تُدرّ هذه الرسوم إيرادات للحكومات التي تفرضها وتُستخدم عادة لحماية الشركات والعمال من المنافسة الخارجية. ويمكن أن تجعل هذه الرسوم السلع المحلية أكثر تنافسية من حيث التكلفة، ما يشجع المشترين على اختيار الانتاج المحلي بدلا من المستورد. يرى ترامب أن فرض رسوم جمركية على الواردات الرئيسية سيدفع الشركات...

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة على السلع الورادة إلى الولايات المتحدة تهديدات بالرد وسط تقييم الشركات والحكومات لتداعيات حرب تجارية متصاعدة تهدد وضع تحالفات عالمية.

وأدت العقوبات المعلنة إلى اضطرابات في الأسواق العالمية واستنكرها العديد من قادة الدول حول العالم الذي يُعتقد أنه يواجه نهاية حقبة التجارة الحرة التي شكلت النظام العالمي لعقود.

وهدّد شركاء الولايات المتحدة التجاريون بالرد بينما أعطوا الأولوية للحوار معها، غداة الهجوم التجاري الضخم الذي شنه الرئيس دونالد ترامب وأدى إلى انخفاض البورصات العالمية وإثارة المخاوف من عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.

وعقب الإجراءات التي وصفها الرئيس الأميركي بأنها “إعلان استقلال اقتصادي”، بدأ العالم المالي في التفاعل سلبا. وفي آسيا، تراجعت بورصة طوكيو بنحو 3% عند الإغلاق، بينما في أوروبا خسرت بورصة فرانكفورت 2,45% عند الافتتاح، وباريس 2,15%، ولندن 1,44%.

وقال الرئيس الأميركي “لقد تعرضت بلادنا للنهب والسلب والاغتصاب والتدمير من دول قريبة وبعيدة، حليفة وعدوة على حد سواء”، قبل أن يعرض قائمة بشركاء التجارة المعنيين. 

ويتضمن الهجوم الحمائي الذي يشنه البيت الأبيض، وهو غير مسبوق منذ ثلاثينات القرن العشرين، تعرفات جمركية إضافية بنسبة 10% كحد أدنى على كل الواردات ونسب أعلى على البلدان التي تعتبر معادية بشكل خاص في المسائل التجارية.

والزيادة هائلة بالنسبة إلى الصين التي ستخضع منتجاتها لضريبة استيراد جديدة بنسبة 34%، تضاف إلى الرسوم الجمركية البالغة 20% التي فرضتها عليها واشنطن سابقا.

كما فرضت ضريبة بنسبة 20% على سلع الاتحاد الأوروبي، و24% على اليابان، و26% على الهند، و46% على فيتنام.

ومن المقرر أن تدخل الضريبة العامة البالغة 10% حيز التنفيذ في الخامس من نيسان/أبريل عند الساعة 04,01 بتوقيت غرينتش، فيما ستدخل الرسوم الجمركية الأعلى حيز التنفيذ في التاسع من الشهر نفسه.

وتراوحت ردود الفعل بين الدعوات إلى الحوار والتهديد بالمواجهة، ولم تكشف حتى الآن أي جهة عن رد واضح.

وأعلنت برلين أنها تدعم الاتحاد الأوروبي في مساعيه للتوصل إلى “حل تفاوضي” مع واشنطن. ولم تستبعد باريس فرنسا وكذلك ألمانيا “استهداف الخدمات الرقمية” في الرد الأوروبي المحتمل الذي يجري بحثه حاليا مع اجتماع لممثلي القطاعات الأكثر تضررا.

وأبقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الباب مفتوحا أمام المفاوضات مع الإدارة الأميركية، معتبرة أنه من الممكن إيجاد حل تفاوضي ومؤكدة في الوقت نفسه أن الأوروبيين “مستعدون للرد”.

وفي حين دعت بعض الدول إلى ضبط النفس والحوار مع واشنطن لتجنب التصعيد، انتقدت أخرى السياسة الأميركية بشدة.

وحضّت بكين واشنطن على “إلغاء” هذه الرسوم الجمركية على الفور، داعية إلى “الحوار” في مواجهة خطر “تهديد التنمية الاقتصادية العالمية”، وفقا لوزارة التجارة.

