العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية تمر وكما يرى بعض المراقبين، بمنعطف خطير وحساس بسبب اختلاف الآراء حول بعض الملفات والقضايا المهمة في منطقة الشرق الاوسط، التي تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والامني والتي كانت سببا في حدوث بعض التوترات بين واشنطن والرياض، خصوصا بعد ان سعت المملكة وبعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي اوكل قرارات الحكم الى جيل الشباب، الى اتباع سياسة جديدة ومختلفة قد تمكنها من بسط نفوذها وقوتها، حيث سعت الى تأسيس تحالفات عسكرية هذا بالاضافة الى تدخلاتها المباشرة في بعض القضايا المهمة ومنها الأزمة السورية والحرب في اليمن، ودعمها المستمر لبعض التنظيمات والجماعات المتشددة في سبيل اثارة المشاكل والازمات من اجل تحقيق مصالحا الخاصة. هذه التحركان كانت سببا في ازعاج الولايات المتحدة الحارس الأمين لدول الخليج والتي سعت هي الاخرى الى اتباع سياسة مختلفة فيما يخص تعاملها مع السعودية، تمثلت في رسم خارطة جديدة في سبيل تغير موازين القوى منطقة الشرق الأوسط وبما يخدم مصالحها. من جانب اخر اكد بعض الخبراء ان العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وعلى الرغم مما تقدم هي علاقة وثقة ومن الصعب ان تصل الى حد القطيعة بسبب المصالح المشتركة والاهداف الاستراتيجية .
وفيما يخص اخر التطورات فقد أكّدت واشنطن بوست، عبر مقالِ لها للكاتب "ليز سلاي"، أن العلاقات السعودية - الأمريكية تمر بأسوأ أزمة منذ أربعين عاماً، وأن كل الجهود الرامية إلى استعادة الثقة بين الطرفين باءت بالفشل. فالانتقادات اللاذعة التي وجهها باراك أوباما للملكة العربية السعودية وتوبيخ الرئيس الأمريكي للسعوديين مؤخرا في حديث أثار عاصفة من الردود والمواقف لاتزال محط اهتمام واسع .
وأضافت الصحيفة الأمريكية البارزة أن الرئيس باراك أوباما وصف الحكومة السعودية بـ حكومة قمعية، بالإضافة إلى حكومات أخرى سنية، زاعمًا أنها تستخدم تفسيرات إسلامية ضيقة تساهم بصورة كبيرة في انتشار التطرف في تلك المجتمعات، موضحة أنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة أن يقدم رئيس أمريكي على انتقاد حكومة صديقة بشكل علني. وأوضحت نيويورك تايمز أن أكثر ما أثار السعوديين في حوار الرئيس الأمريكي هو مطالبته لهم بالبحث عن طريقة لتقاسم النفوذ مع إيران في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تحقيق نوع من السلام البارد معها، الأمر الذي دفع رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، الأمير تركي الفيصل، لمهاجمة أوباما، واتهامه بعدم تقدير كل ما قدمته المملكة لصالح بلاده.
كما أشارت الصحيفة إلى التحالف الذي جمع واشنطن والرياض لسنوات طويلة، موضحة أنه ولد بالأساس من رحم الكراهية للاتحاد السوفيتي، وكذلك اعتماد أمريكا على النفط السعودي بصورة كبيرة، إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور النفط الصخري في الولايات المتحدة ربما أدى إلى فتور العلاقة بصورة كبيرة في المرحلة الراهنة، خاصة منذ أن أقدمت واشنطن على قيادة الجهود الدولية للتوصل إلى الاتفاق النووي مع طهران.
وأضافت نيويورك تايمز أن الاتفاق النووي، والذي تم توقيعه بين طهران والقوى الدولية الكبرى في يوليو الماضي، ربما ساهم بصورة كبيرة في زيادة مخاوف المملكة من جراء زيادة النفوذ الشيعي لطهران على حسابها، الأمر الذي دفع السعودية لإشعال حروبا بالوكالة ضد المصالح الإيرانية، في سوريا واليمن والعراق، بحسب الصحيفة الأمريكية، في محاولة لوأد الاتفاق النووي، ودحض التقارب الأمريكي الإيراني. واختتمت الصحيفة الأمريكية مقالها بالقول إن أوباما دفع خبايا الخلافات بين إدارته والحكومة السعودية إلى العلن للمرة الأولى، ولم يعد أمامه الكثير من الوقت لإصلاح الأمر، في ظل اقتراب نهاية فترته الرئاسية الثانية، وبالتالي فإن إعادة العلاقات بين واشنطن والرياض إلى مسارها يبقى مسئولية الإدارة الأمريكية الجديدة.
