كارثتان في شمال افريقيا لم تكن متوقعة تعبر عن المخاطر الكبيرة التي يخلفها الاحتباس الحراري، وسوء إدارة الحكومات المتهالكة التي تترك مستقبل شعوبها في مهب الكوارث التي تحصد الاف الأرواح، كما حصل في ليبيا والمغرب هذا الأسبوع. فقد أودت العاصفة دانيال، التي أحدثت دمارا في منطقة البحر المتوسط...
كارثتان في شمال افريقيا لم تكن متوقعة تعبر عن المخاطر الكبيرة التي يخلفها الاحتباس الحراري، وسوء إدارة الحكومات المتهالكة التي تترك مستقبل شعوبها في مهب الكوارث التي تحصد الاف الأرواح، كما حصل في ليبيا والمغرب هذا الأسبوع.
فقد أودت العاصفة دانيال، التي أحدثت دمارا في منطقة البحر المتوسط على مدى أسبوع، بحياة 15 شخصا في وسط اليونان بعد أن تسببت في هطول أمطار غزيرة، سجل فيها منسوب المياه مستوى قياسيا، قبل أن تجتاح ليبيا حيث لقي ما يزيد على 2500 شخص حتفهم في فيضان جارف.
ومع تحرك العاصفة على ساحل شمال أفريقيا، سعت السلطات المصرية إلى تهدئة مواطنيها القلقين بإخبارهم أنها فقدت قوتها أخيرا. وكتبت صحيفة الأهرام في طبعتها الإلكترونية باللغة الإنجليزية "لا داعي للذعر!".
لكن ظاهرة الاحتباس الحراري تعني أن المنطقة قد تضطر في المستقبل إلى الاستعداد لعواصف متزايدة القوة من هذا النوع، الذي يوازي ما يُعرف بإعصار البحر المتوسط (ميديكين).
ونقلت سوزان جراي من قسم الأرصاد الجوية بجامعة ريدينج البريطانية عن تقرير للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "هناك أدلة ثابتة على أن تواتر ’ميديكين’ يتناقص مع في ظل الاحتباس الحراري، لكن قوته تشتد".
ووصلت العاصفة التي تشكلت في الرابع من سبتمبر أيلول إلى اليونان في أعقاب فترة شهدت زيادة في درجات الحرارة وحرائق غابات.
وفي ليبيا، أدت السيول الناجمة عن العاصفة العاتية، والتي انهمرت من التلال على أحد الأودية التي عادة ما تكون جافة، إلى انهيار سدين واجتياح ربع مدينة درنة الواقعة في شرق البلاد.
وقال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إن هناك مخاوف من فقدان ما لا يقل عن 10 آلاف شخص.
وقال خبير المناخ خريستوس زيريفوس، الأمين العام لأكاديمية أثينا، إن بيانات العواصف لم يتم جمعها بالكامل بعد، لكنه قدر أن منسوب مياه الأمطار التي تهطل على ليبيا يبلغ مترا، أي ما يعادل ما سقط على ثيساليا بوسط اليونان خلال يومين.
وأضاف أن ذلك كان "حدثا لم يسبق له مثيل" وأن كمية الأمطار التي غمرت المنطقة كانت أكبر من أي وقت مضى منذ بدء التسجيل في منتصف القرن التاسع عشر.
وقال "نتوقع تكرار مثل هذه الظواهر كثيرا".
لكن خبراء آخرين قالوا إن التأثير على البلدان المحيطة بالبحر المتوسط سيكون متفاوتا وأكثر تدميرا بالنسبة للدول التي تفتقر إلى وسائل الاستعداد للعواصف.
وليبيا معرضة للخطر بشكل خاص بعد معاناتها من الفوضى والصراع على مدى يزيد على عشر سنوات ومن عدم وجود حكومة مركزية فيها يمكنها الوصول إلى جميع أنحاء البلاد.
وقال ليزلي مابون، المحاضر في مجال النظم البيئية بكلية لندن للأبحاث التابعة للجامعة المفتوحة في بريطانيا، "الوضع السياسي المعقد وتاريخ الصراع الذي طال أمده في ليبيا يشكلان تحديات أمام تطوير استراتيجيات التواصل بشأن المخاطر وتقييم المخاطر، وتنسيق عمليات الإنقاذ، وربما كذلك فيما يتعلق بصيانة البنية التحتية الحيوية مثل السدود".