وتعتقد الحكومة اليابانية أن حليفتها الولايات المتحدة ربما انتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية واتفاقهما التجاري الثنائي. واستنكرت أستراليا الإجراءات بحقها ووصفتها بأنها “ليست من تصرفات صديق”.

يرى موريس أوبستفيلد، الخبير الاقتصادي في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن هذا “إعلان حرب على الاقتصاد العالمي”، خصوصا أن تحديد مستويات الضرائب يثير تساؤلات حول المنهجية المستخدمة.

وتهدف هذه الرسوم الإضافية أيضا إلى الرد على ما يسمى بالحواجز “غير الجمركية” أمام السلع الأميركية، مثل المعايير الصحية والبيئية.

وأعلن البيت الأبيض أن بعض السلع لن تتأثر: سبائك الذهب، المنتجات الصيدلانية، أشباه الموصلات، النحاس، أخشاب البناء، ومنتجات الطاقة والمعادن التي لا توجد على الأراضي الأميركية.

لكن التعرفات لم تشمل روسيا وكوريا الشمالية على اعتبار أنهما لم تعودا شريكين تجاريين مهمين، وفق ما أفاد مسؤول أميركي.

وحذّر وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الدول المعنية بالتعرفات الجديدة قائلا “استرخوا، تحمّلوا الضربة، وانتظروا لمشاهدة كيف سيتطوّر الوضع، لأنّه إذا ردّيتم سيكون هناك تصعيد”.

كما لا تظهر المكسيك ولا كندا على القائمة الجديدة، فباعتبارها من موقعي اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فإنهما تخضعان لنظام مختلف.

لكنّ البلدين، مثل بقية العالم، سيتأثران بالضريبة الإضافية البالغة 25% على السيارات المصنعة في الخارج والتي دخلت حيز التنفيذ صباح الخميس.

وانتقد قطاع صناعة السيارات الألمانية الرسوم الجمركية الجديدة، مؤكدا أن “الجميع خاسرون” من جرائها.

وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيضا رسوما جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، وهو ما سيؤدي إلى اتخاذ “إجراءات مضادة”، بحسب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني.

ولم تتأثر المملكة المتحدة إلا نسبيا بعد فرض رسوم عليها بنسبة 10%، فيما تتفاوض مع واشنطن على اتفاقية تجارية ثنائية، لكن هذه العقوبات الأميركية سيكون لها “تأثير” على الاقتصاد البريطاني، بحسب ما أكد رئيس الوزراء كير ستارمر.

أما صناعة الكيميائيات الألمانية التي تُعتبر الولايات المتحدة أكبر مستورد لمنتجاتها، فحضّت الاتحاد الأوروبي إلى “التحلي بالهدوء”. 

ويقدم دونالد ترامب الرسوم الجمركية باعتبارها عصا سحرية قادرة على إعطاء دفعة للصناعات الأميركية، وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري، والقضاء على العجز في الميزانية.

وحذّر زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر من أن الهجوم الحمائي “سيكلف الأسرة الأميركية المتوسطة أكثر من 6000 دولار سنويا” في شكل ارتفاع في أسعار السلع المستوردة.

صدمة قد تؤدي الى انهيار النظام العالمي

أعلان ترامب أنه سيفرض رسوما بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة ورسوما جمركية أعلى على عدد من أكبر الشركاء التجاريين للبلاد، سيؤثر على سلع متنوعة منها القهوة الإيطالية الفاخرة والويسكي الياباني والملابس الرياضية المصنوعة في آسيا. وقالت شركة ستيلانتيس لصناعة السيارات إنها ستسرح العمال الأمريكيين مؤقتا وتغلق مصانعها في كندا والمكسيك.

وانتقد حلفاء واشنطن وخصومها الإجراءات التي يخشون أن توجه ضربة مدمرة للتجارة العالمية.

ووفقا لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، تعد الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة الأعلى منذ أكثر من قرن.

وتواجه الواردات إلى أكبر سوق استهلاكية في العالم الآن رسوما جمركية بنسبة 22.5 بالمئة في المتوسط، بعد أن كانت 2.5 بالمئة العام الماضي.

