لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسعى وعلى الرغم من الانتقادات المتواصلة من داخل وخارج تركيا، الى فرض سياسات ديكتاتورية لتعزيز سلطاته وإحكام سيطرته المطلقة على البلاد، محط اهتمام العديد من الخبراء والمراقبين الذين اكدوا على تركيا وفي ظل طموحات أردوغان المتنامية وتصرفاته الغربية، ربما ستواجه الكثير من التحديات والازمات، خصوصا وان الرئيس الذي عمد الى اقصاء الخصوم وتقيد الحريات من خلال الهيمنة على القضاء والاعلام في داخل تركيا، ودعم بعض الجهات والمنظمات الارهابية المتشددة لأسباب سياسية، قد سعى ايضا الى تعميق الخلافات الاقليمية من خلال التدخل بالشؤون الداخلية لبعض الدول وانتقاد حكوماتها، وهو ما اسهم بتوتر العلاقات السياسي بين تركيا والكثير من دول العالم.
يرى الكثير من المراقبين للمشهد السياسي التركي وكما تنقل بعض المصادر، ان حالة التخبط التي يعيشها اردوغان وحزبه، على الصعيدين الداخلي والاقليمي، هي حالة تشبه كثيرا، سلوكيات الأنظمة التي ترتد نحو الدكتاتورية، ويواجه الرئيس انتقادات لمواقفه المتشددة والتعسفية وكذلك تصرفاته المعقدة والغامضة التي جعلت معارضيه يصفونه بـ”السلطان” المريض بـ”جنون العظمة”، فمواقف الرئيس التركي وكما تنقل بعض المصادر تدل على إصابته بـالغرور والاستهانة بالأخرين.
طموحات واتهامات
في هذا الشأن ذكرت الصحف التركية ان الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب اردوغان اشار الى المانيا النازية بزعامة هتلر للدفاع عن النظام الرئاسي القوي الذي يريد اقامته في بلاده. ونقلت عنه وسائل الاعلام قوله لصحافيين خلال عودته من زيارة الى السعودية "في ظل نظام وحدوي (كما في تركيا) بالإمكان اقامة نظام رئاسي بشكل ممتاز. هناك امثلة في العالم وعبر التاريخ. وسترون المثال في المانيا هتلر".
واردوغان الذي يقود تركيا منذ عام 2002، اولا كرئيس للوزراء ومن ثم كرئيس منذ عام 2014، يريد تغيير الدستور بحيث ينتقل دور الرئيس من وظيفة رمزية الى رئيس بصلاحيات واسعة، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. وقال اردوغان انه يعتزم خلال العام الجديد تعبئة المجتمع التركي للنقاش من اجل التوصل الى "توافق اجتماعي" حول طموحاته الرئاسية. ومشروع الانتقال إلى نظام رئاسي يدافع عنه رجل تركيا القوي واعاده الى الواجهة بعد فوزه الانتخابي (49.5٪ من الاصوات مع 317 نائبا) في انتخابات الاول من تشرين الثاني/نوفمبر.
لكن حزب العدالة والتنمية لم يحصل على الغالبية الموصوفة (367 نائبا) التي تؤهله لتغيير الدستور لوحده. لذا، يتعين عليه السعي للحصول على دعم المعارضة التي ترفض نظاما رئاسيا تحت سلطة اردوغان الذي تتهمه بميول تسلطية. وتحقيقا لهذه الغاية، بدأ رئيس الوزراء احمد داود اوغلو حوارا مع زعيم حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري كمال كيليشدار اوغلو، لاحياء جهود وضع دستور جديد اكثر ليبرالية ليحل مكان الدستور الحالي، الموروث من الانقلاب العسكري العام 1980.
الى جانب ذلك دان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الاسلامي المحافظ تصريحات ادلى بها زعيم اكبر حزب كردي في تركيا حول منح الاكراد حكما ذاتيا، معتبرا انها "خيانة". وتأتي تصريحات اردوغان بينما يشن الجيش التركي حملة عسكرية واسعة في جنوب غرب البلاد حيث غالبية السكان اكراد. وقال اردوغان ان "ما فعله" زعيم حزب الشعوب الديموقراطي صلاح الدين دميرتاش "يشكل خيانة واستفزازا واضحا جدا".