وحذر عبد الونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية قبل وصول العاصفة دانيال من أن الفيضانات المتكررة لهذا الوادي تشكل تهديدا لدرنة.
لكن حتى اليونان، التي تتمتع بموارد أفضل، واجهت ظروفا صعبة للتعامل مع قوة العاصفة دانيال التي جرفت منازل وأدت لانهيار جسور وتدمير طرق وسقوط خطوط للكهرباء وتدمير المحاصيل في سهل ثيساليا الخصب.
وقالت السلطات اليونانية إنها أجلت ما يربو على 4250 شخصا من القرى والتجمعات السكنية في المنطقة.
سيول ليبيا تمحو ربع مدينة درنة
وسقط آلاف القتلى ولا يزال أكثر من عشرة آلاف في عداد المفقودين في ليبيا إثر سيول وفيضانات جلبتها عاصفة عاتية هبت من البحر المتوسط وأدت لانهيار سدود وجرفت في طريقها بنايات ومنازل ومحت ما يقرب من ربع المدينة الساحلية الواقعة شرق البلاد.
وقال أحد كبار المسعفين في درنة لرويترز إن أكثر من ألفي شخص لقوا حتفهم في حين وصلت تقديرات مسؤولين في شرق ليبيا نقلها التلفزيون المحلي لعدد القتلى عند أكثر من خمسة آلاف.
اجتاحت العاصفة دانيال عبر البحر الأبيض المتوسط البلد الذي يشهد انقساما وانهيارا بعد أكثر من عقد من الصراع.
وشاهد صحفي من رويترز في درنة، التي يقطنها نحو 125 ألف نسمة، أحياء تحولت لحطام بعد أن جرفت السيول المباني، وسيارات انقلبت على جوانب الطرق المغطاة بالطين والركام وأشجارا اقتُلعت من جذورها ومنازل مهجورة تغمرها المياه بعد انهيار سدود بالمنطقة.
وقال محمد القابسي مدير مستشفى الوحدة في مدينة درنة إن 1700 شخص لقوا حتفهم في واحد من الحيين الرئيسيين بالمدينة و500 شخص في الحي الآخر.
ورأى صحفيون من رويترز العديد من الجثث ملقاة على الأرض في ممرات المستشفى. ومع وصول المزيد من الجثث، كان السكان يحملقون فيها في محاولة للتعرف على ذويهم المفقودين.
وقال هشام أبو شكيوات وزير الطيران المدني وعضو لجنة الطوارئ في حكومة شرق ليبيا لرويترز عبر الهاتف "عُدت من هناك (درنة)... الأمر كارثي للغاية... الجثث ملقاة في كل مكان، في البحر، في الأودية، تحت المباني".
وتابع "ليس لدي عدد إجمالي للقتلى لكن هو كبير كبير جدا... عدد الجثث المنتشلة في درنة تجاوز الألف... لا أبالغ عندما أقول إن 25 بالمئة من المدينة اختفى. العديد من المباني انهارت".
ونقلت قناة المسار التلفزيونية الليبية عن وزير الداخلية في إدارة الشرق القول إن أكثر من 5000 شخص لقوا حتفهم.
وضربت العاصفة مدنا أخرى في شرق البلاد، منها بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، وقال تامر رمضان رئيس بعثة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر إن عدد القتلى سيكون "ضخما".
وأضاف للصحفيين عبر دائرة تلفزيونية "يمكننا أن نؤكد من مصادر معلوماتنا المستقلة أن عدد المفقودين يقترب من عشرة آلاف حتى الآن".
وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن جريفيث في منشور على منصة إكس، تويتر سابقا، إنه يجري الآن تعبئة فرق الطوارئ لتقديم المساعدة على الأرض.
وبينما سارعت تركيا ودول أخرى إلى تقديم المساعدات إلى ليبيا وتزويدها بمركبات للبحث والإنقاذ وقوارب للإغاثة ومولدات كهربائية ومواد غذائية، هرع مواطنو درنة إلى منازلهم بحثا عن ذويهم وهم في حالة ذعر.
في درنة، قال مصطفى سالم (39 عاما) إن 30 من أقاربه راحوا في الكارثة. وأضاف لرويترز "أغلب الناس كانوا نائمين. لم يكن أحد مستعدا".
وذكر رجا ساسي (39 عاما) أنه نجا من السيول هو وزوجته وابنته الصغيرة بعد أن وصلت المياه إلى الطابق العلوي من المنزل، لكن بقية أفراد أسرته لقوا حتفهم.