ويقول ترامب إن الرسوم الجمركية "المضادة" هي رد على الحواجز المفروضة على السلع الأمريكية، على الرغم من أن قائمة أهدافه شملت جزرا غير مأهولة في المنطقة القطبية الجنوبية.

ووقعت بعض أعلى الزيادات على دول فقيرة في أفريقيا.

وقال نائب الرئيس جيه. دي فانس لشبكة فوكس نيوز "نعلم أن كثيرين من الأمريكيين قلقون... ما أود أن أطلب من الناس أن يقدروه هنا هو أننا لن نصلح الأمور بين عشية وضحاها".

وحذر اقتصاديون من أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي وتزيد مخاطر الركود وترفع تكاليف المعيشة للأسرة الأمريكية بآلاف الدولارات. وقد يشكل هذا نقطة ضعف محتملة لرئيس شن حملته الانتخابية على أساس وعده بخفض تكاليف المعيشة.

وقال ترامب على منصة تروث سوشيال للتواصل الاجتماعي "انتهت العملية! نجا المريض ويتعافى".

وتستهدف الحواجز التجارية الجديدة التي فرضها ترامب بعضا من أهم حلفائه.

وفي آسيا، استُهدفت اليابان برسوم جمركية بنسبة 24 بالمئة وكوريا الجنوبية بنسبة 25 بالمئة وكلا البلدين يستضيف قواعد عسكرية أمريكية رئيسية. كما فرضت رسوم جمركية على تايوان بنسبة 32 بالمئة في وقت تواجه الجزيرة فيه ضغوطا عسكرية متزايدة من الصين.

أما في أوروبا، فقد ذكر تقرير صادر عن معهد أبحاث ألماني أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي قد يخسر 750 مليار يورو (833.63 مليار دولار) بسبب الرسوم الجمركية. ويزعج ترامب بالفعل الحلفاء في شمال الأطلسي بمطالبته لهم بزيادة الإنفاق الدفاعي وتقديم تنازلات محتملة لروسيا في حربها في أوكرانيا.

واقترح روبرت هابيك وزير الاقتصاد الألماني تعزيز العلاقات الاقتصادية مع كندا والمكسيك قائلا "هناك فرص واعدة لتحالفات جديدة، علينا استغلالها بعزم وحزم".

ولم يتعرض هذان البلدان، وهما أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، للرسوم الجمركية التي أعلنت يوم الأربعاء.

لكن كندا والمكسيك تواجهان بالفعل رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على سلع كثيرة، وأصبحتا الآن تواجهان مجموعة منفصلة من الرسوم الجمركية على واردات السيارات.

وقال مسؤولون مكسيكيون إنهم سيواصلون المفاوضات مع إدارة ترامب. وقالت كندا إنه يتعين إصلاح اقتصادها ليكون أقل اعتمادا على الولايات المتحدة وتعهدت بالرد على رسوم ترامب.

وقال رئيس الوزراء الكندي مارك كارني يوم الخميس إنه تحدث إلى المستشار الألماني أولاف شولتس بشأن تعزيز العلاقات التجارية.

وأضاف على وسائل التواصل الاجتماعي "بينما نواجه الأزمة الناجمة عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، أصبح الشركاء التجاريين الموثوق بهم أكثر أهمية من أي وقت مضى".

أم المعارك التجارية

وأطلق دونالد ترامب أم المعارك التجارية تنفيذا لما توعد به باستمرار منذ حملته الانتخابية، مع فرض رسوم جمركية جديدة هدفها افتتاح “عصر ذهبي” للولايات المتحدة، غير أنها قد تتسبب بانهيار الاقتصاد العالمي.

كتب ترامب عبر منصته “تروث سوشال” للتواصل الاجتماعي الأربعاء “هذا هو يوم التحرير في الولايات المتحدة”، في إشارة الى المشروع الذي وعد بتحقيقه.

غير أن حكيم جيفريز زعيم الديموقراطيين في مجلس النواب اعتبر أنه “ليس يوم التحرير. إنه يوم الكساد”.

