مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في تركيا التي دعا إليها الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد ان فشل حزب العدالة والتنمية الذي مني بخسارة كبيرة في الانتخابات السابقة بعد فقدانه الأغلبية المطلقة في تشكيل حكومة ائتلافية، تعيش تركيا وكما يقول بعض المراقبين ظروف ومتغيرات مهمة وحساسة في سبيل تغير المعادلة السياسية الحالية في هذا البلد، الذي يعاني العديد من المشكلات والأزمات الأمنية والسياسية، حيث يؤكد البعض ان الرئيس التركي الذي خسر الكثير أمام الخصوم بسبب سياساته الفاشلة يسعى الى اعتماد خطط وإجراءات جديدة، تمكنه من تحقيق انتصار في هذه الحرب الانتخابات التي يعول عليها كثيرا, خصوصا وانه قد سعى الى اعتماد تكتيكات وضغوط سياسية خاصة من اجل إقصاء وتسقيط الخصوم، وهو ما أسهم بتعقيد المشهد السياسي وتفاقم الخلافات.
وبحسب بعض الخبراء فان ما تشهده تركيا من أحداث وأزمات كان أخرها التفجير الانتحاري المزدوج الذي أدى إلى مقتل وجرح العشرات في لقاء جماهيري نظمه مؤيدون للأكراد ونشطاء يساريون، قد تكون أمور مدبرة الهدف منها إرهاب الشارع التركي وتشويه سمعة بعض الأحزاب والشخصيات المعارضة، المتهمة من قبل الحكومة بأنها تسعى زعزعة الوضع الأمني و إثارة الفتن من اجل إضعاف الدولة التركية وإلحاق الضرر بمكانتها العالمية.
انتقادات ومظاهرات
وفي ما يخص آخر الأحداث في تركيا فقد تظاهر نحو عشرة آلاف شخص في إسطنبول محملين الحكومة التركية مسؤولية الاعتداء المزدوج الذي استهدف تجمعا معارضا من أجل السلام في أنقرة، وخلف لافتة كبيرة كتب عليها "نعرف القتلة"، هاجم المتظاهرون الرئيس الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002.
وهتف هؤلاء في جادة الاستقلال في قلب الشطر الأوروبي من إسطنبول "أردوغان قاتل" و"السلام سينتصر". وجرت التظاهرة وسط انتشار كثيف لقوات الشرطة من دون تسجيل أي حادث. وسجلت تظاهرات مماثلة بعد الظهر وخصوصا في دياربكر، كبرى مدن الجنوب الشرقي ذي الغالبية الكردية حيث اندلعت حوادث بين المتظاهرين والشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع.
وأعلن بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء أحمد داود اوغلو أن الحصيلة بلغت 95 قتيلا و246 جريحا 48 منهم لا يزالون في العناية الفائقة في مستشفيات أنقرة. وكان "حزب الشعوب الديمقراطي" وهو أبرز حزب مؤيد للأكراد في تركيا والذي دعا إلى التظاهرة كتب على موقع "تويتر" أن الحصيلة بلغت 128 قتيلا.
وندد الرئيس رجب طيب أردوغان بـ "الهجوم المشين ضد وحدتنا وضد السلام في بلادنا"، متعهدا "بأقوى رد ممكن". وأكد داود أوغلو أن لديه "أدلة قوية"على أن الاعتداء نفذه انتحاريان. وفي غياب أي تبن للاعتداء، أشار داود أوغلو بأصابع الاتهام إلى ثلاث منظمات يمكن ، برأيه، أن تكون نفذته وهي "حزب العمال الكردستاني" وتنظيم "داعش" و"الجبهة الثورية لتحرير الشعب" اليسارية المتشددة، التفجيران القويان هزا محيط محطة القطارات الرئيسية في أنقرة حيث جاء آلاف الناشطين من كل أنحاء تركيا بدعوة من مختلف النقابات ومنظمات غير حكومية وأحزاب اليسار للتجمع تنديدا باستئناف النزاع بين أنقرة والمتمردين الأكراد. واضطرت الشرطة لإطلاق عيارات نارية في الهواء لتفريق المتظاهرين الغاضبين الذين كانوا يحتجون على مقتل رفاق لهم على وقع هتافات "الشرطيون قتلة".
