المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك سيجتمعون يوم الاثنين في براج مع زعيمي مقدونيا وبلغاريا وقد يعرضوا عليهما تزويدهما بالقوة البشرية ومساعدات أخرى.
اسوار أوروبا
من جانب اخر وفي أوائل مارس آذار خاض مسؤول الهجرة في أوروبا ديميتريس أفراموبولوس مخيما موحلا للاجئين على حدود اليونان مع مقدونيا وأطل عبر سياج تعلوه الأسلاك الشائكة التي تفصل بين عشرات الألوف من المهاجرين في اليونان وبين الدول الأغنى التي تقع إلى الشمال منها. وقال "ببناء الأسوار ونشر الأسلاك الشائكة .. لا نقدم حلا." لكن أفراموبولوس لا يبعث بهذه الرسالة دائما. ويعكس تغير وجهة نظره تعقيدات المشكلة التي وجدت أوروبا نفسها فيها مع تدفق أكثر من مليون مهاجر عبر المياه اليونانية منذ مطلع 2015.
وفي عام 2012 عندما كان أفراموبولوس يتولى منصب وزير الدفاع اليوناني بنت اليونان سياجا ووضعت نظام مراقبة الكتروني على امتداد الحدود مع تركيا. وصمم السياج والأسلاك الشائكة ونشر نحو 2000 من حرس الحدود الإضافيين لوقف الارتفاع الكبير في الهجرة غير الشرعية. ولم يكن أفراموبولوس الدبلوماسي البالغ من العمر 62 عاما ضالعا بشكل مباشر في المشروع. لكنه في عام 2013 دافع عنه قائلا في مؤتمر صحفي إن الجدار أثمر. وأضاف "دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى اليونان من هذا الجانب توقف تقريبا."
والاستجابة الأوروبية الرسمية لأزمة المهاجرين -والتي قادتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في أغسطس آب الماضي- هي أن تعمل الدول الأعضاء معا على توفير مأوى للناس خاصة السوريين الفارين من الحرب أو الاضطهاد. لكن في واقع الأمر لم تستقبل أغلب الدول الأعضاء الحصص المخصصة لها من اللاجئين وقامت أكثر من عشر دول ببناء أسوار في محاولة لإبقاء المهاجرين واللاجئين خارج حدودها. ويحاول الاتحاد الأوروبي الآن تنفيذ اتفاق يقضي بأن تستعيد تركيا الوافدين الجدد.
وتأسس الاتحاد الأوروبي على أنقاض الحرب العالمية الثانية واستند جزئيا على مفهوم حرية الحركة بين الدول الأعضاء. وأفاد تحليل أنه منذ سقوط حائط برلين بنت الدول الأوروبية أو شرعت في بناء أسوار يمتد طولها 1200 كيلومتر بتكلفة 500 مليون يورو (570 مليون دولار) على الأقل. والعديد من هذه الأسوار يفصل دول الاتحاد الأوروبي عن دول خارجه لكن بعضها بين دول الاتحاد وبعضها ومنها دول أعضاء في منطقة حرية الحركة دون تأشيرات سفر. وبدأ بناء أغلب هذه الأسوار في عام 2015.
وقال إيريم ارف الباحث في شؤون الهجرة في أوروبا لدى منظمة العفو الدولية "أينما وجدت أعداد كبيرة من المهاجرين أو اللاجئين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي تمت الاستجابة لهذا الاتجاه ببناء سور." وبالنسبة للحكومات تبدو الأسوار حلا بسيطا. بناؤها قانوني تماما ومن حق الدول التحكم فيمن يدخل أراضيها. وكل سور جديد في أوروبا حد بدرجة كبيرة من أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من الطريق الذي سده.
وبالنسبة لشركة واحدة على الأقل كان بناء الأسوار ناجحا. وتقول شركة يوروتانل المشغلة للنفق الواصل بين فرنسا وبريطانيا إنه منذ تعزيز إجراءات الأمن حول محطتها في فرنسا في أكتوبر تشرين الأول توقف المهاجرون عن التسبب في مشكلات. وقال جون كيفي المتحدث باسم يوروتانل "لم يحدث أي تعطل للخدمة منذ منتصف أكتوبر 2015 ويمكننا القول إن السور وزيادة الوجود الشرطي كان فعالا للغاية." لكن الأسوار -على الأقل في الأجل القصير- لم توقف محاولات الناس الدخول. بل فقط غيرت اتجاههم عادة إلى مسارات أطول وأكثر خطورة. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن بعض الجسور تحرم طالب اللجوء من فرصة السعي للحصول على مأوى رغم أن القانون الأوروبي ينص على أن من حق أي شخص التمتع بإجراءات نزيهة وتتسم بالكفاءة لطلبه اللجوء. ويجبر المهاجرون واللاجئون على البحث عن طريق آخر فيلجأون لمهربي البشر.
