يشكل تعزيز مجموعة بريكس جزءا من رؤية روسيا لتقليص نطاق هيمنة الولايات المتحدة وتشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب. وتقدر موسكو العلاقات مع دول نامية امتنعت عن إدانة الأفعال الروسية في أوكرانيا وترغب في زيادة التجارة معها، وذلك في مسعى لمعادلة تأثير العقوبات الغربية المفروضة على اقتصادها...
يجتمع قادة الدول المنضوية في مجموعة "بريكس" في جنوب إفريقيا فيما تسعى رابطة كبرى الاقتصادات الناشئة لتعزيز حضورها كقوة تواجه الهيمنة الغربية على الشؤون الدولية.
تمثّل بلدان "بريكس" -- البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا -- ربع الاقتصاد العالمي بينما أبدت المزيد من الدول اهتماما بالانضمام إلى التكتل قبيل قمّته التي تستضيفها جوهانسبرغ وتستمر ثلاثة أيام.
تم تعزيز الإجراءات الأمنية في مختلف أنحاء المدينة حيث سيستضيف رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا نظيره الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى جانب نحو 50 زعيما آخر.
ولن يحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المستهدف بمذكرة توقيف دولية على خلفية الاشتباه بارتكابه جرائم حرب في أوكرانيا وبالتالي تم إيفاد وزير الخارجية سيرغي لافروف كممثل عنه.
تتشارك بلدان "بريكس" التي تمثّل 40 في المئة من سكان العالم على مستوى ثلاث قارات تتباين فيها مستويات النمو الاقتصادي، الرغبة في التوصل إلى نظام عالمي ترى أنه يعكس مصالحها بشكل أفضل ويعزز هيمنتها.
تنعقد القمة الـ15 للمجموعة تحت شعار "بريكس وإفريقيا" وتأتي فيما باتت القارّة مسرحا للمعارك الدبلوماسية مجددا مع تنافس كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي.
وأفاد رامابوزا عشية القمة بأن بلاده "لا يمكن أن تنجر إلى منافسة بين قوى عالمية" وأكد بشدّة على سياسة جنوب إفريقيا التاريخية القائمة على عدم الانحياز.
وذكر شي في مقال نشرته وسائل إعلام في جنوب إفريقيا الاثنين "نحضّ المجتمع الدولي على إعادة التركيز على قضايا التنمية ودعم لعب آلية التعاون التابعة لـ+بريكس+ دورا أكبر في الحوكمة العالمية وجعل صوت +بريكس+ أقوى".
ما هي مجموعة بريكس؟
بريكس BRICS، حسب موقعها الرسمي على الإنترنت، منظمة تجمع خمسة دول هي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها. ففي 20 سبتمبر/أيلول 2006 تم عقد أول اجتماع وزاري للمجموعة بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تقرر حسب نفس المصدر خلال قمة بريكس بالبرازيل في 15-16 يوليو/تموز 2014، إنشاء بنك للتنمية وتبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، التي باتت تمتلك ما مجموعه 200 مليار دولار.
وأوضح الخبير الاقتصادي د. دانيال بأن "البريكس هي عمليا مجموعة خمس دول ناشئة بدأت أربعة قبل انضمام جنوب أفريقيا. هدفها بطريقة غير مباشرة منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60 بالمئة من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40 بالمئة من مساحة العالم حيث إنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة. وقد أخذت البريكس اهتماما أكبر من السابق بعد الحرب الأوكرانية والتشتت الحاصل في النظام العالمي والاتجاه نحو تكتلات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية أو جيو-استراتيجية. برزت أهمية البريكس خصوصا بعد الاجتماع الأخير الذي ضم تقريبا عشرين دولة بينهم السعودية، الجزائر، إندونيسيا، وماليزيا. وأصبحت هذه المنظمة تضاهي وتوازي منظمات مثل مجموعتي السبع والعشرين".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدولي د. ممدوح سلامة إن "مجموعة بريكس هي تسمية ملخصة لخمس دول هي الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا. هدفها أولا وآخرا التعاون فيما بينها ودعم السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في العالم، خصوصا أن بينها الصين التي هي أكبر اقتصاد في العالم والهند وهي ثالث اقتصاد في العالم ثم روسيا التي هي أكبر مصدر للطاقة في العالم".