وتأتي هذه التفجيرات قبل ثلاثة أسابيع من انتخابات تشريعية مبكرة دعي إليها في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر فيما تدور مواجهات دامية ويومية بين قوات الأمن التركية ومتمردي "حزب العمال الكردستاني" في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه غالبية كردية. واتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأردوغان وعبر له عن "تضامن" الولايات المتحدة مع تركيا في مواجهة "الإرهاب". بحسب فرانس برس.
كما ندد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "بهجوم إرهابي شنيع" فيما قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعازيه للرئيس التركي. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن الأمل في أن "يمثل منفذو هذه الأعمال الإرهابية سريعا أمام القضاء". من جهته، اتهم رئيس "حزب الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دمرتاش الحكومة قائلا: "إننا أمام دولة مجرمة تحولت إلى مافيا". وفي إسطنبول وعدد من دول جنوب شرق البلاد، كما نظمت تظاهرات موالية للأكراد في أوروبا خصوصا في فرنسا وألمانيا وسويسرا.
حرب انتخابية
الى جانب ذلك وفي "تجمع عن مكافحة الإرهاب" أطل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على حشود من المؤيدين الذين لوحوا بأعلام البلاد الحمراء ودعاهم الى التصويت في الأول من نوفمبر تشرين الثاني لمرشحين "وطنيين". وقال للحشود في حي يني كابي الذي تسكنه الطبقة العاملة في اسطنبول حيث قالت وسائل الإعلام الموالية للحكومة إن مئات الآلاف خرجوا للاحتجاج على العنف في جنوب شرق البلاد المضطرب "أعتقد أنكم تفهمون ما أقصده أليس كذلك؟"
وكان هدف اردوغان واضحا للجميع.. إنها المعارضة المؤيدة للأكراد متمثلة في حزب الشعوب الديمقراطي الذي ساعد في حرمان حزب العدالة والتنمية الحاكم من أغلبيته البرلمانية في انتخابات يونيو حزيران. وأشار الرئيس الى أن التصويت لهم سيكون تصويتا في غير مصلحة تركيا. وشن اردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي أسسه هجوما شمل اتهام حزب الشعوب الديمقراطي بالارتباط بصلات بحزب العمال الكردستاني المحظور الذي تصنفه واشنطن وأنقرة تنظيما إرهابيا.
ويقول بعض المحللين إنه مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت الدعوة اليها ربما يتمكن حزب العدالة والتنمية من الاستفادة من الاشتباكات شبه اليومية بين قوات الأمن ومقاتلي حزب العمال الكردستاني التي أعقبت انهيار وقف إطلاق النار في يوليو تموز. وبدأ حزب العمال الكردستاني حملة تمرد عام 1984 ومنذ ذلك الحين قُتل أكثر من 40 الف شخص. ويقول الحزب الذي يتركز مقاتلوه على الجانب الآخر من الحدود في جبال شمال العراق إنه يسعى الآن لحصول الأكراد على مزيد من الحكم الذاتي.
ووعد اردوغان الذي هيمن على الساحة السياسية التركية لأكثر من عشر سنوات بأن يستمر القتال حتى "لا يبقى إرهابي واحد". ويرى البعض أنه من خلال الحديث السلبي عن الأكراد قد يستعيد حزب العدالة والتنمية تأييد الناخبين الذين دعموا حزب الحركة القومية في يونيو حزيران. وقال مركز سياسة الحزبين -وهو مؤسسة بحثية أمريكية- في تقرير "يبدو أن حزب العدالة والتنمية قرر تبني سياسة فرق تسد في محاولة لاستعادة الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة." وأضاف "نظرا لتدهور الوضع على حدود تركيا يبدو أن تعزيز الخطاب القومي وتقويض حزب الشعوب الديمقراطي والأكراد أصبح الطريق الذي سيسلكه حزب العدالة والتنمية للفوز بالانتخابات في الجولة الثانية."
