التطورات العسكرية والانتصارات المتلاحقة، التي حققتها الجيش العراقي المدعوم من قبل الحشد الشعبي وقوات العشائر في المعارك الاخيرة ضد تنظيم داعش الارهابي الذي تكبد خسائر كبيرة, اصبحت محط اهتمام واسع خصوصا وان البعض يرى ان التقدم السريع الذي تحقق في المعارك المستمرة حاليا وتحرير أجزاء واسعة من الاراضي سيهم بتغير قواعد الحرب بشكل كامل، ووفقاً لقادة عسكريين بالجيش العراقي فإن التنظيم الارهابي فقد اكثر من 16 قرية وثلاث بلدات ومدينة واحدة، في الأنبار وصلاح الدين، وهو أكبر إنجاز تحققه القوات العراقية منذ نحو عام، وبحسب بعض المراقبين فأن دخول الدب الروسي في الحرب الاخيرة، ضد تنظيم داعش الارهابي في سوريا والعمل على تكوين تحالف رباعي يضم العراق، قد اسهم كثيرا بتغيير مجرى الاحداث في هذه الحرب، وهو ما قد يمكن الحكومة العراقية من التحرك وايجاد طرف اخر في سبيل التخلص من ضغوط الولايات المتحدة الامريكية التي كانت تدير اوراق هذه الحرب، وتقيد عمل الحكومة من خلال منع قوات الحشد الشعبي من تحرير المناطق المحتلة، هذا بالإضافة الى دعمها الخفي للجماعات الارهابية في سبيل اطلة امد الصراع لأجل تحقيق مصالحها الخاصة في العرق والمنطقة.
وقد اكدت العديد من المصادر بان العراق بدأ في قصف أهداف لتنظيم داعش بمساعدة مركز مخابرات جديد يضم ممثلين عن روسيا وإيران وسوريا. ويشير المركز الجديد الذي مقره بغداد إلى أن الولايات المتحدة تفقد نفوذا في الشرق الأوسط. وبدأت روسيا حملة قصف تستهدف مقاتلين معارضين للحكومة في سوريا وبينهم مقاتلو تنظيم داعش لدعم حليفها الرئيس السوري بشار الأسد مما أثار قلق الغرب. وقال مسؤولون عراقيون إنهم سيعتمدون بكثافة على روسيا في المعركة ضد داعش وذلك بعدما شعروا بخيبة أمل إزاء وتيرة ومدى الحملة العسكرية الأمريكية ضد التنظيم. وقال مسؤول عراقي طلب عدم نشر اسمه إن جنرالين روسيين موجودان في المركز المخابراتي في بغداد. وقال مسؤول أمني أمريكي إن واشنطن التي لها تاريخ من العلاقات الأمنية الوثيقة مع بغداد تخشى أن يعزز مركز المخابرات العلاقات الروسية العراقية بدرجة أكبر لا سيما فيما يتعلق بالعمليات ضد المتشددين الإسلاميين. وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن الهدف الرئيسي للاتفاق الخاص بالمعلومات الذي يشمل أيضا العمليات في سوريا هو إظهار أن روسيا تتولى حاليا دورا أكبر في الصراع في سوريا. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال إنه سيرحب بالضربات الجوية الروسية ضد تنظيم داعش على أرض العراق.
الاعتماد على روسيا
وفي هذا الشأن قال الزاملي إن العراق قد يطلب قريبا شن ضربات جوية روسية ضد تنظيم داعش في أراضيه وانه يريد أن تلعب موسكو دورا أكبر من الولايات المتحدة في قتال التنظيم المتشدد بالعراق. وقال الزاملي "قد يضطر العراق قريبا الى الطلب من روسيا لتوجيه ضربات وهذا يعتمد على نجاحهم في سوريا." وهذه التصريحات هي أوضح إشارة حتى الآن إلى أن بغداد تعتزم أن تعتمد على روسيا في الحرب ضد داعش بعد أن حققت الضربات الجوية التي ينفذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة نتائج محدودة.
