الاتفاق النووي الذي ابرم بين إيران والدول الكبرى، لايزال محط اهتمام واسع خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعيش وبحسب بعض الخبراء معركة خاصة بين الرئيس الديمقراطي باراك أوباما والمعارضين لهذا الاتفاق الذي يرفضه العديد من أعضاء الحزب الجمهوري، الذين يعتقدون بان هذا الاتفاق قد يمنح ايران تنازلات كبيرة قد تمكنها من تعزيز قدراتها النووية بدون وجود ضغط اقتصادي أو سياسي، وكانت ايران قد توصلت في تموز يوليو الماضي الى الاتفاق المذكور بعد مفاوضات مطولة مع القوى الدولية الكبرى، ومن المقرر ان يدخل الاتفاق حيز التنفيذ في تشرين الثاني نوفمبر المقبل.

ويرى بعض المراقبين ان صراع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، هو صراع أزلي مبني على المعارضة والتشكيك في سبيل الحصول على مكاسب سياسية إضافية، خصوصا وان مثل هكذا قضايا مهمة قد تسهم بإثارة الرأي العام الأمريكي كونها تتعلق بمسألة حساسة تهم امن وقوة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما حاول بعض إثارته في هذا الوقت لإغراض انتخابية، وعن محاولات الجمهوريين تعطيل الاتفاق عبر الأدوات التشريعية، كانت إدارة البيت الأبيض وكما تنقل بعض المصادر، قد حذرت من أمر عدم تعاون النواب في الكونجرس مع الرئيس الأمريكي، مهددين بإمكانية الالتفاف على هذه العقبات، حيث أكدوا إن أوباما سيحاول التعاون مع الكونجرس بقدر المستطاع، إلا أن الناطق باسم البيت الأبيض جار كارنى وكبير المستشارين دان فايفر قالا إن البيت الأبيض سيتخذ خطوات عملية من خلال إصدار أوامر تنفيذية إذا اضطر إلى ذلك، هذه الأوامر التنفيذية تتمثل في استخدام الفيتو الرئاسي ضد أي مشروع قانون يقره الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية بحيث يمنع تطبيق الاتفاق الإيراني، وقد تصدى الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ مرارًا في السابق للمحاولات التي كان يقودها الجمهوريون للتدخل في المحادثات مع إيران.

ويرى البعض ان عرقلة هذا الاتفاق الذي تعارضه إسرائيل، ربما ستكون له عواقب وخيمة خصوصا مع وجود أصوات كثيرة تؤيد مثل هكذا إجراءات عقلانية، قد يوفر على الولايات المتحدة ثمن النزاعات في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يُلاقي توافقًا مع سياسة أوباما في الشرق الأوسط.

الجمهوريون يخسرون المعركة

وفي هذا الشأن وكما تنقل بعض المصادر الإعلامية فقد خسر الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس الأميركي، معركة تعطيل الاتفاق النووي مع إيران، بعدما أدى تصويت إجرائي في الكونغرس إلى عرقلة محاولات الجمهوريين تمرير "قرار عدم التأييد" للاتفاق، إذ صوت 58 عضواً في الكونغرس مع القرار مقابل 42 ضده، في حين كان الانتقال من التصويت الإجرائي إلى التصويت النهائي يتطلب 60 صوتاً. وكان تمريره سيمنع الرئيس الأميركي من رفع العقوبات الأميركية المفروضة على ايران.

وقد سارع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى الإشادة بما سمّاه "نصراً للدبلوماسية وللأمن القومي للولايات المتحدة ولأمن العالم"، داعياً إلى التركيز على تنفيذ الاتفاق النووي بهدف ضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي. ولم يكن فشل الأعضاء الجمهوريين في محاولتهم تعطيل الاتفاق النووي مع إيران مفاجئاً، إذ رفض الديمقراطيون، منذ البداية، تعرّض رئيسهم لنكسة في مسألة مصيرية في السياسة الخارجية، بينما خسر الجمهوريون آخر أوراقهم لمحاولة وقف مسارٍ محتوم.

وبعد أن كان الرئيس، باراك أوباما، في موقع المُدافع، تغيّرت المعطيات مع انتقال القيادات الديمقراطية في الكونغرس من الدفاع إلى الهجوم، في معركة تمرير الاتفاق النووي. وقد حدث هذا بعد تأمين الديمقراطيين 34 صوتاً في مجلس الشيوخ من أصل 100، يضمن عدم "إلغاء الجمهوريين مفاعيل أي فيتو (حق النقض) لأوباما في أي قرار رافض من الكونغرس للاتفاق النووي".

