ملف ايران الصاروخي ربما سيسهم وبحسب بعض المراقبين، في اثارة ازمات و توترات جديدة قد تؤثر سلباً بعض الانجازات المهمة، التي تحققت بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، حيث عادت التوترات من جديد بين واشنطن وطهران بسبب التجارب الصاروخية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية من اجل تطوير قدراتها العسكرية، وتمتلك إيران بالفعل أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يثير مخاوف وقلق اسرائيل والمملكة العربية السعودية وباقي حلفاء الولايات المتحدة الامريكية، حيث ستسعى هذه الاطراف الى تصعيد مواقفها ضد ايران، خصوصا مع استمرار لهجة التهديد والوعيد بين الخصوم، فقد اعلن نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ان الولايات المتحدة ستتحرك في حال تأكد قيام ايران بتجارب اطلاق صواريخ باليستية. وقال بايدن في تصريح صحافي "اود ان اؤكد مجددا، لاني اعلم ان لا يزال هناك شكوك لدى البعض، سنتحرك في حال خرقوا فعليا الاتفاق (النووي)". واضاف بايدن "سنتحرك اينما لاحظنا نشاطا" مشيرا الى ان الانشطة التي يقومون بها "خارج الاتفاق".
واطلقت ايران صاروخين بالستيين بمدى 1400 كلم تقريبا، بينما تواصل اختباراتها العسكرية في تحد للعقوبات الاميركية وبعد تحذيرات من واشنطن. وكانت ايران اجرت تجارب اطلاق صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى ضمن عملية اطلق عليها اسم "اقتدار الولاية" واجريت من مواقع عدة من البلاد تحت اشراف "الحرس الثوري والقوة الجوفضائية"، بحسب الاعلام الايراني.
من جانب اخر نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن قائد كبير في الحرس الثوري قوله إن برنامج إيران للصواريخ الباليستية لن يتوقف تحت أي ظرف وإن لدى طهران صواريخ جاهزة للإطلاق. والحرس الثوري لم يقبل مطلقا قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بنشاط إيران الصاروخي... نحن جاهزون دوما للدفاع عن بلدنا ضد أي معتد. إيران لن تكون اليمن أو العراق أو سوريا."
تجربة جديدة
وفي هذا الشأن اطلقت ايران صاروخين بالستيين بمدى 1400 كلم تقريبا، حسبما اعلن المسؤول الثاني في الحرس الثوري وذلك غداة تجربة مشابهة اثارت "قلق" واشنطن. وصرح الجنرال حسين سلامي "تم اطلاق صاروخي قدر-اتش وقدر-اف اليوم (...) ودمرا الاهداف والمواقع المحددة" على الساحل الجنوبي الشرقي لايران، حسبما نقلت عنه وكالة "ارنا" الرسمية. وعرض التلفزيون الرسمي مشاهد لاطلاق صاروخين من موقع البرز الشرقية (شمال شرق ايران).
وتابعت الوكالة ان اطلاق الصاروخين تم بحضور القائد العام للحرس الثوري اللواء محمد علي جعفری، وقائد الوحدات الجوفضائیة العمید امیر علی حاجي زاده ومسؤولين اخرين. واعلن حاجي زاده ان "اعداء الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة بداوا باستهداف أمن الشعب الایراني بعد الاتفاق النووي". واضاف ان الهدف من هذه التجارب هو "رفع الجهوزیة وقدرات الوحدات والقواعد الصاروخیة للحرس الثوری فی کافة انحاء البلاد".
