قرار الانتخابات المبكرة في تركيا الذي أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد فشل حزب العدالة والتنمية بالوصول الى اتفاق رسمي مع الأحزاب المعارضة في تشكيل حكومة ائتلافية، لايزال محط اهتمام الكثير من المراقبين الذين اكدوا على ان هذا القرار وفي مثل هكذا ظروف صعبة تمر بها تركيا، التي تعاني من مشكلات أمنية واقتصادية يمكن ان يسهم بتعقيد المشهد السياسي في البلاد، وتنص المادة 116 من دستور البلاد، على أنه يمكن للرئيس بعد التشاور مع رئيس البرلمان، اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة، في حال فشل الحزب المكلّف بتشكيل حكومة خلال 45 يومًا من انتخاب ديوان رئاسة البرلمان الجديد، وتجرى الانتخابات بعد مرور 90 يومًا على صدور القرار.
وبحسب بعض الخبراء فأن إعلان قرار الانتخابات المبكرة كان أمرا متوقعا وهو ما راهن عليه أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي مني بخسارة كبيرة في الانتخابات السابقة بعد فقدانه الأغلبية المطلقة، حيث يسعى اليوم ومن خلال هذه الانتخابات الى الحصول على مقاعد إضافية لتشكيل حكومة بمفردة، الأمر الذي سيمكن أردوغان من تنفيذ جميع خططه و أحلامه السابقة ومنها تغيير الدستور والتحول نحو النظام الرئاسي، وهو ما يثير قلق ومخاوف الشخصيات والأحزاب المعارضة، التي تخشى من اتساع رقعة القمع والتسلط و واضطهاد الخصوم التي يتبعها أردوغان.
من جانب اخر أكدت بعض التقارير الإعلامية أن الرئيس التركي لديه خطط أخرى يمكن ان يتبعها، فهو قد يسعى الى تأجيل الانتخابات المبكرة التي دعا اليها حال شعر أن حزب العدالة والتنمية "الإسلامي" سيفقد الأصوات المطلوبة لتشكيل حكومة منفردة بزعم أن البلاد في حالة حرب. وأشار التقرير الذي نقل عن صحيفة "طرف" التركية أن المادة رقم 78 من الدستور التركي تسمح له بذلك والتي تنص على "أنه إذا كان عقد انتخابات جديدة يبدو مستحيلًا بسبب الحرب فإن المجلس القومي الأعلى لتركيا لديه الحق في تأجيل الانتخابات لمدة عام".
وأضاف التقرير أن هناك دافع قوي للرئيس التركي لتأجيل الانتخابات المبكرة وهو خوفه من أن يحقق الحزب الجمهوري العلماني نتيجة قوية بجانب الأكراد وفوزهم بتشكيل الحكومة المقبلة، وكان حزب اردوغان حقق في انتخابات يونيه نسبة 40.8% من الأصوات، يليه الحزب العلماني 2.9. ومن جهة اخرى اكد "مراد جيزيتسي" رئيس مؤسسة "جيزيتسي" للأبحاث أن الانتخابات المقبلة ستمثل انتحارًا لحزب أردوغان، متوقعًا ان يحصل دون 35% فقط من الأصوات، مشيرًا الى أن 68% ممن اجرى عليهم الاستطلاع اكدوا قلة السيولة لديهم وانحسار الاقتصاد، بينما أشار 74% منهم أنه لم يعد بإمكانهم تحمل أردوغان أكثر من ذلك.
وضع غير مسبوق
وفي هذا الشأن فقد حدد الأول من تشرين الثاني/نوفمبر موعدا رسميا لإجراء الانتخابات التشريعية في تركيا، حسب ما أعلن المجلس الأعلى للانتخابات. وجاء ذلك بعد إعلان أردوغان عن تنظيم انتخابات مبكرة جراء فشل المشاورات لتشكيل حكومة ائتلاف، لتواجه البلاد وضعا سياسيا غير مسبوق. وأكد رئيس المجلس سعدي غوفين ذلك الموعد في بيان أعقب قرار الرئيس رجب طيب أردوغان إجراء انتخابات مبكرة في البلاد.
وهذا الوضع غير مسبوق في تاريخ تركيا الحديث إذ أنه لم يسبق أن فشلت الأحزاب التركية في تشكيل ائتلاف بعد انتخابات عامة ما يتطلب إعادة الانتخابات. قال متحدث باسم حزب "الشعب الجمهوري"، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، إن نوابه لن يشاركوا في حكومة تصريف أعمال. وكان داود أوغلو قد حث أحزاب المعارضة التركية على "تحمل مسؤولياتها" والانضمام إلى حكومة مؤقتة لاقتسام السلطة، قائلا إنه سيعرض مناصب وزارية على نواب تلك الأحزاب حتى لو اعترض زعماؤها.