وقال "في البداية اعتقدنا أنها أمطار غزيرة ولكن في منتصف الليل سمعنا انفجارا هائلا وكان السد هو الذي ينفجر".
وفي مطار طرابلس الواقع في شمال غرب ليبيا، بدأت امرأة تنتحب بصوت مرتفع بعدما تلقت مكالمة تفيد بأن معظم أفراد عائلتها إما لقوا حتفهم أو فقدوا جراء هذه الكارثة.
وقال صهرها وليد عبد العاطي "نحن لا نتحدث عن قتيل أو قتيلين، ولكن كل أسرة فقدت نحو عشرة من أفرادها".
وقال كريم العبيدي، أحد الذين استقلوا طائرة متجهة من طرابلس إلى شرق البلاد "لم أشعر قط بالخوف الذي أشعر به الآن.. فقدت الاتصال بكل عائلتي وأصدقائي وجيراني".
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية لقناة الجزيرة إن فرق البحرية تبحث عن "عدد كبير من الأسر جرفتها (السيول) في اتجاه البحر في مدينة درنة".
تحذير من السيول والفيضانات
يقسم مدينة درنة الواقعة على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا نهر موسمي يتدفق من المناطق المرتفعة في اتجاه الجنوب، ونادرا ما تضرب السيول المدينة بسبب السدود الموجودة بها.
وأظهر مقطع مصور نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أجزاء متبقية من أحد السدود المنهارة على بعد 11.5 كيلومتر من المنبع في المدينة حيث يلتقي واديان نهريان وتحيط بهما الآن برك ضخمة من المياه المختلطة بالطين.
وأمكن سماع صوت في المقطع المصور يقول "كان هناك سد". وتأكدت رويترز من الموقع بناء على الصور.
وفي ورقة بحثية نشرت العام الماضي، قال عبد الونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار في ليبيا إن درنة معرضة لخطر السيول المتكررة عبر الوديان الجافة واستشهد بوقوع خمسة سيول منذ عام 1942 ودعا وقتها لاتخاذ خطوات فورية لضمان الصيانة المنتظمة للسدود في المنطقة.
وأضاف في الورقة البحثية تحذيرا من مغبة وقوع سيول عارمة إذ قال إنها ستكون كارثية على السكان في الوادي والمدينة.
وليبيا منقسمة سياسيا بين الشرق والغرب وانهارت الخدمات العامة منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011 وأدت إلى صراع استمر سنوات بين الفصائل المسلحة.
وقال صحفي من رويترز على متن طائرة إغاثة إن الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس لا تسيطر على المناطق الشرقية لكنها أرسلت مساعدات إلى درنة وإن طائرة إغاثة واحدة على الأقل غادرت مدينة مصراتة بغرب البلاد.
وأحدثت الفيضانات دمارا هائلا في درنة وتسببت في انقلاب وتحطم السيارات وخلّفت شوارع المدينة مغطاة بالحطام والوحل والركام.
وأظهرت صور التُقطت بالأقمار الصناعية من المدينة قبل وبعد الكارثة أن المجرى المائي الذي كان ضيقا نسبيا ويمر عبر وسط المدينة أصبح أكثر اتساعا بكثير الآن مع اختفاء جميع المباني التي كانت قائمة حوله.
كما ظهر بوضوح دمار جسيم في أنحاء أخرى من المدينة مع اختفاء المباني بعدما فاضت المياه من المجرى المائي.
ناجون يتحدثون عن نجاتهم بمعجزة
وصف الناجون من الفيضانات التي أسقطت قتلى في ليبيا صوتا يشبه الانفجار عندما انهار أحد السدود فتدفقت المياه سريعا لتصل حتى الطوابق العليا من المباني ويفر السكان من أسطحها أو يتعلقون بالأثاث لساعات في غرف غمرتها المياه حتى السقف تقريبا.
وعند مدخل مدينة درنة في شرق ليبيا، حيث أدت عاصفة إلى ارتفاع مستوى مياه نهر وانهيار سدين لتجتاح مياه الفيضانات أرجاء المدينة في ساعة مبكرة من صباح يوم الاثنين، وقفت مجموعة من الناجين يبحثون عن مأوى بعد تدمير منازلهم. وكان الكثيرون لا يزالون يرتدون ملابس نوم ونعالا بعد أن هرعوا على نحو مفاجئ.
