تواجه السلطات المغربية العديد من التحديات والازمات الداخلية والخارجية التي قد تسهم وبحسب بعض الخبراء، بخلق حالة من عدم الاستقرار في هذا البلد الذي يعاني من مشكلات اقتصادية واخلاقية مزمنة، تفاقمت بشكل كبير بسبب تفشي الفساد في المؤسسات وارتفاع نسب البطالة والفقر وضعف القوانين، وهو ما دفع الشعب المغربي الى الخروج بمظاهرات واحتجاجات شعبية، اجبرت الحكومة على اعطاء وعود خاصة بإجراء بعض الاصلاحات الاقتصادية والسياسية التي لاتزال متعثرة لأسباب مختلفة.
ويرى بعض المراقبين ان تلك المشكلات وغياب الحلول العاجلة كان سببا في تعقيد الامور، حيث تفاقمت معدلات الجريمة بكل أنواعها، من استهلاك للمخدرات ودعارة وسرقة وقطع الطريق ورشوة ومحسوبية وغيرها من الجرائم تختلف في تصنيفها من جرائم اقتصادية وسياسية وجنسية، وفيما يخص بعض تلك المشكلات فقد قال المندوب العام للسجون في المغرب إن غالبية السجون تعاني من نسبة اكتظاظ تصل في بعضها الى 300% بسبب الارتفاع المتواصل لعدد السجناء الذي قارب 75 ألفا بنهاية أيلول/سبتمبر الماضي. ولاحظ محمد صالح التامك المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الادماج "ارتفاعا في ظاهرة الاكتظاظ بمعظم السجون حيث تصل في البعض منها الى 300%، بفعل الارتفاع المتواصل للسجناء الذين وصل عددهم الى 74759 الفا خلال ايلول/سبتمبر 2015".
وبحسب التامك فإن دراسة أجرتها مديريته "مكنت من استشراف الحاجيات المستقبلية فيما يتعلق بطبيعة السجون وطاقتها الاستيعابية، وذلك على أساس معطيات إحصائية موضوعية حول التطور النوعي والكمي للجرائم المرتكبة بمختلف أقاليم ومدن المملكة". وقد سجلت هذه الدراسة حسب المصدر نفسه "ارتفاع عدد السجناء الملاحقين في جرائم خطيرة تمس بالامن العام، واستمرار اشكالية المعتقلين الاحتياطيين الذين يشكلون نسبة 40,8% من مجموع المساجين".
ملاحقات قضائية
في السياق ذاته كشف تقرير صادر عن وزارة العدل والحريات المغربية عن ملاحقة 13 من قوات الامن خلال عام 2015 بتهم تتعلق بالتعذيب، وذلك بعد إجراء اكثر من 100 فحص طبي. وكشف التقرير الذي قدم خلال مناقشة موازنة هذه الوزارة أنه في قضايا سوء استغلال السلطة و"تعذيب الافراد، تمت ملاحقة 9 رجال أمن، وموظف سجن ورجل سلطة(قائد)، واثنين من رجال الدرك".
وبحسب التقرير، استجابت السلطات القضائية إلى 101 طلب اجراء فحص طبي والتحقيق في ادعاءات التعذيب، وأسفرت عن ملاحقة 13 فردا من قوات الامن. ووفقا لوزارة العدل فإن "سنة 2014 استجابت السلطات القضائية ل70 طلبا بإجراء الفحص الطبي فيما ارتفع هذا العدد إلى 101 طلب خلال 2015". واتخذت وزارة العدل المغربية بحسب التقرير نفسه "مقتضيات لمناهضة التعذيب". وفي السياق ذاته، قامت الوزارة بتتبع ما مجموعه654 شكوى لسجناء، تسلمتها عن طريق مدراء مؤسسات السجون او من طرف ذوي السجناء أو جمعيات حقوقية أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وطالبت منظمة العفو الدولية (أمنستي) المغرب في تقرير صادر في أيار/مايو الماضي ببذل المزيد من الجهد في مجال مكافحة التعذيب، معتبرة أن هذه الممارسة "ما زالت مستمرة" حيث "تستعمل لانتزاع اعترافات بالجرائم او لاسكات الناشطين وسحق الاصوات المعارضة". بحسب فرانس برس.
واثار التقرير استياء السلطات المغربية نظرا لتسجيله 171 حالة ادعاء بالتعرض للتعذيب، وهو ما اعتبرته الرباط مبالغا فيه متهمة المنظمة ب"التحامل وعدم الدقة" بسبب "عدم طلبها المعلومات من السلطات المغربية في أغلب تلك الملفات". وصادق المغرب في وقت سابق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في انتظار أن ينشئ آلية وطنية خلال عام كحد اقصى بعد التوقيع وفقا للبروتوكول.
