ضمن برنامجه الشهري، بعقد حلقات نقاشية وجلسات فكرية لطرح ملفات مختلفة، ووضعها على طاولة الحوار والمناقشة مع اصحاب الاختصاص، عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية جلسته الفكرية في ملتقى النبأ الأسبوعي بمؤسسة النبأ للثقافة والاعلام والتي حملت عنوان (ازمة الرئاسة في اقليم كردستان العراق)، حيث تضمن مناقشة موضوع ازمة الرئاسة في اقليم كردستان العراق وتداعياتها على الاقليم وعلى الحكومة الاتحادية العراقية.
حيث اوضح مدير الجلسة الدكتور قحطان الحسيني وهو باحث متخصص في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الى وجود خلافات تتصاعد حدتها بين القوى السياسية الكردية حول منصب رئاسة اقليم كردستان في الوقت الذي يواجه فيه الاقليم تحديات على صعيدي الاقتصادي والأمني.
واشار الحسيني خلال طرحه لموضوع النقاش الى ان الخلاف يتمحور بين طرفين رئيسيين يتمحور الخلاف بين الطرفين الرئيسين الاول هو الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرى الاولوية في بقاء زعيمه (مسعود البرزاني) رئيساً للاقليم، والطرف الثاني والمتمثل بالأحزاب الاربعة: (الاتحاد الوطني الكردستاني) بزعامة الرئيس العراقي السابق (جلال الطالباني) و(حركة التغيير) و(التجمع الاسلامي) و(الاتحاد الاسلامي الكردستاني)، والتي تطالب بإنهاء احتكار رئاسة الاقليم من قبل السيد (مسعود البرزاني)، وتحويل نظام الحكم من رئاسي الى برلماني لكي يتم انتخاب رئيس الاقليم من داخل قبة البرلمان مع منحه صلاحيات شرفية كتلك التي يتمتع بها الرئيس في النظام البرلماني.
هذا وقد تطرق مدير الجلسة بالإشارة الى قانون انتخابات اقليم كردستان رقم (1) لسنة 2005 والذي نص على ان مدة ولاية الرئيس هي (4) سنوات، ويحق له إعادة انتخابه لولايتين فقط. في حين كان الرئيس (مسعود البرزاني) قد امضى عشر سنوات في منصبه، بعد ان اختاره البرلمان كأول مرة رئيسا للإقليم عام 2005، ثم اجريت انتخابات لاختيار رئيس جديد تنافس فيها عدد من المرشحين وفاز فيها البرزاني مجددا عام 2009.
ومع انتهاء ولايته الثانية عام 2013 وإنشغال برلمان كردستان بوضع (مشروع دستور للاقليم يطرح للاستفتاء عليه)، إذ تم التوافق على تمديد ولاية الرئيس لعامين اضافيين بإقتراح من الاتحاد الوطني الكردستاني، الامر الذي اثار حفيظة حلفائه (حركة التغيير) و(التجمع الاسلامي) و(الاتحاد الاسلامي الكردستاني) الذين اعتبروه ((إنقلابا على الديمقراطية))، وتكريسا لسلطة البرزاني.
ومن خلال موضوع ورقة النقاش التي قرأت امام الحاضرين والمشاركين والتي كانت للاستاذ المساعد الدكتور احمد غالب الشلاه الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية طرح مدير الجلسة تساؤلين كان اولهم:
- هل ستنجح جهود خصوم البرزاني في الاطاحة بنظام حكمه دستوريا، وكيف سيتم ذلك؟
وبخصوص التساؤل الاول عبر الحاضرون عن آرائهم وافكارهم حول الموضوع فكانت المداخلة الاولى من نصيب:
الدكتور الاعلامي لطيف القصاب الذي أكد على ان مسألة الاقليم مسألة محسومة والبرزاني يبقى حاكما عليها بسبب التأثيرات القبلية والحكم العائلي، وهذه المعطيات تساعده بالتغلب على خصومه الاخرين من خلال التوافقات واخماد المتقولين عليه.
موضحا الى ان نسبة كبيرة من الشارع الكردي يتجهون مع البرزاني بالرغم من وجود خلافات واختلافات سياسية التي يدير بها حكمه، مضيفا بالقول "من الصعب في الوقت الحاضر تغيير مسعود البرزاني بسبب الوضع الامني الخطير في الاقليم من جراء تهديدات داعش الارهابي في الوصول الى مركز الاقليم".