وقد تكون الوطأة هائلة على الاقتصاد العالمي. ففي العام 2024 استوردت الولايات المتحدة حوالى 3300 مليار دولار من البضائع.

وكان الرئيس الجمهوري البالغ 78 عاما وعد الإثنين بأنه سيكون “لطيفا جدا” مع شركاء بلاده التجاريين، محافظا على نهجه المتقلب الذي يصعب التكهن به.

ووجه تيتسويا كيمورا، وهو رئيس شركة يابانية صغيرة في قطاع السيارات، رسالة إلى ترامب، بقوله لفرانس برس “اتركنا وشأننا”. 

وقاله أليخاندرو إسبينوزا، بينما كان ينتظر ليعبر الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة بشاحنته “نحن لا نسرق شيئا من أحد. نعمل لعائلاتنا كما يعملون لعائلاتهم”.

سياسيا، لا يستطيع ترامب أن يتراجع تماما عن فرض الرسوم الجمركية التي وصفها بأنها “أجمل كلمة في القاموس”، بعدما روّج لها على أنها عصا سحرية قادرة على النهوض مجددا بالصناعة الأميركية وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري وسد العجز في الميزانية. 

وترامب المعجب بالنهج الحمائي المطبق في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، بستخف بالمخاوف بشأن مخاطر التضخم وانهيار البورصات، وهو الذي انتخب بناء على وعد بخفض كلفة المعيشة على الأميركيين.

وتحدث محللون في غولدمان ساكس في مذكرة عن المخاطر الاقتصادية المرتبطة بمجموعة واسعة من الرسوم الجمركية سيكون لها التاثير السلبي ذاته مثل زيادة في الضرائب، على الاستهلاك والقدرة الشرائية.

وتستهدف التدابير الجديدة بصورة أولية الدول التي تسجل فائضا في الميزان التجاري تجاه الولايات المتحدة أو التي يتهمها البيت الأبيض بـ”إغلاق أسواقها” بوجه الصادرات الأميركية.

ويتهم الرئيس الأميركي بشكل متكرر العالم وتحديدا حلفاء الولايات المتحدة بـ”استغلال” بلاده أو حتى “نهبها”.

وأكد ترامب عند إعلانه الرسوم على السيارات “سنفرض رسوما على الدول التي تتاجر مع بلدنا وتسلب وظائفنا وثروتنا وأشياء كثيرة منذ سنوات عديدة” مضيفا “أخذوا الكثير من بلادنا، سواء الأصدقاء أو الأعداء، وبصراحة غالبا ما كان الأصدقاء أسوأ بكثير من الأعداء”.

ويتهم ترامب الدول الأخرى بـ”نهب” الولايات المتحدة واستغلال إمكانية الوصول إلى السوق الأميركية بدون أن تفتح في المقابل أسواقها، منددا على الدوام بميزان تجاري غير متكافئ حيث تستورد الولايات المتحدة بضائع أكثر مما تصدر.

ويرى أن الحواجز ليست جمركية فحسب كما في الصين والهند، بل هي كذلك تنظيمية، منتقدا الضرائب الداخلية التي تفرضها الدول الأوروبية معتبرا أن مستوى ضريبة القيمة المضافة المطبقة في هذه الدول مرتفع أكثر مما ينبغي.

مشروع 2025

ولا عجب في أن يكون هذا المروّج العقاري السابق الذي ينظر إلى المفاوضات الدبلوماسية من منظور الصفقات التجارية متمسّكا بهذا السلاح الذي يقيم موازين قوى ويعزّز الطروحات القومية.

وتبدو المقاربة أكثر متانة هذه المرّة، حتّى وإن لم يكن مستبعدا أن يبدّل الرئيس الأميركي موقفه ومع العلم أنه لا يقرن دوما الأقوال بالأفعال.

وبغية سبر أغوار هذه المنهجية، لا بدّ من العودة إلى “مشروع 2025” وهو برنامج حكومي جدّ محافظ ومفصّل يستلهم منه ترامب الكثير من قرارات ولايته الثانية وقد أعدّه بيتر نافارو الذي عيّن مستشارا للرئيس في شؤون التجارة.