وكان دميرتاش تحدث عن امكانية منح الاقلية الكردية حكما ذاتيا. وقال اردوغان "باي حق تتحدث في اطار بنية واحدة عن اقامة دولة في جنوب شرق البلاد، في الشرق؟"، محذرا من انه "لا الارادة الوطنية ولا القوات المسلحة ستسمح بوضع من هذا النوع". وياتي ذلك وسط تزايد التوتر بين السلطات والاقلية الكردية بسبب حملة الجيش ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، وفرض حظر التجول في عدد من مناطقه. بحسب فرانس برس.
واسفرت المعارك عن سقوط اكثر من مئتي قتيل في صفوف الانفصاليين لكنها لم توفر المدنيين ايضا. واكد الرئيس التركي ان الهجوم العسكري مستمر "بتصميم". واضاف ان "اكثر من ثلاثة آلاف ارهابي" قتلوا منذ الصيف خلال عمليات في تركيا وشمال العراق حيث يتمتع حزب العمال الكردستاني بقواعد خلفية.
على صعيد متصل اتهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ايران بتبني سياسات طائفية في سوريا المجاورة من خلال دعمها للرئيس السوري بشار الاسد. وقال اردوغان في كلمة متلفزة في اسطنبول "لو لم تقف ايران خلف الاسد لاسباب طائفية، لما كنا نناقش اليوم ربما قضية مثل سوريا". وتدعم انقرة مسلحي المعارضة الذين يقاتلون نظام الاسد وتشارك في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سوريا.
وانتقد اردوغان روسيا وايران وتنظيم داعش والمقاتلين السوريين الاكراد واتهمهم ب"قتل الابرياء بدون رحمة" في سوريا. وقال ان جماعات مثل داعش وحزب "الاتحاد الديموقراطي" الكردستاني السوري هي "ادوات في الصراع العالمي على السلطة". واضاف ان هذه الجماعات "هي مثل حزب العمال الكردستاني هنا. لا فرق بينها". وتعتبر انقرة ان حزب "الاتحاد الديموقراطي" هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا داميا في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه غالبية من الاكراد منذ 1984.
نجل إردوغان وداعش
من جانب اخر نفى نجل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اتهامات روسية بأنه وعائلته يتربحون من تهريب النفط من أراض يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق. وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت إن لديها أدلة تثبت تربح أسرة إردوغان من هذه التجارة. ونفت تركيا المزاعم ونفاها أيضا بلال نجل الرئيس.
ونقل عن بلال قوله في صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية "نحن نبني مكاتب في اسطنبول...ليس لنا أعمال في (منطقة البحر) المتوسط أو سوريا أو العراق." وكان بلال إردوغان يتحدث عن مخاوفه الاستثمارية الخاصة التي باتت موضع تساؤل في وسائل الإعلام الروسية. وقال "داعش عدو لبلادي. داعش عار. إنها تسيء لديني. وهم لا يمثلون الإسلام ولا اعتبرهم مسلمين."
ولبلال أحد أبناء إردوغان الأربعة أنشطة في الشحن والتجارة البحرية ويتحكم في عدد من ناقلات النفط من خلال شركته الخاصة وشراكات مع كيانات أخرى. ونفى بلال أن له أي أنشطة شحن وقال إن شركته ملتزمة بعقد لبناء "ناقلات نهرية" لعميل روسي لكنها لا تشغل السفن بنفسها.
كما نفى ان يكون شقيقه براق نقل نفطا من أراض خاضعة لسيطرة داعش وقال "إنه يملك سفينة شحن لكن لا يمكن استخدامها كناقلة نفط." وقال بلال إن الرئيس السوري بشار الأسد يستفيد من بيع النفط الذي تنتجه داعش وقال "إذا تتبعتم نفط داعش ستجدون الأسد." وكانت دمشق اتهمت في السابق حكومة انقرة التي تناصبها العداء بالسماح لعناصر من داعش بتهريب بضائع من شمال سوريا. بحسب رويترز.
