تعددت الحكومات والأزمة واحدة، هكذا يصف العراقيون مشكلة نقص ساعات التيار الكهربائي في بلاد الرافدين على رغم إنفاق أكثر من 81 مليار دولار على القطاع وتوجه السلطات إلى التعاقد مع الشركات العالمية والربط الكهربائي مع دول الجوار، ويبدو أن الأزمة مستمرة خلال هذا الصيف فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد...
انقطعت الكهرباء في كافة أنحاء العراق السبت جراء "حادث حريق" في محطة كهربائية، حسبما أفادت وزارة الكهرباء. وتشهد البلاد انقطاعا متكررا في الكهرباء يصل إلى عشر ساعات يوميا وسط ارتفاع درجات الحرارة حتى 50 درجة مئوية في هذه الفترة من العام.
أفادت وزارة الكهرباء في العراق أن "حادث حريق" في محطة كهربائية تسبب السبت بانقطاع التيار في أرجاء البلاد. وأضافت أن العمل جار لإعادته "خلال الساعات المقبلة". يذكر أن درجات الحرارة في هذه الفترة من العام تبلغ 50 درجة مئوية، ويعد ملف الكهرباء ملفا حساسا في العراق، حيث يعيش سكانه البالغ عددهم 43 مليون نسمة بشكل يومي انقطاعا متكررا للكهرباء قد يصل إلى عشر ساعات، ويزيد الأمر سوءا ارتفاع درجات الحرارة صيفا. بحسب فرانس برس.
وذكر بيان صادر عن الوزارة أن "تعرضت المنظومة الكهربائية اليوم السبت في الساعة الثانية عشر ظهراً واربعين دقيقة لانطفاء تام بسبب حصول حادث حريق بمحطة البكر التحويلية الثانوية بمحافظة البصرةK وأكّد المتحدّث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى لوكالة الأنباء الفرنسية أن الانقطاع طال "عموم العراق". وفي وقت لاحق، أوعز وزير الكهرباء زياد علي فاضل بـ"بتشكيل لجنة تحقيقية عاجلة تتولى التحقيق وبيان أسباب الحريق الذي حصل بمحطة البكر التحويلية الثانوية"، وفق بيان صادر عن مكتبه.
وأوضح بيان وزارة الكهرباء أن الحريق أدى "إلى انفصال الخطوط الناقلة" بين وسط وجنوب البلاد و"انفصال الوحدات التوليدية بمحطات الإنتاج". وأضاف البيان أن العمل "جارٍ وبشكل سريع... على إعادة الوحدات التوليدية المنفصلة والخطوط الناقلة تباعاً وسيعاود وضع المنظومة بشكل طبيعي خلال الساعات المقبلة، ويعود الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في العراق خصوصا إلى التردي في البنية التحتية الذي يعاني منه العراق بسبب عقود من النزاعات وبسبب الفساد وسوء الإدارة. وعلى الرغم من أنه بلد غني بالنفط، لكن تعتمد المحطات الكهربائية في العراق بشكل كبير على الغاز المستورد من إيران التي تقطع الإمدادات مرارا ما يزيد من سوء الانقطاعات المتكررة للكهرباء.
ولسد النقص، يلجأ البعض إلى استخدام المولدات الكهربائية التي لا تكفي أحيانا لتأمين الاحتياجات اليومية، كتشغيل المكيّفات. ولعلاج انقطاع الكهرباء، تحتاج المحطات العراقية إلى إنتاج 32 ألف ميغاواط يوميا. لكن الإنتاج ما زال بعيدا عن ذلك، وإن وصل في بعض الأحيان إلى 26 ألف ميغاواط، وفق السلطات.
الربط الخليجي.. هل يحل أزمة الكهرباء في العراق؟
يطمح العراق، الذي يعاني من أزمة طاقة مزمنة، إلى تحقيق استقرار في تزويد مواطنيه بالكهرباء عبر الاستعانة بمشروع الربط الخليجي، الذي دخلت أولى مراحل إنجازه حيز التنفيذ في يونيو الحالي، سعيا منه للتحول التدريجي إلى واحد من أهم معابر الطاقة في المنطقة.