وأي إجراء عسكري روسي في العراق سيعمق مخاوف الولايات المتحدة من أنها تخسر المزيد من النفوذ الإستراتيجي في المنطقة. وقال الزاملي "نحن نسعى إلى أن يكون لروسيا دور أكبر في العراق... نعم بالتأكيد دور يفوق الدور الأمريكي." وقال معين الكاظمي "التدخل الروسي جاء في الزمان المناسب والمكان المناسب ونحن نعتقد بأنه سيغير من قواعد اللعبة ليس فقط في سوريا بل حتى في العراق. "الحكومة كانت تعتمد بقوة على حليف غير جدير بالثقة وهو الولايات المتحدة.. يجب إصلاح هذا الخلل."
وتضغط واشنطن على العبادي لكبح الفصائل الشيعية المسلحة وهو ما أغضب المقاتلين الذين ينظر إليهم على أنهم حصن ضد تنظيم داعش الذي يمثل أكبر خطر أمني على العراق المنتج للنفط منذ سقوط صدام حسين في عام 2003 . وقال جعفر الحسيني المتحدث باسم كتائب حزب الله إن نوع التأييد في هذا الموضوع يجب في نظرهم وفي نظر كل جماعات المقاومة الأخرى أن يكون على مستوى التدريب وتقديم أسلحة وايضا دعم جوي مؤثر.
ويشعر العبادي باستياء من أداء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في داعش التي كانت قد هددت بالزحف إلى بغداد وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. وقالت مصادر عسكرية إن قادة الجيش اشتكوا في رسالة بعثوا بها إلى العبادي في أوائل سبتمبر أيلول من عدم كفاية الدعم الأمريكي في المعركة من أجل أكبر مصفاة عراقية قرب بلدة بيجي وهي محطة رئيسية في الحملة لطرد داعش.
وقال مصادر حكومية إن العبادي غضب من اتهامات قاسية وجهها مسؤولون أمريكيون بأن الحكومة العراقية تفتقر إلى الإرادة لمقاتلة المتشددين. وأضافت المصادر قولها إن تأخر تسليم الأسلحة الأمريكية كان أحد العوامل التي دفعت العبادي إلى إبرام اتفاق أمني مع روسيا. وقال الزاملي إن العراقيين ما زالوا يفقدون أرواحا ويخسرون مليارات الدولارات من العائدات النفطية بشرائهم أسلحة من الولايات المتحدة ولكن ما حصلوا عليه حقا من الأمريكيين هو الوعود فحسب وعشرات من عقود السلاح التي تأخر تنفيذها.
وأضاف قوله إنه بعد مرور عام كامل فإن تنظيم داعش مستمر في النمو وآلاف المقاتلين ما زالوا يتدفقون على العراق وسوريا وهو يسيطر على مزيد من المناطق. وقال إن هذا دليل واضح على أن الولايات المتحدة ليس لديها خطة واضحة أو استراتيجية حقيقية. وقال المحلل و الجنرال العسكري السابق جاسم البهادلي إن التوترات مع الولايات المتحدة هي أحد الأسباب في اتجاه العبادي إلى موسكو طلبا للمساعدة.
وقال "يبدو أن العبادي نجح في أن يبعث برسالة واضحة إلى الإدارة الأمريكية والتي كررت إلقاء اللوم على قوات العبادي بسبب الانتكاسات الأخيرة مفادها بأن هناك خيارا آخر يمكن أن يلجأ العراق إليه في الحرب ضد داعش اذا كنتم (الأمريكيين) غير جادين في اظهار دعم حقيقي." وأضاف قوله "الولايات المتحدة تشعر بالقلق من تنامي النفوذ الإيراني في العراق وهذه القلق يجب أن يتضاعف الآن بعد تدخل روسيا في العراق و سوريا."