الجرائم الجنسية
من جانب اخر دعت منظمات المجتمع المدني المغربي حكومة الرباط إلى تعزيز مكافحة الاعتداءات الجنسية على الأطفال. وحثتها على تشديد القوانين المرتبطة بذلك، كما ارتفعت أصوات مطالبة بـ"قانون خاص بالاعتداءات الجنسية" ضد القاصرين. ومع ازدياد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في المغرب، وتعدد الأحكام بالسجن التي غالبا ما تعتبر متساهلة، يحث اليوم عدد من المنظمات غير الحكومية السلطات على تعزيز مكافحة هذه الآفة، من الناحية القانونية وعبر مضاعفة جهود التوعية أيضا.
واعتبر مصطفى الراشيدي، محامي ومستشار جمعية "ما تقيسش ولدي" (لا تلمس ابني) "النصوص القانونية ليست متشددة كفاية" في موضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال. في المقابل ارتفع عدد من الأصوات لمطالبة الحكومة ب"قانون خاص بالاعتداءات الجنسية ضد الأطفال"، ومن بين هذه الأصوات خالد الشرقاوي السموني رئيس "الائتلاف ضد الاعتداءات الجنسية".
تضمنت تعديلات في القانون الجنائي المغربي في العام 2013 عقوبات شديدة بالسجن تراوح بين 10 و20 و30 سنة وغرامة قدرها 50 مليون سنتيم (45 ألف يورو)، في حق كل من يعتدي جنسيا أو يحاول الاعتداء على قاصر يقل عمره عن 18 سنة أو على عاجز أو معاق أو على شخص معروف بضعف قواه العقلية، سواء كان ذكرا أو أنثى.
وأقرت هذه التعديلات الجديدة للفصل 475 من القانون الجنائي المغربي الذي سمح للمغتصب على مدى سنين طويلة بالتملص من الملاحقة القضائية عبر اللجوء إلى الزواج بضحيته، بعد انتحار أمينة الفيلالي في 10 آذار/مارس 2012 بعد فترة من تزويجها بالشاب الذي اغتصبها، ما خلف صدمة كبيرة في المغرب تردد صداها في العالم.
ومراكش، باعتبارها أول وجهة سياحية في المملكة، ليست المدينة الوحيدة التي تتصدر عناوين الاعتداءات الجنسية على الأطفال، فقد عرفت مدينة تطوان شمال المغرب في 2014 قضيتين كبيرتين تمت خلالهما محاكمة سائحين أجنبيين بتهم الاعتداء الجنسي على الأطفال. وتفاوتت الأحكام في القضيتين، حيث حكم القضاء المغربي على متهم بريطاني بالسجن عشرين عاما مع النفاذ فيما نال مواطن ألماني حكم بالسجن ستة أشهر فقط.
هذا التفاوت الكبير في إصدار العقوبات يرجع إلى "مشكلة التفسير القانوني"، على ما تقول النائبة ووزيرة الأسرة السابقة نزهة الصقلي التي تدعو خصوصا إلى إلغاء كلمة "بدون عنف" من النص القانون المغربي. وسبق للمجموعة البرلمانية التي تنتمي إليها الصقلي أن تقدمت قبل عامين تقريبا بمشروع قانون لتشديد العقوبات ضد من يمارس العنف على المرأة وفيه جزء كبير يخص القاصرين. لكن المشروع يعرف بعض التعثر وما زال قيد الدراسة في إطار لجنة يرأسها عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المغربية.
وقالت الصقلي إن مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال هو "مشكلة وقاية وحماية وملاحقة قضائية"، لكنها تعتبر اللجوء إلى القضاء في حد ذاته "فشلا" للسياسات الأخرى. وصادق المغرب على البروتوكول الاختياري الثالث الملحق باتفاقية الطفل، والذي يمكن الأطفال من تقديم بلاغات وشكاوى عند حدوث انتهاكات لحقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل أمام الهيئات الدولية، إضافة إلى البروتوكولين الاختياريين المتعلقين ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية وباشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
ورغم إشادة تقرير لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونسيف) في نيسان/أبريل 2014 حول وضعية الأطفال عبر العالم، بالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في معدل الأطفال المسجلين في المدارس (94 %) وتعميم تلقيحهم (100 %) وتراجع وفياتهم من 187 إلى 21 حالة لكل 100 ألف ولادة خلال 2012، إلا أن نسبة تشغيلهم بلغت 8 %، فيما تزويج القاصرات بلغ 16 %، وهما العاملان الأساسيان للاعتداء على الأطفال. بحسب فرانس برس.
وبحسب التقرير تم تسجيل 11599 حالة اعتداء جنسي بين عامي 2007 و2012، كما عرف عدد الشكاوى ارتفاعا مهما، ما يدل حسب بياتريس بورون رئيسة منظمة "أمان" غير الحكومية التي طورت ورشات تعليمية للأطفال، إلى أنه "صار من السهل اليوم إثارة هذه المسألة مع المؤسسات والأسر". وجاء في تقرير حقوقي صدر في المغرب، أن الاعتداءات الجنسية على الأطفال تشكل 80 % من مجموع حالات الاعتداء الجنسي في المغرب، كما تمس في الغالب أطفالا تراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة. و75 % من المعتدين هم من أقارب الأطفال. وتبقى ظاهرة أخرى مثل عمالة الأطفال والزواج المبكر من أهم عوامل "تشجيع الاستغلال الجنسي"، بحسب السموني الذي يدعو إلى سرعة اعتماد القوانين.