ويعاني العراق منذ أوائل تسعينات القرن الماضي من نقص هائل في الطاقة الكهربائية بعد تدمير شبكته الوطنية خلال حرب الخليج الثانية التي نشبت بعد احتلال العراق للكويت عام 1990، وما تبعها من حصار اقتصادي (1990-2003) وهي الفترة التي شهد العراق خلالها انقطاعات مبرمجة ومتباينة للطاقة في بغداد والمحافظات، حتى وصلت إلى قطع الكهرباء لأكثر من عشرين ساعة في اليوم الواحد.
ولم تنجح مشاريع رفع إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق التي أقيمت بعد عام 2003، بل أدت الى زيادة اعتماد العراق على الغاز المستورد من إيران لتلبية حاجة مشاريع الطاقة، فيما يتم هدر الغاز المصاحب لعميات استخراج النفط الخام عبر حرقه مسببا خسائر بملايين الدولارات يوميا دون تحقيق أي استفادة منه.
ويقول المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى لـ"ارفع صوتك" إن العراق "يعاني من نقص كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث تصل احتياجاته في أوقات الذروة إلى 34 ألف ميغاواط من الطاقة، بالمقابل ينتج العراق حاليا 26 ألف ميغاواط فقط".
ويضيف موسى أن هذا النقص يمكن تقليصه "ما أن يبدأ العمل بمشروع الربط الخليجي الذي سيوفر ألف ميغاواط في المرحلة الأولى". بالإضافة إلى "الربط مع المملكة الأردنية الذي يوفر 150 ميغاواط، والربط مع تركيا الذي يوفر 300 ميغاواط".
أسست دول مجلس التعاون الخليجي "هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون" في العام 2001 بهدف إنشاء مشروع الربط الكهربائي بين دولها لتحقيق الاستقرار في التزويد بالطاقة وتقليل كلف الإنتاج.
وفي نوفمبر 2005 تم توقيع مجموعة من العقود لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع، والتي شملت مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت بقيمة تجاوزت مليار دولار أميركي وجرى تشغيلها العام 2009.
وحتى العام 2014 كانت قد انضمت الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان إلى المشروع، وفي سبتمبر عام 2019، أبرمت وزارة الكهرباء العراقية اتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي لإنشاء خطوط لنقل الطاقة الكهربائية إلى العراق من محطة الوفرة الكويتية. وفي فبراير من العام الحالي، أعلنت هيئة الربط الخليجي عن إبرامها خمسة عقود بكلفة تتجاوز 200 مليون دولار مع الشركات المنفذة لمشروع الربط الكهربائي بين دول الخلج والعراق.
وبحسب البيان الذي نشر حينها، فإن المشروع سيتم عبر "إنشاء خطوط بطول 295 كيلومتر من محطة الوفرة في الكويت إلى محطة الفاو جنوب العراق لنقل 500 ميغاواط كمرحلة أولى وبإجمالي 1800 ميجاواط".
العراق معبر للطاقة
سيحقق العراق من خلال الربط الكهربائي الخليجي وفقا للمتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد موسى العديد من الفوائد على رأسها "الإسهام في تنويع مصادر الطاقة وهي خطوة مهمة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والغازي"، بالإضافة إلى أن المشروع "يحقق تبادل للطاقة في أوقات الذروة بشكل خاص، ويمكن أن يتم إرجاع الطاقة الفائضة وبهذا نحقق تبادل منفعة كبيرا للطاقة".
ونوه موسى إلى أن الربط الكهربائي مع دول الخليج "سيحول العراق في السنوات المقبلة إلى معبر للطاقة بين الدول المصدرة والدول التي تحتاج إلى استيراد الكهرباء، وبالتالي سيتحول إلى طريق مهم في مجال نقل الطاقة".
ولن يكتفي العراق، بحسب المتحدث بمشروع الربط الخليجي، بل "يسعى إلى أن يكون من ضمن الدول المستخدمة للطاقة النظيفة بالتعاون مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال ويخطط لتأسيس محطات بالاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح".
وردا على سؤال لـ"ارفع صوتك" يتعلق بالتسعيرة التي سيتم اعتمادها لوحدات الطاقة، قال موسى إن "أسعار الكهرباء ستراعي التسعيرة العالمية للطاقة وسعر سلة الأوبك، وسيتم حسابها حسب الوقت الذي سيبدأ فيه تزويد العراق بالطاقة الكهربائية ".
لكنه أوضح أن الربط الكهربائي مع دول الخليج لن يكون كافيا "لانتفاء الحاجة إلى الغاز المستورد من إيران أو الغاز الوطني لتشغيل محطات الكهرباء. ولكنه سيكون خطوة مهمة ذات فائدة فنية من شأنها تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والغاز وزيادة ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين في عموم العراق، وتبادل منفعة الطاقة للعراق ولدول أخرى مستقبلا".
تنويع مصادر الطاقة
تعتبر الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن أهم فائدة في الربط الكهربائي الخليجي مع العراق هو "تنويع مصادر الطاقة الكهربائية وعدم الاعتماد على مصدر واحد للطاقة، يمكن أن يتسبب أي ظرف طارئ لتلك الدولة مثل فرض عقوبات دولية أو غيرها إلى توقف الكهرباء في العراق خصوصا في أوقات الذروة".
وتشير سميسم في حديثها هنا إلى اعتماد العراق على استيراد الكهرباء والغاز من إيران الذي تدفع مقابله نحو خمسة مليارات دولار سنويا، والذي يتعرض إلى التذبذب أو التوقف خصوصا خلال فترة الذروة في الصيف الذي تصل درجات الحرارة فيه إلى أكثر من 50 مئوية.
وعلى مدى السنوات الماضية، حصلت بغداد على استثناءات عديدة من قبل الولايات المتحدة الأميركية من العقوبات المفروضة على إيران، وسمحت لها بتسديد مستحقات استيراد الغاز الإيراني الذي تعتمد عليه في تشغيل محطاتها الكهربائية. ورغم تلك الاستثناءات إلا أن واشنطن نبهت الحكومة العراقية إلى ضرورة تقليل اعتمادها على الغاز المستورد.
تقليل كلفة الطاقة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي قاسم جبار لـ"ارفع صوتك" إن "ربط المنظومة الكهربائية بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي من شانه تحقيق العديد من الأهداف قصيرة وبعيدة المدى، فهو من جهة يعزز العلاقات بين العراق ومحيطه الخليجي التي تعرضت إلى ضربة كبيرة منذ اجتياح العراق للكويت في تسعينات القرن الماضي".
وسيحقق الربط الكهربائي، حسب جبار، "تخفيضا في تكاليف إنتاج الطاقة الكهربائية، التي ينفق العراق عليها سنويا أموالا طائلة دون جدوى"، كما يمكن أن يشكل "عائدات لصالح البلد في حال تحول إلى معبر للطاقة من الخليج إلى تركيا وأوروبا".
الفوائد بحسب الخبير الاقتصادي "لن تكون للحكومة العراقية فقط، فاستقرار تزويد العراق بالكهرباء من شأنه تقليل الحمل على أكتاف المواطن العراقي الذي يلجأ مضطرا إلى الاشتراك في مولدات تابعة للقطاع الخاص لتعويض النقص في الكهرباء الوطنية ويدفع مقابل ذلك مبالغ كبيرة".
ويضيف جبار أنه يمكن لهذا المشروع أن يحقق "استقرارا أمنيا في العراق الذي يشهد في فترة ذروة الصيف اضطرابات جماهيرية واسعة بسبب عدم استقرار التيار الكهربائي وزيادة الانقطاعات".
ويعتمد العراقيون في حياتهم اليومية على المولدات الكهربائية الخاصة التي اسُتخدمت كبديل للطاقة الكهربائية الوطنية بعد العام 2003. وهي منتشرة في كل محافظات العراق وتزود المنازل بتيار كهربائي عبر أسلاك منفردة تتوزع من المكان الذي يتم فيه نصب المولد الكهربائي باتجاه منازل المواطنين، وهو أمر أدى إلى ارتفاع نسبة ما ينفقه العراقيون على شراء الكهرباء بدرجة كبيرة خصوصا في فترة الصيف.
هل يحل العراق أزمة الكهرباء؟
يقول عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية وليد السهلاني لـ"ارفع صوتك" إن العراق "مقبل على حل أغلب مشكلات الطاقة الكهربائية خلال العامين المقبلين، مع توجهه إلى الحصول على الطاقة من مصادر متنوعة، وعبر الاستثمار في الطاقة المتجددة التي ستسهم بشكل ملحوظ في حل أزمة الكهرباء".
وكانت وزارة الكهرباء أعلنت توقيعها عددا من العقود مع شركات دولية لإنشاء محطات الطاقة الشمسية، بهدف إنتاج أكثر من 12 ألف ميغاواط بالاعتماد على الطاقة المتجددة.
لكن السهلاني أشار إلى وجود "مشاكل فنية في قطاعي النقل والتوزيع تتطلب وقفة جادة من الحكومة، لمعالجة أزمة الكهرباء بشكل خاص في وسط وجنوب العراق التي تعاني خلال فترة الصيف من تراجع ساعات التجهيز".
ويشدد على ضرورة "إيجاد حلول سريعة لحل أزمة الكهرباء لأنها أصبحت قضية مصيرية تتعلق بتطلعات العراقيين واستقرارهم".
كهرباء الأمل... إلى متى يظل العراق مظلما؟
تعددت الحكومات والأزمة واحدة، هكذا يصف العراقيون مشكلة نقص ساعات التيار الكهربائي في بلاد الرافدين على رغم إنفاق أكثر من 81 مليار دولار على القطاع وتوجه السلطات إلى التعاقد مع الشركات العالمية والربط الكهربائي مع دول الجوار.
ويبدو أن الأزمة مستمرة خلال الصيف المقبل، بحسب خبراء اقتصاديين، إذ سيعاني العراق نقصاً حاداً في التيار الكهربائي، بخاصة مع اعتماد سكان البلاد على المولدات الأهلية.
يحتاج العراق من 25 إلى 30 مليون متر مكعب غاز يومياً لتشغيل المحطات الإنتاجية التابعة لوزارة الكهرباء، وبحسب متخصصين يخسر البلد سنوياً نحو 40 مليار دولار بسبب نقص إنتاج الطاقة، وتشمل الخسائر هذه الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشكلات الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للكهرباء.
يؤكد متخصصون في الشأن الاقتصادي أن ليس هناك حل لمشكلة الطاقة الكهربائية في الأمد القريب ما لم يتم تطوير الإنتاج المحلي من خلال إنشاء محطات توليد جديدة والعمل على استثمار الغاز المصاحب والطبيعي من أجل توفير وقود التشغيل للمحطات، إضافة إلى المضي قدماً في مشروع الشبكة الذكية.
دعم ملف الطاقة
أعلن المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء في 9 فبراير (شباط) الجاري عن توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الكهرباء وشركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدية الحكومة في دعم ملف الطاقة.
وذكر بيان للمكتب أن "وزارة الكهرباء وقعت مذكرة تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية برعاية السوداني في إطار البرنامج الحكومي الذي يهدف إلى تطوير قطاع الكهرباء في العراق".
وأضاف أن "المذكرة تضمنت محاور أساسية عدة ستسهم في تطوير المنظومة الكهربائية في مجال الإنتاج وزيادة كفاءته والنقل والصيانة وخفض انبعاثات الكربون لدعم تحول الطاقة في البلاد".
وأكد رئيس الوزراء "جدية الحكومة في تقديم الدعم الكامل لوزارة الكهرباء من أجل رفع مستوى الإنتاج وصيانة المحطات بما يسهم في معالجة مشكلة التيار الكهربائي والتخفيف من معاناة المواطنين".
وأشار البيان إلى أنه "في ضوء المذكرة سيتم التعاقد على أعمال الصيانة الطويلة الأمد لمدة خمسة أعوام لإدامة عمل وحدات إنتاج الطاقة التي تم تجهيزها من الشركة، إلى جانب زيادة كفاءة عمل وحدات إنتاج الطاقة العاملة حالياً من خلال تحديث المنظومات الملحقة بها وإنشاء محطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية على مراحل تتناسب مع الوقود المتوافر والتمويل".
ونوه البيان إلى أن "المذكرة تضمنت أيضاً إجراء الدراسات لاستغلال الغاز المصاحب وتنفيذ عدد من المحطات الثانوية سعة ’400 و133 كي في‘ مع ارتباطاتها في مختلف محافظات العراق وإنشاء مركز لمراقبة أداء الوحدات التوليدية ومركز تدريب للكوادر العاملة في وزارة الكهرباء لتطوير قدراتهم الفنية".
وكانت وزارة الكهرباء وقعت مذكرة تفاهم مشتركة مع شركة "سيمنز" في مراسم جرت بالعاصمة الألمانية برلين في إطار الزيارة الرسمية للسوداني خلال الشهر الماضي.
ووقع المذكرة من الجانب العراقي وزير الكهرباء زياد علي فاضل، ومن جانب "سيمنز" الرئيس التنفيذي للشركة كريستيان بروخ.
وتنطوي مذكرة التفاهم على جملة من الفقرات الأساسية التي تشكل خريطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق.
وفي ضوء المذكرة، تعمل شركة "سيمنز" بالتنسيق مع وزارة الكهرباء على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكل عام تتضمن حلولاً للمشكلات، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة.
وبحسب مذكرة التفاهم ستقدم شركة "سيمنز" دراسة متكاملة للعراق، تتضمن الكيفية التي تتم فيها الاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.
كما تضمنت المذكرة توقيع اتفاق طويل الأمد لصيانة وتأهيل الوحدات العاملة في العراق التي أنشأتها "سيمنز"، فضلاً عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق البلاد، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.
الغاز الإيراني محدود
في الأثناء، أكدت وزارة الكهرباء أن ما يضخ من الغاز الإيراني محدود، مشيرة إلى حاجتها لـ30 مليون متر مكعب يومياً لتغذية محطاتها الإنتاجية.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى في تصريح صحافي إنه "بعد الانتهاء من أعمال صيانة أنبوب الغاز بالجانب الإيراني لمدة 12 يوماً عاودت طهران ضخ الغاز مرة أخرى منذ صباح الثلاثاء الماضي ما بين 7 و10 ملايين متر مكعب يومياً"، مبيناً أن "هذه النسبة غير كافية لتشغيل محطات الإنتاج ولا تسد الحاجة".
وأضاف أن "الكمية القليلة أثرت سلباً في ساعات التجهيز ولكن بالمجمل فإن عملية تجهيز الكهرباء حالياً أفضل مما كانت عليه قبل أيام، بحيث أسهمت معاودة ضخ الغاز بالنسب الحالية في تشغيل جزء من محطة بسماية ودخولها للعمل بواقع 2300 ميغاواط بعد أن كانت متوقفة بالكامل نتيجة توقف الغاز حال الصيانة".
وأكد أن "ما نحتاج إليه من الغاز هو بحدود 25 إلى 30 مليون متر مكعب يومياً لتشغيل محطاتنا الإنتاجية الكهربائية"، لافتاً إلى أن "زيارة وزير الكهرباء إلى إيران تضمنت اتفاقاً مبدئياً على معاودة ضخ الغاز وزيادة كمياته خلال الفترة المقبلة".
وكانت وزارة الكهرباء كشفت في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي عن توقف إمدادات الغاز المورد بشكل كامل ولمدة 12 يوماً عن محطات الإنتاج لأغراض صيانة أنابيب نقل الغاز، بحسب الجانب الإيراني، مشيرة إلى أن ذلك تسبب في خسارة 7500 ميغاواط من المنظومة في بغداد والمناطق الوسطى والفرات الأوسط.
يقول الباحث الاقتصادي بسام رعد إن المنظومة الكهربائية في العراق تعاني مشكلات عدة مثل نقص وقود التشغيل، إضافة إلى مشكلات في سلسلة الحلقات المترابطة المتمثلة في الإنتاج والتوزيع والنقل والضائعات والجباية، وانعكست تلك المعوقات على زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين.
ويضيف "تشير بعض التقديرات إلى أن العراق بحاجة إلى 14 ميغاواط لضمان التشغيل المستمر على مدى 24 ساعة، وعلى رغم توقيع عقد لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية العراق لتلبية جزء من الطلب على الطاقة الكهربائية وتحسين أداء المنظومة الكهربائية في البلاد، فإنه لا يوجد حل لمشكلة توفير الطاقة الكهربائية في الأمد القريب ما لم يتم تطوير الإنتاج المحلي من خلال إنشاء محطات توليد جديدة والعمل على استثمار الغاز المصاحب والطبيعي من أجل توفير وقود التشغيل للمحطات، إضافة إلى المضي في مشروع الشبكة الذكية من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية لتزويد المستهلكين بالكهرباء.
إلى ذلك، اعتبر أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أنه "منذ تغيير النظام في 2003 وحتى الآن والعراقيون يسمعون من جميع رؤساء الوزراء أنه ستتم معالجة ملف الكهرباء في البلاد الذي بات يشكل عقدة كبيرة أمام كل حكومة تتسلم دفة الأمور، بحيث تم صرف مبالغ هائلة لإنتاج الطاقة الكهربائية من دون فائدة كبيرة".
ويضيف "في عام 2021، قال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إن العراق أنفق نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء وهو إنفاق غير معقول من دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها".
وأوضح أن المشكلة الأكبر هي أن المبالغ التي صرفت على الكهرباء قد تصل إلى أكثر من هذه الأرقام، وإن صحت الأرقام فإنها تكفي لتوليد كهرباء أكثر من ضعفي الطاقة التي يحتاج إليها البلد.
ونوه بأن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، بحسب وزارة الكهرباء العراقية، لكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفاعلة.
من الناحية الاقتصادية، بحسب السعدي، فإن المبالغ المصروفة على الكهرباء ليست وحدها الخسارة الكبيرة التي يتحملها العراق بسبب نقص إنتاج الطاقة، لأنه يخسر سنوياً نحو 40 مليار دولار هي حجم الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة، والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشكلات الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للتيار.
ولفت إلى أن "الصناعة العراقية متوقفة بشكل كامل تقريباً بسبب نقص إنتاج الطاقة وكلفة التوليد الكبيرة، كما تزيد الطاقة كلفة هائلة على المستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إضافة إلى أن العراقيين يدفعون سعر الأمبير الواحد إلى أصحاب المولدات بنحو 20 دولاراً شهرياً، إلى جانب كلفة متوقعة للصيانة".
وزاد "يكفي الأمبير الواحد لتشغيل مروحتين ويحتاج المنزل المتوسط إلى 10 أمبيرات من الطاقة لتشغيل الأجهزة الأساسية مثل الثلاجات والمراوح، وبحسبة بسيطة في المعدل التقديري يصرف العراقيون مليار دولار شهرياً لشراء الطاقة باحتساب أن هناك 10 ملايين منزل في البلاد يصرف كل منها 100 دولار فقط شهرياً، وهذا المبلغ قد يكون أكبر، أي إن ما يصرفه العراقيون على المولدات خلال عامين فقط كفيل بحل مشكلة الكهرباء في جميع البلاد حتى لو تغاضينا عن الهدر الحكومي الكبير في أموال المشاريع، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي ذكرت".
اضف تعليق