اما الدكتور علاء الحسيني فتطرق الى ان "الدستور العراقي في المادة (13) تشير الى ان قوانين الاقاليم لا تبيح تشريع قوانين تتعارض مع دستور الدولة الاتحادية، فلا يمكن ان يشرع دستور الاقليم العمل بالنظام الرئاسي والدستور الاتحادي يشير الى ان النظام برلماني فسيكون هناك تعارض ومخالفة قانونية".
واضاف بالقول "ان خصوم البرزاني يحاولون قص اجنحته –بحسب تعبيره-، ولكن من باب الضغط عليه فقط من اجل الحصول على المكاسب التي يرغبون بها والتفاوض معه لتجديد الرئاسة، وفي نهاية الامر سيبقى البرزاني في حكمه على الاقليم".
واعتبر احمد المسعودي (البرزاني رقم صعب في المعادلة العراقية)، مستشهدا في ذلك رفضه رئاسة جمهورية العراق بعد ان عرضت عليه عام 2014 وكان سبب رفضه غامضا لما يمتلك من مشروع استراتيجي كبير في المنطقة بحسب اعتقاد المسعودي.
واعتقد المسعودي عدم نجاح الجهود التي تبذل في الاطاحة بنظام البرزاني، لأن الشارع الكردي يتوجه باتجاهه، بالإضافة الى وجود دعم دولي للبرزاني".
واضاف بالقول "ان البرزاني اليوم يحكم بأمر واقعي رئاسي بسبب مساندة الاكراد له من جهة والدعم الدولي من جهة اخرى، فهو لا يعترف بالدستور العراقي او تشريعات البرلمان الكردي".
واشار الدكتور خالد العرداوي الى ان "نظام الحكم في الاقليم اصبح اليوم يعاني من مشكلة وازمة حقيقية، فالبرزاني قد تجاوز النظام القانوني، وهذا الامر يؤشر على فشل النظام الممتد لسنوات ويسارع في نهايته"، موضحا بالقول "لو كان قادة الاقليم اصحاب مشروع دولة لكان الاجدر بهم الالتزام بالنصوص الدستورية التي وضعوها بأيديهم، فعندما نلاحظ هناك تعارضات بالنصوص القانونية مع الطموحات الشخصية للقادة السياسيين فأنهم يميلون بالكفة نحو الطعن بشرعية الدستور لتحقيق مكاسبهم الخاصة وهذه هي بطبيعة الحال (النزعة السلطوية)".
واردف العرداوي قائلا "مسعود البرزاني يمتلك الشرعية الشعبية، فهناك دعوات من اجل اجراء استفتاء شعبي ليصوت لصالح البرزاني وهو يتجه اليه بقوة، على غرار خصومه الذين يتجهون الى الشرعية القانونية لأنهم يفتقدون الشرعية الشعبية"، مضيفا "هناك تقارير امريكية – ايرانية ترغب بوجود البرزاني كحاكما في الاقليم، معتقدا ان كفة البرزاني في البقاء على رأس السلطة هي الارجح بسبب وجود الضوابط الدولية والشرعية الشعبية التي تسانده للوقوف بوجه خصومه بقوة".
في حين ذهب الباحث حمد جاسم الى عدم تأثر القوات العسكرية في الاقليم (البشمركة) في حال تم اسقاط او تغيير نظام البرزاني بالانتخاب او بالانقلاب فهو لا يؤثر على المنظومة العسكرية الكردية، كما انه لا يؤثر ايضا على مقاومتهم وحربهم مع داعش الارهابي.
واشار الى ان "البرزاني تربطه علاقة قوية مع تركيا وامريكا على خلاف علاقته مع ايران بسبب وجود خلافات ممتدة لسنوات، فلا يمكن توافق ايران مع امريكا بخصوص وجود نظام البرزاني في حكم الاقليم".
من جانبه اوضح الشيخ مرتضى معاش الى ان "المنطقة تعيش مفاجئات كثيرة وان الربيع العربي مستمر، كما ان هناك ربيعا كرديا سيطال الاقليم"، مشيرا الى ان "الاحزاب الكردية تقف اليوم ضد الاستفتاء الشعبي لأنه يعتبر امرا عرفيا وليس امرا قانونيا"، معتقدا ان الاستفتاء لن يتم وستمضي الاحزاب الكردية نحو اسقاط البرزاني من اجل تحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وكسر الاحتكار".