من جانب اخر قال التلفزيون الإيراني الرسمي إن الحرس الثوري اختبر عددا من الصواريخ الباليستية من منصات إطلاق في مناطق متفرقة من البلاد في تحد لقرار اتخذته الأمم المتحدة مما استدعى تهديدا من الولايات المتحدة برد دبلوماسي. وفرضت واشنطن قبل شهرين عقوبات على شركات وأفراد لصلتهم ببرنامج إيران الصاروخي بعد اختبار إطلاق صاروخ (عماد) متوسط المدى في أكتوبر تشرين الأول عام 2015.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر إن واشنطن تعتزم دراسة الأمر وإذا تأكدت تقارير إجراء إيران تجارب جديدة لصواريخ باليستية فإنها تعتزم طرح المسألة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والضغط من أجل "رد مناسب". ويدعو قرار دولي إيران لعدم اختبار أي صاروخ له القدرة على حمل رأس نووي. وقال تونر "سنواصل أيضا تطبيق أدواتنا الخاصة بحزم للتصدي لمخاطر برنامج إيران الصاروخي" في ما قد يكون إشارة إلى عقوبات إضافية.
وقال البريجادير جنرال أمير علي حاجي زادة قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني إن العقوبات لن تمنع إيران من تطوير صواريخها البالستية التي تعتبرها حجر زاوية في قوة ردعها التقليدية. ونقل موقع الحرس الثوري الإلكتروني عن حاجي زادة قوله "أعداؤنا الرئيسيون يفرضون عقوبات جديدة على إيران لإضعاف قدراتنا الصاروخية... لكن عليهم أن يدركوا أن أبناء الأمة الإيرانية في الحرس الثوري وغيره من القوات المسلحة يرفضون الانصياع لمطالبهم المفرطة."
وأظهر تقرير بثه التلفزيون الرسمي صاروخا ينطلق من منصة محصنة تحت الأرض أثناء الليل. وقال المذيع إنه صاروخ متوسط المدى من طراز قيام-1. وذكر التقرير أن الحرس الثوري اطلق عددا من الصواريخ من منصات تنتشر في أرجاء البلاد لكنه بث مشاهد إطلاق واحد منها فقط. وقال حاجي زادة إن "الصواريخ أصابت هدفا على بعد 700 كيلومتر." وفي وقت سابق بثت قناة (برس تي.في) لقطات لإطلاق صاروخ عماد وهو أكثر الصواريخ الإيرانية التي يجري تطويرها تقدما. لكن يبدو أنها لقطات أرشيفية لإطلاق الصاروخ الذي أعقبته فرض العقوبات الأمريكية العام الماضي.
وقالت الأمم المتحدة إن هذا الاختبار الذي أجري في أكتوبر تشرين الأول بعد أن توصلت إيران إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية في يوليو تموز الماضي انتهك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 الذي يحظر على إيران اختبار أي صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية. وانتهى أجل هذا القرار عندما بدأ تنفيذ الاتفاق النووي في يناير كانون الثاني. لكن بدأ العمل بقرار جديد "يدعو" إيران لعدم العمل على صواريخ "مصممة" لحمل رؤوس نووية.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إنه في حال تأكيد حصول الاختبارات فهذا سيشكل انتهاكا لقرار الأمم المتحدة الجديد. وأضاف المصدر الفرنسي "إن تصميم إيران لصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية قد يتناقض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي يدعوها للامتناع عن أي نشاط في هذا المجال. وتنفي إيران دائما أي صلة بين صواريخها الباليستية وبين برنامجها النووي الذي جرى تقييده الآن بدرجة كبيرة ويخضع لعمليات تفتيش بموجب الاتفاق النووي.
وقال الحرس الثوري على موقعه الإلكتروني إن الهدف من الاختبار الذي أجري هو "إظهار قوة الردع الإيرانية وكذلك قدرة الجمهورية الإسلامية على مواجهة أي تهديد للثورة (الإسلامية) والدولة وسيادة البلاد." ورغم أن أي صاروخ بحجم معين يمكنه نظريا حمل رؤوس نووية تقول إيران إن الصاروخ (عماد) وغيره من الصواريخ تستخدم كصواريخ تقليدية للردع. وتركزت أعمالها في الفترة الأخيرة على تحسين دقة الصواريخ وهو ما يقول خبراء إنه سيجعلها أكثر كفاءة لدى استخدام رؤوس حربية تقليدية.
