دخلت الحرب في اليمن مرحلة جديدة يمكن ان تسهم بتغير الكثير من التوقعات والنتائج العسكرية، فبعد مقتل اكثر من 60 جندي من قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وكما يقول بعض الخبراء، سعت الاخيرة وبسبب هذه الخسارة الكبيرة الى تكثيف جهودها الانتقامية وتغير خططها العسكرية ضد الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، حيث أرسلت العديد من دول الخليج المشاركة في التحالف تعزيزات عسكرية جديدة في إطار الاستعداد لبدأ بعمليات برية في البلد الذي يعاني الكثير من المشكلات والازمات الامنية والاقتصادية الكبيرة التي تفاقمت بشكل خطير في ظل استمرار هذه الحرب التي اودت وكما تشير التقارير الاممية بحياة اكثر من 4500 شخص هذا بالإضافة الى تشريد الملايين من البشر.
ويرى بعض المراقبين ان الحرب في اليمن وبالرغم من الفوارق والتجهيزات العسكرية بين اطراف الصراع ربما ستستمر الى وقت طويل، خصوصا وان الكثير من التوقعات تشير الى ان اليمن ستصبح ساحة بديلة للعديد من الجماعات المسلحة بما فيها تنظيم داعش الارهابي، يضاف الى ذلك تعدد القيادات والتحالفات القبلية في اليمن، وهو ما سيزيد صعوبة القيادة العسكرية لقوات التحالف العربي التي ستتعرض لانتكاسات وخسائر كبيرة في هذه المعركة، التي ستزداد خطورتها في المناطق الشمالية التي تخضع لسيطرة الحوثيين وحلفائهم خصوصا الرئيس السابق الذي حكم البلاد 33 عاماً، وما زال يسيطر على القسم الأكبر من القوات المسلحة اليمنية.
عشرة آلاف جندي
وفي هذا الشأن فقد قالت قناة الجزيرة الإخبارية القطرية إن التحالف الذي تقوده السعودية أرسل عشرة آلاف جندي لليمن في مؤشر فيما يبدو على عزمه على هزيمة قوات الحوثيين المتحالفين مع إيران بعد أن قتلوا 60 جنديا على الأقل من دول عربية بالخليج في وقت سابق. وكثف جيران اليمن ضرباتهم الجوية على العاصمة صنعاء ويأملون في شن هجوم شامل قريبا على المدينة التي سيطر عليها الحوثيون العام الماضي.
وقال مراسل الجزيرة عبد المحصي الشيخ من جنوب السعودية إن عدد جنود التحالف الذي دخلوا اليمن بالفعل ارتفع إلى عشرة آلاف. وأضاف أن قوة قطرية ثانية ستصل اليمن بعد الدخول عبر معبر الوديعة الحدودي مع السعودية فيما أضافت قوات التحالف 30 طائرة هليكوبتر من طراز أباتشي ومركبات مدرعة وقاذفات صواريخ إلى عتادها العسكري.
وتمارس الحكومة اليمنية عملها من الرياض منذ أواخر مارس آذار الماضي بعد أن حاصرت قوات الحوثيين - الذين يقولون إن حركتهم ثورة على الحكومة - معقلها الأخير في عدن الأمر الذي أدى للتدخل الأجنبي. وأسفر الصراع عن مقتل أكثر من 4500 شخص. ويرى التحالف العربي أن حملته هي معركة ضد النفوذ الإيراني المتزايد على حدوده لكن الحوثيين ينفون أنهم ينفذون أوامر إيران ويقولون إن الحكومة في الرياض والتحالف عملاء للولايات المتحدة.
واستعادت قوات يمنية موالية للحكومة وجنود خليجيون السيطرة على عدن ومعظم جنوب اليمن في يوليو تموز لكن خطوط المعركة لم تتحرك كثيرا منذ ذلك الحين فيما تواجه قوات التحالف مقاومة شرسة من معاقل الحوثيين في الشمال. وأطلق مقاتلو الحوثيين وحلفاؤهم في الجيش اليمني صاروخا باليستيا يرجع إلى الحقبة السوفيتية على قاعدة للجيش في محافظة مأرب بوسط البلاد مما أدى إلى مقتل عشرات من الجنود الإماراتيين والسعوديين والبحرينيين. وكان الهجوم هو أثقل خسارة يمنى بها جنود التحالف في الحرب وقد يمثل نقطة تحول في الصراع فيما تستعد الدول فيما يبدو لحرب برية كانت تتحاشاها حتى الآن. بحسب رويترز.