نجا رجاء ساسي (39 عاما) من الفيضان مع زوجته وابنته الصغيرة بعد أن وصلت المياه إلى طابق علوي من المنزل، لكن بقية أفراد أسرته لقوا حتفهم.
وقال "في البداية اعتقدنا أنها أمطار غزيرة ولكن في منتصف الليل سمعنا انفجارا هائلا وكان ذلك السد وهو ينفجر". وأضاف أن وسط المدينة عج بالجثث المتناثرة.
وقالت زوجته نورية الحصادي (31 عاما) التي تشبثت بابنتها الصغيرة خلال هروبهما، إن نجاتهم كانت "معجزة".
وقالت صفية مصطفى (41 عاما)، وهي أم لولدين، إنهم تمكنوا من الفرار من منزلهم قبل انهيار المبنى. وأضافت أنهم صعدوا إلى السطح وهربوا عبر أسطح المباني المجاورة. وقال ابنها أُبي (10 سنوات) إنه كان يدعو الله أن ينجوا بحياتهم.
وقالت صالحة أبو بكر، وهي محامية تبلغ من العمر 46 عاما، إنها نجت مع شقيقتيها من الكارثة، لكن والدتهن لقيت حتفها. وأضافت أن المياه سرعان ما غمرت المبنى ووصلت إلى الطابق الثالث.
وأوضحت أن المياه اندفعت إلى شقتهم حتى بلغت السقف تقريبا، ولمدة قالت إنها شعرت بأنها ثلاث ساعات تشبثت خلالها بقطعة أثاث حتى تظل طافية.
وقالت "أستطيع السباحة، لكن عندما حاولت إنقاذ عائلتي لم أتمكن من فعل أي شيء".
وانحسرت مياه الفيضان وتمكنت مع شقيقتيها من مغادرة المبنى قبل وقت قصير من انهياره لكن والدتهن كانت بداخله.
معاناة الناجين من زلزال المغرب
وفي كارثة أخرى ليست بعيدة عن ليبيا تمكن بعض القرويين المغاربة، الذين فقدوا كل شيء في زلزال الأسبوع الماضي، من الصمود وسط أنقاض منازلهم فيما لا تزال الطرق مغلقة بسبب الانهيارات الأرضية وندرة الإمدادات الأساسية مثل الخيام.
وأدى الزلزال الذي بلغت قوته 6.8 درجة وضرب جبال الأطلس الكبير في وقت متأخر من يوم الجمعة إلى مقتل ما لا يقل عن 2901 شخص وإصابة 5530 آخرين، وفقا لأحدث الأرقام الرسمية، مما يجعله الزلزال الأعلى من حيث عدد الضحايا في المغرب منذ عام 1960 والأقوى منذ عام 1900 على الأقل.
ومع إعراب بعض الناجين عن إحباطهم إزاء بطء وتيرة الاستجابة لحالة الطوارئ، ظهر الملك محمد السادس يوم الثلاثاء لأول مرة على شاشة التلفزيون منذ وقوع الزلزال، إذ زار مصابين في أحد مستشفيات مراكش.
ويقود الجيش المغربي جهود الإغاثة، بدعم من مجموعات وفرق إغاثة أرسلتها أربع دول أخرى، لكن التضاريس الوعرة والطرق المتضررة جعلت الاستجابة غير مكتملة، حيث كانت بعض القرى الأكثر تضررا هي آخر من يتلقى المساعدة.
وقال مراسلو رويترز في مواقع مختلفة بالمنطقة إن هناك زيادة ملحوظة يوم الأربعاء في عدد القوات المغربية والشرطة وعمال الإغاثة على الطرق القريبة من مركز الزلزال.
وفي ذات الوقت لم تكن هناك مؤشرات تذكر على المساعدة الخارجية في بعض المواقع النائية.
وفي قرية أوتاغري الصغيرة، التي سويت بالأرض بالكامل تقريبا وقُتل فيها أربعة أشخاص، أمضى ناجون مشردون خمس ليال منذ وقوع الزلزال نائمين في العراء في فناء مدرسة، وهو أحد المساحات القليلة التي لم تغطها الأنقاض.
وقال سعيد حسين (27 عاما)، الذي عاد إلى القرية من منزله الحالي في مراكش للمساعدة بعد الزلزال "الأمر صعب حقا. الجو بارد". وأضاف أن الناجين يخشون الهزات الارتدادية ويكافحون من أجل التأقلم مع الوفيات والدمار.