استعادة بيجي
الى جانب ذلك قال مسؤولو أمن إن القوات العراقية ومقاتلو الحشد الشعبي استعادوا معظم مصفاة بيجي النفطية وهي اكبر مصفاة بالبلاد من أيدي تنظيم داعش الارهابي. وتقع بيجي على بعد 190 كيلومترا الى الشمال من بغداد. والمصفاة محور جهود لاحتواء التنظيم وقد تبادلت قوات الأمن والتنظيم المتشدد السيطرة عليها منذ اجتاح شمال العراق العام الماضي. ويسيطر التنظيم على ثلث أراضي البلاد.
وقال المتحدث باسم جهاز مكافحة الإرهاب صباح النعماني إن القوات الحكومية ومقاتلي الفصائل يسيطرون على المجمع ويتصدون لجيوب المقاومة. وأضاف أن قوات مكافحة الإرهاب بالتعاون مع متطوعين تحكم سيطرتها على بوابات المصفاة ومنشآتها. وأكد أن القوات العراقية كسبت المعركة للسيطرة على المصفاة وبلدة بيجي وتمكنت من استعادة معظم أنحاء البلدة وتحاصر الآن القناصة التابعين لتنظيم داعش المتمركزين في بعض المباني.
ومني تنظيم داعش بهزيمة كبيرة في ابريل نيسان حين أجبرته القوات العراقية والفصائل الشيعية على الانسحاب من مدينة تكريت. ثم حقق المتشددون مكاسب في بيجي وفي محافظة الأنبار بغرب العراق وهي منطقة رئيسية ايضا في الحملة ضد داعش. وأظهر مقطع فيديو هادي العامري قائد فيلق بدر والسياسي البارز داخل المصفاة وهو يفتح خريطة ويتحدث الى مجموعة من المقاتلين عن تفاصيل العمليات العسكرية.
وقال ضابط في مركز القيادة العسكرية الإقليمية في يوليو تموز إن مستودعات النفط الخام وشبكات الأنابيب في المصفاة تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه كما تضررت أيضا خزانات الغاز الطبيعي ومنشآت التكرير فضلا عن محطة الكهرباء التي تزود المصفاة بالطاقة.
من جانبه صرح الكولونيل ستيف وارن المتحدث الأمريكي باسم التحالف الدولي، أن القوات الأمنية العراقية باتت قادرة على استعادة مدينة الرمادي من تنظيم "داعش" الذي احتلها في أيار/مايو الماضي. وبعد الانتقادات الأمريكية السابقة التي جاءت على لسان وزير الدفاع أشتون كارتر بشأن سقوط مدينة الرمادي والتي قال فيها أن الجيش العراقي لم يبد حسب رأيه "إرادة للقتال" في الرمادي. أكد الكولونيل ستيف وارن المتحدث الأمريكي باسم التحالف الدولي أن القوات الأمنية العراقية باتت قادرة على استعادة المدينة التي تبعد 110 كيلومترات إلى الغرب من بغداد. وأضاف "نحن نعتقد أن الظروف أصبحت مواتية في ساحة المعركة لتتمكن قوات الأمن العراقية من دخول المدينة".
واضطرت القوات العراقية لوقف العمليات أثناء الصيف خصوصا بسبب ارتفاع درجات الحرارة وأيضا بسبب التحصينات التي أقامها التنظيم وضمنها حقول ألغام. لكن في الأيام الأخيرة كثفت طائرات عراقية وأخرى للتحالف غاراتها دعما للجهد الميداني، بحسب ما أوضح العقيد الأمريكي. وقال "إن هذه الغارات قتلت مئات من المقاتلين ودمرت مواقع هاون وسيارات مفخخة ورشاشات ثقيلة وحتى مواقع قناصة". وتابع "ومسنودة بضرباتنا تقدمت القوات العراقية 15 كلم في الأيام السبعة الأخيرة، وشاهدنا تطورات مشجعة". بحسب فرانس برس.