ونسبت صحيفة الشرق الأوسط إلى مصادر في التحالف قولها إن بعض الجنود المصريين وستة آلاف جندي سوداني سينضمون للمعركة داخل اليمن قريبا. ولم تعقب الحكومتان المصرية والسودانية على الفور على هذا التقرير. لكن مصدرا مقربا من الجيش القطري أكد أن قطر سترسل وحدة "مشاة ميكانيكية ومركبات مدرعة" وأن السودان التزم بإرسال ستة آلاف جندي. وقال المصدر "العملية في صنعاء .. ستستخدم القصف المكثف والقوة الجوية لدعم الهجوم البري."
غارات جوية لا تتوقف
من جانب اخر قال رجال قبائل إن طائرات تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية قتلت 20 شخصا على الأقل في عزاء بشمال اليمن وقال سكان محليون إن القصف استهدف قوات موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح حليف الحوثيين في انحاء اليمن وأصاب قاعدة للحوثيين فيما كانت تعرف بجامعة الإمام وهي مدرسة دينية في شمال صنعاء.
لكن مقيمين قالوا إن الغارة التي أوقعت أكبر عدد من القتلى كانت فيما يبدو في منطقة اليتمة بمحافظة الجوف شمالي صنعاء حيث قصفت الطائرات عرضا خيمة عزاء لشخص قتل على ايدي الحوثيين. وفي صنعاء قال سكان إن مباني سويت بالأرض فيما دوت انفجارات ليلا وصباحا قبل ان. وقال مستشفى السبعين للأمومة والطفولة إن أضرارا لحقت به وإن المرضى محاصرون بالداخل جراء القصف وناشد المستشفى المنظمات الدولية المساعدة لإجلاء المرضى. بحسب رويترز.
ويقول التحالف الذي تقوده السعودية إنه لا يستهدف منشآت مدنية لكن مسؤولي مستشفى أفادوا بمقتل ما لا يقل عن 27 شخصا من أفراد أسرتين في صنعاء بسبب ضربات جوية استهدفت مواقع للحوثيين في المدينة. وأثارت موجة من الهجمات والقتل ومظاهرة نظمها مسلحون يرفعون راية القاعدة مخاوف من ان يسيطر الاسلاميون المتشددون على الموقف. وقال موقع سايت الذي يرصد الحركات الإسلامية المتشددة إن تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب نفى انه وراء موجة من الاغتيالات بالمدينة في الآونة الاخيرة وألقى بالمسؤولية عنها على عملاء مؤيدين لصالح.
استعادة صنعاء
الى جانب ذلك وبعد أسابيع من سيطرة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية والمقاتلين المحليين الذين يدعمهم على ميناء عدن بجنوب اليمن يقول التحالف إنه يتأهب لطرد الحوثيين من العاصمة صنعاء. لكن يبدو أن متشددي القاعدة يستغلون مكاسب التحالف أمام الحوثيين في الجنوب لترسيخ وضعهم في وقت بدأت تظهر فيه احتكاكات بين فصائل المقاتلين المحليين مع رحيل عدوها المشترك.
والأمر لا يتعلق في أهميته بمن سيحكم اليمن -وهي مسألة سيكون للقوة الإقليمية دور فيها- وإمكانية القضاء على خطر الجهاديين وحسب لكن بمستقبل البلاد كدولة موحدة بعدما شهدته من نزاعات قبلية وانقسامات إقليمية على مدى قرون. وقال إبراهيم فريحات المحلل السياسي البارز في مركز بروكنجز الدوحة "ستكون المعركة على صنعاء في غياب التسوية السياسية طويلة وعنيفة ومميتة دون فائز واضح. وإذا أخفق معسكر هادي في استعادة صنعاء فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تقسيم اليمن فعليا."