وجاء في فقرة تحمل عنوان “من أجل تجارة منصفة” أن “أميركا تتعرّض للنهب كلّ يوم” ودعا فيها نافارو إلى عكس “عقيدة” التجارة الحرّة المتشرّبة “بفكر العولمة” والتي وضعت في “برج عاجي جامعي”.

ويوصي نافارو الذي استعاد البيت الأبيض الكثير من طروحاته خصوصا بالردّ على الحواجز “غير التعريفية” من خلال فرض وابل من الرسوم على البلدان التي تحمي أسواقها بلوائح تنظيمية.

ومن اللافت أن تحليله المستفيض في “مشروع 2025” مستتبع ببيان حجج مضادة من توقيع كينت لاسمان المعروف بتأييده التجارة الحرّة المضبوطة.

ويدعو لاسمان الذي من الجلّي أنه لم يعتدّ برأيه إلى التحلّي “بالتواضع” في السياسة التجارية، كاتبا أن الرسوم “ليست ترياقا”.

ويسترشد ترامب في نهجه الحمائي بالحقبة المعروفة بالعصر الذهبي التي تخلّلها نموّ ديموغرافي كبير وابتكارات تكنولوجية لامعة وإنتاج صناعي متسارع الوتيرة بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ومن أوّل القرارات التي أخذها الملياردير الجمهوري بعد عودته إلى البيت الأبيض تكريم ذكرى “ملك الرسوم الجمركية” في نظره، الرئيس وليام ماكينلي (1897-1901) الذي عرُف باعتناقه نهجا حمائيا.

وقرّر ترامب أن يعيد إلى دينالي وهي أعلى قمّة في أميركا الشمالية تقع في ألاسكا اسمها السابق “جبل ماكينلي” بعد تغييره نزولا عند رغبة السكان الأصليين.

وكرّر الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة أن الولايات المتحدة لم تبلغ “يوما مستوى ثرائها بين 1870 و1913″، مسوّغا هذا المجد الغابر بالرسوم الجمركية المرتفعة وقتذاك.

ويشير المؤرّخون من جهتهم إلى أن “العصر الذهبي” وإن كان قد سمح بإثراء بعض أصحاب المصارف وشركات الصناعة ثراء فاحشا، فقد عانى خلاله الملايين من الفقر الشديد.

واشتقّ اسم الحقبة من رواية لمارك تواين وتشارلز دادلي وورنر حول مضاربين يتملّكهم الجشع وسياسيين ينخرهم الفساد.

ما هي الرسوم الجمركية؟ 

الرسوم الجمركية هي تعريفات تدفعها الشركات المستوردة مقابل مشترياتها من السلع الأجنبية. 

وعند فرض الرسوم يتعين على الشركات الاختيار بين دفع مزيد من المال مقابل السلع الأجنبية، وربما تحميل المستهلكين هذه التكاليف، أو البحث عن بدائل.

تُدرّ هذه الرسوم إيرادات للحكومات التي تفرضها وتُستخدم عادة لحماية الشركات والعمال من المنافسة الخارجية.

ويمكن أن تجعل هذه الرسوم السلع المحلية أكثر تنافسية من حيث التكلفة، ما يشجع المشترين على اختيار الانتاج المحلي بدلا من المستورد.

يرى ترامب أن فرض رسوم جمركية على الواردات الرئيسية سيدفع الشركات إلى نقل المزيد من عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة أو شراء منتجات أميركية الصنع، لتجنب الرسوم الإضافية. 

ومن الأمثلة الشائعة على ذلك “الضريبة على الدجاج” في ستينيات القرن الماضي عندما عارض الرئيس ليندون جونسون الرسوم الجمركية الأوروبية على الدواجن الأميركية وفرض في المقابل ضريبة على الشاحنات المستوردة. 

وحاليا لا تزال رسوم جمركية أميركية بنسبة 25 بالمئة مطبقة على الشاحنات الخفيفة، أحد الأسباب الرئيسية لكون معظم شاحنات البيك أب المباعة محليا تُصنع في أميركا الشمالية.

ويقول البيت الأبيض إن الرسوم الجمركية الجديدة قد تُدرّ أيضا أكثر من 6 تريليونات دولار على الخزائن الفدرالية على مدى العقد المقبل، أي حوالي 600 مليار دولار سنويا ، علما بأنه لم يُفصح عن خططه بالكامل بعد. 

