التقلبات والمخاطر الأمنية الجديدة التي شهدتها أفغانستان في الفترة الأخيرة أثارت وبحسب بعض المراقبين، تكهنات كثيرة حول المستقبل الأمني وقدرات قوى الأمن الأفغانية بعد الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من أفغانستان، فالتحركات والهجمات الأخيرة التي قامت بها حركة طالبان بقيادتها الجديدة والأخطاء العسكرية المتكررة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي كان أخرها قصف مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود وغيرها من الحوادث الأخرى، التي أثارت موجة غضب واستنكار، عدها الكثير من المراقبين تحديات إضافية وخطيرة للقيادة الأفغانية والأمريكية ربما ستكون سببا في إعادة رسم الخطط السابقة، خصوصا وان العمليات الأخيرة التي قامت بها طالبان، قد أثبتت وبشكل قاطع عدم قدرة الحكومة الأفغانية على إدارة شؤون البلاد وتعزيز الأمن والاستقرار، في ظل تفاقم الإرهاب واتساع رقعة الفساد الإداري الذي اثر سلبا على أداء المؤسسات الحكومية والأمنية، وهو ما قد يعقد الأمور ويحرج الإدارة الأمريكية التي ستضطر مرة أخرى وبسبب فشلها المتواصل، الى تغير قراراتها والبقاء في أفغانستان إلى اجل طويل، او انها ستعمد وبسبب الضغوط الداخلية والخارجية كما يقول البعض الى تقديم تنازلات كبيرة قد تمكن الجماعات الإرهابية من تحقيق بعض أهدافها، الأمر الذي سيسهم بتراجع مكانة ودور الولايات المتحدة كلاعب أساسي في مختلف القضايا العالمية، وسيساعد في دخول قوى وإطراف جديدة من اجل ملء الفراغ ، الذي قد يساعد في تفاقم الصراع المسلح على السلطة، الذي قد الى نشوب حرب أهلية جديدة في أفغانستان قد تؤثر على جميع دول المنطقة بشكل عام.
وفيما يخص بعض هذه التطورات والمخاطر فقد قال الجنرال الأمريكي جون كامبل قائد القوات الدولية في أفغانستان إن الجيش الأفغاني وقوات الأمن تفقد نحو أربعة آلاف من جنود الجيش والشرطة شهريا سواء كضحايا في ميدان القتال أو الهروب من الخدمة. وفي مناقشة بمعهد بروكنجز في واشنطن قال كامبل إن الجزء الأكبر من هذا الاستنزاف يعود إلى الهروب من الخدمة ويمكن علاجه بتحسين ظروف العمل للجنود.
وأضاف كامبل "القضية الأكبر تتمثل في هروب الشبان والغياب دون الحصول على تصريح وهذا يعود في الحقيقة إلى القيادة." وتابع "هذا الأمر يعود إلى أن لديك جنودا شبانا سواء من الجيش أو الشرطة يقاتلون في هلمند لمدة عامين أو ثلاثة أعوام. لم يحصلوا على إجازة. ربما لا يحصلون على طعام جيد يستحقونه. لم يحصلوا على فرصة للتدريب".
وتولت قوات الجيش والشرطة الأفغانية التي يتراوح عددها بين 300 و 350 ألف فرد كافة العمليات القتالية تقريبا ضد الجماعات المسلحة منذ انتهاء العمليات العسكرية لقوات حلف شمال الأطلسي نهاية العام الماضي. ومنيت القوات الأفغانية بخسائر جسيمة في القتال هذا العام لكن من الصعب تحديد عدد القتلى والجرحى بشكل دقيق.
خطط اوباما
من جانب اخر وما بين سيطرة طالبان الوجيزة على قندوز والاستهداف الكارثي لمستشفى منظمة اطباء بلا حدود وتحطم طائرة عسكرية، ما زالت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما عالقة في الحرب في افغانستان بالرغم من انهاء المهام القتالية رسميا قبل عشرة اشهر. وبعدما حددت الادارة الاميركية انهاء الحرب في افغانستان بين اهم اهدافها، واجهت في الفترة الاخيرة سلسلة جديدة من الكوارث.