بعدها، انتقل الحزب الديمقراطي إلى محاولة تأمين 41 صوتاً، لمنع انعقاد جلسة التصويت من أساسها. وانضمّ إلى رافضي عقد جلسة للتصويت، أعضاء مجلس الشيوخ، غاري بيترز ورون وإيدن وريتشارد بلومنتال وماريا كانتوال، رداً على موقف السيناتور الديمقراطي، جو مانشين، الذي كان رابع ديمقراطي في مجلس الشيوخ ينشقّ عن الحزب في مسألة الاتفاق النووي، بينما كانت السيناتور المنتمية إلى الحزب الجمهوري، سوزان كولينز، تنضمّ إلى المعسكر المُطالب بعقد الجلسة. وبلغ عدد المؤيدين لجلسة التصويت 58 سيناتوراً، وهم بطبيعة الحال رافضو الاتفاق النووي، في مقابل 42 سيناتوراً رافضين عقد جلسة التصويت، وهم من مؤيدي الاتفاق النووي.

وأمام هذه الحالة، أبلغ البيت الأبيض المعنيين أنه لا يريد إطالة القضية أكثر، لتمرير أسابيع إضافية من الفيتو والتصويت المضاد. وجاء في بيان صادر عن إدارة أوباما، في هذا السياق، أن "رفض الاتفاق من الكونغرس سيتركنا في موقف ضعف وليس قوة". كما أكد المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، أن "الإدارة تتوقع من أعضاء الكونغرس، الذين يدعمون الاتفاق، اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع الكونغرس من تقويض الاتفاق".

وبعد خمسة أسابيع من عطلة الكونغرس، اقتصرت المعركة على شد حبال بين زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري، ميتش مكونيل، وزعيم الأقلية، السيناتور الديمقراطي، هاري ريد. وبعد تأمين 42 صوتاً على الأقلّ، لمنع انعقاد الجلسة، اقترح ريد على مكونيل عقد جلسة تصويت على الاتفاق، في حال حصل الجمهوريون على 60 صوتاً من أصل 100 سيناتور، وهو الأمر المتعارف عليه في مجلس الشيوخ.

ورفض مكونيل العرض، مشدداً على أن "مجلس الشيوخ في هذه الحالة يحتاج إلى 50 صوتاً وليس 60، لبتّ مصير انعقاد الجلسة". وقال في تصريحات إعلامية إنه "يحقّ لأعضاء مجلس الشيوخ التصويت على قبول الاتفاق أو رفضه، وليس التعطيل أو وضع حدود مصطنعة"، واصفاً محاولات زملائه الديمقراطيين بأنها "حملات تشويش لحماية أوباما". وقدّم مكونيل اقتراحاً، لإغلاق النقاش حول الاتفاق، وعقد جلسة تصويت لاختبار مدى تماسك أصوات الديمقراطيين، وكان موقف ريد أكثر حده بعد اكتسابه ثقة أكثر، وقال: "لدينا 42 سيناتوراً لصالح الاتفاق وسيواصلون التصويت بهذه الطريقة".

وفي المقابل تابع الجمهوريون انتقاداتهم وضغوطهم لوقف عرقلة الديمقراطيين، فقد صرح أحد أبرز القياديين الجمهوريين في الكونغرس، السيناتور جون كورنين، أن "المرشد الإيراني علي خامنئي قال، إن البرلمان الإيراني يجب أن يصوّت على الاتفاق. بالتالي سيكون الأمر غير مسؤول إذا منع الديمقراطيون في مجلس الشيوخ عملية التصويت من خلال تعطيل انعقاد الجلسة". وكان التقارب، بداية الأسبوع، بين مكونيل وريد قد أزعج القاعدة المحافظة في مجلس النواب، وفور العودة من العطلة، بدأ النواب المحافظون انتفاضة على قياداتهم، لا سيما رئيس المجلس، جون بونر.