السيد عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية اشار في مداخلته بان قطار التغيير العالمي سيشمل الجميع ولكن ضمن توقيتات زمنية محددة وان الاقليم سياتي دوره المحدد في التغيير ولكن بخطوات هادئة وضمن اتفاقيات داخلية وخارجية.
بعدها طرح مدير الجلسة الفكرية التساؤل الثاني اما الحاضرين والمشاركين وكان:
كيف ستؤثر ازمة رئاسة اقليم كردستان على مشروعهم القومي في الاعلان دولتهم المستقبلية؟
حيث كانت المداخلة الاولى حول التساؤل الثاني من نصيب الدكتور الاعلامي لطيف القصاب الذي اعتبر ان قيام الدولة الكردية هو حلم الشعب الكردي على مدى ازمان، فأزمة الرئاسة وتمسك البرزاني في الحكم ربما تقربهم من هذا الحلم وتحقيقه، فهو يعتبر حلم قابل للتوظيف السياسي، ومن الممكن ان يتعكز عليه البرزاني لمحاولة كسب ثقة الشارع الكردي في الوصول لتحقيق غايتهم الكبرى".
اما الدكتور علاء الحسيني فأعتقد ان قضية الدولة الكردية هي من متبنيات البرزاني وحزبه لكن هذا المشروع واجه عدة عقبات دولية خارجية وداخلية، وازمة الرئاسة عقبة جديدة تقف بوجه البرزاني، فأراد البرزاني من مشروع قيام الدولة طرح نفسه كزعيم اوحد لجميع الاكراد المتواجدين في دول الجوار، ولكن اتجاهه بهذا المنحى سيؤدي به الى الفشل لوجود معارضين له ولمشروعه القومي".
واشار احمد المسعودي الى ان "الشعب الكردي قد عاني الكثير من الويلات في زمن النظام البائد وتحت مظلة الاحزاب التركية المعارضة وضرباتهم الجوية، وهو يأمل في تحقيق حلمه الاكبر بقيام الدولة الكردية المستقلة"، واضاف بالقول "البرزاني ينتظر تهشيم الدول الاربعة المحيطة بالإقليم واضعافها من اجل الاعلان الرسمي لقيام الدولة الكردية المرتقبة".
واعتبر الدكتور خالد العرداوي ان "الخطر الحقيقي الذي يهدد البرزاني هو سيره نحو تحقيق حلم الدولة الكردية، فلو استمر في السير لتحقيق هذا الحلم الكبير فأنه سيؤدي الى تهشيم الاقليم وتفكيكه".
واردف العرداوي قائلا "اقليم كردستان اليوم ربما فشلت في التصدي ومواجهة داعش الارهابي لولا التدخل الامريكي، فكيف بإمكانهم الحفاظ على دولة تحدها اربع دول مجاورة"، معتقدا ان هذا خطر كبير امام الاقليم اذا بقي البرزانيون يحلمون بهذا الحلم القومي".
واشار حمد جاسم الى ان "البرزاني في كل لقاءاته وحواراته يتحدث عن قيام الدولة الكردية وحلم الاكراد ومحاولة الاسراع في اعلانها، فهو حلم يسير نحو تحقيقه بتدخل دولي، واذا ما طبق على ارض الواقع فأنه لا يضيف شيئا الى الشعب الكردي".
من جانبه اوضح الشيخ مرتضى معاش الى ان "الاشياء تقوم على الوقائع وليس على الاحلام، فالدولة القومية الكردية هو مشروع فاشل ولا يمكن تحقيقه"، مشيرا الى ان اقليم كردستان يسير نحو مشروع انقسام الى اقليمين احدهما يوالي ايران والآخر يوالي تركيا، مؤكدا على ان نهاية احلام كردستان العراق ستكون نهاية تعيسة على غرار التجربة اليمنية في الانقسامات والاقتتال الداخلي.
وختم الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الدكتور قحطان الحسيني مطبخه الفكري الثقافي بشكره الى جميع الحاضرين والمشاركين معه على امل ان تكون هذه الجلسة الفكرية قد تناغمت وتلاقحت افكار بعضنا البعض.
اضف تعليق