ولا تزال مثل هذه التسوية بعيدة في وقت يحاول فيه كل جانب تصعيد القتال منذ سقوط عدن. وفي الشمال يقصف الحوثيون الحدود السعودية سعيا لإلحاق الضرر بالتحالف في مواجهة انتصارات القوات التي تقودها السعودية واستمرار الضربات الجوية. وفي تعز بالجنوب يتواصل القتال الشرس وقصف المدنيين. ويتحول الاهتمام إلى مأرب وهي منطقة قبلية جافة تمتد عبر التلال الجدباء شرقي صنعاء حيث تتحدث وسائل إعلام مرتبطة بالسعودية ومصادر محلية عن احتشاد قوات مدعومة من التحالف استعدادا لهجوم منسق صوب العاصمة اليمنية.
ونقلت صحف سعودية عن قادة جيش الحكومة اليمنية التي تعمل من الخارج قولهم إنهم يحشدون قوات في المحافظة ويتأهبون للزحف على صنعاء. وتجددت الهجمات على مواقع على الحدود السعودية بما في ذلك هجوم بصواريخ سكود على المملكة مما يوضح أن الحوثيين وصالح عازمون على جعل الخليجيين يشعرون بمرارة تدخلهم في الصراع. وفي وقت سابق سقطت طائرة أباتشي سعودية على الحدود مما أدى إلى مقتل قائدها ومساعده بينما تسببت هجمات الحوثيين في مقتل اللواء الركن عبد الرحمن الشهراني قائد اللواء الثامن عشر وصاحب أعلى رتبة عسكرية يسقط في القتال من الجانب السعودي.
وبينما تحمي قوات التحالف المنشآت الرئيسية في اليمن انهارت خدمات الأمن الأساسية في مناطق كثيرة من المدينة. وظهر في تسجيل مصور على موقع يوتيوب إعدام حشد لشخص يشتبه أنه متواطيء مع الحوثيين. ومن دواعي القلق أيضا بالنسبة لهادي والتحالف قيام عشرات من المسلحين بعرض في منطقة التواهي بوسط عدن رافعين أعلام القاعدة وذلك بعد أيام من وقوع سلسلة انفجارات أمام مقر الحكومة بالمدينة في هجوم أوقع أربعة قتلى.
وظهر حمزة الزنجباري أحد قياديي القاعدة المحليين في تسجيل مصور قال فيه إن معظم المقاتلين المحليين المدعومين من التحالف في مواجهة الحوثيين هم في الواقع أعضاء في الجماعة المتشددة التي رفعت راية الجهاد بعد فرار القادة العسكريين. وتؤكد حكومة هادي أن الجماعة المتشددة لم تلعب دورا في الدفاع عن عدن أمام الحوثيين وأن ما أبدته من استعراض للقوة بالمدينة كان في الواقع من صنع مؤيدي صالح الذين يعملون على زعزعة الاستقرار بعد أن فقدوا المدينة. بحسب رويترز.
وصرح مسؤول محلي في عدن بأن قوات الخليج تدرب 2000 مقاتل محلي منهم انفصاليون وموالون لهادي وأعضاء بفصائل إسلامية كي يتولوا مهمة الأمن في المدينة مؤقتا. وهذا المزيج الغريب من الجماعات -ومنها جماعات كانت حتى عام واحد فقط من ألد الأعداء- يظهر هشاشة القوات المحلية التي يعتزم التحالف أن يعول عليها.
الاعلام وتباين التوقعات
على صعيد متصل ناقشت صحف عربية التداعيات المحتملة لاستمرار الحرب في اليمن بينما يستعد التحالف العسكري الذي تقوده السعودية لمعركة تحرير محافظة مأرب من الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وإذ تؤكد بعض الصحف، خاصة الخليجية منها، أن "النصر" على الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق بات وشيكا، تحذر صحف أخرى من تحول اليمن إلى "مستنقع" جاذب للكتائب والجهاديين من أرجاء المعمورة.
وتتوقع صحيفة الوطن السعودية اقتراب "تحرير اليمن"؛ حيث تقول في افتتاحيتها إن "المواجهات البرية اشتدت في أكثر من موقع، وطائرات الأباتشي دخلت المعركة، وجولة مأرب التي تدور إلا جولة تحضيرية.. وهناك ما هو أكبر بعدها ما سيمحو كل أثر للميليشيات، لتبدأ خطوات المستقبل". من جهته، يشكر صالح الكواري رئيس تحرير الراية القطرية "الأخت الكبرى" السعودية على قيادة العملية العسكرية ضد الحوثيين.