وأفاد تقرير بريطاني بأن تحالف دول “بريكس”، أصبح يشكل ثقلا اقتصاديا يفوق في أهميته مثيله للدول السبع الصناعية الكبرى، التي تضم أمريكا، وألمانيا، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة.
وأوضح التقرير، الصادر عن مؤسسة “أكرون ماركو للاستشارات” البريطانية، أن مساهمة تحالف “بريكس” في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بلغ 31.5% مقارنة بـ30.7% للدول السبع الصناعية الكبرى.
وأشار، إلى أن هذه التغيرات الكبرى ترجع بصورة خاصة إلى النمو الاقتصادي القوي الذي سجلته الصين والهند.
وتوقع التقرير، أن تزداد مساهمة مجموعة “بريكس” في الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدار السنوات المقبلة لاسيما مع توسع التكتل بضم دول جديدة لعضويته.
ولفت التقرير البريطاني إلى أنه على الرغم من الأهمية الاقتصادية والديموغرافية (3.2 مليار نسمة) للدول الأعضاء لتكتل “بريكس” إلا أنها لا تحظى حاليا سوى بـ 15% من حقوق التصويت في البنك وصندوق النقد الدوليين.
انقسام بشأن توسيع التكتل
وقبيل القمة، أعربت 40 دولة على الأقل عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة بما فيها إيران والسعودية وبنغلادش والأرجنتين، بحسب مسؤولين.
وستطرح جنوب إفريقيا على قادة بلدان "بريكس" مقترحا لتوسيع العضوية فيما يتوقع صدور قرار بهذا الشأن في ختام القمة.
لكن محللين أبدوا حذرهم حيال الأمر.
تثير مسألة توسيع "بريكس" انقسامات خصوصا بالنسبة للدولتين الأقوى فيها: الصين والهند.
تبدي الصين حماسة حيال توسيع التكتل بشكل سريع وزيادة نفوذه، لكن مراقبين يشيرون إلى أن الهند تتوجّس من نوايا خصمتها الإقليمية.
وقال استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة "ويتووترسراند" في جوهانسبرغ جاني روسو "برأيي، سيتم التفكير بتوسيع إضافي محتمل خلال العام الجاري ولن يتم اتّخاذ قرار أثناء القمة لإتاحة مزيد من الوقت" لدراسة الأمر.
وقال مؤسس معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا جاكي سليير إن "بريكس" تعتمد على الإجماع، ما يشكّل "عقبة رئيسية" أمام صناعة القرارات.
وأضاف لفرانس برس "على الأمد البعيد، أرى أن المنافسة التي لا مفر منها بين الصين والهند ستكون على الأرجح التحدي الرئيسي الذي سيواجه +بريكس+ في نهاية المطاف".
وقال مندوب جنوب أفريقيا في مجموعة بريكس أنيل سوكلال وقال سوكلال في إحاطة صحافية في جوهانسبرغ إن الاهتمام المتزايد بالتكتل "ليس بالأمر الجديد" لكنه يشير إلى "الثقة" بالعمل الذي قامت به بريكس طوال 15 عاما من وجودها.
ورأى سوكلال أن بريكس ليست مجرد "قوة سياسية (..) عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، لكنها تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم".
وأكد لوكالة الأنباء الفرنسية أن "البنية العالمية الحالية لا تزال غير متكافئة وتستمر في تهميش الدول النامية (..) ولا تزال خاضعة لهيمنة عدد قليل. لا نرغب بعالم مماثل. نرغب بعالم يتم فيه سماع أصواتنا".
إعادة توازن النظام العالمي
وقال وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار في اجتماع سابق للمجموعة ان "اجتماعنا يجب أن يبعث رسالة قوية مفادها أن العالم متعدد الأقطاب، وأنه يعيد توازنه، وأن الطرق القديمة لا يمكنها معالجة الأوضاع الجديدة". أضاف "نحن رمز للتغيير ويجب أن نتصرف على هذا الأساس".