الامية في المغرب
على صعيد متصل أعلنت "الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية" في المغرب أن 10 ملايين مغربي لا يزالون يعانون من الأمية. ودعت في سياق ذلك إلى "تكثيف الجهود وتسريع وتيرة العمل حتى يمكن القضاء عليها في أفق 2024". ويشير آخر إحصاء للسكان أعلن عن نتائجه بداية 2015 أن عدد سكان المغرب يقارب 34 مليونا ما يعني أن قرابة ثلث السكان أميون.
وقررت الحكومة في موازنة 2013، تفعيل فكرة "الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية" الموجودة منذ 2007، من خلال إصدار قانون منظم لها، لتنسيق جهود الفاعلين في الميدان، لكن لم تظهر أية نتائج بخصوص هذه المؤسسة الجديدة. وكانت دراسة وطنية تم إنجازها في 2012 كشفت أن نسبة الأمية لدى المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات وأكثر تبلغ 28%، وترتفع هذه النسبة إلى 38% من السكان البالغين 15 سنة فما فوق، فيما تعاني نصف المغربيات فوق سن 15 سنة (12,5 مليون) من الأمية.
ويشير آخر إحصاء للسكان أعلن عن نتائجه بداية 2015 أن عدد سكان المغرب يقارب 34 مليونا ما يعني أن قرابة ثلث السكان أميون وهو ما يكبد المغرب خسارة تقدر بنسبة 1,5% من الناتج الداخلي الإجمالي المقدر بحوالى 107 مليارات دولار خلال 2014. ورغم استفادة ستة ملايين مغربي من برامج مكافحة الأمية خلال السنوات العشر الأخيرة، وبلوغ عدد المستفيدين 735 ألفا خلال 2012، يظل الهدف المنشود صعب المنال، وتسابق الحكومة الزمن لبلوغ مليون مستفيد سنويا بحلول 2016. بحسب فرانس برس.
ومن العقبات التي تواجهها برامج محو الأمية، ضعف انخراط القطاعات الاقتصادية فيها، إذ لا تتجاوز مساهمتها 3%، فالأمية بين المزارعين مثلا، حسب الأرقام الرسمية، تفوق 50%، في وقت تساهم فيه الزراعة ب15 إلى 20% من الناتج الداخلي الإجمالي.
احتجاجات شعبية
الى جانب ذلك خرج مئات المتظاهرين إلى الشوارع في مدينة طنجة بشمال المغرب للاحتجاج على ارتفاع أسعار المياه والكهرباء رغم تطمينات الحكومة ودعوات لانهاء التجمعات الحاشدة. والاحتجاجات الكبيرة نادرة في المغرب. وعندما أطاحت احتجاجات مطالبة بالديمقراطية بزعماء تونس ومصر وليبيا عام 2011 تمكن القصر الملكي المغربي من احتواء احتجاجات مشابهة بإجراء اصلاحات محدودة وزيادة الانفاق وتشديد الإجراءات الأمنية.
والاحتجاج الذي اندلع هو الأحدث في سلسلة من التجمعات الحاشدة التي بدأت قبل أسابيع. واندلع الاحتجاج بعد أيام من تصريحات السلطات بأن الحكومة تعمل مع شركة فرنسية تدير الخدمات لمراجعة الفواتير ودعوتها لسكان المدينة وقف الاحتجاجات. وردد المحتجون أثناء المسيرة في طنجة "يا للعار يا للعار باعونا للاستعمار." وكان التجمع الحاشد أصغر من تجمع آخر في وقت سابق بطنجة حيث احتج الآلاف في أكبر مظاهرة بشوارع المغرب منذ احتجاجات عام 2011 المطالبة بالديمقراطية.
وكان بيان صدر عن الحكومة حذر المواطنين من "عدم الانسياق وراء الدعوات الغير مسؤولة لإثارة البلبلة" مضيفا أن وزير الداخلية أعطى تعليماته أيضا للشركة بتنفيذ مراجعة للفواتير بأسرع وقت ممكن. وتدير شركة أمانديس التابعة لشركة فيوليا انفيرومنت الفرنسية قطاع المياه والصرف الصحي والكهرباء في مدينتي طنجة وتطوان منذ عام 2002. وتدير شركة ريضال وهي تابعة أيضا لشركة فيوليا هذا القطاع في العاصمة الرباط وسلا وتمارة وبوزنيقة. بحسب رويترز.
وبعد الربيع العربي عام 2011 تولت حكومة يقودها الإسلاميون السلطة لأول مرة في المغرب وأعطت الأولوية للاصلاحات الهيكلية. وتلقي شركة أمانديس باللوم على برنامج الحكومة لانقاذ مرفق الكهرباء الذي فرض هيكلا تسعيريا جديدا في عام 2014 كما أشارت أيضا إلى تزايد الطلب على الكهرباء والمياه خلال فصل الصيف.
اضف تعليق