من جهة اخرى نقلت وكالة أنباء الطلبة (إسنا) عن البريجادير جنرال أمير علي حاجي زاده قوله "سبب تصميم صواريخنا بمدى 2000 كيلومتر هو أن تكون قادرة على ضرب عدونا النظام الصهيوني من مسافة آمنة." وتقع أقرب نقطة في إيران على بعد حوالي 1000 كيلومتر من تل أبيب والقدس. وذكرت وكالات أنباء إيرانية أن الصواريخ التي اختبرت نقشت عليها بالعبرية عبارة "يجب محو إسرائيل من صفحات التاريخ" على الرغم من أن الصور التي بثت لم تظهر هذه العبارة.
وقال وزير الدفاع الاسرائيلي موشي يعلون لراديو إسرائيل إن الاختبارات تظهر أن عداء إيران لم يتغير منذ تنفيذ الاتفاق النووي مع الدول الكبرى في يناير كانون الثاني على الرغم من مبادرات الرئيس الإيراني حسن روحاني تجاه الغرب. وقال يعلون "ما يدعوني للأسف أن البعض في الغرب تضللهم الكلمات المعسولة لجزء من القيادة الإيرانية في حين يواصل الجزء الآخر الحصول على العتاد والسلاح .. وتسليح الجماعات الإرهابية." بحسب فرانس برس.
وتنفي طهران الاتهامات الأمريكية بأنها تتصرف بشكل "استفزازي" وتشير إلى التاريخ الطويل للتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط وحقها في الدفاع عن النفس. وسلّط الاختبار الصاروخي الضوء على الخلافات في إيران بين الأطراف المتشددة المعارضة لتطبيع العلاقات مع الغرب وحكومة الرئيس حسن روحاني المعتدلة نسبيا والتي تحاول اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى إيران.
ايران لم تغير سلوكها
في السياق ذاته اعلن قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط ان ايران لم تغير سلوكها بعد الاتفاق الدولي حول برنامجها النووي ورفع العقوبات تدريجيا عنها، وذلك بعد اعلان طهران عن قيامها بتجارب صاروخية باليستية جديدة. وقال الجنرال لويد اوستن، قائد القوات الاميركية في الشرق الاوسط امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاميركي ان "ايران ما زالت اليوم قوة مهمة لزعزعة الاستقرار" في الشرق الاوسط.
واضاف ان الولايات المتحدة ودول المنطقة "قلقة" حيال قدرات ايران في مجال الصواريخ البالستية مشيرا الى ان مواضيع القلق لا تنتهي عند هذا الحد. واوضح اوستن ان "الناس في المنطقة قلقون من قدرات الايرانيين في مجال المعلوماتية واستعدادهم لتفخيخ المضائق ونشاطات فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الايراني. وقال ايضا "هناك عدد من الاشياء تجعلني اعتقد ان ايران لم تغير سلوكها" لاعتماد تصرف "اكثر مسؤولية".
وياتي هذا الاعلان بعد رفع معظم العقوبات الدولية طبقا للاتفاق الموقع في تموز/يوليو 2015 بين طهران والقوى العظمى ومن بينها الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الاميركي. ومطلع كانون الثاني/يناير، بث التلفزيون الايراني صورا لقاعدة تحت الارض تحوي صواريخ يصل مداها الى 1700 كلم. وكانت ايران قد اجرت تجربة ناجحة على الاقل لهذا النوع من الصواريخ في تشرين الاول/اكتوبر وقد شكل هذا الامر حسب خبراء من الامم المتحدة انتهاكا لقرار المجلس الامن الصارد عام 2010 ويمنع استعمال ايران لصواريخ بالستية خشية ان تزودها برؤوس نووية.