بدوره قال نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو تشو إن بكين ترحب بالمتقدمين المحتملين لعضوية بريكس. وأضاف في مؤتمر صحافي "نتوقع انضمام مزيد من الدول إلى عائلتنا الكبيرة".
وكانت قد قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور "ستركز مباحثاتنا على فرص تعزيز وتحويل أنظمة الحوكمة العالمية".
من جهته قالت روسيا إن انضمام دول جديدة لعضوية مجموعة بريكس سيعزز من شأنها ويقويها، وذلك في أكثر تأييد من موسكو صراحة حتى الآن لاقتراح توسيع المجموعة.
وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحفيين "بالطبع نعتقد أنه بشكل أو بآخر، توسيع مجموعة بريكس سيساهم في زيادة تطوير وتعزيز هذه المنظمة".
وجاء ذلك تعليقا على تصريح أدلى به رئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا قال فيه إن "من المهم للغاية" للسعودية الانضمام إلى مجموعة دول بريكس بالإضافة إلى الأرجنتين والإمارات إذا رغبتا في ذلك.
وقال بيسكوف إن روسيا لها علاقات بناءة مع الدول الثلاث لكن "لا نعتقد أننا بحاجة لاستباق الأحداث" فيما يتعلق بدول بعينها مرشحة للانضمام قبل مناقشة المسألة في قمة بريكس التي تعقد في جنوب أفريقيا بين 22 و24 أغسطس آب.
ويشكل تعزيز مجموعة بريكس جزءا من رؤية روسيا لتقليص نطاق هيمنة الولايات المتحدة وتشكيل عالم جديد "متعدد الأقطاب". وتقدر موسكو العلاقات مع دول نامية امتنعت عن إدانة الأفعال الروسية في أوكرانيا وترغب في زيادة التجارة معها، وذلك في مسعى لمعادلة تأثير العقوبات الغربية المفروضة على اقتصادها.
وسيمثل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف موسكو في قمة بريكس هذا الشهر بعد أن قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدم الحضور إذ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه بسبب ما قيل عن ارتكاب جرائم الحرب في أوكرانيا، وهو ما تنفيه موسكو. ومن المقرر أن يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا عبر الإنترنت.
بدوره قال وزير الخارجية الهندي فيناي كواترا إن الهند لديها "نوايا إيجابية وعقل منفتح" فيما يتعلق بتوسيع مجموعة دول بريكس.
وأضاف "لا نريد الحكم مسبقا على نتيجة المناقشات حول توسيع بريكس".
وأشار الوزير الهندي إلى أن بريكس تبحث تعزيز التجارة بالعملات الوطنية. ورغم أن البرازيل وروسيا أشارتا إلى إمكانية تبني عملة مشتركة للتكتل فإن هذا الأمر ليس مطروحا على جدول الأعمال.
وسيكون هذا الاجتماع، الذي سيعقد بالحضور الشخصي، هو الأول لقادة دول بريكس منذ 2019، وسيكون التوسع من القضايا الرئيسية على جدول الأعمال.
وفي ظل حالة عدم الرضا إزاء النظام العالمي السائد، أعربت نحو 40 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة.
وقال كواترا إنه بالنظر إلى أن المجموعة تعتمد على تحقيق توافق في الآراء فإن أعضاءها سيحتاجون إلى الاتفاق على المعايير والمبادئ التوجيهية للتوسع. ولا تحظى فكرة توسيع المجموعة بعد بدعم من كافة الأعضاء.
وقال كواترا إن "جانبا جوهريا" من المناقشات يتركز على تعزيز التجارة بين الدول الأعضاء بالعملات المحلية.
إصدار عملة رقمية موحدة
من جهته قال مصدر رفيع لوكالة “تاس” الروسية، إن بنك مجموعة “بريكس” يعمل على تطوير عملة رقمية موحدة لدول المجموعة.