وتوترت العلاقات بين تركيا وروسيا بشدة بعدما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية زعمت انها اخترقت مجالها الجوي عند الحدود السورية. وقالت تقارير إعلامية روسية إن بلال منخرط بشكل مباشر في تجارة نفط مع داعش وإن تركيا اسقطت الطائرة الروسية لحماية هذه التجارة. وحضر بلال إلى إيطاليا في وقت سابق برفقة زوجته واسرته لاستكمال دراسة الدكتوراه في مدينة بولونيا. ويتهمه منتقدون بانه فر من تركيا في أعقاب مزاعم فساد سابقة. ونفى بلال ارتكاب أي مخالفات وقال إنه في إيطاليا للتركيز في دراسته.
إهانة الرئيس
على صعيد متصل طلبت محكمة تركية من عدد من الخبراء تقييم شخصية "غولم" من فيلم "ملك الخواتم"، ضمن إجراءات قضية اتُهم فيه شخص بإهانة الرئيس رجب طيب أردوغان، لنشره صور شبهه فيها بشخصية "غولم". وسيحدد الخبراء ما إذا كان في الأمر إهانة لأردوغان، لكن المعايير التي يصل بحسبها الخبراء إلى قرارهم غير معلومة.
وظهرت شخصية "غولم" لأول مرة في فيلم "ذا هوبيت"، كـ "مخلوق نحيف وصغير". ثم قُدمت لاحقا في ثلاثية "ملك الخواتم"، حيث شوش شغفه للخاتم على عقله وجسده. وتتكون مجموعة الخبراء من اثنين من الأكاديميين، واثنين من علماء السلوك أو علم النفس، وخبير في الإنتاج السينمائي والتليفزيوني، وذلك بحسب تقارير جريدة "زمان" التركية. واتخذ القاضي قراره بعد إقراره بعدم مشاهدة سلسلة "ملك الخواتم" كاملة. وأُجلت القضية حتى شهر فبراير/شباط القادم.
وأظهرت الصور محل الاتهام أردوغان في أوضاع مشابهة لـ "غولم"، وهو يأكل، أو يعبر عن دهشته. وتعتبر إهانة الرئيس التركي جريمة عقوبتها السجن. وتعرض سجل حرية التعبير ومعاملة الصحفيين للكثير من الانتقادات في السنوات الأخيرة، إذ يرى البعض تزايد حساسية حكومة أردوغان تجاه النقد. ويعمل الفريق القضائي الخاص بأردوغان على دعم عدد من القضايا التي يحركها محامون وأفراد ضد آخرين بتهمة إهانة أردوغان.
الى جانب ذلك اوقفت الشرطة التركية في اسطنبول رئيس تحرير صحيفة يومية ناطقة بالانكليزية ومقربة من المعارضة بتهمة "شتم" الرئيس رجب طيب اردوغان على شبكات التواصل الاجتماعي، وفق ما اوردت الصحيفة. وتم توقيف بولنت كينيس من قبل شرطيين بالزي المدني في مقر صحيفة "تودايز زمان" امام مئات من زملائه والعاملين بالصحيفة الذين رفعوا يافطات كتب عليها "وسائل الاعلام الحرة لن تصمت".
واقتيد رئيس التحرير الى سيارة حتى قصر العدل باسطنبول وفق ما افادت قناة سمانيولو القريبة من مجموعة "زمان" والتي نقلت عملية التوقيف مباشرة. وامر قاض بتوقيف كنيس الملاحق لنشره تغريدات. وكان رئيس تحرير النسخة الانكليزية من صحيفة "زمان" الاكثر مبيعا في تركيا حكم عليه في حزيران/يونيو بالسجن 21 شهرا مع وقف التنفيذ اثر نشره تغريدة "مهينة" لاردوغان. بحسب فرانس برس.