فالقوات الاميركية المكلفة رسميا بتوفير الدعم والمشورة للجيش الافغاني ما زالت تجد نفسها دوريا في اوضاع قتالية بجميع المخاطر المرتبطة بها، على غرار الاخطاء المشابهة لحادث قندوز حيث قصفت طائرة اميركية مستشفى لمنظمة اطباء بلا حدود ما ادى الى مقتل 22 شخصا، او الخسائر بالارواح مثل تحطم طائرة نقل عسكرية في جلال اباد ما ادى الى مقتل 11 شخصا. كما ان سيطرة طالبان لفترة قصيرة على قندوز اثبتت ان القوات الافغانية ما زالت عاجزة عن ضبط الميدان بمفردها بالرغم من انفاق واشنطن حوالى 60 مليار دولار عليها منذ 14 عاما.
بالتالي بات البيت الابيض مضطرا الى التفكير مجددا في ارجاء اضافي لموعد سحب القوات الاميركية من البلاد بالكامل. وكان من المفترض ان يتم ذلك في نهاية 2016 مع انتهاء ولاية باراك اوباما وابقاء قوة صغيرة في كابول من مئات الجنود فحسب. لكن تنفيذ هذا الهدف يبدو اصعب مع مرور الوقت وبات البيت الابيض ملزما بدرس خيارات اخرى تجيز ابقاء عدد اكبر من العسكريين لفترة اطول.
واعتبر رئيس الحكومة الافغانية عبد الله عبد الله في كابول ان "الحاجة الى استمرار الدعم للقوات الافغانية جلية". وصرح "على ما ارى، وما يعبر عنه جنرالات اميركيون في الميدان وقادتنا العسكريون، من الضروري ابقاء وجود ما للقوات الاميركية بعد 2016". واشارت صحيفة واشنطن بوست الى ان البيت الابيض يدرس خطة قدمها رئيس اركان الجيش السابق الجنرال مارتن ديمسي تقضي بابقاء قوة تصل الى 5000 رجل في البلاد بعد 2016 مقابل 9800 موجودين حاليا.
وعرض الجنرال جون كامبل قائد مهمة الحلف الاطلسي والقوات الاميركية في افغانستان خمسة خيارات تتراوح بين القوة الصغيرة الحالية وقوة من 7000 جندي بحسب المصدر. وذكر وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر بان "الرئيس اكد انه سيتخذ قرارات هذا الخريف". وسيزور كامبل واشنطن لاطلاع الادارة والكونغرس على اخر التطورات. ومن المقرر ان يستجوبه السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي يتهم ادارة اوباما باعطاء الاولوية حتى الان لهدف سياسي يقضي بسحب القوات على الواقع الميداني. لكن الصقور ليسوا الوحيدين الذين يدعون اوباما الى مراجعة خططه في افغانستان. وصرح خبير قضايا الدفاع في مركز بروكينغز للابحاث مايكل اوهانلن "اعتقد انه ينبغي ابقاء 5000 الى 7000 رجل في افغانستان، بلا مهلة زمنية" مضيفا ان "الخيار الامثل يكمن في ارتباط هذه القوات بالالاف من جنود الحلف الاطلسي الاضافيين". بحسب فرانس برس.
ويشاطر هذا التحليل انتوني كوردسمان خبير شؤون الدفاع في مجموعة سي اس اي اس للابحاث. واوضح ان العسكريين الافغان "لا يحرزون النجاح المنتظر"، فيما يبدو اداء الجيش الافغاني مخيبا "سواء على مستوى السياسة او الحوكمة او الاقتصاد". ويؤيد الخبير عوضا عن انسحاب القوات الاميركية بعد 2016، تعزيزها "ببضع الاف" العناصر. ويوضح انه ينبغي ان يتواجد المستشارون العسكريون الاميركيون في الجيش الافغاني كاملا وصولا الى وحدات القتال، والا يكتفوا ببنى القيادة. ورحب كامبل في مؤتمر صحافي بالتقدم "المفاجئ" الذي احرزته القوات الافغانية في السنوات الاخيرة في القتال مشيرا الى انها ما زالت بحاجة الى دعم خارجي. وتابع "انها تبدي قدرة كبرى على الصمود وما زالت تحتاج الى دعمنا في مجالات حددناها منذ سنوات وهي الاستخبارات واللوجستية ودعم المقاتلين" بطائرات للدعم الميداني بحسبه.