رد سعودي
في السياق ذاته كتب الأمير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية الذي عمل أيضا سفيرا للسعودية لدى واشنطن ولندن رسالة مفتوحة أدان فيها التصريحات المنسوبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما التي انتقد فيها دور الرياض الإقليمي. ووصف أوباما في تصريحاته لمجلة ذي أتلانتيك السعودية بأنها تغرد خارج السرب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وانتقد ما يراه تمويلا للرياض لعدم التسامح الديني ورفضها التوصل إلى تكيف مع إيران.
وكتب الأمير تركي في رسالته المفتوحة التي نشرتها آراب نيوز المحلية التي تصدر بالانجليزية "لا يا سيد أوباما نحن لا نغرد خارج السرب." وعدد تركي مواقف الرياض منها دعم جماعات المعارضة السورية التي تحارب تنظيم داعش والمساعدات الإنسانية التي تقدمها للاجئين في المنطقة وتشكيلها تحالفا إسلاميا مناهضا للإرهاب. وتمر العلاقات بين الحليفتين القديمتين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بعثرات منذ عام 2011 حين اندلعت الانتفاضات العربية وخطأت الرياض واشنطن لعدم بذلها مجهودا أكبر لمنع الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
وتابعت الرياض منذ ذلك الحين بانزعاج توصل أوباما لاتفاق مع خصمها الإقليمي إيران بشأن برنامجها النووي وحين رفض اللجوء إلى شن ضربات جوية ضد الرئيس السوري بشار الأسد حليف طهران عقب هجوم بالغاز السام في دمشق. وخلال المقابلة قال أوباما إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة كان بوسعها تحقيق نتائج ذات معنى دون الالتزام بعدد كبير من القوات البرية وصرح بأن المنافسة بين الرياض وطهران ساهمت في إذكاء حروب بالوكالة في المنطقة كلها. بحسب رويترز.
ورغم أن الأمير تركي لا يتقلد حاليا أي منصب رسمي في المملكة إلا أن العارفين ببواطن الأمور يقولون إن آراءه تعكس عادة آراء كبار الأمراء وهي مؤثرة في دوائر السياسة الخارجية في الرياض. وفي رسالته سأل الأمير تركي أوباما عما إذا كان "مال لإيران كثيرا بدرجة يساوي فيها بين 80 عاما من الصداقة الدائمة بين المملكة وأمريكا وبين قيادة إيرانية لا تزال تصف أمريكا بأنها العدو الأكبر وتستمر في تسليح وتمويل ودعم ميليشيات طائفية في العالمين العربي والإسلامي."
كما قال الامير تركي متوجها الى اوباما "تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق. وتزيد الطين بلة بدعوتنا الى ان نتشارك مع ايران في منطقنا. ايران التي تصنفها انت بانها راعية للارهاب، والتي وعدت بمناهضة نشاطاتها التخريبية"، وتتهم السعودية ايران بالتدخل في شؤون دول عربية وفق معايير مذهبية. وقطعت الرياض علاقاتها بطهران مطلع كانون الثاني/يناير اثر تعرض مقار دبلوماسية لها في الجمهورية الاسلامية لهجمات من محتجين على اعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر النمر.
واشار اوباما في حديثه الى ان بعض الدول، ومنها دول خليجية، تتصرف مع الولايات المتحدة وفق معيار "الركاب المجانيون"، بمعنى اعتمادها على واشنطن لتحقيق مصالحها الخاصة. وقال الامير تركي، نجل الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، في مقالته "نحن لسنا من أشرت اليهم بانهم يمتطون ظهور الآخرين لنيل مقاصدهم. نحن نقود في المقدمة ونقبل اخطاءنا ونصصحها، وسنستمر في اعتبار الشعب الاميركي حليفنا (...) يا سيد اوباما، هذا نحن". ولاقت تصريحات اوباما انتقادات كتاب آخرين في "الشرق الاوسط". وكتب رئيس التحرير السابق للصحيفة طارق الحميد بان تصريحات اوباما "توضح انه يعيش في فقاعة، وانه مثقف روائيا، وليس سياسيا"، واصفا ايه بانه "ممتلىء بالغرور، والمثالية".