وهناك ما يكفي من الأسباب لإثارة قلق الجماهير فالحرب مستعرة على الجانب الآخر من الحدود الشرقية في العراق وسوريا حيث يوجد متشددو تنظيم داعش على مقربة من القوات التركية ويعيش ما يزيد على 2.2 مليون لاجئ سوري حاليا على الأراضي التركية. وأظهر استطلاع للرأي تراجع التأييد لحزب العدالة والتنمية بينما أظهرت استطلاعات أجريت في الآونة الأخيرة أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها.
وأظهر مسح شمل خمسة آلاف شخص تراجعا في التأييد لحزب العدالة والتنمية بنسبة 1.6 نقطة إلى 39.3 بالمئة. وفي يونيو حزيران الماضي حين فقد العدالة والتنمية الحزب ذو الأصول الإسلامية وللمرة الأولى منذ عام 2002 أغلبية مكنته من الحكم منفردا كانت نسبة ما حصل عليه من أصوات 40.9 بالمئة. لكن استطلاعا نشرته قبل أيام مؤسسة متروبول التي تحظى استطلاعات الرأي التي تجريها بمتابعة واسعة من أسوأق المال أظهر ارتفاع التأييد إلى 41.4 بالمئة.
وقال مسؤول كبير بحزب العدالة والتنمية "لا أنظر بجدية لاستطلاعات رأي تمنح العدالة والتنمية نسبة أصوات أقل من 40 بالمئة. التأييد الذي نتمتع به يزداد بكل تأكيد." ويعيد العدالة والتنمية في السباق الانتخابي مجموعة من أهم السياسيين لديه. وقال النائب السابق لرئيس الوزراء علي باباجان الذي ينسب إليه على نطاق واسع قيادة الاقتصاد خلال سنوات النمو إنه سيترشح على مقعد في أنقرة. وقال مركز سياسات الحزبين في تقريره إن العدالة والتنمية قد يحقق نسبة تزيد ما يصل إلى خمسة بالمئة عما حققه في يونيو حزيران وهو أكثر قليلا عن العدد المطلوب لتحقيق أغلبية برلمانية وقدره 276 مقعدا.
وقال المركز "بدأت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية شن غارات جوية على حزب العمال الكردستاني الذي كانت تجري معه محادثات سلام طيلة العامين الماضيين وأطلقت حملة تشويه على حزب الشعوب الديمقراطي تربط بينه وبين حزب العمال الكردستاني." وأضاف "الشعور المتنامي بوجود أزمة وخطر على الدولة التركية يلقى صدى لدى الناخبين ذوي الانتماءات القومية."
وليس غريبا على إردوغان استخدام عبارات من قبيل "عدو لتركيا." فالرئيس سبق أن اتهم تيارات المعارضة الرئيسية بأنها داعمة للإرهاب وانتقد رجل دين من خصومه بأنه محرض على الانقلاب وقال عن رجال مال إنهم خونة بينما واجه من اعتبرهم الرئيس مسيئين إليه تهما بارتكاب مخالفات للدستور. وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي على صلة بالشأن التركي إن هناك قلقا متزايدا من احتمال استغلال إردوغان للموقف الأمني في الجنوب الشرقي كذريعة لتأجيل الانتخابات إلى أن يضمن تحقيق أغلبية تتيح لحزبه الحكم منفردا. بحسب رويترز.
وبعد انتخابات يونيو حزيران فشل حزب العدالة والتنمية في إيجاد شريك صغير لتشكيل ائتلاف ولذلك تمت الدعوة لانتخابات مبكرة. ويخشى البعض أن يتكرر الأمر نفسه في نوفمبر تشرين الثاني ويقولون ان إردوغان زعيم لا يحبذ فيما يبدو سياسة المساومات والحلول الوسط. لكن المسؤول الكبير بالعدالة والتنمية قال إن الانتخابات لن تؤجل. وتابع "هذه الانتخابات ستعقد في نوفمبر ونحن مستعدون لهذا الموعد. إذا لم نحصل على الأغلبية فسنسعى جديا لتشكيل ائتلاف. لكننا الآن نهدف لحكومة حزب واحد."