العلاقات الأفغانية الأمريكية
الى جانب ذلك أذكت الضربة الجوية التي قتلت 22 شخصا في مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود غضبا إزاء علاقات الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني الوثيقة مع واشنطن وهو ما يتناقض بشدة مع العلاقات المتوترة أثناء حكم سلفه حامد كرزاي. وقالت شكرية باراك زاي وهي برلمانية من كابول "أود أن يقف الرئيس عبد الغني وان يدافع عن الحقوق المدنية الأفغانية في مواجهة كل الأعمال غير المسؤولة من جانب قواتنا أو قوات التحالف." وقالت انه يوجد فراغ في القيادة الوطنية.
وقال نائب المتحدث باسم الرئاسة سيد ظفار هاشمي إن العلاقات الأمريكية الأفغانية "طبيعية". وأضاف "نحن ندين أي هجوم يسبب ضررا للمدنيين... لكنها حرب والمدنيون يستخدمون كدروع داخل المدينة." وجاءت الضربة الجوية التي تخضع لتحقيق الآن بعد أيام من سيطرة مقاتلي طالبان على قندوز في هجوم معقد كشف عن نقص التنسيق بين أفرع الأمن الأفغاني التي يقوم بتدريبها حلف شمال الأطلسي.
واستعادوا السيطرة على معظم المدينة بعد ثلاثة أيام من القتال وبمساعدة قوة جوية أمريكية. وأظهرت المعركة إلى أي مدى تتداخل المصالح الأمنية الأفغانية والأمريكية بعد نحو عام من انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان رسميا.
يوجد للولايات المتحدة نحو عشرة آلاف جندي في البلاد وتشير الخطة الحالية إلى بقاء بضع مئات فقط من الجنود بحلول نهاية 2016. وعلى مدى أشهر أجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقييما للجدول الزمني لسحب القوات وتلقى خمسة اختيارات من الجنرال جون كامبل قائد القوات الدولية في أفغانستان في هذا الصدد.
وحتى قبل ضرب مستشفى قندوز واجه عبد الغني نداءات في البرلمان بالتنحي بسبب فشل الجيش والشرطة في الاحتفاظ بقندوز أول عاصمة إقليم تسقط في أيدي طالبان منذ الاطاحة بهم عام 2001. وبينما لم يتمكن المشرعون من الاطاحة به بسهولة فانهم جعلوا الوضع أكثر صعوبة من خلال الاعتراض على المرشحين للحكومة وترك الوزارات الرئيسية ومن بينها الدفاع بلا دفة لعدة أشهر مع تحقيق تمرد طالبان مكاسب.
إذا خلصت التحقيقات إلى أن طائرة أمريكية هي التي أطلقت النار على مجمع منظمة أطباء بلا حدود فإن الضغوط ستزيد على عبد الغني ليحمل التحالف المسؤولية. وفي معسكر مؤقت في كابول حيث هرب بعض السكان عبر أشخاص عن غضبهم الشديد إزاء ما حدث في قندوز. وقال محمد ياسين "الأمريكيون هم الذي نصبوا عبد الغني... كيف يدين هجوم (المستشفى)؟"
وفي رده تجنب عبد الغني القاء اللوم وتحدث بلهجة محايدة قائلا ان كامبل "قدم تفسيرا بشأن الحادث". وباعد كرزاي كابول عن واشنطن وكان ينتقد التحالف بشدة عندما كانت تؤدي العمليات العسكرية إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين. وقال مسؤول أفغاني قريب من وكالات الأمن طلب عدم نشر اسمه "كرزاي كان سيستدعي سفيري حلف الأطلسي أو الولايات المتحدة إلى القصر إذا أوقعت القوات الاجنبية إصابات أو قتلى بين المدنيين لكن عبد الغني لم يجرؤ حتى على أن يندد بالهجوم على منظمة أطباء بلا حدود." بحسب رويترز.