وأردف "نُبقي كل شيء في داخلنا. أنت تعلم أن الناس هنا يتسمون بالصلابة بعض الشيء ولا يمكنهم إظهار أنهم ضعفاء أو أن بمقدورهم البكاء، ولكن في داخلك تريد فقط الذهاب إلى مكان ما والبكاء".
المدرسة نفسها لا تزال قائمة على الرغم من الشقوق والفجوات الضخمة التي شوهت الجدران الملونة وجعلت المبنى غير آمن. ويستخدم القرويون إحدى الغرف كمكان لتخزين زجاجات المياه والمواد الغذائية التي تبرع بمعظمها مواطنون مغاربة.
وتلقت القرية للتو شحنة من الخيام قدمتها الحكومة، لكنها لم تكن مقاومة للماء، وهو ما يشكل مصدر قلق بالغ في منطقة جبلية تكثر فيها الأمطار والثلوج.
وقالت نعيمة وازو التي تبلغ من العمر 60 عاما وفقدت ثمانية من أقاربها بسبب الزلزال "سيأتي الشتاء قريبا وسيكون الوضع صعبا للغاية على الناس. كانت الحياة هنا صعبة حتى عندما كان الناس يعيشون في منازلهم. تتساقط الثلوج هنا والخيام لن تحل المشكلة".
وقررت نعيمة البقاء في منزلها المتضرر رغم الشقوق الكبيرة في جدرانه، لعدم وجود مكان آخر تذهب إليه. ولم يأت أحد لفحص المنزل أو تقييم خطر الانهيار.
ولم يكن من الممكن الوصول برا إلى قرية أدوز الجبلية، الواقعة على منحدر شاهق وتحول معظمها إلى أكوام من الأنقاض، وأقام القرويون مخيما بجوار نهر في الأسفل. واستخدموا الحمير لنقل الإمدادات إلى أعلى وأسفل الجبل.
وقالت فاطمة بلقاس، إحدى السكان، والتي كانت تبحث عن أي شيء لإنقاذه بين أنقاض منزلها، "الناس بحاجة إلى الضروريات الأساسية. يحصلون على الحليب على سبيل المثال، لكن يمكن أن يفسد بسرعة لأنه ليس لدينا مكان لتخزينه".
وأضافت "إنهم بحاجة إلى سلع مثل السكر والزيت التي لا تفسد بسهولة. نحن نفتقر إلى الطرق كما تعلمون، ولو كانت لدينا، لكان من الممكن حل الكثير من الأمور".
وانضمت فرق إنقاذ من إسبانيا وبريطانيا وقطر لجهود البحث المغربية عن ناجين، وقالت إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا إن المغرب لم يوافق بعد على عروضها لتقديم المساعدة.
لكن اليأس استبد بأشخاص في مناطق نائية عزلتها الانهيارات الأرضية الناجمة عن الزلزال، وتكثفت جهود الإغاثة في الأماكن التي يمكن الوصول إليها من خلال إقامة مخيمات إيواء وتوزيع الغذاء والمياه.
وكان مهدي آيت بويعلي (24 عاما) يخيم على طول طريق تيزي نتاست الذي يربط الوديان النائية بمراكش مع عدد قليل من الناجين الآخرين الذين فروا أيضا من قراهم المدمرة. وقال إن المجموعة تلقت غذاء وبطانيات من أشخاص جاءوا بها إليهم بسياراتهم لكنهم لم يحصلوا على أي شيء من الدولة.
وأضاف "قرى الوادي نُسيت. نحن بحاجة إلى أي نوع من المساعدة. نحتاج إلى الخيام"، وانتقد جهود الإغاثة التي تبذلها الحكومة.
تلاشي آمال العثور على ناجين
وكان حميد آيت بويعلي (40 عاما) يخيم هو الآخر على جانب الطريق.
وقال حميد "تركز السلطات على الأحياء الأكبر حجما وليس على القرى النائية الأكثر تضررا... هناك بعض القرى ما زال الموتى بها تحت الأنقاض".
وتوارت آمال العثور على ناجين لأسباب من بينها كثرة منازل الطوب اللبن التقليدية المنتشرة في منطقة الأطلس الكبير لأنها بعد انهيارها تتحول إلى أكوام تراب لا تترك منافذ لتسلل الهواء.
