بدا هذا التحول المثير، الذي لم تتضح بعد تفاصيله، وكأنه أكبر أزمة داخلية يواجهها بوتين منذ أن أمر بغزو واسع النطاق لأوكرانيا وقال بوتين أدت المغالاة في الطموح والمصالح الخاصة إلى الخيانة، ووصف التمرد بأنه طعنة في الظهر. أنها ضربة لروسيا ولشعبنا. وستكون تحركاتنا قاسية للدفاع عن الوطن...
توجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السبت بخطاب إلى الأمة محذّرا من "التهديد القاتل" وخطر "حرب أهلية" اللذين يمثّلهما قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين بشنّه تمردا على القيادة الروسية.
ووصف بوتين تمرد مجموعة فاغنر بأنه "طعنة في الظهر"، متّهما بريغوجين بـ"خيانة" روسيا بدافع "طموحات شخصية".
وقال الرئيس الروسي "إنها طعنة في ظهر بلدنا وشعبنا". وأضاف "ما نواجهه ليس إلا خيانة. خيانة سببها طموحات ومصالح شخصية" لبريغوجين مؤكدا أن المتمردين "سيعاقبون حتما".
تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحق ما وصفه بالتمرد المسلح بعد أن قال رئيس مجموعة فاجنر العسكرية الخاصة يفجيني بريجوجن إنه سيطر على مدينة جنوبية في إطار مسعى للإطاحة بالقيادة العسكرية.
بدا هذا التحول المثير، الذي لم تتضح بعد تفاصيله، وكأنه أكبر أزمة داخلية يواجهها بوتين منذ أن أمر بغزو واسع النطاق لأوكرانيا أسماه "عملية عسكرية خاصة" في فبراير شباط العام الماضي.
وقال بوتين في خطاب نقله التلفزيون "أدت المغالاة في الطموح والمصالح الخاصة إلى الخيانة"، ووصف التمرد بأنه "طعنة في الظهر".
وأضاف "أنها ضربة لروسيا ولشعبنا. وستكون تحركاتنا قاسية للدفاع عن الوطن ضد مثل هذا التهديد".
وقال بوتين إن "كل من سلك عمدا مسار الخيانة... من دبر تمردا مسلحا... من سلك طريق الابتزاز والأساليب الإرهابية... سيعاقب لا محالة وسيكون تحت طائلة القانون وشعبنا".
كان بريجوجن قد طالب وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري جيراسيموف بالقدوم إليه للقائه في روستوف، وهي مدينة قريبة من الحدود مع أوكرانيا قال إنه سيطر عليها. وتعهد بريجوجن بالإطاحة بهما بسبب ما وصفها بأنها قيادة كارثية للحرب ضد أوكرانيا.
وكان قد قال إن لديه 25 ألف مقاتل "سيستعيدون العدالة" وزعم، دون تقديم أدلة، أن الجيش قتل عددا كبيرا من مقاتلي مجموعة فاجنر العسكرية الخاصة في ضربة جوية، وهو أمر نفته وزارة الدفاع.
قادت فاجنر بقيادة بريجوجن الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية الشهر الماضي، وكان يتهم شويجو وجيراسيموف علنا منذ شهور بعدم الكفاءة وحرمان فاجنر من الذخيرة والدعم.
ويوم الجمعة، بدا أنه دخل مرحلة جديدة في الخلاف قائلا إن سبب بوتين المعلن لغزو أوكرانيا قبل 16 شهرا استند إلى أكاذيب اختلقها كبار ضباط الجيش.
وقال بريجوجن في مقطع مصور "كانت الحرب ضرورية... لكي يصبح شويجو مارشالا... لكي يتمكن من الحصول مرة أخرى على ميدالية".
وقال "لم تكن الحرب ضرورية لنزع سلاح أوكرانيا أو القضاء على النازية فيها"، في إشارة إلى المبررات التي يستخدمها بوتين للحرب.
وفي واحدة ضمن فورة رسائل صوتية كثيرة خلال الليل، أوضح بعد ذلك أنه يتحرك ضد الجيش.
وقال "أولئك الذين دمروا أبناءنا... الذين دمروا أرواح عشرات الآلاف من الجنود الروس... سيعاقبون. أطلب عدم المقاومة من أحد".