على صعيد متصل قال بول ريان رئيس مجلس النواب الأمريكي إن المشرعين الأمريكيين سيواصلون الضغط من أجل فرض عقوبات جديدة على طهران "إلى أن ينهي النظام سلوكه العنيف والاستفزازي ضد الولايات المتحدة وحلفائها". ويعارض الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ريان الاتفاق النووي الدولي الذي توصلت إليه حكومة الرئيس باراك أوباما مع إيران العام الماضي.
وقال ريان إن أحدث التجارب الصاروخية الإيرانية التي وردت بشأنها التقارير تنتهك القانون الدولي. ودعا عدد من النواب الجمهوريين إلى فرض مزيد من العقوبات الأمريكية ردا على الاختبار لكن لا توجد خطط فورية لطرح تشريع جديد. وفي وقت سابق وافق مجلس النواب الأمريكي على إجراء يقيد قدرة الرئيس باراك أوباما على رفع العقوبات بموجب الاتفاق الجديد لكن لا توجد خطط لدى مجلس الشيوخ للمضي في إقرار الإجراء الذي من المتوقع أن يعارضه أوباما. بحسب رويترز.
وقال السناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن فريقه يعمل على بديل قد يحظى بالتأييد الكافي لإقراره في مجلس الشيوخ لكن ذلك يتطلب أيضا دعم الديمقراطيين. وأضاف "نجري مناقشات الآن ونحاول أن نرى أي تشريع يمكن إقراره."
نظام دفاع روسي
من جانب اخر نقلت وكالة فارس للأنباء عن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان قوله إن إيران ستحدث صواريخ عماد الباليستية العام الحالي وستبدأ أيضا في تسلم نظام الدفاع الصاروخي الروسي المتطور إس-300 سطح جو. ودفع برنامج الصواريخ الأمم المتحدة لانتقاد الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة لفرض عقوبات عليها اما نظام الدفاع الروسي فقد كان متعطلا قبل توقيع الاتفاقية النووية الهامة مع القوى العالمية.
ونقلت وكالة فارس عن دهقان قوله "سنكشف عن الجيل القادم من عماد بدقة التصويب المتطورة في السنة الإيرانية الجديدة". وقال الوزير "لا ينتهك الصاروخ عماد الاتفاقية النووية أو قرار الأمم المتحدة نظرا لأننا لن نستخدم أبدا رأسا نوويا. هذه مجرد مزاعم." وأضاف أن إنتاج الصاروخ على نطاق واسع سيبدأ في المستقبل القريب. وقال إن إيران ستبدأ أيضا تسلم نظام صواريخ إس-300 من روسيا خلال الشهرين القادمين وإن الطلب سيكتمل بحلول نهاية العام. بحسب رويترز.
وألغت روسيا عقدا لتسليم نظام الدفاع المتطور المضاد للصواريخ في عام 2010 بسبب ضغوط الغرب في أعقاب فرض الأمم المتحدة عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي. وقال دهقان إن طهران وموسكو بدأتا أيضا محادثات بشأن إمداد إيران بمقاتلات سوخوي-30 روسية الصنع. وقال دهقان "قررنا حتى عدد طائرات سوخوي-30 التي نريد شراءها."
من جانب اخر نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن القائد العام للجيش الإيراني عطاء الله صالحي قوله إن إيران ستواصل تطوير برنامجها الصاروخي وينبغي عدم اعتباره تهديدا للدول المجاورة والصديقة. ونقلت الوكالة شبه الرسمية عن صالحي قوله "القدرة الصاروخية لإيران وبرنامجها الصاروخي ستصبح اقوى. لا نهتم ولا ننفذ القرارات الصادرة ضد إيران وهذا ليس انتهاكا للاتفاق النووي"، وقال صالحي "برنامجنا الصاروخي ليس تهديدا لأصدقائنا لكنه تهديد لأعدائنا. على إسرائيل أن تعي ماذا يعني ذلك." وتعد معارضة إسرائيل -التي ترفض إيران الاعتراف بها منذ الثورة الإسلامية عام 1979 - محورا رئيسيا للسياسة الخارجية الإيرانية.
اضف تعليق