ويعاني كثير من سكان القرى من انقطاع الكهرباء والاتصالات الهاتفية منذ وقوع الزلزال، وقالوا إنهم اضطروا لإنقاذ أحبائهم وانتشال الجثامين المدفونة تحت أنقاض منازلهم المدمرة دون أي مساعدة.
وتطوع مواطنون أيضا لتقديم يد العون، مثل إبراهيم الدالدالي (36 عاما) الذي جاء من مراكش على دراجته النارية لتوزيع طعام وماء وملابس وأغطية تبرع بها أصدقاؤه وغرباء.
وقال "ليس لديهم شيء والناس يتضورون جوعا".
وفي قرية أمزميز التي تقع عند سفح جبل وتحولت إلى مركز للمساعدات، زودت السلطات بعض الأشخاص الذين شردهم الزلزال بخيام، لكن آخرين ما زالوا يعيشون تحت بطانيات.
وقال نور الدين بو عكيروان، وهو نجار يخيم مع زوجته ووالدتها وولديه، "أنا خائف للغاية. ماذا سنفعل إذا هطل المطر؟". ويعاني أحد أبنائه من التوحد وهم جميعا يعيشون في خيمة عشوائية من البطاطين.
وفي مراكش تضررت بعض المباني التاريخية في المدينة القديمة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. كما تسبب الزلزال في أضرار كبيرة لمسجد تينمل التاريخي الذي يعود إلى القرن الثاني عشر.
ونجت مناطق أكثر حداثة في مراكش إلى حد كبير، منها موقع بالقرب من المطار مخصص لاجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين المقرر عقدها الشهر المقبل.
وقالت مصادر إنه من المتوقع حضور أكثر من 10 آلاف شخص الاجتماعات التي تريد الحكومة المضي فيها قدما.
وقبل المغرب عروضا للمساعدة من إسبانيا وبريطانيا والإمارات وقطر لكنه لم يقبل عروضا من إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا.
وقالت ألمانيا إنها لا تعتقد أن القرار مدفوع بأسباب سياسية، لكن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني قال لإذاعة آر.تي.إل إن المغرب اختار تلقي المساعدات فقط من الدول التي تربطه بها علاقات وثيقة.
وخاطب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشعب المغربي في رسالة مصورة قائلا إن باريس مستعدة لتقديم مساعدة إنسانية مباشرة إذا قبل الملك محمد السادس عرض باريس.
وأضاف ماكرون "أردت مخاطبة المغاربة مباشرة لأقول لكم إن فرنسا حزينة للغاية... بسبب هذا الزلزال المروع... وسنقف بجانبكم".
ومرت العلاقات بين باريس والرباط بوقت صعب في السنوات القليلة الماضية لا سيما بشأن الصحراء الغربية التي تريد المغرب من فرنسا الاعتراف بسيادتها عليها. ولا يوجد سفير للرباط في باريس منذ يناير كانون الثاني.
وعبّر آخرون عن إحباطهم لعدم السماح لهم بالمساعدة.
وقال أرنو فريس من منظمة منقذون بلا حدود، وهي منظمة فرنسية غير حكومية، إنهم عرضوا على السفارة المغربية في باريس إرسال فريق يضم تسعة أفراد للمغرب لكن لم يأت أي رد من الرباط حتى الآن.
وأضاف "الآن وبعد مرور أربعة أيام، فات أوان المغادرة لأننا هنا للعمل بشكل عاجل لإنقاذ الناس تحت الأنقاض وليس لاستكشاف الجثث. ذلك يحزننا جدا".
تضرر التراث
وأظهر مقطع فيديو من قرية إيمي إن تالا النائية رجالا وكلابا يتسلقون منطقة حادة الانحدار ملأتها الأنقاض. والمقطع من تصوير أنطونيو نوجاليس منسق عمليات منظمة رجال الإطفاء المتحدون بلا حدود.
وقال نوجاليس وهو لا يتمكن من إيجاد الكلمة المناسبة لوصف ما يراه "مستوى الدمار ... شامل".
وأردف "لم يبق منزل واحد قائما. سنبدأ بحثنا بالكلاب وسنرى إذا ما كان بوسعنا العثور على أي أحياء".
وذكر أنه على الرغم من نطاق الأضرار، ما تزال فرق الإنقاذ التي تبحث بالكلاب تأمل العثور على ناجين.