وتعتبر "زمان" مقربة من الداعية فتح الله غولن الذي اصبح العدو الاول لاردوغان منذ فضيحة فساد هزت نظامه في نهاية 2013. وتعرض العديد من وسائل الاعلام لعمليات دهم من الشرطة او تحقيقات قضائية بداعي بث "دعاية ارهابية" لمصلحة حزب العمال الكردستاني خصوصا مجموعة دوغان التي تملك يومية "حرييت" وقناة "سي ان ان تورك" الاخبارية.
عرض مسرحي
من جانب اخر عرضت وسائل اعلام تركية تسجيلا مصورا يظهر نجاح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في ثني رجل عن محاولة الانتحار عبر رمي نفسه من اعلى جسر البوسفور الشهير في اسطنبول. فلدى مرور موكبه على هذا الجسر الذي يربط الضفتين الاوروبية والآسيوية لمدينة اسطنبول على ارتفاع 64 مترا فوق البحر، لمح الرئيس التركي رجلا كان يهدد برمي نفسه من اعلى الجسر وفق معلومات اوردتها وكالة دوغان التركية للأنباء.
عندها أمر اردوغان سائقي الموكب بالتوقف وأرسل حراسه ومستشاريه الى الرجل الذي عرفت وكالة دوغان عنه بإسم وزير ش. كما توجه اليه مباشرة بالكلام عبر نافذة سيارته المصفحة. وبعد ساعة ونصف الساعة من محاولات عناصر الشرطة والمارة ثني الرجل عن رمي نفسه، كانت خمس دقائق من المداولات مع الرئيس التركي كافية لاقناعه بالعدول عن خطوة الانتحار بحسب الوكالة التركية.
وعرضت وكالة دوغان تسجيلا مصورا يظهر الرجل العائد من محاولة الانتحار هذه متجها نحو سيارة اردوغان قبل ان يقبل يد الرئيس التركي. وقد شرح الرجل المتحدر من مدينة سعرد في جنوب شرق البلاد للرئيس التركي أنه يعاني مشكلات عائلية خطيرة، على ما افادت من ناحيتها وكالة الاناضول الإخبارية الموالية للحكومة. بحسب فرانس برس.
وقد انتشرت هذه المعلومات سريعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تركيا وأثارت ردود فعل متباينة حيالها. وكتب أحد مؤيدي اردوغان على تويتر "هو يشارك شخصيا في انقاذ مواطن يهم بالانتحار، هذا النموذج الذي يجب أن يكون عليه زعيم شعب". من ناحيتها كتبت معارضة لسياسات الرئيس التركي "لقد نجح في ثني رجل عن الانتحار. قد نستطيع اقناعه بالتراجع عن سياسته الوحشية في حق الأكراد".
على صعيد متصل كشف معارضون أتراك هوية الرجل الذي حاول الانتحار من جسر البوسفور بتركيا وقام أردوغان بإنقاذه بعد أن أقنعه بالعدول عن ذلك وعلاقته بحزب الرئيس التركي أردوغان الذي روج للحادثة على أوسع نطاق رغم انتشارها من خلال الانترنت. ووصف المعارضون إنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رجلاً حاول الانتحار بالمسرحية الهزلية حيث تدخل أردوغان في الوقت المناسب لإقناع الرجل بالعدول عن فكرة الانتحار عندما كان يهم بالقفز من جسر البوسفور.
لكن السيناريو لم يصمد كثيراً بعد أن نجح مغردون أتراك في الوصول إلى هوية الرجل الانتحاري، ما يكشف عن الهدف من اللقطة العفوية التي حصلت في عاصمة السلطنة العثمانية السابقة. وقال مغردون أتراك، إن الرجل الذي أنقذه أردوغان، ليس كردياً ولا مكتئباً ولا يُعاني مشاكل من أي نوع كان، ولكنه مسؤول في إحدى الجمعيات التابعة لحزب العدالة والتنمية "الجمعية العثمانية". وكان الإعلام الرسمي التركي قد حرص على تقديم الرجل في صورة "المضطرب" الذي يعاني مشاكل مع زوجته ومن الاكتئاب مع الإيحاء بأصوله الكردية بذكر أنه من محافظة سيرت جنوب شرق البلاد" ذات الغالبية الكردية.
اضف تعليق