ورفض النواب المحافظون محاولات بونر طرح الاتفاق على التصويت، وأصروا على فكرة اقتراح مشروع قانون يشير إلى أن فترة الـ60 يوماً للمراجعة لم تبدأ بعد، ولن تبدأ، قبل أن يُسلّم البيت الأبيض المعلومات حول "الاتفاقات الجانبية" مع طهران حول الاتفاق النووي. ووصفت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، هذه المحاولة بـ"الظريفة"، مؤكدة أن الاتفاق النووي سيدخل حيز التنفيذ في 17 سبتمبر/أيلول، علماً بأن بونر لمّح إلى أنه تلقّى رسالة من 15 حاكماً جمهورياً، يعربون فيها عن نيتهم الإبقاء على العقوبات على إيران على مستوى ولاياتهم".

كما عمل جزء كبير من الجمهوريين، بتشجيع من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، لاستغلال فرصة التصويت، لزيادة الضغوط على أوباما في هذا الشأن، وتصوير الاتفاق على أنه معادٍ لإسرائيل ويضعف الأمن القومي الأميركي، حتى لو لم يكن هناك فرص نجاح عملية لإجهاض الاتفاق، وفي حسم الكونغرس موقفه قبل نهاية مهلة 17 سبتمبر/أيلول الحالي، لكن النقاش حول هذه القضية لن يتوقف في واشنطن في المدى المنظور.

شكوك في طهران

الى جانب ذلك يثير مستقبل الاتفاق النووي بين ايران والولايات المتحدة اسئلة كثيرة في طهران، مع قرب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي يسعى الجمهوريون الذين يوجهون انتقادات حادة لهذا الاتفاق للفوز بها. ورغم التوتر المستمر وانعدام الثقة المتبادل، فإن الحكومة الايرانية والرئيس الاميركي باراك اوباما شريكان في هذه المعركة، واعلنا لجمهوريهما ان اتفاق 14 تموز/يوليو هو افضل اتفاق ممكن.

ولكن قبل 15 شهرا فقط من الانتخابات الرئاسية الاميركية، فإن معارضي هذا الاتفاق التاريخي، وخصوصا من يسعون للحلول مكان اوباما، يصبون جام غضبهم عليه. ولم يتعهد اي مرشح جمهوري بارز بدعم هذا الاتفاق الموقع بين ايران والولايات المتحدة والدول الخمس الكبرى، فيما وعد عديدون بالغائه في حال انتخبوا. وصرح المرشح الجمهوري الى الرئاسة جيب بوش ان "الاتفاق مع ايران مهزلة"، واضاف ان قواعد تفتيش المواقع النووية الايرانية غير واضحة.

وقال الاستاذ في جامعة طهران فؤاد ازادي، وهو محلل سياسي تلقى جزءا من تعليمه في الولايات المتحدة، ان هذه التدخلات تثير شكوكا في ايران حول ما اذا كانت الولايات المتحدة "قادرة على المضي قدما". واضاف "اذا وصل شخص مجنون الى البيت الابيض فهناك امكانية لانهيار الاتفاق (....) ليست الاشهر المتبقية هي التي تقلقني، بل ما سيحدث عند ذهاب اوباما. الناس قلقون بشأن ذلك".

وعندما تم التوصل الى الاتفاق النووي، الذي يسمح برفع العقوبات الدولية المفروضة على ايران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، برزت المواقف المعارضة لهذا الاتفاق، وخصوصا من اسرائيل. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف معركة المرشحين والنواب الجمهوريين ضد الاتفاق. وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة، اللاعب الدولي الرئيسي في المحادثات بقيادة وزير الخارجية جون كيري، في العام 1980، بعد مرور عام على الثورة الاسلامية.

وازداد العداء تجاه ايران، بالنسبة الى كثير من الاميركيين وبينهم نواب في الكونغرس، جراء عملية احتجاز 52 اميركيا رهائن في سفارة واشنطن في طهران لمدة 444 يوما. وتتزامن المعركة في الكونغرس بشأن الاتفاق مع حملة اعلامية في واشنطن وطهران. واجرى وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، المفاوض الايراني الرئيسي في المحادثات النووية، عدة لقاءات اعلامية رفيعة المستوى في العاصمة طهران حول الاتفاق. ورغم معارضة الكونغرس، وانتقادات بعض الجنرالات في ايران، قال ظريف في 29 تموز/يوليو انه ليس "متوترا او قلقا" من ان شروط الاتفاق ستنفذ بالكامل في غضون اشهر. بحسب فرانس برس.