وقال اردوغان "ستعيش تركيا انتخابات تشريعية جديدة في الاول من تشرين الثاني/نوفمبر" ليغض بذلك النظر عن تقليد يفرض عليه التشاور مع رئيس البرلمان قبل الاعلان عن الانتخابات. وتركيا في مازق سياسي منذ الانتخابات التشريعية في السابع من حزيران/يونيو التي فقد خلالها حزب العدالة والتنمية الاسلامي المحافظ الغالبية المطلقة في البرلمان للمرة الاولى منذ العام 2002، ما ارغمه على محاولة تشكيل حكومة ائتلافية مع المعارضة.
الا ان مشاورات رئيس الحكومة زعيم حزب "العدالة والتنمية" احمد داود اوغلو مع حزب الشعب الجمهوري المعارض باءت بالفشل، لتضاف الازمة السياسية الى وضع امني خطير يتمثل في عودة اعمال العنف بين القوات الامنية وحزب العمال الكردستاني. وبعد فشل مشاورات داود اوغلو قبل انتهاء مهلة تشكيل الحكومة في 23 اب/اغسطس، كان على اردوغان ان يطلب من زعيم ثاني حزب في البرلمان اي حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار اوغلو تشكيل الحكومة.
ومجددا تخطى اردوغان العرف المعمول به وينص عليه الدستور، مبررا ذلك برفض كيليتشدار اوغلو دخول القصر الرئاسي المثير للجدل في احد ضواحي انقرة. وتساءل اردوغان "لماذا ادعو شخصا لا يعرف الطريق الى بيشتبي؟"، في اشارة الى المنطقة حيث القصر الرئاسي. واتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري اردوغان بمحاولة تدبير "انقلاب مدني" نظرا لسعيه تنظيم انتخابات مبكرة بعد فشل مشاورات تشكيل حكومة ائتلافية.
وقال كيليتشدار اوغلو "ليس هناك قانون في تركيا اليوم، الديموقراطية معلقة حاليا والدستور لا يعمل به". واضاف خلال لقاء نقله التلفزيون مع نواب حزبه في انقرة "نحن نواجه انقلابا مدنيا"، ما يعيد الى الذاكرة تاريخ تركيا الذي شهد ثلاثة انقلابات عسكرية في الاعوام 1960 و1971 و1980. ويرى محللون ان قرار اردوغان الدعوة الى انتخابات مبكرة يعتبر مجازفة نظرا الى الاجواء السياسية السيئة والارتباك لدى الرأي العام منذ عدة اسابيع، فضلا عن تأثيرات الازمة على الاقتصاد.
وقال الصحافي سيركان ديميرتاش ان "اللعبة مجازفة كبيرة، اذا فشل حزب العدالة والتنمية للمرة الثانية في ضمان الغالبية المطلقة، قد نشهد تراجعا للحزب". اما اردوغان فيطمح ان يخرج منتصرا من هذا الاستحقاق عبر استعادة الغالبية البرلمانية وذلك في وقت يوقع فيه المتمردون الاكراد بشكل يومي خسائر في صفوف القوات الامنية من جيش وشرطة. وتظهر استطلاعات الرأي الاخيرة تقدما لحزب العدالة والتنمية بحصوله على 43 في المئة من نوايا التصويت مقابل 41 في المئة في انتخابات حزيران/يونيو، ومن شأن ذلك ان يضمن له الغالبية التي يريدها.
وبحسب الدستور، فان الحكومة الانتقالية يجب ان تضم كافة الاحزاب الممثلة في البرلمان، وفي حال تشكيلها ستكون الاولى منذ العام 1971. الا ان حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المعارضين رفضا المشاركة في الحكومة، ولا يبقى بالنتيجة سوى حزب الشعب الديموقراطي المؤيد للاكراد. وبحصوله على 13 في المئة من انتخابات حزيران/يونيو انهى حزب الشعب الديموقراطي هيمنة الاسلاميين المحافظين ووضع حدا لمسعى اردوغان بتحويل النظام البرلماني التركي الى رئاسي.