وعلى الرغم من كل الضغوط لمراجعة العلاقات الأفغانية الأمريكية يقول كبار مسؤولو الحكومة الأفغانية إنه إلى أن تتمكن قوات أمنية محلية من اثبات نفسها في معركة هناك فلا يوجد بديل لحلف شمال الأطلسي. وقال عمر صمد وهو مستشار كبير للرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله "من الواضح تماما أن العدو فهم أن 2015 هي سنة حاسمة لاختبار الجيش الأفغاني واختبار شراكة الأفغان مع التحالف."
هجمات مستمرة
على صعيد متصل قتل انتحاري عشرات الطلاب عند أكاديمية للشرطة في كابول في حين هزت تفجيرات منطقة قرب المطار في موجة هجمات بدأت بتفجير شاحنة ضخمة ملغومة في العاصمة الأفغانية. وأعلن متحدث باسم حركة طالبان المسؤولية عن الهجوم على أكاديمية الشرطة الذي قالت مصادر أمنية إنه أدى إلى سقوط 50 أو 60 شخصا على الأقل ما بين قتيل ومصاب.
وقال مسؤول بالشرطة "كان الانتحاري يرتدي زي الشرطة وفجر عبوته الناسفة بين الطلاب الذين كانوا عائدين لتوهم من عطلة." وبعد التفجير بقليل هز انفجاران منطقة شمالي مطار كابول قرب قاعدة للقوات الخاصة الأمريكية. وسمع أيضا دوي إطلاق نار من أسلحة صغيرة.
وقال مصدر أمني غربي "شنت عناصر مناهضة للحكومة هجوما مركبا ضد كامب انتيجريتي بدأ بسيارة ملغومة أعقبه إطلاق نار من أسلحة صغيرة ثم تفجيرات أخرى." وبعد قليل من التفجيرات سمع أزيز الطائرات الحربية في سماء وسط كابول. جاءت هجمات بعد أقل من 24 ساعة من هجوم بشاحنة ضخمة ملغومة قرب مجمع للجيش بمنطقة سكنية من كابول مما أدى إلى مقتل 15 شخصا على الأقل وإصابة 248.
وعلى عكس الهجوم على مركز الشرطة لم تعلن حركة طالبان مسؤوليتها عن هجوم الشاحنة الملغومة الذي أودى بحياة مدنيين في الأساس حيث سقط القتلى والمصابون وهم نيام ولحقت اضرار جسيمة بالمحال التجارية والمنازل. وقال المتحدث باسم الرئاسة سيد ظفار هاشمي "كان هجوما إرهابيا جبانا ضد المدنيين."
وقال مصدر أمني غربي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع إن المجمع المستهدف كان يستخدم من قبل مسؤولي مخابرات أفغان. وذكر شاهد أن الانفجار الذي وقع في منطقة كثيفة السكان خلف حفرة في الأرض يزيد عمقها عن عشرة أمتار وأدى إلى انهيار مبان قريبة وألحق اضرارا بسيارات رابضة في دائرة نصف قطرها مئة متر على الاقل. والانفجار قوي بشكل غير معتاد في مدينة كثيرا ما استهدفها متشددو طالبان ومتشددون آخرون يسعون لزعزعة استقرار الحكومة الأفغانية. بحسب رويترز.
وفي حين أن الهجمات بقنابل صغيرة والهجمات الانتحارية اصبحت حدثا شبه اسبوعي في كابول إلا ان التفجيرات بشاحنات كبيرة ملغومة نادرا ما وقعت داخل المدينة. وقال مسؤول في مستشفى الطواريء في كابول إن المستشفى استقبل طوفانا من المصابين بلغ نحو مئة كثير منهم من النساء والأطفال يطلبون العلاج من إصابات بسيطة بسب الأنقاض والحطام. ووفقا للأمم المتحدة فإن خمسة آلاف مدني تقريبا سقطوا بين قتيل وجريح في الاشهر الستة الأولى من 2015 نتيجة للصراع.
اضف تعليق