وأضاف "أنا واثق أننا سننقذ بعض الأشخاص خلال الأيام المقبلة. نعتقد أنه ربما ثمة أشخاص في المباني المنهارة.. لن نتخلى عن الأمل أبدا".
بعد استجابة أولية وصفها بعض الناجين بأنها بطيئة للغاية، بدا أن جهود البحث والإنقاذ تتسارع يوم الاثنين، مع ظهور مخيمات نُصبت بها خيام في بعض المواقع حيث أمضى الناس ثلاث ليال في العراء.
وأظهر مقطع مصور من تصوير القناة التلفزيونية الثانية بالمغرب طائرة هليكوبتر عسكرية تحلق فوق منطقة بالقرب من مركز الزلزال وتسقط بعض حزم الإمدادات الأساسية للأسر المنعزلة.
ونظرا لأن معظم المناطق التي ضربها الزلزال تقع في أماكن يصعب الوصول إليها، لم تصدر السلطات أي تقديرات لعدد الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين.
وتدريجيا، بدأ يظهر الضرر الذي ألحقه الزلزال بالإرث الثقافي في المغرب بالزلزال حيث تضررت بنايات في المدينة القديمة بمراكش المصنفة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). كما ألحق الزلزال أضرارا كبيرة بمسجد تينمل التاريخي الذي يعود للقرن الثاني عشر والواقع في منطقة جبلية نائية قرب مركز الزلزال.
وقال سكان في تينمل، وهي قرية نائية قريبة من مركز الزلزال وقُتل فيها 15 شخصا، إنهم يتشاركون الطعام والماء والعلاج، لكنهم في حاجة ماسة إلى خيام وأغطية لتقيهم الليالي الباردة في المنطقة الجبلية.
منتهى الخيانة
قال رجل فقد والديه في زلزال المغرب إنه يشعر وكأنه تعرض للخيانة بسبب طريقة تعامل الحكومة مع تبعات الكارثة بعد أن استغرق وصول آلات الحفر أربعة أيام لبلدة تلات نيعقوب النائية حيث دُفن والداه تحت أنقاض منزلهما المنهار المؤلف من أربعة طوابق.
وظل جمال الرباكي يبحث عن والديه بين الأنقاض بيديه العاريتين، بمساعدة شقيقه وعمه وجيرانه، على أمل أن يجدهما على قيد الحياة، بينما كانت طائرات الهليكوبتر العسكرية تحلق فوق قرية تلات نيعقوب في جبال الأطلس الكبير.
وقال لرويترز في مكان الحادث "انتظرنا المساعدة... مات الناس تحت الأنقاض ولم تصل المساعدة".
وقال الرباكي إنه لا يستطيع أن يفهم لماذا استغرق وصول المساعدات الحكومية وقتا طويلا إلى البلدة أو لماذا لم يتم قبول بعض عروض المساعدة الأجنبية بعد بينما يعاني كثيرون في منطقة الزلزال.
وقال "هذه خيانة.. منتهى الخيانة"، مضيفا أن الناس ما زالوا محاصرين تحت المباني المدمرة في بعض المناطق.
وتحدث سكان قرى مجاورة عن قصص مشابهة لقصة الرباكي، وقالوا إنهم بحثوا بأنفسهم عن ذويهم وانتشلوا الناجين ودفنوا موتاهم دون أي مساعدة حكومية.
يقول كثير من الأشخاص في القرى المجاورة إنهم يعيشون على تبرعات الجمعيات الخيرية المحلية ولم يتلقوا سوى القليل من المساعدة أو لا يتلقون أي مساعدة من السلطات المركزية.
وقال الرباكي "الذين من المفترض أن يساعدوا الناس لا يهتمون".
وأضاف أن معظم الناس في تلات نيعقوب شعروا وكأن السلطات لا تكترث بهم. وقال "هذا يغرس سكينا في قلبك مباشرة. نحن نحب المغرب. هذا بلدنا، وهذا ترابنا".
وعندما وقع الزلزال، كان الرباكي في مراكش، المدينة التاريخية التي تبعد 72 كيلومترا عن مركز الزلزال. واستغرقت الرحلة التي تبلغ مسافتها نحو 100 كيلومتر من هناك إلى تلات نيعقوب 12 ساعة.
وقال إن جهوده اليائسة والمتكررة للاتصال بوالديه عبر الهاتف باءت بالفشل بينما كان ينتظر إزالة الركام من طريق تيزي نتاست الذي يربط مسقط رأسه بمراكش.