ويقول الكواري "مهما استمرت الحرب، جوية كانت أو برية، فليس ذلك مهماً ما دام أن الهدف سيتحقق في النهاية وتنتصر إرادة التحالف والمقاومة الباسلة الشعبية والقبلية، وفوق كل ذلك تنتصر الشرعية في حرب عادلة ضد فئة ضالة وشرذمة مذهبية إرهابية تعبث باليمن الشقيق وترهن شعبه وموارده لأجندة خارجية وجهات أجنبية تقاتل بالوكالة عنها".
من جانبها، تشيد البيان الإماراتية في افتتاحيتها بالمساعدات التي تقدمها الإمارات لليمنيين في ظل استمرار الحرب. وتقول البيان "ونحن إذ نحرر أهلنا في اليمن من الاختطاف وجرائم الإرهابيين، ندرك أيضاً حاجاتهم للحياة، فلا يمكن هنا إلا أن تكون قبضتنا في وجه الإرهاب وحسب، بقدر يدنا للشعب اليمنى يكمن فيها الخير والعطاء، وهو ما تدركه قياداتنا، ويؤمن به شعبنا".
على الجانب الآخر، ينتقد عبد الله زغيب من صحيفة السفير اللبنانية إدارة التحالف للعملية العسكرية. ويقول زغيب "بثبات وعدم اكتراث بالفواتير. هكذا تستمر آلة الحرب العربية في إدارتها معركة الأمة في اليمن". ويتابع "الأمور بالمنظور الخليجي تعد شديدة الوضوح، و الانتصار أصبح قاب قوسين أو أدنى. وهذا تحليل لا يشعر منظّروه بالخجل وهم في نشوة سرديته فضائيا وعنكبوتيا، برغم أن تفاصيل الكيف والذي كان من أمور اليمن منذ بداية الحرب عليه وحتى الآن، يمكن أن تسهم بتغيير جذري في الصورة". بحسب بي بي سي.
ومن ناحية أخرى، يحذر عريب الرنتاوي من صحيفة العرب اليوم الأردنية المتفائلين بأن "حرب اليمن ستضع أوزارها قريباً"، قائلاً "إنه المستنقع اليمني، وقد بدأ يجذب قعره الكتائب والألوية متعددة الجنسيات، مثلما يجلب الجهاديين من أربع أرجاء الأرض". ويضيف أن اليمن أصبح "الساحة المرشحة لأن تكون بديلاً عن العراق وسوريا، إذا ما قدر للحرب على الإرهاب في هذين البلدين أن تحقق تقدماً ذات يوم، فالحذر الحذر من مجريات القادم من الأيام، والحذر الحذر من الوقوع في مطب القراءات الخفيفة للآخرين، المنبثقة من مقتضيات التنافس وصراعات القوى، داخل البلد الواحد، أو بين بلدان التحالف".
من جانب اخر ذكرت مصادر قبلية إن أربعة يشتبه بأنهم ينتمون لتنظيم القاعدة لقوا حتفهم في هجوم بطائرة بلا طيار في شمال اليمن مع استمرار حملة تقودها الولايات المتحدة على المتشددين. وقالت المصادر من محافظة الجوف إن صاروخين أصابا سيارة الأربعة الذين لم تحدد هويتهم. واستفاد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من الحرب الدائرة بين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي انتقل بحكومته إلى خارج البلاد وتمكن التنظيم من السيطرة على أراض والعمل بشكل أكثر علانية.
ونفذت القاعدة هجمات استهدفت الدولة اليمنية من خلال تفجيرات على مدى سنوات وخططت لنسف طائرات ركاب متجهة للولايات المتحدة وأعلنت أنها وراء هجوم وقع في باريس في يناير كانون الثاني على مجلة شارلي إبدو وقتل فيه 12 شخصا. وتواصل الولايات المتحدة هجماتها على المتشددين باستخدام طائرات بلا طيار رغم إجلائها آخر دفعة من العاملين بجيشها ومخابراتها من اليمن في مارس آذار. وتسببت هجماتها في مقتل شخصيات بارزة في قيادة القاعدة في جزيرة العرب منها زعيمها ناصر الوحيشي في يونيو حزيران. وتقر الولايات المتحدة باستخدام طائرات بلا طيار لكنها تمتنع عن التعليق على هجمات معينة.
اضف تعليق