كانت اليونان من أولى الدول التي أقامت سياجا حدوديا ولا يزال أفراموبولوس يدافع عنه. ويقول إن اليونان أقامت السياج لتحويل الناس باتجاه المعابر الرسمية حيث يمكنهم التقدم بطلب للجوء. ويرسم نهر إيفروس المتدفق جزءا كبيرا من الحدود بين اليونان وتركيا لكن هناك مساحة 12 كيلومترا من الأرض اعتاد الناس التسلل عبرها بعد عبور النهر في تركيا. وقال أفراموبولوس من مكتبه "ايفروس نهر خطير للغاية ... فقد المئات أرواحهم هناك."
وتقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 19 شخصا على الأقل غرقوا في ايفروس عام 2010. ولم تستطع السلطات اليونانية ولا وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) تقديم المزيد من البيانات. وعمليا تقول جماعات حقوق الإنسان إن السياج اليوناني وغيره من الأسوار مثل السياج الذي بنته إسبانيا في المغرب يصرف الجميع بعيدا ويحرم الضعفاء من فرصة عرض طلبهم الحماية. ولهذا الزعم أسباب من بينها فرض قيود على بعض الأسوار الجديدة تشبه القيود في المطارات. ويحتاج الناس إلى وثائق سفر للخروج من دولة والوصول إلى نقطة التفتيش في الدولة الأوروبية التي يودون طلب اللجوء إليها. ولا يملك لاجئون كثيرون أي وثائق لذا يحرمون من الدخول.
ومع الأسوار يأتي حراس الأمن والكاميرات وأجهزة المراقبة التي تجعل من الصعب على الناس عرض حالاتهم للجوء. ووثقت جماعات حقوق الإنسان تقارير كثيرة عن مسؤولين حدوديين ضربوا أو أساءوا معاملة أو سرقوا مهاجرين ولاجئين قبل أن يعيدونهم من حيث جاءوا. ويعرف هذا الأسلوب باسم الصد وقالت منظمة العفو الدولية إنه أصبح سمة جوهرية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. ولحل هذه المشكلة يشتري بعض المهاجرين واللاجئين وثائق مزورة ويختبئ آخرون في سيارات أو يلجأون إلى مهربي البشر.
وأصبح للسياج اليوناني تأثير متواصل في أوروبا إذ دفع دولا أخرى لبناء حواجز. وبدأ المزيد من المهاجرين الذين ينتقلون عبر تركيا في دخول أوروبا عبر الحدود البلغارية أو عن طريق الإبحار إلى اليونان في زوارق قابلة للنفخ. وفي شرق البحر المتوسط سجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 1100 حالة وفاة لمهاجرين منذ مطلع العام الماضي. ويرفض الاتحاد الأوروبي تمويل الحواجز قائلا إنها لا تجدي نفعا. وحاول أفراموبولوس بصفته مفوضا أوروبيا إقناع الدول الأوروبية بإظهار التضامن من خلال توفير المأوى لنحو 160 ألف لاجئ ومهاجر أغلبهم قادمون من اليونان وإيطاليا. لكن تمت إعادة توطين 937 طالب لجوء فقط حتى 15 مارس آذار.
وبالنسبة لرئيس وزراء المجر فيكتور أوربان فإن فكرة الحصص "تعني الجنون". ويعارض أوربان أي انحراف عن "القيم المسيحية" لأوروبا من خلال المهاجرين الوافدين من ثقافات متعددة. وبدأ في بناء حواجز على طول حدود المجر مع كرواتيا وصربيا في أواخر 2015. وتشعر دول البلقان بحساسية خاصة تجاه مخاطر الصراعات العرقية والدينية منذ التطهير العرقي في يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي. وحذت دول أخرى حذو المجر وبنت حواجز حتى وإن قال معظمها إنها أقامتها للسيطرة على التدفقات البشرية وليس الحفاظ على النقاء الثقافي.
وعندما شرعت النمسا في بناء سياج على حدودها مع سلوفينيا في نوفمبر تشرين الثاني 2015 قالت إنه ضروري لإدارة الحشود. ثم وضعت فيينا سقفا لعدد الأشخاص الذين سوف تستقبلهم وعدد من ستسمح لهم بالعبور إلى ألمانيا. وبحلول مارس آذار بدا أن كل هذه الإجراءات تحقق التأثير المنشود إذ انخفض عدد المهاجرين الذين يدخلون ألمانيا من النمسا بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من ذلك بدت إشارات على أن الأسوار تعيد رسم مسارات الهجرة دون أن تغلقها. وزاد عدد من يقومون برحلة العبور المحفوفة بالمخاطر من افريقيا إلى إيطاليا. وقالت النمسا إنها سترسل جنودا للدفاع عن حدودها مع إيطاليا. بحسب رويترز.
ويسلط السياج الذي زاره أفراموبولوس الضوء على مخاطر هذه الأسوار. فقد أدى السياج الذي أقامته مقدونيا في إطار معاهدة مع دول تقع إلى الشمال إلى حبس نحو 50 ألف شخص في اليونان. ويقيم أكثر من عشرة آلاف شخص ثلثهم أطفال في خيام مهلهلة قرب السياج. ورفضت معظم الأسر مغادرة الحدود وآثرت انتظار فتحها فيما تفشت عدوى الأمراض التنفسية وتزايد الإحباط. وقال أفراموبولوس "كل قيمنا معرضة للخطر اليوم ... يمكنك أن ترى هذا هنا."
اضف تعليق