منازل الطوب اللبن
من جهتها حذرت فرق الانقاذ التي تبحث وسط الركام بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب من أن البيوت التقليدية المبنية من الطوب اللبن والحجر والخشب المنتشرة في منطقة جبال الأطلس الكبير تقلل فرص العثور على ناجين.
وفي مركز للجيش جنوبي مدينة مراكش التاريخية غير بعيد عن مركز الزلزال، قال أحد أفراد الإنقاذ العسكري طالبا عدم كشف هويته بسبب قواعد الجيش التي تمنع التحدث لوسائل الإعلام "من الصعب انتشال أحياء لأن معظم الجدران والأسقف تحولت إلى تراب عندما سقطت، ودفنت من كان بالداخل ولم يغادر".
ولطالما كانت المنازل التقليدية، التي يبلغ عمرها أحيانا مئات السنين وأحيانا أخرى ما يكون أحدث من ذلك، مشهدا يحظى بالشعبية بين السياح المسافرين إلى الجبل من مراكش.
وكثيرا ما تبني الأسر بنفسها هذه المنازل بنسق تقليدي ومن دون أي مساعدة من مهندسين معماريين، وتجري الأسر توسعات كلما استطاعت.
ومع عدم وقوع زلازل كبرى منذ وقت طويل، فكر قليلون في دراسة خطر وقوع هزات.
ومع بناء العديد من البيوت من الطوب اللبن والأخشاب أو الأسمنت وكتل النسيم (لبنة بناء مسامية خفيفة الوزن)، انهارت المباني بسهولة لتتحول إلى أكوام حطام عندما وقع الزلزال في وقت متأخر مساء الجمعة دون إتاحة جيوب هوائية يمكن أن توفرها المباني الخرسانية الجاهزة في مواجهة الزلازل.
وقال أنطونيو نوجاليس، منسق عمليات منظمة رجال الإطفاء المتحدون بلا حدود، وهو فريق إنقاذ إسباني، "مستوى الدمار ... شامل"، وذلك خلال حديثه من أمزميز الواقعة إلى الجنوب من مراكش التي تضررت بشدة جراء الزلزال.
وأردف نوجاليس "فرص النجاة أقل" من دون وجود جيوب الهواء التي يمكن لمباني الصلب والخرسانة توفيرها في حالة انهيارها، لكنه أكد على أن المنقذين لم يفقدوا كل الأمل بعد.
وأضاف "لا نستسلم أبدا، أنا واثق أننا سننقذ بعض الأشخاص خلال الأيام المقبلة. نعتقد أنه ربما ثمة أشخاص في المباني المنهارة، وأنه ربما وُجدت جيوب من الهواء".
وقال خبراء إنه حتى المنازل أو المباني الخرسانية تفتقر في كثير من الأحيان لتصميم مضاد للزلازل في منطقة غير معتادة على مثل هذه الهزات القوية مما يترك الناجين وعمال الإنقاذ يتنقلون بين أكوام الأنقاض مع عدم وجود أي جدران تقريبا حيث كانت تقف منازل ذات يوم.
وقال محمد إحساني أستاذ الهندسة المدنية المتفرغ بجامعة أريزونا "عند وجود أحمال الجاذبية، فلا بأس بذلك، لكن مع وجود ضغوط جراء زلزال، يمكن للمباني أن تنهار مثل الطين والوحل".
وقضى كثير من الناجين ليلة ثالثة في الخلاء بعد أن تهدمت منازلهم أو أصبحت غير آمنة.
ومع كون أغلب منطقة الزلزال في مناطق نائية، لم يتضح الأثر الكامل للزلزال بعد.
وقال كولن تايلور أستاذ هندسة الزلازل المتفرغ بجامعة بريستول "يتمحور قرار الحكومة الكبير حقا حول التأكد من استخدام قوالب الإنشاءات الحديثة في أي عملية لإعادة البناء. إعادة البناء بقالب الطوب اللبن هذا ستتسبب في كارثة تالية خلال 20 أو 30 عاما".
وأضاف "في بلدان مثل المغرب، توجد هذه المشكلة الكبرى المتمثلة في وجود عدد كبير من المنازل، وهو أمر ربما يعود تاريخه إلى مئات الأعوام، وإصلاح كل هذا العدد من المباني أو تقويته أمر شاق على المستوى الفني، وأمر مكلف جدا أيضا".
اضف تعليق