إعلان المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف قرارها المفاجئ بإلغاء الخطبة السياسية من خطب الجمعة ورفعها إلى إشعار آخر وحسب مقتضيات مصلحة البلد، أثار ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء كونه جاء في وقت عصيب يمر به العراق على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي.
واهتمت مراكز الدراسات ومنظمات المجتمع المدني بتداعيات هذا القرار وأسبابه ونتائجه، فعقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية جلسة فكرية في ملتقى النبأ الأسبوعي بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام بحضور مجموعة من رجال الدين والأكاديميين الباحثين والإعلاميين الناشطين والحقوقيين، حاملا عنوان (قرار المرجعية الدينية بإلغاء الخطبة السياسية... تهديد صامت أم يأس من عملية الإصلاح).
وأكد مدير الجلسة الفكرية الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الدكتور قحطان طاهر، أن قرار المرجعية الدينية الأخير بإلغاء الخطبة السياسية والاكتفاء بالخطب العقائدية سببه اليأس الشديد والامتعاض من أداء الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، مشيرا إلى عدم الآخذ بالنصح الذي تقدمه المرجعية في النجف الأشرف والعمل وفقا له.
موضحا إن يأس المرجعية الدينية في النجف الأشرف لا يشمل الطبقة السياسية فقط، بل هو متصل بعدم احترام شرائح اجتماعية واسعة لما يصدر من المرجعية من توجيهات وفتاوى، وخير مثال على ذلك دعوته للجمهور بانتخاب الأصلح والأكفأ والأنزه وكذلك محاربة الفساد التي لم تلق الاستجابة المطلوبة من الجماهير.
وبيّن طاهر خلال إدارته الجلسة الفكرية بعض التصورات لقرار المرجعية وطبيعة الظروف التي رافقت إتخاذه، كما أشار إلى الدوافع والغايات والأسباب الحقيقية التي قادت المرجعية الدينية مجبرة لا مختارة إلى العزوف عن الإدلاء برأيها إزاء الشؤون السياسية العامة واقتصارها على القضايا المفصلية.
طارحا في الوقت ذاته، تساؤلات أمام السادة الحضور والمشاركين في جلسة المطبخ الفكري متمثلا:
هل من المتوقع أن تنسحب المرجعية الدينية من المشهد السياسي تماما أم إنها ستعود بقرارات وتعاملات جديدة؟.
هل يصب قرار المرجعية الدينية الأخير في صالح السياسيين؟.
المداخلات:
أوضح الشيخ علي الرميثي إلى أن قرار المرجعية الأخير هو بمثابة تراجع خطوة إلى الخلف ليتقدم خطوتين إلى الأمام، وأيضا توجيه رسالة تحذيرية واضحة إلى قادة الكتل السياسية والأحزاب الإسلامية بأن المرجعية الدينية غير راضية عن أفعالهم وأقوالهم، وهذا الأمر سبب الدخول في زاوية اليأس من القادة السياسيين في تطبيق مصلحة البلد.
من جانبه أشار مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام علي الطالقاني، إلى أن المرجعية الدينية في النجف الأشرف عودتنا بعدم تدخلها المباشر في الأمور السياسية للبلد، وبعد أن أصبح التدخل أمرا لابد منه، خصصت في خطبة الجمعة التطرق إلى بعض النصائح والإرشادات الموجهة لقادة البلد السياسيين، ولكن بمرور الأيام بدأ هذا الخطاب يفقد بريقه بعدم سماع التوجيهات وعدم الآخذ بالنصائح، وخشية من فقدان الجانبين (اعني به الطبقة السياسية والطبقة الجماهيرية) كان لابد من الانسحاب إلى الخلف خطوة ليمكنها من التقدم خطوات أخرى إلى الأمام، معتقدا إن المرجعية الدينية ستعود إلى سابق عهدها بتوجيه الخطب السياسية ولكن بلغة أكثر حدة من ذي قبل.
وعلى الصعيد ذاته، أوضح الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات الدكتور علاء الحسيني، المشهد السياسي الذي تبنته المرجعية الدينية بعد عام 2003، مشيرا إلى دورها عندما كان البلد يعيش مرحلة انتقالية وطرح الأمريكان لمشروع إدارة الدولة وترويجهم لهذا المشروع من خلال أذرعهم السياسية في العراق وأحزاب السلطة، متمثلا بتصدي المرجعية أمام هذا المشروع عن طريق تحريك الشارع بالتأثير الارتدادي، لتكون النتيجة إسقاط ذلك المشروع والعمل على صياغة دستور عراقي وطني كتب بأيدي عراقية.
مستدركا بالقول، المرجعية الدينية بعد أن فقدت الإيمان المطلق بجميع السياسيين بدأت مرحلة مقاطعتهم جملة وتفصيلا، وقد استغل السياسيون وجود المرجعية وركوب موجة الشارع بادعائهم التمسك بالمرجعية الدينية وهذا ماحدث خلال فترة الانتخابات.