لكن المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي لم يعلن دعمه للاتفاق. ورغم اشادته بظريف والمفاوضين الايرانيين، هاجم خامنئي الولايات المتحدة التي اتهمها بالسعي الى "التسلل" الى ايران عبر الاتفاق النووي. وقال ان الولايات المتحدة "تعتقد انها ستجد بالاتفاق وسيلة للتسلل الى البلاد. لن نسمح باي تدخل سياسي او ثقافي. وبكل قوانا الكبيرة بفضل الله سنقاوم هذا التدخل".

من جانب اخر كرر الرئيس الاميركي باراك اوباما انه سيرد بعزم اذا لم تف طهران بالتزاماتها. وقال الرئيس الاميركي "لدينا هامش واسع من الردود الاحادية والمتعددة الطرف اذا لم تف طهران بالتزاماتها". وجدد التاكيد ان كل الخيارات تبقى مطروحة وقال ان "كل الخيارات التي تملكها الولايات المتحدة، بما فيها الخيار العسكري، تبقى متوافرة خلال فترة (تنفيذ) الاتفاق وما بعدها".

رسائل تأيد

على صعيد متصل وجه حوالى ثلاثين عالما اميركيا بينهم باحثون في القطاع النووي وحائزون جوائز نوبل رسالة الى الرئيس باراك اوباما ليؤكدوا ترحيبهم بالاتفاق الذي ابرم مع ايران معتبرين انه انجاز كبير للامن. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز ان اكبر خبراء العالم في القطاع النووي وقعوا الرسالة التي تقع في صفحتين وتشكل دعما واضحا للرئيس الاميركي. وقال موقعو الرسالة ان الاتفاق "سيدفع قدما قضية السلام والامن في الشرق الاوسط ويمكن ان يشكل نموذجا لاتفاقا مقبلة لمنع الانتشار النووي".

واضافوا ان الاتفاق يتضمن "التزامات اكثر صرامة من تلك التي وردت في اي اتفاق آخر حول منع الانتشار النووي تم التفوض بشأنه في الماضي". ووقع الرسالة في المجموع 29 عالما بينهم فيزيائيون مكلفون اجراءات الامن العسكري على اعلى مستوى، الى جانب مستشارون في قضايا الامن العسكري في الكونغرس والبيت الابيض والوكالات الفدرالية. وبين الموقعين حائزو جوائز نوبل شيلدون غلاشو من جامعة بوسطن وفرانك فيلتشيك من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا العريق، وليون كوبر من جامعة براون دي بروفيدانس على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وديفيد غروس من جامعة كاليفورنيا وبورتن ريشتر من جامعة ستانفورد.

من جهة اخرى أكد مئات الحاخامات الأمريكيين في رسالة إلى أعضاء الكونغرس دعمهم للاتفاق النووي مع إيران. وحضوا في الرسالة أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب على المصادقة على هذا الاتفاق. ووجه 340 حاخاما يهوديا أمريكيا رسالة إلى أعضاء الكونغرس يحضونهم فيها على دعم الاتفاق النووي الدولي مع إيران، في مؤشر على انقسام الطائفة اليهودية الأمريكية حيال الاتفاق التاريخي المثير للجدل.

والحاخامات هم من مختلف التيارات، من المحافظين والإصلاحيين وكذلك من الحركات اليهودية التقدمية، بحسب متحدث. وجاء في الرسالة التي وزعتها منظمة "أمينو" الخيرية التقدمية اليهودية "نحض أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب على المصادقة على هذا الاتفاق". وأضافوا "نحن قلقون للغاية من الانطباع بأن قيادة المجتمع اليهودي الأمريكي متحدة في معارضتها لهذا الاتفاق (..) فنحن مع قادة آخرين من اليهود ندعم تماما هذا الاتفاق النووي التاريخي". بحسب فرانس برس.

ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الاتفاق بشدة. ويقول إنه لن يمنع إيران من السعي للحصول على أسلحة نووية يمكن استخدامها لاستهداف الدولة العبرية. وينقسم المجتمع اليهودي بشأن الاتفاق، حيث تؤيده مجموعة "جاي ستريت" التقدمية، بينما تعارضه اللجنة اليهودية الأمريكية وكذلك لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك) التي تتمتع بنفوذ، وتردد أنها تنفق أكثر من 20 مليون دولار على حملة لمعارضة الاتفاق.

اضف تعليق