سوريا واليمن
من جانب اخر قال مسؤول أمريكي كبير إن وزير الخارجية جون كيري شدد خلال محادثات مع كبار المسؤولين السعوديين على ضرورة التحرك الآن لإنهاء الصراع في كل من سوريا واليمن. وحاول كيري أيضا أن يؤكد للمسؤولين أهمية العلاقات الأمريكية السعودية وعقد كيري محادثات مع الملك سلمان والأمير محمد بن نايف ولي العهد والأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع وعادل الجبير وزير الخارجية في قاعدة عسكرية خارج حفر الباطن بالسعودية قرب الحدود السعودية مع العراق.
وذكر صحفيون مرافقون لكيري إن وزير الخارجية الأمريكي قال بعد لقائه مع الملك سلمان ومع استعداده لإجراء محادثات منفصلة مع المسؤولين الثلاثة الآخرين "علينا أن نتحدث عن سوريا." ويعد وقف إطلاق النار أول هدنة من نوعها خلال حرب دائرة منذ خمس سنوات وأدت لقتل أكثر من 250 ألف شخص وتشريد ملايين السوريين. وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية إن "كيري أكد أن الوقت قد حان الآن لمواصلة المضي قدما لإنهاء الصراعات في سوريا واليمن." وتدعم واشنطن وحلفاء لها من بينهم السعودية وتركيا جماعات معارضة تمثل فصائل سياسية ومسلحة في الحرب الأهلية السورية في حين تدعم روسيا وإيران الرئيس بشار الأسد. بحسب رويترز.
وفي صراع اقليمي آخر دخلت الرياض وتحالف يضم دولا عربية الحرب الأهلية اليمنية قبل عام في محاولة لإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي بعد أن أطاح به الحوثيون وقوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقال المسؤول الأمريكي إن واشنطن تؤيد جهود الأمم المتحدة لجعل كل الأطراف اليمنية تشارك في محادثات. وأضاف أيضا إنه خلال اجتماعاته "أكد كيري التزام الولايات المتحدة القوي بشراكتنا الثمينة والمهمة مع السعودية."
74 مليار دولار
في السياق ذاته قال عبدالله صالح جمعة الرئيس المشارك لمجلس الأعمال السعودي الأمريكي وكما نقلت بعض المصادر، إن حجم التبادل التجاري بين السعودية وأمريكا نما خلال العام الماضي إلى 74 مليار دولار سنويا. وأشار جمعة إلى أن المملكة تعد الشريك الثاني عشر للولايات المتحدة الأمريكية، حيث بلغت الصادرات النفطية خلال العام الماضي قرابة 20 مليار دولار، كما أنها تتمتع بالحصة الأكبر في الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة. وأضاف أن هناك فرصا استثمارية مهمة أخرى تحظى بها أمريكا داخل المملكة في المشاريع الكبرى بتقنية المعلومات والاتصالات والتعليم والمياه والطاقة والتنمية الصناعية.
وفي سياق متصل، كشف وزير التجارة والصناعة السعودي ، أن التبادل التجاري بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية يحقق تقدما ملحوظا، إذ بلغ 248 مليار ريال في العام 2014. وبين الوزير أن الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة سجلت بدورها زيادة 25% سنويا خلال الفترة من 2010 إلى 2014، مشددا على أن التعاون الفني يعد أحد مجالات التعاون المهمة مع الولايات المتحدة، لكون الولايات المتحدة أحد أهم مصادر تدفق المعرفة والتقنية للمملكة، وشدد على أن حكومتي البلدين تعولان على دعم وتطوير التبادل التجاري والاستثماري، إذ حلت أمريكا في المرتبة الأولى بين أكبر عشر دول مستوردة من المملكة، والمرتبة الثانية بين أكبر عشر دول مصدرة إلى المملكة، إذ تمثل قيمة الصادرات السعودية إلى أمريكا 163 مليار ريال، وتمثل الواردات من أمريكا 85 مليار ريال.
من جانب اخر قال محللون في شؤون النفط إن شركة "أرامكو" السعودية باتت بموقع ممتاز في السوق الأمريكية بعد سيطرتها على مصفاة "بورت آرثر" بولاية تكساس الأمريكية يسمح لها بإرسال كميات هائلة من نفطها للمعالجة بالسوق الأمريكية، واصفين إنهاء علاقتها مع "شل" في المصفاة بـ"الطلاق المكلف." ومصفاة "بورت آرثر" التي تعتبر "جوهرة التاج" بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية كون طاقتها الاستيعابية تصل إلى 600 ألف برميل يوميا، هي الأكبر في الولايات المتحدة، وتسمح للسعودية بالحصول على موقع استراتيجي يسمح لها بنقل نفطها الخام إليها وتصفيته ومن ثم بيعه في أسواق أمريكا الشمالية.
اضف تعليق