وأضاف رئيس قسم السياسة النقدية في بنك “بريكس” أيفاندو كاسينو، إن إصدار العملة الرقمية سيتم على مراحل، وقد تبصر النور في غضون 5-10 سنوات.
وأشار إلى أنه قد يتم استخدامها في البداية أداة للاستثمار، وبعد ذلك في التعاملات التجارية.
وفي وقت سابق، صرح الكرملين بأن أجندة قمة “بريكس” في جنوب إفريقيا تشمل بحث انضمام أعضاء جدد إلى المجموعة وإطلاق عملة مشتركة أو عملة “بريكس”.
وقبل ذلك أشار مسؤول سابق في البيت الأبيض، إلى أن عملة “بريكس” قد تهز عرش الدولار في ظل تراجعه وارتفاع التضخم وانعكاس ذلك على اقتصادات العالم والدول المحتفظة بالدولار.
بدوره قال كبير مسؤولي التشغيل في بنك التنمية الذي أسسته مجموعة دول بريكس إن البنك يسعى لإصدار أول سندات بالروبية الهندية بحلول أكتوبر تشرين الأول.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتعرض فيه البنك الجديد لضغوط من أجل جمع أموال بالعملات المحلية والتوسع في الإقراض منها.
وأضاف فلاديمير كازبيكوف في مؤتمر صحفي قبيل قمة بريكس المقرر انطلاقها يوم الثلاثاء في جوهانسبرج أن البنك أصدر أول سنداته بالراند، العملة الرسمية في جنوب أفريقيا، الأسبوع الماضي ويمكن أن يدرس إصدار سندات بالعملة المحلية في الدول الأعضاء مثل البرازيل وروسيا.
وتابع قائلا "ربما نطرق أبواب السوق الهندية -الروبية- بحلول أكتوبر في الهند.. بدأنا التفكير بجدية الآن في استخدام عملات الدول الأعضاء في تمويل مشروعات بهذه العملة في دولة أخرى عضو بالمجموعة. مثلا سنستخدم اليوان الصيني لتمويل مشروع في جنوب أفريقيا بدلا من الدولار".
ورفض كازبيكوف الكشف عن حجم السندات التي يستهدف البنك إصدارها بالروبية الهندية. وكانت رويترز قد ذكرت في وقت سابق أنه كان يجري العمل على طرح مثل هذه السندات.
تأسس بنك التنمية الوطني عام 2015، وهو الإنجاز الأكثر واقعية لدول بريكس، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، بينما تسعى لتحويل الكتلة إلى ثقل موازن للغرب. ومع ذلك، فإن وتيرة الإقراض البطيئة بالفعل أعاقتها العقوبات المفروضة على روسيا.
الهند تشتري النفط الإماراتي بالروبية
وقالت الحكومة الهندية إن الهند والإمارات بدأتا تسوية التجارة الثنائية بعملتيهما المحليتين مضيفة أن أكبر شركة تكرير هندية دفعت بالروبية مقابل شراء مليون برميل من النفط من الدولة الخليجية.
وقالت السفارة الهندية في الإمارات في بيان إن مؤسسة النفط الهندية دفعت بالروبية لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك).
وتأتي العملية بعد صفقة تضمنت بيع 25 كيلوجراما من الذهب من مصدر ذهب إماراتي إلى مشتر في الهند بنحو 128.4 مليون روبية (1.54 مليون دولار).
ووقعت الهند في يوليو تموز اتفاقا مع الإمارات يسمح بتسوية التجارة بالروبية بدلا من الدولار في تعزيز لجهود الهند لخفض كلفة المعاملات بالقضاء على التحويلات بالدولار.
وفي زيارة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للإمارات، اتفق البلدان أيضا على إنشاء نظام لربط المدفوعات اللحظية لتسهيل عمليات تحويل الأموال عبر الحدود.
وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الهند والإمارات 84.5 مليار دولار بين عامي 2022 و2023.
وتحرص الهند على التوصل لاتفاقات مماثلة للدفع بعملات محلية مع دول أخرى إذ تتطلع إلى تعزيز الصادرات في ظل تباطؤ التجارة العالمية.
اضف تعليق