وأعلنت السلطات العراقية تحرير العديد من المناطق شمال الرمادي وغربها. وتقع الرمادي. وأضاف المتحدث إن ما بين 600 وألف مسلح من "داعش" متحصنون في المدينة مشيرا إلى أن الجهاديين "لم يكسبوا بوصة واحدة من الأرض في العراق" منذ أن استولوا على الرمادي. وتابع "إن كل ما يفعلونه هو الاختباء ومشاهدة رفاقهم يقتلون عبر الجو أو البر".
فتح المنطقة الخضراء
على صعيد متصل أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن المنطقة الخضراء شديدة التحصين في وسط بغداد باتت مفتوحة أمام جميع المواطنين. ويأتي ذلك في إطار إصلاحات وضعت جراء احتجاجات تطالب بمزيد من الشفافية والانفتاح. وكانت المنطقة التي تبلغ مساحتها عشرة كيلومترات مربعة على ضفة نهر دجلة محظورة إلى حد بعيد بالنسبة للعراقيين العاديين جراء المخاوف الأمنية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 للإطاحة بنظام الرئيس الأسبق صدام حسين.
وتضم المنطقة الخضراء مباني حكومية وسفارات أجنبية بينها سفارة الولايات المتحدة. وترمز المنطقة لعزلة حكام العراق عن المواطنين وتسببت في تعطيل مروري كبير في المدينة التي يقطنها سبعة ملايين نسمة. وعلى مدى سنوات سدت الحواجز الخرسانية ونقاط التفتيش الجسور والطرق السريعة المؤدية إلى المنطقة التي كانت في وقت من الأوقات تضم مقار قيادة الاحتلال الأمريكي وقبلها كانت قصور صدام حسين.
وكتب العبادي في حسابه على تويتر "إن افتتاح المنطقة الخضراء من الاجراءات التي وعدنا مواطنينا بها وها نحن نشهد افتتاحها.. اننا ماضون باجراءاتنا الاصلاحية ولن نتراجع عنها من أجل مصلحة مواطنينا وبلدنا." وتأتي هذه الخطة بعد موجة احتجاجات في العاصمة العراقية وفي كثير من المدن الجنوبية تطالب بتوفير الخدمات الأساسية ومحاكمة الساسة الفاسدين وبتطهير النظام المثخن بالفسادة وانعدام الكفاءة.
وألغت الحكومة العراقية مناصب حكومية كبيرة وخفضت التدابير الأمنية والامتيازات للساسة في مسعى لخفض تبديد الأموال العامة ولإرضاء المواطنين الغاضبين بسبب سوء الأداء الحكومي. وقال مسؤولو أمن إن مدخلي المنطقة الخضراء فتحا أمام المواطنين العاديين وإن القوات الخاصة التابعة للجيش ستتولى مهمة الحفاظ على الأمن. وقال العميد سعد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية إن القوات الخاصة التابعة للجيش ستضمن بالتنسيق مع العملية الأمنية ببغداد أن يستتب الأمن لمنع أي هجمات. وعلى الرغم من الحواجز الخرسانية التي تحمي المنطقة الخضراء فقد كانت في كثير من الأحيان هدفا لتفجيرات خلال السنوات الماضية. بحسب رويترز.
من جانبها أبدت الولايات المتحدة قلقها من قرار الحكومة العراقية فتح "المنطقة الخضراء"، وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية مارك تونر خلال مؤتمر صحافي "لقد اعربنا مرارا عن قلقنا ازاء تخفيف القيود" الامنية في المنطقة الخضراء التي لطالما شكلت للوجود الاميركي في العراق. واضاف ان واشنطن "ستراقب من كثب الظروف الامنية (...) واذا اقتضى الامر (...) ستواصل مواءمة الجهاز الامني" المكلف امن سفارتها الواقعة في هذه المنطقة الشديدة التحصين. ولفت المتحدث الى ان الحكومة العراقية ابلغت نظيرتها الاميركية بصورة منتظمة بعزمها فتح المنطقة الخضراء امام الجمهور.
اضف تعليق