وفيما تسدد الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، الرسوم الجمركية عادة، قال مسؤولو البيت الأبيض إن البائعين الأجانب سيتحملون الزيادة بخفض أسعارهم وسط سعيهم للتعامل مع أكبر اقتصاد في العالم. 

ويقول مؤيدو سياسات ترامب التجارية أيضا إن الرسوم الجمركية لم تُسبب تضخما واسع النطاق خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض.

غير أن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن زيارة الرسوم الجمركية قد تلحق أذى اقتصاديا بالقطاعات المتضررة، فيما تسبب نهج ترامب غير المتسق في إعلان الرسوم في تراجع الأسواق المالية.

وإذا عجزت الشركات عن تحمل الرسوم الإضافية ورفض البائعون الأجانب خفض أسعارهم، فقد ينتقل عبء الرسوم إلى شركات أخرى أو إلى المستهلكين. 

وقال محللون لدى مؤسسة ويدبوش للخدمات المالية إن رسوم ترامب الجمركية البالغة 25 بالمئة على السيارات وقطع غيارها قد تتسبب بارتفاع سعر السيارة العادية بين 5000 و10000 دولار.

 وأضافوا أن شركات صناعة السيارات الأميركية التي تُنتج مركبات في البلاد تستهلك ما يصل إلى 50 بالمئة من قطع الغيار الأجنبية. 

ورأوا أن “نقل 10 بالمئة من سلسلة توريد السيارات إلى الولايات المتحدة سيستغرق ثلاث سنوات، وسيُكلف مئات المليارات مع الكثير من التعقيد والتعطيل”.

وتقدر كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة نيشن وايد للتأمين والخدمات المالية كاثي بوستجانسيك أن تتسبب الرسوم الجمركية الأخيرة على السلع الصينية إلى جانب واردات الصلب والألمنيوم، بارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة تصل إلى 9 بالمئة. 

وقالت إن أسعار الأجهزة المنزلية قد ترتفع أيضا بما يصل إلى 15 بالمئة.

 وتُثير رسوم ترامب الجمركية ردود فعل انتقامية أيضا وقد تسببت تدابير مضادة بين منتصف 2018 وأواخر 2019 في خسائر في الصادرات الزراعية الأميركية تجاوزت 27 مليار دولار.

وقالت مؤسسة الأبحاث تاكس فاوندشين المعنية بالسياسات الضريبية والتحاليل الاقتصادية إن “بناء على بيانات تحصيل الإيرادات الفعلية أدت رسوم الحرب التجارية بشكل مباشر إلى زيادة تحصيل الضرائب بمقدار 200 إلى 300 دولار سنويا لكل أسرة أميركية في المعدل”. 

وأضافت أن هذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار “انخفاض الدخل نتيجة انكماش الإنتاج بسبب الرسوم الجمركية، ولا تراجع خيارات المستهلكين” مع بحث المشترين عن بدائل معفاة من الرسوم.

عملية حسابية بسيطة

ويتوقع البيت الأبيض جني عائدات كبرى من الرسوم الجمركية، وأكد مسؤول للصحافة أن الرسوم الجديدة ستدر “مئات مليارات الدولارات، ربما حتى ألف مليار” على مدى سنة كاملة.

وسيستخدم ترامب هذه العائدات لتمويل جزء من التخفيضات الضريبية التي يعتزم منحها للأميركيين، مع الإبقاء من حيث المبدأ على نظام التقاعد والضمان الصحي للمسنين، بدون المس بالإنفاق العسكري.

ويعتبر ترامب أن ارتفاع الأسعار الذي سينتج عن الرسوم المشددة سيقابله ارتفاع في القدرة الشرائية بفضل تخفيضات ضريبية والتراجع المتوقع في أسعار الطاقة نتيجة سياسته الداعمة لمصادر الطاقة الأحفورية.