وقد وصل الأمر إلى مرحلة الصدام بين المرجعية الدينية وقادة البلد السياسيين من الأحزاب الإسلامية، وكان للمرجعية الدينية كلمة الفصل التي أنهت هذه المرحلة، مضيفا بالقول، أما المرحلة الحالية وهي مرحلة الحشد الشعبي فأن المرجعية لم تترك النصائح والإرشادات إلى قادة البلد إلا بعد أن شعرت بوجود يأس حقيقي من الإصلاحات على جميع المستويات، معتقدا أن المرجعية لها عودة مرة أخرى للشارع العراقي ولكن برؤية جديدة وأفكار جديدة.
وأكد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات الأستاذ احمد جويد، أن إلغاء الخطبة السياسية هي بمثابة رسالة ضغط وليس إعلان موقف ضد السياسيين في الحكومة، مشيرا إلى إن المرجعية الدينية حاولت أن تبقي على هيبتها ورمزيتها بدون تدخل مباشر بالشأن السياسي بقرارها الأخير، معتقدا أن المرجعية غير عاجزة عن الخوض في غمار الشأن السياسي للبلد ولكن هي أرادت إيصال صوتها الأخير عبر قرارها إلى السياسيين في الحكومة.
واعتبر الاعلامي عصام حاكم، أن المرجعية كانت ترفع شعار الحيادية وعدم الخوض في غمار العمل السياسي وكانت دائما تنأى بنفسها، إلا إنها اثر ضغوطات معينة حاولت أن تعطي رسائل مباشرة أو شبه مباشرة إلى سياسيي البلد، مضيفا أن المرجعية أدركت إن القوى السياسية جاءت لتحقيق المصالح الفئوية والذاتية، معتقدا أن وضع المرجعية مربك جدا وان الصراعات الموجودة هي صراعات دولية خارج إطار المرجعية وسياسيي الداخل.
وأوضح الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات والبحوث الإستراتيجية باسم عبد عون، أن المرجعية في العراق تعاني من مشكلة الطاعة ومستوى الطاعة وهما يرتبطان بمزاجية الشارع العراقي، لذلك نلاحظ إن المرجعية دائما تركز على النصائح والتوجيهات التي تقدمها للسياسيين بسبب مزاجية الشارع في تقبل أو عدم تقبل الأوامر. معتقدا إن المرجعية لديها الكثير من الخيارات المفتوحة والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بالشعب العراقي المعروف بمزاجيته تجاه طاعة المرجعية الدينية.
وكان للباحث في مركز الفرات الدكتور حيدر آل طعمه رأي تمثل بتحول دور المرجعية بالنصح والإرشاد لم يكن مفاجئا وإنما كان مخطط له، مؤكدا على إن المرجعية كانت تتعمد إثارة مواضيع تخص الإصلاح السياسي والاقتصادي وغيرها من الأمور لإجبار الحكومة على فتح قناة للاستماع إلى المرجعية، وهذا ماحدث فعلا بين الحكومة والمرجعية بفتح قنوات غير مباشرة للأخذ والعمل بالنصائح والتوجيهات التي تطرحها المرجعية الدينية، معتقدا إن الدفع باتجاه انتقاد المرجعية من الداخل يصب في مصلحة أجندة خارجية هدفها أبعاد المجتمع عن المرجعية الدينية.
من جانبه بيّن المشرف العام لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام الشيخ مرتضى معاش، إلى أن اغلب المجتمع الإسلامي يميل إلى تقليد المرجعية التي تؤمن بعدم الخوض في غمار العمل السياسي بشكل مباشر والاكتفاء فقط على الإشراف والتوجيه والترشيد، مؤكد على أن موقف المرجعية يقودنا إلى استشراف ثلاث احتمالات:
الجانب الأول/ جانب إشرافي، يتمثل بالإشراف والتوجيه على العمل السياسي وليس عليه أن يدعو إلى إشعال أو تهدئة فتيل الأزمات السياسية.
والجانب الثاني/ جانب دفاعي، يكمن بعدم تدخلها بشكل مباشر في الوصول إلى الحل المناسب كالأزمات الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية.
أما الجانب الثالث/ جانب هجومي، فيتمثل بتوجيه كلام شديد خارج إطار النصح بل اتخاذ مبدأ التطبيق من خلال لجان مختصة تحدد بالاتفاق بين الحكومة والمرجعية.
وختم مدير الجلسة الفكرية الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الدكتور قحطان حسين طاهر، بشكره إلى جميع الحاضرين والمشاركين معه على آمل أن تكون هذه الجلسة الفكرية قد تناغمت وتلاقحت أفكار جميع الحاضرين.
اضف تعليق