وتهاجم السلطات حزب الشعب الديموقراطي متهمة اياه بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، الا ان رئيسه صلاح الدين ديمرتاش دعا مرة اخرى المتمردين الاكراد الى وقف اعمال العنف "دون شروط". لكن جميل بايك، القيادي في حزب العمال الكردستاني الذي يأخذ من جبال شمال العراق مقرا له، فاكد قائلا "طالما ان القضية الكردية لم تحل (...) لا يمكن لاي احد ان يجبرنا على وضع سلاحنا جانبا".بحسب فرانس برس.
وتشن تركيا منذ 24 تموز/يوليو حملة عسكرية ضد المتمردين الاكراد بعد هجوم انتحاري في 20 تموز/يوليو نسب الى تنظيم داعش في مدينة سوروتش اسفر عن مقتل 33 ناشطا مؤيدا للاكراد، في اكثر الهجمات دموية في تركيا منذ سنوات. واثار الهجوم رد فعل من حزب العمال الكردستاني ضد السلطات لتنتهي بذلك هدنة بين انقرة والمتمردين الاكراد بدات العام 2013.
اختيار الاستقرار
في السياق ذاته دعا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الناخبين الى اختيار "الاستقرار" عبر التصويت لحزبه العدالة والتنمية الاسلامي المحافظ في الانتخابات المبكرة وقال اردوغان ان "انتخابات الاول من تشرين الثاني/نوفمبر بمثابة اقتراع يختار خلاله الناخبون بين الاستقرار وعدم الاستقرار". واعتبر في كلمة في قصره الرئاسي ان "الانتخابات تعتبر حاسمة من اجل مستقبل البلاد".
واضاف اردوغان ان "البرلمان فشل في حل هذه المسألة، ويعود الامر الآن الى الشعب لاتخاذ القرار"، ودان رفض المعارضة في البرلمان التحالف مع حزبه "العدالة والتنمية" لتشكيل الحكومة. ونفى اردوغان اي نية للتفرد بالحكم، بحسب ما تتهمه المعارضة، وقال"ارفض كل الاتهامات التي تلاحقني شخصيا (...) تنظيم الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية ضرورة دستورية". وبحسب الدستور، فانه يجب تشكيل حكومة تصريف اعمال تقود البلاد حتى اجراء انتخابات على ان تضم كافة الاحزاب الممثلة في البرلمان، وفي حال تشكيلها ستكون الاولى منذ العام 1971.
وتابع اردوغان ان "صلاحيات الرئيس يحددها الدستور وانا ابقى في اطار هذه الامتيازات". وكلف اردوغان رئيس وزرائه داود اوغلو تشكيل حكومة تصريف اعمال قبل الانتخابات المبكرة. الا ان حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المعارضين رفضا المشاركة في الحكومة، ولا يبقى بالنتيجة سوى حزب الشعب الديموقراطي المؤيد للاكراد وبعض الشخصيات المستقلة.
وأدت حالة الاضطراب في ظل الحرب التي تخوضها تركيا عضو حلف شمال الأطلسي ضد مقاتلي تنظيم داعش على حدودها والمتمردين الأكراد في الداخل إلى هبوط الليرة التركية إلى مستويات قياسية متدنية وساهمت في تراجع ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها في ست سنوات.
وتتوقف آمال إردوغان في تعديل الدستور لإنشاء نظام رئاسي على غرار الولايات المتحدة أو فرنسا على حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية في البرلمان. وسرى اعتقاد بأن إجراء انتخابات جديدة في وجود إدارة على رأسها حزب العدالة والتنمية هو النتيجة التي كان يريدها الرئيس. وبموجب الدستور يجب أن تكون كافة الأحزاب ممثلة في أي "حكومة انتخابات" مؤقتة تبعا للمقاعد التي تشغلها بالبرلمان. لكن تركيا في موقف غريب عليها إذ لم يسبق أن اقتضت الضرورة القيام بترتيبات على هذا النحو. بحسب فرانس برس.
ويخشى المستثمرون الأجانب وأعداد متزايدة من الأتراك أن يؤدي هذا إلى أن تخسر تركيا وقتا تحتاجه للمضي في إصلاحات ضرورية لاقتصادها البالغ حجمه 870 مليار دولار وأن تسفر الانتخابات القادمة عن نفس النتيجة تقريبا وبالتالي جولة أخرى من المفاوضات الصعبة لتشكيل ائتلاف. وقد يواجه المواطنون مزيدا من المصاعب الاقتصادية في ظل اقتراب الليرة من مستوى قياسي منخفض يبلغ ثلاثة ليرات للدولار.
اضف تعليق