وبحسب توقعات جامعة يال، فإن الفاتورة قد تكون باهظة على الأسر الأميركية، مع ترقب تراجع عائداتها بمتوسط يزيد عن 2700 دولار للعائلة، وأكثر من 3000 دولار إذا رد شركاء الولايات المتحدة على الرسوم الجديدة.

وقد لجأ البيت الأبيض إلى عملية حسابية بسيطة لتحديد الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء وطبّقها بشكل موحّد على جميع البلدان مما أثار انتقادات وتساؤلات خبراء الاقتصاد، بمن فيهم الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان. 

وقال ترامب إنه يريد معاملة الآخرين بالمثل، لكنّ الأرقام التي أعلنها لا تتوافق مع مستوى الرسوم الجمركية الحالية. 

وبناء على حسابات البيت الأبيض، تفرض الصين ضريبة بنسبة 67% على المنتجات الأميركية، لكنّ أرقام منظمة التجارة العالمية تبين أنّ بكين فرضت في عام 2024 على واشنطن تعرفة جمركية قدرها 4,9% في المتوسط.

والفجوة واسعة بالقدر نفسه لدى حساب الرسوم التي يفرضها الاتحاد الأوروبي (1,7% وفقا لمنظمة التجارة العالمية، و39% وفق ترامب) والهند (6,2% مقابل 52%). 

ويقول البيت الأبيض إنه أخذ في الاعتبار حواجز تجارية أخرى إلى جانب التعرفات الجمركية، بما في ذلك المعايير البيئية والتلاعب بسعر العملة. 

ونشر الممثل التجاري للولايات المتحدة صيغة تحتوي على متغيّرات متعدّدة عبّر عنها بالأحرف اليونانية. لكنّ العديد من هذه المتغيرات يلغي بعضه بعضا ويجعل المسألة قسمة بسيطة. 

في الواقع، لحساب الرسوم الجمركية المفترضة، قام البيت الأبيض بتقسيم الميزان التجاري (الفرق بين الواردات والصادرات) على قيمة الواردات وذلك بغضّ النظر عن البلد ومن دون أخذ خصوصيات الروابط التجارية في الاعتبار. 

ويؤكد خبراء الاقتصاد في دويتشه بنك أنّ “الصيغة تعتمد على القيمة النسبية للفائض التجاري مع الولايات المتحدة”. 

وكتب بول كروغمان على مدوّنته “هذا النهج حافل بالأخطاء إلى درجة يصعب معها أن نعرف من أين نبدأ”. 

وأشار على وجه الخصوص إلى أنّ الحسابات تأخذ في الاعتبار السلع المتداولة فقط، وتتجاهل الخدمات. وهي طريقة “غبية”، في نهاية المطاف، كما يقول. 

وبتطبيق الصيغة التي نشرتها الإدارة على بيانات عام 2024 التي نشرها مكتب الإحصاء الأميركي، حصلت وكالة فرانس برس على الأرقام التي عرضها ترامب. والرسوم الجمركية الجديدة المعلنة لكل دولة تتوافق مع هذه النتيجة مقسومة على اثنين. 

وفي حال الحصول على أقلّ من 10%، أو في حالة وجود فائض تجاري، تطبّق الولايات المتحدة بشكل موحّد نسبة 10%. وهذه حال أكثر من مئة دولة أو إقليم، بما في ذلك المملكة المتحدة وأستراليا. ومع ذلك، لم يكن من الممكن فهم كيف تمّ الحصول على الرسوم الجمركية البالغة 10% التي تمّ فرضها على أفغانستان.

إضافة إلى ذلك، تعتمد الصيغة على افتراضات بسيطة لتقدير تأثير الزيادة في أسعار المنتجات المستوردة على الطلب المحلي الأميركي. ويُطلق على هذا المتغيّر اسم “المرونة”، وقيمته ثابتة لكل بلد، بغضّ النظر عن المنتج. 

هذا مع أن إحدى المقالات العلمية التي استشهد بها البيت الأبيض لدعم صيغته تؤكد أن المرونة “تختلف تبعا للمنتج والمستورِد”.

وعلى الرغم من التهكم من فرض رسوم ترامب الجمركية على جزر قطبية لا يقطنها أحد تقريبا سوى طيور البطريق، هناك جانب خطير لصيغة حساب هذه الرسوم ويتمثل في أنها تلحق الضرر ببعض من أفقر دول العالم.