وقال "هناك 25 ألف منا وسنكتشف سبب حدوث الفوضى في البلاد"، متعهدا بتدمير أي نقاط تفتيش أو قوات جوية في طريق فاجنر. وقال في وقت لاحق إن رجاله دخلوا في اشتباكات مع جنود نظاميين وأسقطوا طائرة هليكوبتر.
وقال مصدر أمني روسي لرويترز إن مقاتلي فاجنر سيطروا أيضا على منشآت عسكرية في مدينة فورونيج الواقعة على بعد نحو 500 كيلومتر من جنوب موسكو. ولم يتسن لرويترز التحقق على نحو مستقل من هذا الزعم أو من العديد من التفاصيل التي قدمها بريجوجن.
وفتح جهاز الأمن الاتحادي الروسي قضية جنائية ضد بريجوجن بتهمة التمرد المسلح، وقال إن تصريحاته "دعوات لإطلاق شرارة نزاع مدني مسلح على الأراضي الروسية".
وأضاف "نناشد... المقاتلين عدم ارتكاب أخطاء لا يمكن إصلاحها، ووقف أي أعمال قسرية ضد الشعب الروسي، وعدم تنفيذ أوامر بريجوجن الإجرامية والخائنة، واتخاذ إجراءات لاعتقاله".
ونقلت وكالة تاس الرسمية للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله إن جميع أجهزة الأمن الروسية الرئيسية ترفع تقاريرها إلى بوتين "على مدار الساعة".
وقال رئيس بلدية موسكو سيرجي سوبيانين عبر قناته على تيليجرام إن السلطات شددت الإجراءات الأمنية في موسكو.
وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي جو بايدن تم اطلاعه على الوضع.
وردا على هذا التمرد، أعلنت النيابة العامة الروسية فتح تحقيق في "تمرد مسلح" ضد المجموعة التي تضم 25 ألف رجل بحسب قائدها، بعد اتهام الجيش الروسي بقصف قواتها.
وعززت السلطات الإجراءات الأمنية في موسكو حيث فرض "نظام عملية لمكافحة الإرهاب" كنتيجة مباشرة لتهديدات بريغوجين الذي قال في رسالة صوتية على تلغرام "سنذهب حتى النهاية وسندمر كل ما يعترض طريقنا".
ومن الجانب الأوكراني، رأت كييف أن ما يحدث في روسيا هو "مجرد البداية".
وقال المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك على تويتر "إنها مجرد البداية في روسيا. الانقسام بين النخب واضح جدا. الادّعاء بأنه تمت تسوية كل شيء لن ينجح".
من جهتهم، أعرب المسؤولون المعيّنين في موسكو في المناطق الأوكرانية المحتلة عن دعمهم لبوتين.
وقال قادة دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون في بيانات منفصلة نُشرت على تلغرام إن مناطقهم "مع الرئيس!".
انقلاب عسكري
في حوالي الساعة الثانية صباحا (2300 بتوقيت جرينتش)، نشر بريجوجن رسالة على تطبيق تيليجرام تفيد بأن مقاتليه في روستوف وأنهم على استعداد "للمضي قدما" ضد كبار الضباط وتدمير أي شخص يقف في طريقهم.
في حوالي الخامسة صباحا (0200 بتوقيت جرينتش)، قالت إدارة منطقة فورونيج، الواقعة على طريق إم-4 السريع بين العاصمة الإقليمية روستوف أون دون وموسكو، على تيليجرام إن قافلة عسكرية كانت على الطريق السريع وحثت السكان على تجنب استخدامه.
وأظهرت لقطات لم يتم التحقق من صحتها تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي قافلة من مختلف المركبات العسكرية تشمل دبابة واحدة على الأقل ومركبة مدرعة واحدة على ظهر شاحنات. ولم يتضح موقعها أو ما إذا كانت الشاحنات المغطاة في القافلة بها مقاتلون. وكانت بعض المركبات ترفع العلم الروسي.
وأظهرت لقطات بثتها قنوات مقرها روستوف أون دون مسلحين يرتدون الزي العسكري يمشطون مقر الشرطة الإقليمية في المدينة على الأقدام، فيما تمركزت دبابات خارج مقر المنطقة العسكرية الجنوبية.
وتحققت رويترز من المواقع التي ظهرت في المقاطع لكنها لم تستطع تحديد متى التقطت.
ونفى بريجوجن محاولة القيام بانقلاب عسكري.
وقال إنه أخرج مقاتليه من أوكرانيا إلى روستوف، وأظهر فيديو بثته قناة موالية لفاجنر بريجوجن وهو يتحدث على ما يبدو مع اثنين من القادة العسكريين في المقر الرئيسي للمنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا.
وظهر في الفيديو وهو يبلغ القائدين "وصلنا إلى هنا ونريد لقاء رئيس هيئة الأركان العامة وشويجو... إذا لم يأتيا، فسنكون هنا.. سنحاصر مدينة روستوف ونتجه إلى موسكو".
قال مسؤولون محليون روس إن القافلة العسكرية كانت بالفعل على الطريق السريع الرئيسي الذي يربط الجزء الجنوبي من روسيا بموسكو، ودعوا السكان إلى تجنب ذلك الطريق.
وكان اللفتنانت جنرال فلاديمير ألكسييف، الذي ظهر لاحقا مع بريجوجن في مقطع الفيديو من روستوف أون دون، قد ناشد رئيس فاجنر، في مقطع مصور سابق، إعادة النظر في أفعاله.
وقال "الرئيس وحده له الحق في تعيين القيادة العليا للقوات المسلحة وأنتم تحاولون التعدي على سلطته".
وأظهر مقطع فيديو لم يتم التحقق منه نُشر على قناة موالية لفاجنر على تيليجرام مشهدا في غابة حيث تشتعل حرائق صغيرة وتبدو أشجار وكأنها تحطمت بالقوة. وكانت هناك جثة واحدة على ما يبدو، لكن لم يكن هناك دليل مباشر على وقوع أي هجوم.
وحمل المشهد التعليق "تم إطلاق هجوم صاروخي على معسكرات شركة فاجنر العسكرية الخاصة. هنا كثير من الضحايا. وفقا لشهود، جاءت الضربة من الخلف، أي نفذها جيش وزارة الدفاع الروسية".
فيما قالت وزارة الدفاع إن تلك المزاعم كاذبة.
تحقيق في تمرد
وأبلغ المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف الرئيس فلاديمير بوتين "بفتح تحقيق جنائي في تهمة محاولة تنظيم تمرد مسلح".
ودعا جهاز الاستخبارات الروسية مقاتلي فاغنر إلى القبض على قائدهم. وحض الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين مقاتلي فاغنر على وضع حد لتمردهم.
وتكشف هذه الحرب المفتوحة التوترات في صفوف القوات الروسية المشاركة في الصراع الأوكراني.
ونفى قائد "فاغنر" أن يكون بصدد تنفيذ "انقلاب عسكري"، مؤكّداً أنّه يريد قيادة "مسيرة من أجل العدالة".
وقال "هذا ليس انقلاباً عسكرياً، بل مسيرة لتحقيق العدالة. ما نفعله لا يعوق القوات المسلّحة".
لكنّ ردّ موسكو لم يتأخّر، إذ سارعت وزارة الدفاع إلى نفي اتّهامات بريغوجين، في حين أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب فتح تحقيق ضدّ قائد فاغنر بتهمة "الدعوة إلى تمرّد مسلّح".
وقالت وزارة الدفاع الروسيّة في بيان إنّ "الرسائل ومقاطع الفيديو التي نشرها ي. بريغوجين على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن ضربات مفترضة +شنّتها وزارة الدفاع الروسيّة على قواعد خلفيّة لمجموعة فاغنر+، لا تتّفق مع الواقع وتشكّل استفزازاً".
بدورها، قالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا في بيان إنّ "المزاعم التي بُثّت باسم يفغيني بريغوجين ليس لها أيّ أساس. لقد فتح جهاز الأمن الفدرالي تحقيقاً بتهمة الدعوة إلى تمرّد مسلّح".
وفي بيان لاحق اتّهم الجهاز قائد فاغنر بالسعي إلى إشعال "حرب أهلية" في البلاد، مناشداً مقاتلي المجموعة القبض على بريغوجين.
وقال الجهاز في بيانه إنّ "تصريحات بريغوجين وأفعاله هي في الواقع دعوة إلى بدء نزاع أهلي مسلّح على أراضي الاتّحاد الروسي وطعنة في ظهر الجنود الروس الذين يقاتلون القوات الأوكرانية الموالية للفاشية"، مطالباً مقاتلي فاغنر بـ"اتّخاذ إجراءات لاعتقاله".
نحن نغتسل بالدماء
وتأتي هذه القنبلة التي فجّرها قائد بريغوجين في وجه القيادة العسكرية الروسية لتخرج إلى العلن التوتّرات العميقة التي تعانيها قوات الكرملين في أوكرانيا.
وكان بريغوجين قال في وقت سابق الجمعة إنّ القوات الروسية تتراجع في شرق أوكرانيا وجنوبها في أعقاب الهجوم المضادّ الذي تشنّه ضدّها قوات كييف.
وتتعارض هذه التصريحات مع التأكيدات الأخيرة لبوتين بأنّ أوكرانيا تتكبّد خسائر "كارثية" في هجومها المضادّ.
وقال بريغوجين على وسائل التواصل الاجتماعي "ميدانياً... الجيش الروسي يتراجع الآن على جبهتي زابوريجيا وخيرسون. القوات الأوكرانية تدفع الجيش الروسي إلى الوراء".
وأعلن الكرملين العام الماضي أنّه ضمّ منطقتي زابوريجيا وخيرسون الواقعتين في جنوب أوكرانيا رغم عدم سيطرة قواته عليهما بالكامل. وحقّقت أوكرانيا في هاتين المنطقتين مكاسب محدودة في الآونة الأخيرة.
وأضاف بريغوجين "نحن نغتسل بالدماء. لا أحد يرسل تعزيزات. ما يخبروننا به هو خداع"، مشيراً إلى القيادتين العسكرية والسياسية الروسيتين.
وبريغوجين رجل الأعمال البالغ 62 عاما والذي أصبح شخصية بارزة في العمليات الروسية في أوكرانيا، قريب من الكرملين لكنّه في الوقت نفسه ينتقد بشدّة سياسات موسكو.
كذلك، شكّك بريغوجين في الأسباب التي كانت وراء قرار بوتين شنّ العملية العسكرية في أوكرانيا، متسائلا "لمَ بدأت العملية العسكرية الخاصة؟... كانت الحرب ضرورية من أجل الترويج الذاتي لمجموعة من الأوغاد".
في موسكو، دعا الجنرال الروسي النافذ سيرغي سوروفكين مقاتلي فاغنر إلى "التوقّف" والعودة إلى ثكناتهم "قبل فوات الأوان".
وقال سوروفكين في تسجيل فيديو بثّه على تطبيق تلغرام صحافيّ في التلفزيون الرسمي الروسي "أخاطب مقاتلي مجموعة فاغنر وقادتها (...) نحن من الدم نفسه، نحن محاربون. أطلب (منكم) أن تتوقفوا (...) قبل فوات الأوان، يجب الانصياع لإرادة وأوامر رئيس روسيا الاتّحادية المنتخب من الشعب".
وقادت جماعة فاجنر استيلاء روسيا على مدينة باخموت الأوكرانية في الشهر الماضي، واستغل بريجوجن نجاحاته في ساحة القتال، التي تحققت بخسائر بشرية فادحة، لانتقاد موسكو علنا مع تمتعه بحصانة على ما يبدو حتى الآن.
لكنه رفض لأول مرة تبريرات بوتين لغزو أوكرانيا في 24 فبراير شباط.
وقال مارات جابيدولين، القائد السابق في فاجنر والذي انتقل إلى فرنسا عندما غزت روسيا أوكرانيا، لرويترز إن مقاتلي فاجنر سيساندون بريجوجن على الأرجح.
وأضاف "بالطبع يدعمونه، إنه قائدهم".
وقال "لن يترددوا (في قتال الجيش)، إذا اعترض أحد طريقهم".
يفترسان بعضهما
في كييف، أعلن الجيش الأوكراني أنّه "يراقب" الخلاف الناشئ بين "فاغنر" والقيادة العسكرية الروسية.
وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية على تويتر "نحن نراقب" الوضع، في حين أعلن قائد الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو لودانوف أنّ فاغنر والجيش الروسي بدآ "يفترسان بعضهما بعضا للحصول على السلطة والمال".
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن "ضعف روسيا بات واضحا" وإنه كلما أبقت موسكو قواتها ومقاتليها في أوكرانيا لمدة أطول، زادت الفوضى التي ستعود عليها داخل روسيا.
وأدلى بتعليقاته على تطبيق تيليجرام وسط تمرد على ما يبدو على الجيش الروسي من قبل يفجيني بريجوجن رئيس مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة.
وكتب زيلينسكي "ضعف روسيا واضح. ضعف تام".
وأضاف "كلما أبقت روسيا قواتها ومقاتليها على أراضينا لمدة أطول، زادت الفوضى والألم والمشكلات التي ستجنيها على نفسها لاحقا".
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن الدولة الروسية تواجه أكبر تحد أمني لها في الآونة الأخيرة، وذلك في أعقاب ما قالت إنه تحرك لقوات مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة صوب موسكو على ما يبدو.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب استثنائي نقله التلفزيون يوم السبت إن "التمرد المسلح" لمجموعة فاجنر خيانة، وإن أي شخص يحمل السلاح ضد الجيش الروسي سيعاقب.
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية في إفادة مخابراتية دورية "على مدار الساعات المقبلة، سيكون ولاء قوات الأمن الروسية، وخاصة الحرس الوطني الروسي، مهما لتحديد المسار الذي ستمضي فيه هذه الأزمة".
وأضافت الوزارة "يمثل هذا التحدي الأكبر للدولة الروسية في الآونة الأخيرة".
وقالت بريطانيا إن قوات فاجنر عبرت من أجزاء في أوكرانيا تسيطر عليها روسيا إلى موقعين على الأقل في روسيا وإنها احتلت "بشكل شبه مؤكد" مواقع أمنية رئيسية في مدينة روستوف أون دون، بما في ذلك المقر الذي يدير العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وأضافت بريطانيا "تتحرك مزيد من وحدات فاجنر إلى الشمال عبر فورونيج أوبلاست، وتستهدف بشكل شبه مؤكد الوصول إلى موسكو".
وذكرت وزارة الدفاع البريطانية "مع وجود أدلة محدودة للغاية على وقوع قتال بين فاجنر والقوات الأمنية الروسية، من المرجح أن البعض لم يقاتلوا وأذعنوا لفاجنر".
زعيم فاغنر المتمرد
يفغيني بريغوجين هو مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، وقد تم تسليط الضوء عليه بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث لعبت قواته دورًا رئيسيًا في القتال.
بريغوجين يشارك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بداياته المتواضعة نسبيًا، حيث نشأ في حي سانت بطرسبرغ الأكثر قسوة، ويعرف بوتين منذ التسعينيات قبل أن يصبح "أوليغارشيًا" ثريًا من خلال الفوز بعقود تقديم الطعام المربحة مع الكرملين، مما أكسبه لقب "طباخ بوتين".
وجاء تحول بريغوجين إلى أمير حرب وحشي في أعقاب الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا عام 2014 في دونباس في شرق أوكرانيا، حيث تعمل قوات فاغنر كجماعة مرتزقة من أجل القضايا المدعومة من روسيا وبامتداد في جميع أنحاء العالم.
في الأشهر الأخيرة، خلق بريغوزين معضلة لبوتين عندما أصبح منتقدًا صريحًا لقادة روسيا العسكريين، ففي مايو/ ايار أعلن أن قواته ستنسحب من مدينة باخموت الشرقية المحاصرة - بعد أن اشتكى لأكثر من شهر من عدم تلقي الدعم الكافي من الكرملين في القتال الشاق بالمدينة.
وظلت الكثير من الأسئلة تحيط بميليشيا مجموعة فاغنر الروسية المنتشرة في أكثر من بلد بينها سوريا، ليبيا، مالي، وأوكرانيا وغيرها. وفيما حاولت تحقيقات صحافية الإجابة عن البعض منها، أدى ثلاثة صحافيين مستقلين روس الثمن من أرواحهم في أفريقيا الوسطى، في صيف 2018، عندما حطوا الرحال بها في سياق تحقيق ميداني حول المجموعة.
وكان أبرز هذه الأسئلة: من يقف وراء هذه المجموعة التي ساندت نظام بشار الأسد في سوريا، ووفرت دعما عسكريا في مرحلة من مراحل النزاع الليبي لقوات حفتر في شرق البلاد في حربها على حكومة الوفاق في طرابلس؟ إلا أن الكرملين كان دائما يتمسك ببراءته منها، وينفي على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا علاقته بها.
في البداية حاول بوتين أن يبرئ الدولة الروسية من تحركات المجموعة العسكرية، معتبرا أن ما يحركها أساسا هو "مصالحها"، إذ اضطر للحديث عنها أمام سيل الاتهامات التي وجهت للكرملين بخصوصها، معتبرا أنها مجرد شركة، لديها "مصالح خاصة مرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد" مثل الذهب والأحجار الكريمة.
وأكد بوتين، حينها، أنه إذا تضاربت أنشطة فاغنر مع "مصالح الدولة الروسية... بالتأكيد يجب أن نتصرف"، دون أن يشرح أين تبتدئ وتنتهي هذه المصالح، علما أن هذه الميلشيا المسلحة تتدخل في دول ذات سيادة، ويشتبه في أنها تنفذ منذ سنوات مهمات سرية للكرملين على مسارح عمليات مختلفة.
وبعد سنوات من الغموض، تبين في الأخير أن من يقود "فاغنر" هو أحد المقربين جدا من بوتين، المدعو يفغيني بريغوجين، ففي بيان نشر على حسابات شركته "كونكورد" للمطاعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجين أنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين مؤهلين إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014. وأضاف "منذ تلك اللحظة في الأول من أيار/مايو 2014، ولدت مجموعة وطنيين اتخذت اسم مجموعة كتيبة فاغنر التكتيكية".
وتابع مؤكدا "تورط" هذه الميليشيا في أكثر من نزاع عبر العالم بالقول: "والآن إليكم اعتراف (..) هؤلاء الرجال الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب عربية أخرى والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين المعدومين، لقد أصبحوا أحد ركائز أمتنا".
وهذا الاعتراف أتى ليزكي ما ذهبت إليه تقارير إعلامية سابقة، خاصة بعد نشر مالك "كونكورد" على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يظهر فيه وهو يجند سجناء في سجن روسي للقتال في صفوف مجموعته على الجبهة الأوكرانية.
برز اسم بريغوجين، 61 عاما، في وسائل الإعلام الغربية خاصة في 2016 بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته "وكالة الأبحاث على الإنترنت" في التأثير بالانتخابات الأمريكية التي أدت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
كما فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات لدوره في مجموعة فاغنر العسكرية بأوكرانيا. ويعتبر اليوم إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وصار على لسان وسائل الإعلام داخل روسيا وخارجها، ولا سيما أنه انطلق من لا شيء ليتحول لأحد كبار الأغنياء في بلاده، بل وكسب مكانة خاصة في مربع القرار حتى أنه يصنف ضمن الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة جدا للرئيس الروسي.
وإذا كان اسم بريغوجين قد ارتبط في الخارج بأنه رجل الدعاية الرقمية السامة لموسكو، فقد تميز في روسيا أيضا بدهائه في تشويه سمعة الحركات المعارضة. فبحسب تصريح ليوبوف سوبول، الناشط في مؤسسة أليكسي نافالني لمكافحة الفساد لصحيفة نيويورك تايمز: "إنه لا يخشى أن تتسخ يداه ليصل إلى هدفه".
والآن، أطلق بريغوجين تمردًا شاملاً ضد الكرملين - بعد أن أثارت ثورات غضبه الكبيرة على نحو متزايد تكهنات بأنه قد يذهب بعيدًا متجاوزا الخطوط الحمراء الروسية.
فهل تتجه روسيا نحو حرب اقتتال داخلية قد تأخذ منها وقتا طويلا؟ أم ستنجح موسكو في القضاء على تمرد بريغوجين في أسرع وقت؟ وكيف ستستفيد أوكرانيا من هذا الصراع الروسي الداخلي؟
اضف تعليق