وحث رئيس حكومة تصريف الاعمال في تركيا احمد داود اوغلو الناخبين على تاييد حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة "لكي يعود السلام الى تركيا" حيث يخوض الجيش معركة دامية مع المتمردين الاكراد. وجاء كلام داود اوغلو خلال اطلاقه حملة الحزب الحاكم للانتخابات التشريعية المبكرة. وقال داود اوغلو امام الاف من مناصريه اجتمعوا لتقديم مرشحي الحزب "لن يجرؤ احد على تهديد السلام في بلادنا او خيانة ذكرى شهدائنا اذا عادت كوادر حزب العدالة والتنمية الى الحكم". واضاف "باذن الله، من اجل وحدة وتضامن بلادنا ومن اجل سلام شعبنا سنواصل صنع السلام والديموقراطية حتى النهاية". وتعرض حزب العدالة والتنمية لضربة كبيرة في انتخابات بخسارته الغالبية المطلقة التي كان يتمتع بها. واعتبرت هذه النتيجة فشلا شخصيا للرئيس رجب طيب اردوغان الذي يسعى الى تعديل الدستور لتعزيز صلاحياته الرئاسية.
استمرار الحملة العسكرية
في السياق ذاته قصفت طائرات حربية تركية أهدافا لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق وجنوب شرق تركيا في استمرار لحملتها العسكرية بعد يوم من إصدار الحزب المحظور أوامر لمقاتليه بوقف الهجمات في الأراضي التركية. وقالت مصادر أمنية إن ما يتراوح بين 30 و35 من مسلحي الحزب قتلوا في ضربات بشمال العراق. وقال مسؤول أمني كبير "لا يعني وقف إطلاق النار من جانب حزب العمال الكردستاني لنا شيئا. ستستمر العمليات دون انقطاع."
وأمر الحزب مقاتليه بوقف أنشطتهم إلا إذا تعرضوا لهجوم وذلك استجابة لدعوات لتفادي التصرفات التي قد تحول دون إجراء انتخابات "عادلة ونزيهة" في تركيا في الأول من نوفمبر تشرين الثاني. وذكر الجيش التركي في بيان أن الغارات الجوية دمرت مخابئ ومواقع مدفعية تابعة للحزب قي منطقتي زاب ومتينة في شمال العراق بينما قتل 14 من مسلحي الحزب في غارات في منطقة ليزي بإقليم ديار بكر في جنوب شرق تركيا. بحسب رويترز.
ووصف يالجين آق دوغان نائب رئيس الوزراء وقف إطلاق النار من جانب المسلحين الأكراد بأنه "تكتيك" قبل الانتخابات وشدد من جديد على مطالب الحكومة بأن يلقي المقاتلون سلاحهم ويغادروا تركيا. وتفجر من جديد صراع حزب العمال الكردستاني مع الدولة التركية في يوليو تموز إذ تشن تركيا ضربات جوية على معسكرات المقاتلين ردا على هجمات تتعرض لها قواتها الأمنية لينتهي بذلك وقف لإطلاق النار أعلن في مارس آذار 2013. وقتل المئات في أعمال العنف الأخيرة. وأعلن حزب العمال الكردستاني سلسلة من وقف إطلاق النار من قبل وكان بعضها قبل الانتخابات فيما لا يعلن الجيش التركي وقف إطلاق النار.
ونقلت وكالة الفرات للأنباء عن قيادة حزب العمال الكردستاني قولها إن القرار اتخذ استجابة لدعوات من داخل تركيا وخارجها وإن مقاتلي الحزب سيتجنبون التصرفات التي قد تمنع إجراء "انتخابات نزيهة وعادلة" من المقرر أن تجري في الأول من نوفمبر تشرين الثاني.
وأشار قائد كبير إلى خطوة حزب العمال الكردستاني في عمود صحفي قبل عدة أيام ومن المتوقع أن تلقى الخطوة ترحيبا من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والذي يهدف إلى الاحتفاظ بموقعه في البرلمان في الانتخابات. وقالت مصادر أمنية إن قرار حزب العمال الكردستاني جاء بعد ساعات من تفجيرات نفذها مقاتلو الحزب على طريق في ديار بكر مما أدي إلى الحاق أضرار بعربة شرطة مدرعة ومقتل ضابط شرطة.
اضف تعليق