والعملية الحسابية بسيطة تتمثل في قسمة العجز التجاري للسلع الأمريكية مع بلد ما على صادرات ذلك البلد للولايات المتحدة وتحويله إلى نسبة مئوية، ثم قسمة هذا الرقم (النسبة) إلى النصف للحصول على قيمة الرسوم الجمركية الأمريكية "المضادة" بحد أدنى 10 بالمئة.

والعملية الحسابية لإقليم "جزيرة هيرد وجزر ماكدونالد" الأسترالي البركاني في القطب الجنوبي بسيطة وتصل بالرسوم الجمركية إلى 10 بالمئة. وقد يقول البعض إن طيور البطريق محظوظة لأنها ستتحمل عبئا خفيفا.

لكن مدغشقر، وهي واحدة من أفقر الدول في العالم حيث يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قليلا عن 500 دولار، وتواجه في الوقت نفسه رسوما جمركية بنسبة 47 بالمئة بناء على صادرات متواضعة إلى الولايات المتحدة العام الماضي بقيمة 733 مليون دولار من الفانيليا والمعادن والملابس.

وقال جون دينتون، رئيس غرفة التجارة الدولية لرويترز "على فرضية أنه لا أحد هناك يشتري سيارات تسلا"، في إشارة ساخرة إلى استحالة قدرة مدغشقر على استرضاء ترامب بشراء المنتجات الأمريكية الفاخرة.

ومدغشقر ليست وحيدة في هذا الموقف. فصرامة المعادلة عند تطبيقها على اقتصادات لا تستطيع تحمل تكاليف الاستيراد من الولايات المتحدة تؤدي حتما إلى ارتفاع النسبة لتكون مثلا 50 بالمئة على ليسوتو في منطقة جنوب قارة أفريقيا، و49 بالمئة على كمبوديا في جنوب شرق آسيا.

وقال دينتون "أكبر الخاسرين هما أفريقيا وجنوب شرق آسيا"، وأضاف أن هذه الخطوة "تخاطر بإلحاق ضرر أكبر بتوقعات التنمية في بلدان تواجه بالفعل تدهورا في بنود التبادل التجاري".

لكن الصيغة تثير الارتباك أيضا بين الدول الغنية. فصيغة الحساب بالنسبة للاتحاد الأوروبي تمخضت عن رسوم جمركية عقابية بنسبة 20 بالمئة، أي أربعة أمثال نسبة الخمسة بالمئة التي حسبتها منظمة التجارة العالمية كمتوسط لمعدل الرسوم الجمركية للاتحاد الأوروبي.

وقال ستيفانو بيرني، المدير العام للاتحاد الذي يمثل صانعي جبن جرانا بادانو الفاخرة في إيطاليا "لذا، على الأقل بالنسبة لنا، فإن هذا يمثل عدم دقة على نحو هائل".

وأضاف في بيان "دخول الولايات المتحدة يكلفنا اليوم ثلاثة أمثال ما يكلف الجبن الأمريكي للدخول إلى أسواقنا".

وحين سُئل كوش ديساي من الفريق الصحفي للبيت الأبيض عن المنهجية التي اتبعها البيت الأبيض في هذا الصدد، كتب على منصة إكس يقول "حسبنا حرفيا الحواجز الجمركية وغير الجمركية" وأرفق لقطة شاشة من ورقة بحثية للبيت الأبيض توضح الأساس الحسابي لهذه المعادلة.

وحين سُئل وزير التجارة هاورد لوتنيك على قناة سي.إن.بي.سي عن كيفية توصل إدارة ترامب إلى هذه الصيغة، لم يفسر الأمر مباشرة، لكنه قال إن خبراء الاقتصاد في مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة عملوا لسنوات على مقياس يعكس جميع الحواجز التجارية التي تضعها دولة معينة.

وأشار آخرون إلى أن ذلك أثار أيضا تساؤلات حول الرأي واسع الانتشار بأن ترامب يطلق مناورة فيما سيتحول إلى مناقشات مفردة مع كل دولة على حدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى تخفيض الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة بشدة.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق